الذكري الثانيه لفقيد السودان د\جون قرنق -ولايه ايوا- بحضور المناضل عرمان-صور

Quote: خطاب الكموندان شين ، والكمين الاخير في ذكرى رحيل الكلونيل جون دي مابيرو الثانية الخطاب الاخير توصل كل من ليوتنانت اليوغندي اوكيلوا ، والسيرجانت السوداني المرضي على فصيلة الاستطلاع المتوغلة داخل الاراضي الاوغندية على قرار بالعودة . كان الغبار واصوات المدفعية هي وحدها ما تظهر قبالة الشمال حيث الغابات الخضراء المتراكمة تبدو من فوق التلال. لا شيئ ، ولا خبر . وفي الطريق عائدة من داخل الاراضي اليوغندية عبر زائير تضطر تقاتل هذه قوة في كل الجهات اعداء متفرقين .احد أكثر الأشياء بساطة في الغابات أن يقتل الإنسان إنسان آخر . ثلاثة مئة ألف تقريبا من السكان المحلين ، واللاجئين الزائروس ، والمتمردين اليوغنديز . والمليشيات المتعاونة يتحولون إلى نازحين فارين من المثلث المشتعل بلهيب الحرب على طول (الردمية) من موربوا الى مدينة ياي. انهم يتبعون الجيش في رحلة تهجير لم تشاهد لها مثيل في العالم المعاصر إلا في رواندا قبل ثلاثة اعوام اي عام 1994 ف. تعيد تمثيل هجرة مليون شخص من شعب الهوتو الهاربين من جحيم كيقالي إلى حدود دولة الكنغوا . ظل القسف المدفعي الكثيف يتواصل حتى صباح 12 مارس. يطلب الكموندان صالح شين نجدة من جوبا . لا ترد جوبا لثماني وأربعين ساعة من بداية الاستغاثة . تحوم طائرات من طراز الانتنوف روسية الصنع ، تقسف هي بدورها اهداف مجهولة حول الجيش المنسحب ، لا يتمكن من احداث تواصل بشكل جيد مع سلاح الاشارة التابعة لشين . تصيب قانبل الانتنوف جيشها احيانا . يوصف الانتنوف بانه اشبه بالجمل الاعمى بلا بصر .في كثير من الاحيان لا يفرق بين العدو والصديق في بيئات التشابك كهذه . توجه المدافع الرشاشة التابعة للمتمردين نيارانها صوب الانتوف في محاولات فاشلة , رشاشات مضادة للطائرت من طراز رباعي المحمول على شاحنات كبيرة (الاينموك) وطراز زو ثنائي عيار 36 ملمتر ذو الفواهتين الدقيقة. شاحناتها موزعة بشكل غير محدد وسط الغابة يمين ويسار الطريق. على طوال اليومين الماضيين كانت هناك راجمة ام اربعين من جهة الشرق تواصل قسف (الردمية) ، وهذا القسف مؤثر جدا اذ يصيب المدنين والجيش ،تستهدف الشاحنات والمدرعات ايضا ، مما صار من الخطر الركوبة في شاحنة على الطريق يتساقط القتلى .ويستثنى من مات على طرف الطريق وبدا يتوزع اشلاء على الردمية ، كما ان مسالة الاسعاف كانت صعبة اذ الجرحى يمرون بمراحل عسيرة . قذائف مدفعية المتمردين من طراز هاون 120 ملم تحمل رسائل موقع عليها اسم جنرال يسمى واني (حظا سعيدا). الموتى يتساقطون والجراح مثخن. الجيش يتخبط يقاتل عدو مجهول لا يرى بعض كمائن صغيرة تقابل جناحي المسيرة . يطلب شين النجدة من جوبا مرة أخرى. يكرر الطلبات ، يصل اتصال عبر اللاسلك الى ريدو قسم الاشارة من الطائرة ربما او من المتمردين ، يقول ان جوبا تقول لك (واصلوا التراجع.. واصلوا المسيرة إلى ياي ، حاولوا الوصول بقدر الامكان .. في ياي يمكن انقاذكم ) ، كان ذلك نهار ذلك اليوم الحار . لم يفسر الاتصال سبب تواصل قشسف المتمردين من جهة الامان ، لم يقل شيئ عن تواصل اطلاق النار من جهة الامان شمالا . وكان ذلك اخر اتصال . اصيل 12 مارس 97 والشمس هاربة ان تشهد مشهد رسم الاشياء تاكد لدى الكموندان شين انه آخر القادة الأحياء في هذه المتاهة اللانهائية .بعقليته العسكرية تواصل الى انه يواجه خطر عظيم ، وان الطريق الى ياي محفوف بالمخاطر الجليلة. ادرك من كثافة النيران ان العدو قوي ، وان جيشه منهك . تصور كيف يمكن ان تنهار معنويات جنوده ان علموا حقيقة ما يمرون به ، او تصوروا مصيرهم . كان لديه نية كيف يمكن الخروج بهم احياء . تملكته فكرة اكتساح كمائن الاعداء الى ياي . لذالك تعمد القاء خطابا مقتضبا قصيرا امام جنوده مجهولي المصير في عصر ذلك اليوم ، لكنه كان خطابا مثيرا للحماس . ( ايها الرجال ممرنا من هنا في صيف العبو عام 92 ، فتحنا هذا الطريق الى كايا بعزيمة الرجال وصمود الصناديد الابطال . نريد اليوم ان نفتح هذا الطريق مرة اخرى الى ياي بعزيمة الرجال وصمود الابطال ، وسنسحق اي ولد امراة نجده في الطريق اننا اقوى منهم )، لكنه اضاف (لا طريق امامنا سوى وصول ياي ، هو طريق واحد في هذه الغابة، علينا ان نتحد ونقاتل الى جانب البعض) ، بالرغم من ان الجزء الثاني لخطابه يحمل عنوان واضح عما يواجه الجيش لكن بعض العسكر يجد من بين جوانحه قوة تدفعه لاطلاق صرخة عسكرية تبحث عن الحماس وتبعثها في نفوس الرفقاء الجنود . ليس ثمة شيئ يوازي حب الجنود واهتمامهم ببعضهم البعض الجميع تقاسموا معنويات حامل البروجي الذي عزفه استعداد لبداية حلم الدخول الى ياي. ليت اهل الشمال كلهم يتمكنون من مشاهدة هذا الموقف في هذا المساء ، ليدرك اؤلائك السودانين كيف كانوا يصمدون كيف انهم شجعان بما يكفي لمواجهة خطر الموت الاسؤ في هذه الغابة النائية المجهولة . كيف كانوا مستعدين لملاقات مصيرهم بشرف وشجاعة . طوال اربعين سنة تستخدمهم الشمال لحرب الجنوب . ويواجهون الموت بهذه الشجاعة .ليت رجالا في الخرطوم نعدهم من الاخيار يحسون ان هناك عوائل في الغرب السودان قلوبهم تتفتر لو يرون منظر ابنائهم . في ماساة تقتل فيها الشمال الجلابي اؤلائك البسطاء في الجنوب بسطاء اخريين . على اجسادهم بقايا اقمش رثة انها زي عسكري ، وعلى ارجلهم بقايا نعل ، جياع ويفتقرون الى طعام اي يكن نوعه او لونه ليسكتون صرخات امعاء خاوية . ترى في اعينهم المجهول وزرقة النهاية . رجال عما قليل سيكونون ضيوف لعالم ما وراء الطبيعة. يدافعون عن امة خرطومية فاحشة الغنى متخمة بالاكل والشرب ، تسكن فلل وقصور فاره، ويلبسون افضل الثياب ويمتطعون افضل المراكب .هم مثل ابناءهم في الجامعات من يجدون فرصة لكيل الشتائم واللعنات كجزء من ادبيات الحكم في جمهورية الخرطوم الراسمالية . كان الكموندان صالح ادم شين في اول الخمسين من عمره ، اشيب الراس ، اسود اللون غامق ، لا تشير تلك الصفات الافريقية الى ملامح الوسامة بالمعاير الخرطومية . لكنه كصديقي (الشنة) بوادي ابقى راجل - بحسب اسمه يقول انه ما يكون له ان يجمع صفتين في نفسه ، (الخوف والشناة) . غالب عمره قضاها في جنوب البلاد مقاتلا عن جمهوية الخرطوم . دافع عن حكومات لتي كونها فيها الاديان الخرطومية الاربعة منذ اللات والعزة والمناة الثالثة حتى حكم هبل اليوم . يتصف الكموندان شين انه لا يستخدم اي ساتر في حالة الاشتباك ، ولا يكون هادئا اكثر الا حين ملاقاة العدو ، من عادات القرويين في اقليم دارفور يقولون انه من صفات الرجال الشجعان هي الهدؤ في وقت القلق. لم يصب شين باي جرح خلال تاريخه العسكري الحافل بالعمليات الحربية .يجهر الجيش ان الكموندان شين يستخدم (الريتينزات) وهي نوع من التمائم ، تكتب عليها ايات قرانية تعلق على الاطراف ، والزراع و العنق ويربط بالصلب احيانا ، يقال ان مرتديه لا يتعرضون لاطلاق نار ، او لا تصيبهم ، وبعضهم لا تخرق الرصاص اجسامهم ، وانه يعتقدون انها تحميهم من اكثر من ذلك . تعود اتباع مشاة الغربية من ابناء اقليم دارفور تعليق اطنان منها على اعناقهم ويربطون اوساطهم . الطريق إن لم يأتي (الغيار) من الشمال فقد أتى من الجنوب. (عام لنا وعام لهم) .( خمس أعوام كانوا هنا وخمس اعوام كنا هنا ) خمس جنوب ياي. الآن تترك المنطقة للقوة الجديدة لخمس أعوام أخرى. هكذا كانت لغة الجيش المنهك المنسحب تحت القصف والموت ، بل لسان الناطق الساقط رسميا بلسانهم. الطرق مغلقة إلى ياي أمام شين .شين يستفسر من ياي لا من اجهزة ياي كما سابق. الذي حصل ان (ياي) غادرها قائدها البراقدير عبد الرحمن هاربا إلى جوبا في الحادي عشر من مارس. وتسقط بسهولة في يد متمردي الجيش الشعبي .يدخلونها عبر بلدة (لوي) من الغرب في مسيرة ضاجة يكتنفها الفرح والسرور . والملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها ازلة وكذالك يفعلون . وكانت القوات المسلحة في انسحابها العشوائي قد سحبت حوالي عشرون شاحنة من طراز زد واوي ، وكيو واي المعد لحمل الجنود والزخائر والاسلحة الثقيلة ، لكن من المؤسف ان بعض الضباط ممن رافقوا الحملة المتراجعة بدل حمل الزخائر عليها تم شحن اطنان من البن لمل بيعها في مدن الشمال . مدرعات قليلة من طراز تي 55 سيئة الحالة ، وسحب دبابتي صلاح الدين ، واثنين من راجمة طراز كاتيوشا كانت في مربو. ولم يكن القصد من اخذها الصمود امام اي هجوم بل سحبها من باب انها يجب ان لا تقع في يد المتمردين ، لكنها ستكون مستعد لكسح اي كمين يقع فيه الجيش المنسحب . بينما كانت اربعين معسكر صغير والتي تجدها مسافة كل ميلين بالتقريب على طول الطريق ، تترك بكامل زخائرها واسلحتها حين يغادرها الافراد شمالا . حين وصل نبا الانسحاب العشوائي ، كانت مسالة تثير قلق بعض المجاهدين ، فكان الحكمدار احمد عبد الحميد ، يقول انه من الافضل تدميرها. لا يحتاج المترمدون الى اسلحة او زخائر للفترة القادمة . لم يتكمن عبد الحميد ورفاقه من تدميرها . وتتكون في غالبها من رشاشات متعددة الطراز واهمها الكلاشنكوف وهي الاسلحة الرئيسية التي يستخدمها المجاهدين ، وجيم ثلاثة الاسلحة القوات النظامية ، كما تحوى المعسكرات على كميات كبيرة جدا من الزخائر الرشاش ، وزخائر المدافع هاون عيار 82 ، وعيار 120 ، وعيار 60.75 ، . جميعها اسلحة وزخائر ذات صنع ايراني . الكمين الاخير حديث ساخر دار بين احمد ارباب ، و عريس . والاخير هو فتى من صقع الجمل بكردفان الجنوب كان قد فقد شقيقه في هذا الطريق قبل خمس سنوات . رافق جملة من ابناء العضية وسقع الجمل وابناء نيالا الى هذا المتحرك الفداء . يقول له ارباب . ( هنا مقابرنا ) كانما كان يعلم ان شيئ غامض في الانتظار . كانت الساعة حوالي الثانية عشر نهارا ، كان الليل كله قضاه الجيش متحرك في ارتاله ، حيث لا نوم ، ولا راحة ، يتشوقون ان الشمس حين تشرق يكونوا قد بلغوا مدينة ياي حيث الرحة من عنت الرحلة . وتقاربت الساعات وتقترب المسافة لكن اصوات المدفيعة مستمرة في قصفها واصوات الرشاش تكون عالية في كل مرة ، ربما ذلك وحي جعل الامير ارباب الفتى يقول ذلك لرفاقه . على بعد ثلاث أميال جنوب لندن الصغيرة .في إحدى قرى غربي الاستوائية ساحرة المناظر .بين غابات التيك، يكون الكمين الأخير الذي أعده متمردين الجيش الشعبي لتحرير السودان ، وعصابات الجيش الأحمر الشعبي ، هذه نهاية قوة كايا . في ذلك الكمين كان مقدمة الجيش الذي كان صالح شين على ظهر مدرعته عليه قد فضى نهائيا ، وتم قصف السيارات والشاحنات والاسلحة بدقة متناهية مشتعلة في الفضاء . كانت مجزرة لم تحصل الا القليل مثلها في هذه الدنيا، مجزرة لم تفرق بين المدنين والعسكريين ، ولم يخرج من حمام الدم غير الميمنة من قوة الكتيبة 138 شمالية ، قيل انها تراجعت بانتظام الى الخلف ثم دخلت الغاة شرقا , الجيش يقاتل لكن لا امل للحياة ، اذا قاتلت حتى الموت. هناك ترى الموت وهو في أعلى تجلياته . يمناك ويسارك . تشاهده حتى إن لم ترد- كيف هو لا يرحم ضحيته . ويستمتع هو بتعذيبها قبل أن يفرق جمعهما ،الجسد والروح. تتذكر الموت في وقت سابق حين تكون هناك فرصة لمن لم يمت يدفن من مات بجلال ومسئولية.و بالكاد لا تنسى أبدا مواضع دفنهم. و تبقى بالذاكرة تلك المواقف. لكن اليوم لا فرصة لتلك اللحظات ان تتكرر، في هذا الحمام سيبقى من مات بلا دفن ، هذه لحظات من الهول وهو هول فوق التصور. نهاية المعركة في ظهر 13 مارس تتفتت الفرق الثلاث من الجيش النظامي الخرطومي إلى قتيل أو أسير أو مفقود في وسط غابة الخارج منها مولود . والداخل إليها مفقود . يبلغ الأسرى أربعة ألف جندي . بعضهم نصف موتى . والبعض عراة . والكثير لا يرون فرقا بين الأسر وغير الأسر . فكلا الأمر سواء. تتحول فرق كايا التي صمدت خمس سنوات وزحفت بقسوة ، وعاشت في المثلث . وتراجعت في حدود تسع الف . تحولت إلى فلول ينتشرون وسط الغابات . لا يكونون تحت السيطرة .لكن يظلون يقاتلون من اجل الحياة .ويبحثون طرق المؤدية الى جوبا والبعض يبحث عن طريق الى ياي. تم قتل الميجور شين ،رغم تمكنه من دخول ياي و اختراق قلب كمين . او قيل لنا انه قتل بطريقة بشعة في الداخل ، ظل صامدا لكن كان مصيره سيئا خاصة بعد تشتت الجنود . وقتل كذالك الليوتنان احمد بابكر بذات الطريقة ، وصف قتله بانها تمت بطريقة بشعة ايضا ، لا يمكن ترك رجل مثله . كان بابكر قويا. لكن الرويات التي قيلت عنهما فيما بعد تنقصها الدقة ، اذ قليل من شاهد الحدث فيما بعد . يعلن الكلونيل جون ديمابيور بعد يومين حين تتمكن قواته في لانجا على طريق ركن تحريره منطقة غرب الاستوائية في ايام . كان يحتفل الى جانبه وزير الدفاع السابق فتحى احمد علي وجنرالات كان هؤلاء الجنود جنودهم ذات يوم في حرب بعقلية الخرطوم ، عبد الرحمن سعيد ، الهادي ، ابو شرا . ويضيف جون دي مابيور انه يستعد للدخول الى جوبا ، ويتقدم في 19 مارس بالفعل نحو جوبا حيث يكون في انتظاره مئة واربعون شاب ، دون الاربعين من اعمارهم على بعد اربعين ميلا فقط من جوبا ،لتكون ملحمة الميل وتلك قصة اخرى . يحي بعض مقاتلي الجيش النظامي ، وبعض المجاهدين أسرى بين يدي العدو في نهاية اليوم الاول. مختارين بعضهم مثل الكتيبة هجانة وعقارب.بقانون (في الحالين انا ضائع) ،والواقع في الحالين قتال. لا فرق بين هذا وذاك في دنيا ملغومة هكذا . المجاهدون الذين يتمنون لقاء العدو اليوم في حضرتهم . الامير عبد الوهاب امير الفداء ، احمد عبد الحميد الحكمدار العام ، الطبيب خالد ، ابناء صقع الجمل ، والعضية ، وشباب نيالا ينزلون بين يدي متمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان .او (الخوارج) (النجور) (آكلة البليلة) (لابسي الأردية) . انهم الأعداء المتوحشين .مخلوقات من ادمين (يكلون لحوم البشر) ذلك صورتهم المعلقة في ذاكرة من يمر بخرطوميات المدن السودانية شمالا من الغرب او الشرق وهو مشحون على هيئة خروف الى الجنوب . حيث توصل المحرقة المقدسة. انتظرونا غدا