|
أحمد الملك في خريفه الجديد
|
أحمد الملك في خريفه الجديد في روايته الجديدة «الخريف يأتي مع صفاء» يواصل الروائي السوداني المقيم في هولندا أحمد حمد الملك بناء عالمه السحري المدهش في عمل نشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر‚ في 262 صفحة من القطع المتوسط‚
كانت انطلاقة الملكي الابداعية في عام 1991م عندما صدرت له عن دار جامعة الخرطوم للنشر رواية «الفرقة الموسيقية» ثم عن نفس الدار في عام 1996م رواية «عصافير آخر أيام الخريف» ثم رواية «الموت السادس للعجوز منوفل» عن دار الأهالي في دمشق عام 2001م‚
ويتخذ أحمد الملك المولود في أرقو بشمال السودان عام 1967م‚ خطا روائيا بنفس خاص‚ يقوم على بنى الواقع السوداني‚ وإعادة تشكيلها بمرآة سحرية خاصة‚ وصفت عند صدور أول عمل له من قبل الدكتور بشرى الفاضل بأنها تشبه طريقة غابرييل غارسيا ماركيز في واقعيته السحرية‚
يذهب الدكتور الصاوي يوسف في تقديمه للرواية الجديدة للملك الى ان العبارة عند أحمد الملك تبدو وكأنها تعبير عن موقف اسطوري مليء بالسخرية والمرارة‚ بمعزل عن سياق القص التقليدي‚
وتناقش الرواية واقعا سودانيا في تجربة جعفر النميري في الحكم‚ يقول الصاوي عن التجربة «لعل الكثيرين من قراء احمد الملك سيظنون ان شخصية المشير الفاقد للذاكرة هي من وضع الخيال‚ في حين ان كثيرا من السودانيين سيكتمون ضحكات الشماتة‚ وهم يرون مصير المشير المعتوه‚ المثير للشفقة‚ فهم يعرفون المشير حقا‚ وهو ما زال بينهم‚ ليس فقط بلحمه ودمه‚ وانما ايضا بآثاره وما صنعت يداه في البلاد»‚
وهي رواية كما وصفها الصاوي ليست رواية تاريخية‚ او تمثل موقفا من التاريخ‚ هي «قراءة لغابات هذا المجتمع المتصارع‚ مجتمع تسحقه الدكتاتوريات العسكرية‚ وعظمة القادة المتوهمة المتآكلة مع مرور الزمان‚ مجتمع تلوكه الحرب الاهلية بين أضراسها‚ وتلفظه بقايا محطمة‚ بينها صراعات صغيرة وكبيرة لم تزل تنتظر دورها في التسوية»‚
بشكل مباشر يمكن القول ان رواية «الخريف يأتي مع صفاء» هي إضافة لبعد جديد في الرواية السودانية الجديدة‚ يتمثل في انتقالها من محطات القراءة المباشرة لمركبات المجتمع السوداني التقليدي‚ في فضاءات القرية‚ والمدينة‚ فبمولد عمل مثل «الخريف يأتي مع صفاء» يكون هناك دور للرواية في حفر أغوار الترهلات السياسية في الواقع السوداني‚ ونبش الانظمة الديكتاتورية‚ والشخصيات المتسلطة على مصير شعب مضطهد ومسكين‚
التحول الذي يحدث الآن في مسار الرواية في السودان يجعلها تنأى عن مركب العادية‚ وتجتاز مرحلة بنائها الى مرحلة حداثتها‚ وتماحكها مع المجتمع المدني الجديد‚ ومناقشة هموم ما بعد الستينيات‚ وواقع الصراع بين الريف والمدينة كما في روايات الطيب صالح‚
يقول الراوي في الرواية عن الديكتاتور «شاهد الزحف الصحراوي يغرق جدران المنازل‚ وشاهد الاحياء يزحفون في شوارع ضوء الشمس المحرقة بملابس الموتى‚ وشاهد قضبان آخر قطار عبر صحراء الوطن‚ ناقلا جنود اللورد كتشنر أواخر القرن التاسع عشر‚ وشاهد أحجار الأساس لمشروعات التنمية المنسية وقد طمرتها رمال الزحف الصحراوي‚ ولم تبق لأحد ولا حتى الرغبة في تنظيف هذه الاحجار التذكارية التي يصعب تحديد العصر الذي شيدت فيه اعتمادا على الكلمات المكتوبة عليها والتي محيت بفعل عوامل التعرية‚ ويستمر في سرد وقائع تجدد الحرب الاهلية‚ و(التمرد)‚ وجنون الواقع الجديد في عمل كما قال الدكتور الصاوي المقيم في كولمبورخ ينسج زمانا خاصا به‚ ويضع في اطار تلك العجينة العجيبة الثرة من اشخاص وأحداث عهد المشير‚ و«يعمل الملك بمقدرته الفذة في الامساك بمفاصل الشخوص والأحداث‚ وتحريكها بمهارة‚ ولعله قد تلاعب بها عمدا‚ ربما انتقاما من كل ما مثله المشير من طغيان وتلاعب بمصير البشر»
|
|
|
|
|
|
|
|
|