المدنية والسلطان في "سودان الإسلام" - من "بني ربيعة" إلى "دولة الترابي" - كتاب في حلقات

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 02:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عماد البليك(emadblake)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-30-2009, 09:58 PM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفونج ودنيوية الدين (Re: emadblake)



    الفونج ودنيوية الدين:

    بيد أنّ السؤال الأكثر مركزية، مع ضرورة تهميش مفهوم فكرة المركز، واستخدمها فقط لحاجة تفسيرية مؤقتة. هو سؤال يخارج ذاته بسهولة من مشكل "إسلامي/سوداني"، بحيث ينفتح على ما ابتدأت به "المدينة والسلطان"، أو جدلية العلاقة القائمة بين فضاء مكاني قادر على تذويب الذوات وإعادة إبداعها لتكون مجرد ذوات افتراضية، وأحد "مراكز" هذا الفضاء والذي يعبر عنه بالسلطان أو الملك أو السلطة الحاكمة التي لها السيادة. وقبل أن يدخل العرب السودان فإن هذه السيادة شكلها أساس الإقليم الجغرافي، ولم يكن مفهوم القبيلة واردا، حيث أنه اختراع عربي، فالسودان في العهد المسيحي كان يحكم على هذا الأساس الإقليمي، وهو الأمر الذي يقود إلى أن الإشكاليات بخصوص الجزء الأول من ثنائية (المدينة/السلطان)، لم تكن قائمة، في حين كان المشكل بخصوص الجزء الثاني، حيث كانت السلطة المركزية في يد الملوك، وكانت العلاقة طبقية بحتة: سادة وعبيد، حكام وشعب، وكان الملك هو السلطة المطلقة "يمتلك كل الأراضي ويعتبر رعاياه من عبيده لاحق لهم في امتلاكها أو التصرف فيها بالبيع والشراء" .
    ولعل التأكيد على أن الجدل يدور حول الثنائية المذكورة، أن "الدولة الإسلامية" في الفونج، لم تكن إلا مجرد إطار صوري للإسلام يقوم على إنزال حد القصاص وتحريم الخمر، وإن كان الناس بما فيهم الحكام يشربونها سرا، وافتقدت تلك الدولة لخصائص الإسلام في أبرز معانيها الحفاظ على النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ففي أحد مستويات السلطة كان الملك عند احتضاره يأمر بقتل جميع أخوته لإزالة فرص المنافسة والمؤامرات، حتى يبقي القوة لمن أراد من بعده، وإن كانت المصادر تذهب إلى أن الاختيار لا يتم بواسطة الملك مباشرة وإنما بمجلس يتم تعيينه بقرار ملكي، ولن ينأى الأمر بعيدا، فما يحدث هو تفويض غير مباشر، وقرار مستبطن لسلطة لن تغادر محلها حتى بعد رحيل صاحبها. والدولة لم تكن إلا كيان متشظ متشرذم، قائم على الصراعات القبلية المغرقة في الجهل، والمؤامرات التي لا تنتهي ضد الملك وأعوانه، أضف إلى ذلك الحروب التي اشتعلت مع الجارة الحبشة. ورغم كل هذا كان "الملوك المسلمون" اسما، يعيشون ترف الحياة وبهجتها غير آبهين بدين ولا شعب.
    كتب الطبيب بونسيه يصف ذلك المشهد:"ومن عادة الملك أن يخرج في ركب عظيم كل يوم سبت وأربعاء من كل أسبوع، إلى إحدى الضواحي، تتقدمه ثلة من الفرسان ما بين 300و400 فارس، ويحف بالملك عدد من البيادة بموسيقى طبلية يتغنون بمدائحه، ويأتي بعد ذلك موكب عماده نحو 700 أو 800 من النساء والفتيات يحملن سلال الطعام من لحوم وفواكه، وفي المؤخرة عدد من الفرسان مثل المقدمة. وعند وصول الركب إلى المكان المقصود يترجل الملك وتترجل حاشيته ويجلس إلى الطعام وهو ملثم بحرير شفاف متعدد الألوان الزاهية، وتتناول الحاشية الطعام ويتبارى الملك مع كبار دولته في التدريب على إصابة الهدف بالبنادق".. والذي يذكره بونسيه هنا:" أنهم لا يجيدونها.. وفي المساء يرجع الركب بنفس التشكيل إلى العاصمة".
    هذا النص يكشف كيف أن السلطة الدينية مارست دورها الدنيوي البحت منتعلة الدين كحذاء تدوس به على العباد كما سيتضح لاحقا من خلال تحليل نص بونسيه. فالأسبوع يفتتح (السبت) بهذا المشهد الدراماتيكي، والذي يبدو كما لو أنه مجتزأ من ألف ليلة وليلة، ويختتم ما قبل الخميس بذات المشهد. ورغم هذه الجمهرة التي تحف بالملك إلا أنه من الجلي مهدد بالموت في أي لحظة، فالفرسان في المؤخرة والمقدمة، وحتى لو كان التفسير يخضع لفكرة المشهد الاحتفالي إلا أن قضية الخوف على السلطان ورادة باعتبار غياب الأمن في دولة مشحونة بالدسائس والمكايد. ويبلغ الشغف الدنيوي ذروته في البذخ في الأكل والشرب والملبس والحاشية. ولنا أن نلاحظ أن هذا التصوير لا يكاد يذكر أي شعيرة دينية مرتبطة به، فالملك يعود في المساء وهذا يعني أن أوقات الصلوات قد مضت. ومن المحتمل أن بونسيه تغافل هذا الأمر وركز على التصوير الاحتفالي.
    أما ذروة لذة النص وبهجته في ما يكشف عنه النص من انعدام الخبرة في تصويب البنادق بالنسبة للملك وكبار دولته وهم الوزراء والأعوان، وليس المقصود بهم الحراس والجنود. فهذا الملك لم يوفر لنفسه الوقت المتواضع لكي يتعلم كيف يصوّب بندقية، حيث أوكل المهمة لمن يقوم على حمايته وكذلك وزراؤه ارتضوا نفس الدور الملكي الوضيع، دون أن يهتموا بكل تأكيد لسخرية من حولهم من "حور الأرض"، تلك السخرية المستبطنة من الكائن الأنثوي، فليس جملة المشهد إلا إطار تمثيلي يدركه كل طرف، في خطاب صامت.
    هذا الوضع ليس إلا إطار سلطوي بحت، لا يمت للدين بصلة، وهو يمارس بكل عفوية وأحقية مكتسبة من اللاوعي الجمعي المسيطر، والمتأتي من تجارب الدولة الإسلامية في العصور الأموية والعباسية وغيرها. وما فعلته الفونج أنها أعادت تكرار ذات ما حدث، وربما بصورة أسوأ وجهل كبير، لأن تلك المدنيات رغم ما كان فيها من مظاهر الترف السلطوي والتناقضات التي تدلل على مفارقة العقدي للممارسة المعاشة، إلا أنها من جهة أخرى حملت ثراء فكريا وزخما من حيث العلوم المنتجة والتسابق نحو إبداع معرفة.
    وبغض النظر عن الصراعات التي دارت بين العلماء والسلطة والخصومات التي ترتبت عنها فرق وشيع لا زالت تلقي بظلالها السيئة على عالم اليوم، إلا أن محصلة ما كان يجري تدل على حراك ثقافي واجتماعي ومدنية حقيقية. وفي المقابل كان النموذج السوداني غارقا في براثن الجهل وسلطة اللاوعي والأساطير والشعوذات، يصف بونسيه الناس في سنار بـ: "الخداع والدهاء وبميلهم للخرافات وبتمسكهم بدينهم وعندما يقابلهم مسيحي في الطريق ينطقون بالشهادة"
    هذا الوضع ليس إلا إطار سلطوي بحت، لا يمت للدين بصلة، وهو يمارس بكل عفوية وأحقية مكتسبة من تراث وافد اختلط بالطقوس المحلية في حدود مظهرية، ولم يعني السلطة من أمر الدين سوى إنجاز الحدود على عامة الناس على طريقة محاكم "التفتيش" أيام النميري والمسماة بـ "العدالة الناجزة" عندما أعلن تطبيق الحدود الإسلامية. كتب بونسيه: "وفي سنار تنظر الجرائم ويعاقب مرتكبوها في الحين".
    وقد شاهد بونسيه أثناء إقامته بالمدينة الحكم على شخص بالإعدام ضربا بالعصي الغليظة. وشاهد أسواق الرقيق المفتوحة في سنار، لدولة لم تصك عملتها حيث اعتمدت على العملات الأجنبية. وشاهد أيضا المفارقة الطبقية الواضحة والتي انعكست في ملابس النساء، حيث قارن بين لباس نساء الطبقة الراقية كما أسماهن ونساء الطبقات العادية.، فـ "الراقيات" يتحلين بالذهب ويمشطن شعورهن وينتعلن أحذية بسيور ويلبسن أقمشة "قد تكون من الحرير أو غيره" من الأقمشة الجيدة التي تتدلى إلى الأرض. أما "العاديات" فـ "لباسهن ما بين أوساطهن وركبهن فقط". ويكشف الوصف حجم التفاوت في المجتمع في مدينة بلغ سكانها حوالي المائة ألف نسمة، وتأتي في المرتبة الثانية بعد القاهرة من حيث ازدحام السكان بها كما وصفها وافد آخر هو كرمب.
    أما زعماء القبائل فقد كانوا يتسابقون لرضا السلطان والحظوة منه بالبذل والعطاء، كما في مشهد موكب المانجل زعيم قبيلة الذي وفد لسنار ومعه ضريبة مكونة من مئات العبيد والخيل والإبل ومقدار من النقود، واستقبله الملك في احتفال جماهيري كبير مصحوب بالموسيقى والحشود وزغاريد النساء والروائح المعبقة للجو، ووسط كل هذه الجموع يركع المانجل أرضا ويقبّل رجل الملك ثم ينهض ليركب ويدخل الموكبان سويا للمدينة.
    تسوق هذه السرديات التي ما خفي منها أعظم مشاهد مؤلمة ومفارقات تكشف هشاشة البناء المدني وثقل السلطة الغارقة في غيها، وكيف أن القبيلة لعبت دورها في تمزيق الكيان الإقليمي الذي كان قائما في فترة المسيحية، ليكون المشكل في عصر تأسيس"الدولة الإسلامية السودانية" ثنائيا، مدنية وسلطان غائبان. غياب المدنية في لاتحققها بالمعاني التي تحترم الكيان الإنساني، وغياب السلطان في ابتعاده عن دوره الفاعل في بناء الإنساني والمدني، ويتم ذلك داخل تكريس الخرافة والسماح بانتشارها وتوسعها دون أدنى تدخل من الدولة، مادامت هذه "الخرافات" لا تلعب أي دور في تهديد السلطة السلطانية على الأرض والشعب، وفي ظل احتفاظ الملك بنفوذه واحتفالاته المبهرجة.
    بل أن السلطة الدينية المتمثلة في شيوخ المتصوفة وعلماء الدين لعبت دورا في رفد سلطة الملوك وتكريسها، فثمة تحالف بين عدد من أعلام السلطة الدينية الشعبية والملوك في إطار تقديم النصح والمشورة بطريقة تظهر المتصوف وعالم الدين على أنه العارف والمدرك للحقيقة بما فيها مصائر السلطان ومآله. والواقع أنه حتى الملوك أنفسهم كانوا أسرى "الخرافة" في اعتقادهم في "أولياء الله". وإن كان البروفسور يوسف فضل يرى أن هذا الاعتقاد حقيقي وجازم، بقوله: "لم يكن الاعتقاد في الأولياء وقفا على عامة الناس بل اعتقد الملوك والسلاطين فيهم"، وراح يضرب أمثلة على ذلك من خلال الاستعانة بكتاب الطبقات والقصص الواردة فيه.
    إلا أن المسألة قابلة للتشكيك فيها وإعادة النظر، فالملوك كانوا يخشون تطور سلطة الأولياء لتفوق سلطتهم فآثروا رضاهم، وفي هذا نجد أن ثمة إغراءات لا تحتمل الشك، يكشفها فضل نفسه: "وإزاء هذا الاحترام والتأييد من السلطات الحاكمة، لقي المتصوفة (كالعلماء) كثيرا من أسباب العون المادي إذ أوقف الحكام عليهم الاقطاعات وأعفوهم من الضرائب بينما أغدق عليهم المريدون والأتباع من عامة الناس النذور والهدايا ". وقد حاول فضل أن يبرر هذه المشهدية النفعية، بأن "الأولياء" أنفقوا الأموال السلطانية مقابل "متطلبات وظيفتهم التي تجمع بين الإرشاد الديني والهداية الروحية". وهو قول باطل، لأن المشهد برمته يصب في البحث عن السلطة والنفوذ باستعارة الدين، والتلاعب بعقول العامة.
    ولنا أن نتأمل الطريقة التي وصل بها أحد هؤلاء الأولياء إلى الملك، في حشد يهدف إلى إظهار قوة الرجل في مقابل قوة الملك ونفوذه، بما يفسر الأمر على أنه تهديد ضمني للملك بأن لا يغتر بسلطته، وكان الملك بادي قد طلب عون الولي الشيخ حسن بن حسونة لعلاج أخيه ناصر الذي كان مصابا بمرض أعصاب يشبه الجنون، فتأهب الولي للسفر في ركب عظيم وصفه مكي شبيكة بأنه "أدهش ملك الفونج"، وتضمن الوفد الخيول والجمال والأموال وحملة البنادق، في مشهد "درامي" لا يمت بصلة للهدف الذي من المفترض أن الولي ذهب لأجله وهو استخدام مهاراته الدينية في شفاء "الأخ المجنون". ولعل الحوار الذي دار بعد ذلك بين الملك والولي والذي نقله الوسطاء - أي لم يكن مباشرا - يكشف عمق النزاع الباطني بين السلطتين، حيث يروي صاحب الطبقات أن بادي خرج ليرى ذلك الوفد المهيب وقال بعد أن رأى ما رأى: "هذا فكيا أخذ ملكنا" ، وهي صيغة واضحة تدل على مدى قوة الفكي/الولي والتي برزت عبر ما جاء به، فماذا كان رد الولي عندما أخبروه بما قال الملك؟. كان أن رد وبصيغة فيها شيء من المبالغة استخدمت أسلوب المتصوفة في إدعاءات بعضهم بأن لهم عوالم خارج العوالم المتحققة لعامة الناس وأيضا الملوك، بأن قال: "قولوا له أنا ملكك عرضوه عليّ، أنا أبيته".

                  

العنوان الكاتب Date
المدنية والسلطان في "سودان الإسلام" - من "بني ربيعة" إلى "دولة الترابي" - كتاب في حلقات emadblake01-30-09, 09:53 PM
  الفونج ودنيوية الدين emadblake01-30-09, 09:58 PM
    المهدية والنزعة السلطانية الذاتية: emadblake01-31-09, 07:33 PM
      Re: المهدية والنزعة السلطانية الذاتية: Adil Ali01-31-09, 09:10 PM
        سنوات الخليفة: emadblake01-31-09, 11:42 PM
          Re: سنوات الخليفة: emadblake02-02-09, 10:33 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de