|
Re: نقد الداعشية التي تعيش في ذواتنا (Re: mwahib idriss)
|
لدى مراجعة كتب اللغة ككتاب لسان العرب مثلاً، يتحدث ابن منظور عن السلفية قائلاً: “سلف: سلفَ يسلف سلفاً وسلوفاً: تقدم، والسالف: المتقدم. والسلف والسليف والسلفة: الجماعة المتقدمون، وقوله تعالى:”فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين“. وقال الفراء: يقول جعلناهم سلفاً متقدمين ليتعظ بهم الآخرون. ويقول الجوهري: سَلَفَ يَسلف سلفاً مثال طلب يطلب طلباً، أي مضى. والقوم السلاف: المتقدمون. وسلف الرجل: آباءه المتقدمون، والجمع أسلاف وسلاف... والسلف أيضاً: من تقدم من آبائك وذوي قرابتك الفذين هم من فوقك في السن والفضل، واحدهم سالف. وقيل، سلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته، ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح”(راجع: ابن منظور، لسان العرب، ج6-ص330:331، دار إحياء التراث العربي، بيروت ط1، عام 1988م.). إذاً كلمة السلف تعني لغةً: الأقدمية الزمنية، أي التقدم الزمني كما يقول الشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه السلفية-مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي (ص16، دار الفكر بدمشق): “كل زمن من الأزمان سالف بالنسبة إلى الأزمنة الآتية في أعقابه، وخلف بالنسبة إلى الأزمنة التي سبقته ومرت قبله”. وقد حدد الشيخ البوطي هذه المرحلة السلفية بالقرون الثلاثة الأولى من عمر التجربة الإسلامية، وقد اختلف كثيرون معه في ذلك. أما المراد بمذهب السلف فيقول أحمد بن حجر: “ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وما كان عليه أعيان التابعين لهم بإحسان وما كان عليه أتباعهم وأئمة الدين ممن شُهد له بالإمامة. وعرف عظيم شأنه في الدين وتلقى الناس لكلامهم خلفاً عن سلف. كالأئمة الأربعة والسفيانيين والليث ابن المبارك النخعي، والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن دون من رمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرضي مثل الخوارج والروافض والمرجئة والجبرية، والجهمية، والمعتزلة وسائر الفرق الضالة”(راجع: السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. نقلاً عن: العقائد السلفية لأحمد بن حجر، آل ابو طامي، ص11).. وهكذا لا يشير مفهوم السلف أو السلفية إلى فترة أو مرحلة زمنية محددة اختلف المؤرخون في تحديدها، وإنما يتعداه إلى مصطلح ومفهوم “الخيرية” المنتزع من حديث رسول الله المروى في أكثر من كتاب تاريخي: “خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته”. وإذا ما أردنا التدقيق في الرؤية التاريخية السابقة التي تعتبر أن السلفية مذهب ومنهج له بداياته التاريخية منذ زمن الرسول والصحابة الأوائل ومن ثم الذين يلونهم، فإنه يمكن التأكيد هنا على أن مفهوم “السلفية” لم يتمظهر تاريخياً كتيار له سمات محددة ومعايير معينة في طبيعة المفاهيم والعقائد والسلوك إلا بعد أن بدأ الإسلام ينتشر في العوالم المتعددة المحيطة بشبه جزيرة العرب. حيث انطلق المسلمون فاتحين لبلاد العالم القديم، متسلحين برؤية دينية عقائدية إيمانية محددة، واستطاعوا -خلال فترة زمنية غير طويلة نسبياً- الهيمنة الفعلية على أكبر إمبراطوريات التاريخ آنذاك، وقاموا بنقل إرثها الكبير، كما حاولوا -طيلة قرون عديدة- هضم واستيعاب ميراثها الحضاري العريق والمتراكم. ونتيجة لهذا التفاعل والاحتكاك الحي المتواصل والمتراكم مع العوالم والحضارات الأخرى، كان من البديهي أن يتأثر الفاتحون المسلمون بأفكار ومعارف وثقافات الحضارات المتنوعة في أفكارها وعاداتها وتقاليدها.. فهؤلاء المسلمون عاشوا في شبه جزيرة صحراوية، ولم يتطبعوا بطباع المدنية، بل سكنوا الخيم في ظروف مناخية بالغة القسوة والشدة، أثرت على طباعهم وأخلاقهم، وعلى طبيعة نظرتهم للحياة والإنسان. إذاً بدأ التحول يظهر على حياة أولئك الفاتحين، وبدأت قيم وعادات جديدة تسيطر على معيشتهم وأحوالهم من حيث شكل اللباس وطريقة الأكل والمسكن، خصوصاً بعد أن سكنوا المدن واختلطوا مع أفراد تلك المجتمعات الجديدة في البلدان الواسعة التي فتحوها والتي أصبحت تشكل –مع مناطقهم الجغرافية- ما يسمى بـ“المجتمع الإسلامي الكبير”. ومنذ ذاك الحين بدأت وتائر الدعوات والنداءات المحذرة والمتوعدة تتصاعد من طرف بعض الناس في تنبيههم وتحذيرهم من هذا التحول ومن خطورة نتائجه، وتدعو للرجوع إلى ما كان عليه الرسول ومجتمع الصحابة الأول. فأمام حركة الترف والتنعم بملذات الدنيا وخيراتها (من امتلاك للمزارع الكبيرة، وبناء الدور والقصور الفخمة، واقتناء الجواري والعبيد والخدم والحشم... الخ) ظهر تيار مناهض لهذه المظاهر وندد بها (راجع كتاب السيد: محمد الكثيري، السلفية بين أهل السنة والإمامية، ص 25، دار الغدير للدراسات الإسلامية، بيروت 1997م، طبعة:1) ، داعياً للتقشف والزهد في الحياة الدنيا. على أن ذلك –كما يدعي أصحاب هذا المنطق- من صميم الدين وسيرة السلف الصالح، وهناك محاورة (راجع كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر (ص302، مجلد2)، وراجع: بداية الفرق نهاية الملوك للشيخ محمد رضا الحكيمي، ص71) بين الإمام الصادق وسفيان الثوري (وكلاهما ينتسب لعصر التابعين) تظهر لنا عدم تقبل الكثير من الملتزمين بالدين الجديد –خصوصاً من العرب- بعض العادات الجديدة في الملبس والمأكل والمسكن. وهذا كله مما يدل على قوة تلك التحولات العميقة وردود الأفعال عليها ضمن الدائرة الإسلامية.. حيث أنه لاحظنا -مع مرور الأيام وزيادة انغماس المجتمع الإسلامي أكثر فأكثر في الحياة المدنية والترف الحضاري المديني- تصاعد الدعوات إلى ضرورة العودة لاقتفاء “أثر السلف الصالح”، وباتت الدعوة لتقليد السلف في ملبسهم وسلوكياتهم العامة خطاً أو تياراً خاصاً متميزاً في الوسط الإسلامي بجانب التيارات الأخرى. لكن هذه الدعوة ستأخذ ابتداء من القرن الرابع الهجري بعداً مفاهيمياً (فكرياً ونظرياً) له رموزه وشخصياته ممن يدعون للعودة إلى التزام نهج وقيم وآراء ومذاهب السلف الصالح.
|
|
|
|
|
|
|
|
|