أهـم الأحداث فــــــــــــــي الصحف السودانية

Quote: اسحاق شداد المحامي يكتب عن: محمد يوسف محمد - المحامي الأستاذ والرمز والقدوة اسحاق شداد المحامي تخرج الاستاذ محمد يوسف محمد ، في جامعة الخرطوم (كلية الخرطوم الجامعية) سنة 1955م والتحق بالهيئة القضائية، ونقل للعمل بالابيض كقاضٍ بمديرية كردفان (كردفان الكبرى آنذاك) ، وعمل وتزامن لفترة قصيرة مع صديقه وزميله في التخرج مولانا خلف الله الرشيد، رئيس القضاء السابق بالابيض، وفيها استقال من الهيئة القضائية وافتتح مكتباً للمحاماة بالأبيض، وكان مكتب المحاماة الثاني بعد مكتب الاستاذ حاج الطاهر المحامي اليساري المعروف آنذاك، كان الاستاذ محمد يوسف وبحكم عمله ونشاطه في العمل العام منذ مدرسة حنتوب الثانوية وكلية الخرطوم الجامعية من المؤسسين الأوائل للتيار الاسلامي في المجال الطلابي ، وواصل عمله هذا في مدينة الابيض التي كانت إحدى المدن الكبرى آنذاك ومصدراً أساسياً للعمل السياسي والفكري . وعمل بالتعاون مع صديقه المرحوم الدكتور المبارك الفاضل شداد ، الذي كان رئيساً لمجلس بلدية الابيض لدورات عدة في مجال الخدمات والعمل العام. وفي الخرطوم وفي نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات كان هنالك مكتبان اساسيان للمحاماة يقعان في عمارة واحدة هي عمارة (اولاد مراد سابقاً) (عمارة كمال حمزة حالياً) في السوق الافرنجي، والتي تقع في ميدان المحطة الوسطى سابقاً، والذي كان يعج بالحركة حتى بعد منتصف الليل، وبها مكتب الاستاذ أحمد متولي العتباني أول خريج في أول دفعة في كلية الحقوق بكلية غردون التذكارية آنذاك في سنة 1940م، وأول من شغل منصب المستشار القانوني لمجلس الوزراء آنذاك بدرجة نائب رئيس مجلس الوزراء.. وفي الناحية الأخرى كان مكتب زميله في نفس الدفعة وصديقه محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان السابق. كان هذان المكتبين يحتكران أغلب العمل القانوني آنذاك وفيهما عمل وتخرج فطاحلة القانونيين والسياسيين الأوائل، الرشيد الطاهر بكر، ودفع الله الحاج يوسف وعبد الوهاب بوب والمرحوم عبد الرحمن يوسف وغيرهم. كان أستاذنا الكبير، أحمد متولي العتباني عليه رحمة الله وبحكم ارتباطه بكبريات الشركات الانجليزية يقضي أغلب اوقاته بانجلترا وكان بحاجة الى شريك مؤتمن لادارة أعمال مكتبه العامر. وفي سنة 1963م وبناء على ترشيح من مولانا بابكر عوض الله (خال زوجة الأستاذ محمد ) التحق الاستاذ محمد يوسف محمد بمكتب الاستاذ أحمد متولي العتباني كشريك ومدير للمكتب. وفي سنة 1965م وبعد تخرجي في كلية الحقوق بجامعة الخرطوم، واستقالتي من ديوان النائب العام لرغبتي في العمل الخاص رغبة في الاستمرار في العمل العام الذي كنت مواصلاً له من الجامعة. وعن طريق ابن عمي الأكبر الدكتور المبارك الفاضل شداد، رئيس الجمعية التأسيسية آنذاك وصديق الأستاذ محمد يوسف التحقت في مايو سنة 1965م بمكتب الأستاذ أحمد متولي العتباني ومحمد يوسف محمد المحاميين. مكتب الأستاذين المحاميين أحمد متولي العتباني ومحمد يوسف محمد كان يستأثر تقريباً بالجزء الأكبر من العمل القانوني في البلاد آنذاك وبالذات العمل المدني والتجاري والشركات وأسماء الأعمال. وكان المكتب مستشاراً قانونياً ومحامياً لاغلب الشركات والبنوك الكبرى، بنك النيلين (بنك الكريدي ليونه سابقاً) والبنك العربي وشركة بورتلاند للاسمنت عطبرة وشركة شل، وشركة شل - بي بي - بورتوسودان وشركة توتال وشركة السجائر الوطنية وشركة أمبرجيلو (الشركة التي تولت انشاء خزان الروصيرص) وشركة ترف الانجليزية (وهي التي تولت في البداية انشاء قرى الاسكان في خشم القربة) وشركة أسكندر جيب وشركة بيع المصنوعات المصرية والشركات الروسية وشركة الصمغ العربي، واخيراً بنك فيصل الاسلامي، وشركة الدمازين الزراعية، وغيرهما الكثير مما لا تسعفني الذاكرة الآن بتذكرهم . كما أن المكتب كان وكيلاً لاغلب الشركات الانجليزية وغيرها لتسجيل علاماتها التجارية وأسماء الأعمال، وكان يتعاون مع أغلب مكاتب المحاماة الاستشارية في انجلترا وغيرها، وكنا نعمل كخلية نحل على فترتين في اليوم تمتد من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة ومن ثم من السادسة مساء وحتى التاسعة مساء، واحياناً حتى العاشرة ما عدا يومي الجمعة ومساء الاحد. عملت في أول الامر متدرباً في المكتب وعندما نلت اجازة المحاماة في نهاية سنة 1965م أصر الأستاذان الكبيران أحمد متولي العتباني ومحمد يوسف محمد ، على استمراري في العمل معهما بالمكتب وفعلاً عملت معهما كفترة في المكتب. ونسبة لأن الأستاذ أحمد متولي العتباني كان أغلب الاوقات في انجلترا كما ذكرت، والأستاذ محمد يوسف كان قد دخل البرلمان في سنة 1965م كنائب لدوائر الخريجين تم الاتفاق على ان استمر في العمل في المكتب كمحامٍ مشارك ومسئول عن العمل في المحاكم بنسبة معينة ومسئول عن العمل في المكتب مساعداً للأستاذ محمد مع السماح لي بتولي أعمالي الخاصة والاستفادة من امكانيات المكتب، وظللت على ذلك سبع سنوات كاملة حتى سنة 1972م وبناء على اصراري انه حان الأوان لافتتح مكتباً مستقلاً، أصر الاستاذ محمد أن أكون بجانبه ووجد لي مكتباً في نفس العمارة لصيقاً بمكتبه على أن يكون التعاون والصلة مستمرين بيننا. وفي نفس الوقت وبعد استقالة مولانا علي عثمان محمد طه من العمل في الهيئة القضائية، ولقد كان مولانا علي قد عمل اساساً لفترة في مكتب مولنا محمد قبل التحاقه بالهيئة القضائية. قام الاستاذ محمد بنفس الاجراء بالنسبة لمولانا علي، واصبحت مكاتبنا الثلاثة، مكتب الأستاذ محمد الأم والأصل بعد وفاة المرحوم أحمد متولي العتباني، ومكتب الاستاذ مولانا علي وشخصي لمدة خمس سنوات تقريباً مكاتب متلاصقة ومتلاحمة، وأخوان متحابين وتلاميذ أوفياء لاستاذنا محمد، نلتقى صباح ومساء وفي أثناء النهار في صفاء ومودة. وظللت معه حتى شراء العمارة وهدمها فيما بعد في بداية التسعينيات، أي ما يزيد عن ربع قرن من الزمان. عندما اقبلت لمقابلة الاستاذ محمد يوسف لأول مرة بناء على توجيه صديقه الدكتور المبارك شداد، كنت متردداً بعض الشئ، فالاستاذ محمد كما أعرفه هو من مؤسسي حركة الاخوان المسلمين والتيار الاسلامي، وأنا في ذلك الوقت كنت يسارياً اشتراكياً عربياً ومن قادة التيار العربي الاشتراكي، ولم تكن العلاقات آنذاك بين التيارين على ما يرام رغم أن في جامعة الخرطوم وفي العمل المشترك في اتحاد جامعة الخرطوم وفي فترة الرئيس المرحوم ابراهيم عبود، كانت العلاقات ودية وعلى ما يرام بين الفرقاء السياسيين وأنا أحدهم من إخوان وشيوعيين وغيرهم رغم الاختلاف الفكري، ولكن يجمع بينهم العمل السياسي المشترك. كما ذكرت إنني كنت متحسباً بعض الشيء، ولكنني ولحسن الحظ فوجئت بانسان يختلف تماماً عن ما تخيلته ، انسان واسع الصدر والأفق، طلق المحيا، قابلني ببشاشة وترحاب أصيل من اليوم الاول، واشعرني ومنذ اللحظة الاولى إنني اخوه الاصغر ومذ ذلك اليوم العاشر من مايو سنة 1965م شعرت بأنني قد نمت بيننا مودة صافية وتعاون خلاق واحترام عميق عركته التجارب والأحداث التي مرت علينا جميعاً. وأصبحت بحق تلميذه المشاكس كما يحلو له ان يناديني والاخ الاصغر المدلل كما يذكر أهله واصدقاؤه . كان الأستاذ محمد هو الذي حملني بعربته في الصباح الباكر للطائرة المصرية لقضاء الشهر الأول مع زوجتي في القاهرة سنة 1972م ثم لحق بنا فيما بعد هو وزوجته، وكان هو الذي تولى تسمية ابنتي الكبرى (سحر ) ، وهو الذي أصر على زوجتي للتمرين معه في المكتب. وهو الذي قد حضر الى منزلي في المعمورة ومكث معي الى آخر الليل قبل سنين عدة عندما كنت ذاهباً للعلاج في الاردن أخيراً. كان اخي الكبير بحق ومستشاري وسندي وشيخي كما يحلو لي أن اسميه، وبفقده فقدت الاخ والصديق والسند، وانني لا اذكر انني قابلته في مكتبه قبل سفره الأخير بمدة قليلة وما كنت أدرك انها المقابلة الاخيرة في هذه الدنيا الفانية، وكان يسألني كالعادة رغم مرضه عن عائلتي وأحوالي ، وتطرقنا الى موضوع عام يخصني وكان له فيه ضلع، وعندما طلبت منه ان ينسى الموضوع لمرضه ذكر لي انه لا شئ يحول بينه وبين العمل لما هو في مصلحتي ، رحم الله الفقيد رحمة واسعة و(إنا لله وإنا إليه راجعون). مرت علينا في فترة العمل مع استاذي التي استمرت لحوالي الربع قرن من الزمان احداث عدة. في أول انقلاب مايو، كانت علاقات الاستاذ نسبياً حسنة مع السلطة في أول عهدها وذلك لصلته بمولانا بابكر عوض الله ولقد استغل هذه الصلة في حماية زملائه واصدقائه في الاتجاه الاسلامي الذين كانوا محاربين في ذلك الوقت في متابعة قضايا المعتقلين منهم في السجن او الأمن وتفقد أحوال اسرهم واحوالهم المالية، وكنت سنده ومساعده في ذلك، وبعد ذلك وعندما دارت الايام واصبح هو ومكتبه مطارداً كنت مع عمه الحسين أمد الله في عمره وزوجته السيدة فائزة بابكر نتولى الاتصال به وزيارته ومتابعة شئونه في سجن كوبر الى حين اطلاق سراحه، وكانت رسائله تتوالى لي وهو في السجن، لتوفير الدفاع لاخوانه الذين يقدمون للمحاكمة وغيرهم. وعندما تحسنت احواله مع السلطة بعد المصالحة الوطنية. واصبحت أنا مطارداً ومسجوناً في سجن كوبر كان هو أول من يتفقد أحوالي وأحوال اسرتي ويسعى الى اطلاق سراحي، حتى اعتقالي واطلاق سراحي الاخير في بداية عهد الانقاذ، لقد كنا دائماً حلقة واحدة نتفق على الاصول ونختلف على الفروع ويفهم كل منا الآخر فهماً عميقاً، لقد كنا بحق أخوين متحابين. لقد مر وتدرب في مكتب الأستاذ محمد طوال هذه الفترة تقريباً كل كوادر الحركة الاسلامية من القانونيين وأولهم الشيخ الاستاذ علي عثمان محمد طه الذي يجمعه مع الاستاذ سعة الصدر والافق واحترام الرأي الآخر. ومعرفة اقدار الرجال والوفاء الاصيل الذي نرجو من الله لمولانا علي ان يمتعه بالصحة والعافية وكريم العطاء، فهو خير خلف لخير سلف. والأساتذة الاعزاء، الدكتور عبد الرحمن ابراهيم الخليفة، وفتحي خليل وهاشم الجعلي وأمين بناني وغيرهم من الكوكبة الغراء أبناء وتلاميذ مدرسة الاستاذ محمد يوسف محمد متعهم الله بالصحة والعافية وسهل لهم سبل العطاء والتواصل . لم يفرق مكتب الاستاذ محمد في التدريب والعمل والمشاركة بين اسلاميين وغير الاسلاميين، بل كان جامعة تضم الجميع، فالأستاذ يحيى الحسين، وهو أحد زعماء حزب البعث السوداني ونائب برلماني سابق هو من أبرز رموز هذه الجامعة، وكذلك الأستاذ الكبير معتصم علي التوم والأستاذ الكبير زهير أبو شرف والاستاذ يوسف بابكر أحمد اليساري المعروف وغيرهم . كما أن خريجي جامعة الاستاذ محمد يوسف شغلوا أعلى المناصب والقيادات في العمل العام، كمولانا رانفي محمد ابراهيم قاضي المحكمة العليا السابق والاستاذة مني محمد علي بمكتب النائب العام، ومولانا حاج آدم هيئة المظالم والحسبة ومولانا عبد الرحمن ابراهيم الخليفة، المدعي العام السابق ونقيب المحامين الحالي، والأستاذ فتحي خليل، نقيب المحامين السابق ولدورات عدة ووالي الشمالية الحالي، ومولانا أمين بناني وزير الدولة بوزارة العدل السابق ومولانا المرحوم حافظ الشيخ الزاكي رئيس القضاء السابق، والسفير ابراهيم ميرغني وغيرهم الكثير لا تسعفني بهم الذاكرة الآن. كما أن مكتب الأستاذ كان مجالاً رحباً لتدريب وتخريج الكثير من المحاميات الشابات أذكر منهن على سبيل المثال، الاساتذات مريم عثمان جسور ونوال أحمد الصادق وسعاد الطاهر أحمد وايمان عتباني وناهد أحمد عبده واخيراً وليس آخراً الاستاذة تماضر عبد اللطيف علي وكثيرات غيرهن. كما كان لمكتب الاستاذين أحمد متولى العتباني ومحمد يوسف محمد مكتبة قانونية رحبة تشغل غرفة كبيرة ومستقلة، وتضم السوابق والمراجع الانجليزية والهندية والمصرية والسودانية وكتب الفقه الاسلامي والاشتراك في الدوريات والمجلات المتخصصة انشأها الاستاذ أحمد متولي العتباني وتولاها بالرعاية والتطوير الأستاذ محمد يوسف من بعده وكانا يحضران المختصين في شئون المكتبات لترتيبها وتنظيمها وكانت مفتوحة ومتاحة لجميع القانونيين، نرجو الاهتمام بها وتحويلها الى القاعة المقترح انشاؤها باسم الأستاذ محمد يوسف محمد في كلية الحقوق بجامعة الخرطوم. كما كان الأخ والعم أحمد عثمان مساعد الخدمات المؤتمن للاستاذ محمد ومن قبله المرحوم أحمد متولي لأكثر من نصف قرن من الزمان، وكان العم حسن بكري ومن بعده الأخ هاشم أحمد عبدالله هم من يتولون الشئون الادارية والكتابية في المكتب. ومن قبلهم كان العم الكبير عبد الرازق العتباني أحد أكابر الخريجين، هو المدير الاداري للمكتب. كما أن الأستاذ محمد يوسف كان محترماً ومقدراً ومحبوباً من جميع زملائه المحامين حتى الذين يختلفون معه في الرأي، وانني لا أذكر انه في جميع دورات نقابة المحامين والتي كان يسيطر عليها التجمع المخالف سياسياً ونقابياً للاستاذ محمد قبل الانقاذ ولقد كنت من ضمنهم ومن قادتهم ان الاستاذ محمد هو المرشح الاول والعنصر الدائم باجماع الجميع لاهم لجنة من لجان نقابة المحامين وهي لجنة صندوق الضمان الاجتماعي التي تشرف على أهم منشط من مناشط احوال المحامين المعاشية وعلى المعاشيين من المحامين الذين اضطروا لترك المهنة للوفاة او العجز او التقاعد. لقد كان الاستاذ محمد من المؤتمنين الاساسيين على المال العام وبأختيار الجميع. كما ان الاستاذ كان من محامي السلام والوئام وهو الوسيط الذي تقبل وساطته عند احتدام الخلاف وتفجر المشاكل والخلافات كما حدث في بداية عهد الانقاذ في حادثة دار المحامين المشهورة والتي حسمت بتكوين لجنة من جميع الأطراف وبأشراف مجلس اتحاد المحامين لتسوية الخلاف. واتفق الجميع وبترشيح من الاستاذ الكبير المرحوم محمود حاج الشيخ، المحامي الرمز والذي كان أحمد ممثلي الجناح الآخر ولقد كنت أحدهم، على ترشيح الاستاذ محمد لقيادة اللجنة ولقد وافق الجميع على ذلك بالاجماع ومنهم من كان من المعارضين العتاة للنظام آنذاك، وقاد الاستاذ بحكمته اللجنة قيادة سليمة وسلسة حتى تمكنت اللجنة من وضع قواعد التزم الجميع بها لحسم الخلاف. وقدمت مقترحات عدة لتطوير وتعديل قانون المحاماة وافق عليها الجميع. بل إن الاستاذ وكعادته دائماً كان البلسم الشافي لتسوية الخلاف المؤسف الذي نشب بيني وآخرين ومجلس اتحاد المحامين حول بيان غير دقيق نسب لي عن علاقة اتحاد المحامين باتحاد المحامين العرب آنذاك. فتدخل الاستاذ كعادته في كل أمر يهمني ويهم أخوتي في اتحاد المحامين وحسمه بالحكمة واللباقة. وبما يحفظ كرامة الجميع ويوثق صلاتهم. لم يكن مكتب الاستاذ أحمد متولي العتباني ومحمد يوسف محمد، مكتب محاماة عادي يهتم بالعمل القانوني فقط، بل كان هو الذي أوجد ووضع الاطار الاقتصادي والقانوني للعديد من الانشطة الاقتصادية والقانونية والشركات الكبرى في البلاد العامة والخاصة. وانني لاذكر ان اول عمل قمت به عند التحاقي بالمكتب في مايو سنة 5691م انني قمت بترجمة قانون شركة السجائر الوطنية من الانجليزي الى العربي، وهي الشركة الرائدة لعقود عدة في صناعة وتطوير وتسويق السجائر والتبغ في السودان ،وهي إحدى الشركات التي كان المرحوم الأستاذ أحمد متولي العتباني مؤسساً أساسياً فيها بل كان مكتب الاستاذ محمد هو المكتب الذي أسس وتولى صياغة شركة الصمغ العربي في السودان وكان الاستاذ هو مؤسسها القانوني ومحاميها واحد اعضاء مجلس الادارة. كما انه كان الرائد في مجال تأسيس شركات التأمين، كشركة التأمين واعادة التأمين وشركة التأمين الاسلامية التي كان الأستاذ رئيساً لمجلس ادارتها . كما أن الأستاذ محمد وكنت مساعده الأول في ذلك الحين هو اول من تعامل قانونياً مع الأمير محمد الفيصل آل سعود وانشأ وطور فكرة البنوك الاسلامية وانشأ شركة الدمازين الزراعية ثم بنك فيصل الاسلامي وبنك التضامن الاسلامي، لم يكن مكتب الاستاذ في ذلك الوقت مجرد مكتب محاماة بل الخلية والقاعدة الاساسية في العمل كله والمشاركين الاساسيين فيه. واترك التفصيل في ذلك للكوكبة المميزة التي ساعدته في ذلك. لقد كان مكتب الاستاذ محمد هو المنتدى اليومي الذي يجمع شيوخ الجبهة الاسلامية وشبابها، كان هنالك المرحوم موسى حسين ضرار، وعبدالله حسن أحمد ويسن عمر الإمام وعبدالرحيم حمدي وربيع حسن أحمد موجودين بصفة شبه يومية واحياناً الدكتور الترابي وغيرهم ، وبالطبع مولانا الشيخ علي عثمان محمد طه الذي كان أحد الاركان الاساسية في المكتب . وكنت اقتحم عليهم ندوتهم بدون استئذان ويقابلون ذلك بالبشاشة والترحاب، ونتفاكر ونتجادل في جميع صنوف العمل العام ومفاهيم العمل السياسية، وكانوا يعتبرونني واحداً منهم رغم الاختلاف السياسي والفكري. بل كان مكتب الاستاذ محمد مفتوحاً لجميع الفرق والأحزاب السياسية آنذاك وقد كان قادتهم يزورونه باستمرار ومعهم رموز المجتمع المدني والنقابي للتشاور والتفاكر والمساعدة القانونية اذا دعا الحال لذلك. كانت هنالك أخوة ومودة وتفاكر في العمل العام وهي إحدى السمات الاساسية لمدرسة الاستاذ محمد الذي يجمع ولا يفرق، لقد ظلت صلتي اللصيقة بالاستاذ محمد مستمرة الى حين رحيله الى الرفيق الاعلى ولم تنقطع بنهاية عمارة اولاد مراد، بل كنت ازوره في البيت والمكتب ويتصل بي تلفونياً وبالرسائل لتفقد الأحوال. وكان متابعاً لكل ما يخصني في العمل الخاص والعام وشئون أسرتي الصغيرة ولقد كانت هنالك حتى حين وفاته محاورات ومناقشات عميقة ومتعددة معه ومع الإخوة، الشيخ علي عثمان محمد طه والدكتور عبدالرحمن ابراهيم الخليفة وغيرهم، وبالذات بعد اتفاقية نيفاشا الأخيرة لتوثيق العلاقات والعمل لدعم وحدة السودان ووجوده كجسر تواصل وقلعة صلبة للهوية الاسلامية العربية الافريقية ذات الصفات المميزة. لقد كنت متابعاً الأستاذ في مرضه الأخير في بريطانيا ولقد آلمني كثيراً انني كنت مسافراً خارج البلاد حين وصول خبر وفاته وجثمانه وتشييعه الى مثواه الأخير ولم أسمع بذلك إلاَّ في المطار عند عودتي. ولذلك فاتتني المشاركة في وداعه الأخير. ولكن تلك ارادة الله ولا راد لقضائه. لقد ارتبطت حياتي القانونية والشخصية والسياسية بالاستاذ محمد طوال نصف قرن من الزمان، ولا أظن انه بقى إلاَّ القليل، كان طوال هذه الفترة هو الأستاذ والرمز والقدوة، رحمه الله رحمة واسعة واثابه لما قدم لأمته الاسلامية والعربية والسودانية من خير وبركة، وجعل الله البركة في أسرته الصغيرة والكبيرة واخوانه واصدقائه وتلاميذه ومعارفه و(انا لله وإنا اليه لراجعون). http://www.rayaam.info/News_view.aspx?pid=706&id=55453

(عدل بواسطة ASHRAF MUSTAFA on 08-10-2010, 03:43 PM)