|
Re: النبى الانسان المؤلف: نور الدين أبو لحية .. عرفان و وجد لا جدال (Re: mwahib idriss)
|
2 ـ الصحبة قال الشاب: عرفت الركن الأول من أركان العرفان.. وهو تجلي الحقائق في البصائر، كتجلي المبصرات للأبصار.. فما الصحبة؟ قال جعفر: لا يمكنك أن تصاحب من لا ترى.. ولا يمكنك أن تصاحب من لا يسمعه ولا يسمعك.. قال الشاب: تقصد أن ثمرة اليقين الصحبة؟ قال جعفر: أجل.. فمن عرف الله لم يحد إلا أن يصحبه ويلجأ إليه ويستعيذ به ويدعوه ويناجيه.. ويشعر أنه أقرب إليه من كل شيء. لقد رأى النبي r بعض أصحابه يرفعون أصواتهم بالتكبير، فقال:( أيها الناس أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا قريبا.. إن الذى تدعونه أقرب الى أحدكم من عنق راحلته)[20] قال الشاب: لقد رأيت بعض من هجم بهم اليقين على حقيقة العلم يصيحون ويزعقون.. بل إن بعضهم قد يتفوه بكلام يستعيذ منه إن هو عاد إلى حاله.. وبعضهم يزعم أن هذا من مظاهر العرفان.. ومن لم يحصل له هذا لا حظ له من اسم العارف. قال جعفر: ذلك الشطح، وتلك الطامات.. وأحسن ما يقال فيها إن كان أصحابها من الصادقين أنها دليل على نقص حالهم، فهم كبدوي لم ير في حياته إلا الخيام دخل مدينة صغيرة.. فهاله ما فيها.. وصاح معبرا عن ذلك.. أما الكمل.. فهم أرفع من أن يصيحوا بمثل ذلك، وقد روي أن الجنيد قال لمن سأله عن سر سكونه وقلة اضطراب جوارحه عند السماع:﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ (النمل:88) وأما الكامل الأعظم رسول الله r.. فقد ذكر الله حاله بعد أن عاين ما عاين في رحلة المعراج، فقال:﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (لنجم:17) قال الشاب: إن من ذاق شيئا لابد أن يعبر عن تأثيره فيه.. ومن صاحب أحدا لابد أن يحفظ حديثه معه.. فحدثني عن صحبة رسول الله لله. قال جعفر: لقد عبر رسول الله r عن ذلك، فقال:( اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل)[21] قال الشاب: لقد خص رسول الله r بالصحبة السفر؟ قال جعفر: والدنيا كلها سفر.. ألم تسمع قوله r:( ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)[22] قال الشاب: فحدثني عن صحبة رسول الله r لله. قال جعفر: إنك لن تطيق ذلك.. ولن يطيق أحد في الدنيا ذلك.. قال الشاب: فاختصر لي ما ييسر علي فهم ذلك. قال جعفر: سأحدثك من ذلك ما يمكن أن ترثه، وينفعك الله به.. ولكنك لن ترثه حتى تندمج فيه بكل كيانك.. فقد ذم رسول الله r قوما بأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم.. فإياك أن يكون حظك من سنة نبيك لسانك. قال الشاب: فستحدثني عن ذلك الآن؟ قال جعفر: إن مثل هذه الأحاديث لا يمكن أن تلقى في الأسواق.. ولذلك تعال معي إلى الزاوية.. وهناك سأعلمك علوم ما سألته. خشيت أن يفلت مني، فأسرعت إليه، وقلت: أنا غريب بهذه الديار.. ولدي من الحرص على المعرفة ما لدى هذا الشاب.. ولدي من الأسئلة ما لديه.. لكأنه كان ينطق بلساني عما يكن ضميري.. فهل تأذن لي في صحبتك وصحبته إلى الزاوية؟ قال جعفر: أجل.. يسرني ذلك.. أنت وصاحبك تذكراني بشبابي حين كان البحث عن الإنسان الكامل هو غاية غاياتي، ومقصد مقاصدي. قلت: عجبا ما تقول.. أأنت أيضا قد لاح لك ما لاح لي البحث عنه؟ قال جعفر: إن كل من عرف حقيقة هذا الوجود.. لابد أن يخطر على باله ما خطر على بالك.. إن الأرواح تتآلف على مثل هذا.. لأن الذي يهديها ليس إلا واحد. قلت: فهل وجدته؟ قال جعفر: أجل.. إنه محمد.. الإنسان الذي اجتمعت فيه حقائق الإنسان التي أردها الله من الإنسان. قلت: فستعرفني بمحمد إذن؟ قال: لا يعرف محمدا إلا محمد.. ولكني سأعلمك ـ مع صاحبك ـ بعض ما وصلت إليه عن محمد.. وهو صحبة محمد لله، تلك الصحبة المنطلقة من معرفة محمد بالله.
|
|
|
|
|
|
|
|
|