|
Re: سمؤل حسين, سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الاستقرار السياسي و التطور الديمقراطي (Re: عرفات حسين)
|
الفصل الأول
المراحل الأساسية للتنمية
لقد مرت عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية بثلاث مراحل أساسية منذ الخمسينيات حتى الآن . وفيما يلي عرض لهذه المراحل وأهم ملامح كل منها , مع الأخذ بعين الإعتبار أن التحقيب الزمني لهذه المراحل هو مسألة تقريبية , حيث يصعب وضع خطوط زمنية دقيقة لتحولات وتطورات طويلة نسبياً . ولعل بعض التأثيرات الناجمة عن مرحلة معينة لا تظهر وتتبلور إلا في مرحلة تالية . المرحلة الأولى : وقد امتدت هذه المرحلة زمنياً منذ الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات , وساد خلالها نظام الإقتصاد الموجه الذي استند إلى عناصر أساسية مثل التخطيط المركزي , وتأسيس قطاع عام كبيراً , مما ترتب عليه تعاظم دور الدولة في الإقتصاد والمجتمع , وعلى الرغم من أهمية التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها الدوله خلال هذه المرحلة مقارنة بالاوضاع التي كانت سائدة في مرحلة ما قبل الإستقلال إلا أنه ارتبط بها , من ناحية أخرى حدوث حالة من التضخم والترهل في الأجهزة البيروقراطية , مما أدى إلى ضعف فاعليتها ووقوع معظمها في في سلبيات عديدة مثل الفساد والروتين وخلافه . وخلال هذه المرحلة اتجهت الدوله إلى إحكام سيطرتها على المجال السياسي . فأخذت بنظام الحزب الواحد الذي تحول من الناحية العملية إلى مجرد إمتداد ,لاجهزة الدولة كما قامت بأحكام سيطرتها على مجتمعها , و لم تسمح بقيام تنظيمات مستقلة للمجتمع المدني كالنقابات والجمعيات وخلافه من الأصل أو أخضعتها لجملة من القيود التي أفقدتها الاستقلالية في حالة السماح بقيامها . وخلال هذه المرحلة تم تكريس ممارسات التعبئة السياسية كبديل لعملية المشاركة السياسية الحقيقية . المرحلة الثانية : وقد بدأت هذه المرحلة امتدت حتى منتصف الثمانينات, نظراً لذلك فقد حققت الاقتصادات معدلات نمو معقولة ولكن النمو الذي تحقق خلال هذه المرحلة كان غير متكافئ , كما أنه كان في أغلب الحالات نمواً هشاً , حيث لم يستند إلى تأسيس تنمية حقيقية من خلال توسيع القاعدة الإنتاجية للإقتصاد وتنويعها وبناء القوى الذاتية الدافعة لعملية التنمية , فضلاً عن ارتباط هذا النمو بعدد من العوامل الخارجية التي لا يمكن التحكم فيها وضبطها , والتي تعتبر اكثر حساسية تجاه التحولات والتقلبات السياسية والاقتصادية , والأمنية والإقليمية والعالمية ونظراً لذلك يؤكد كثير من اساتذة وخبراء الإقتصاد على أن حقبة الطفرة ( من منتصف السبعينيات حتى منتصف الثمانينات ) كانت حقبة الفرص الضائعة , حيث لم يتم استثمار الإمكانيات والموارد الضخمة التي تحققت في تأسيس مرتكزات حقيقية للتنمية الذاتية والتي إلى جانب عناصر أخرى توسيع القاعدة الانتاجية للإقتصاد وتنويع مصادر الدخل , وتأهيل العنصر البشري للمشاركة بفاعلية في عملية التنمية , وتوسيع دائرة مشاركة المواطنين في العملية السياسية والإنمائية وقد اسهمت العائدات المالية التي تحققت للدوله سواء بشكل مباشرأوغير مباشر ( تحويلات العمالة والمنح والقروض ) , أسهمت في تكريس قوة الدولة وتدعيم دورها المركزي في الاقتصاد والمجتمع . وقد تبلورت في هذا الإطار ظاهرة الدولة الريعية , والدولة شبه الريعناحخية .( والدولة الريعية هي التي تحصل على جزء من إيراداتها ( 40% فأكثر ) من مصادر خارجية في شكل ريع , كما يشكل الانفاق العام جزءا كبيراً من ناتجها المحلي الإجمالي) وقد اتجهت الدوله إلى الاقتراض من الخارج , مما اوقعها في ( فخ الديون ) , وبخاصة في ظل ارتفاع أعباء خدمة الديون وضعف الموارد المتاحة لتمويل هذه الأعباء . الثالثة : مع تدهور وتراجع عائدات الدوله خلال الثمانينات و التسعينات , وتزايد معدلات الركود الاقتصادي في الدول الصناعية المتقدمة , وتدهور شروط التبادل التجاري في غير صالح العمل , بدأت الدوله تواجه أزمة اقتصاية بدرجات متفاوتة. وخلال النصف الثاني من الثمانينات والتسعينات بدأت تتبلور مظاهر الأزمة الاقتصادية بصورة واضحة وقد تمثلت أبرز تلك المظاهر في : تراجع معدلات النمو , تزايد العجز في الموازنات العامة وموازين المدفوعات , وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والمديونية الداخليه والخارجية ( فاقت 20مليار دولار)., وتراجع معدلات الاستثمار العام والخاص , وتدني مستوى الخدمات الإجتماعية . وتحت ضغط تلك الازمة الاقتصادية إتجهت الدوله إلى نادي باريس بقصد إعادة جدولة ديونها . وقد اشترط النادي على الدوله ضرورة تطبيق برامج للتثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي بالاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين حتى تتم عملية إعادة الجدولة . وكانت تلك بدايات المرحلة الثالثة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية .
أهم ملامح وأبعاد سياسات التثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي
مع الإقرار بأن الدولة تقوم بتنفيذ برامج للتثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي , وقد بدأت السير في هذا الطريق في توقيتات زمنية مختلفة, وان هناك بعض الاختلافات بين هذه البرامج وبخاصة فيما يتعلق ببعض النواحي الفنية والإجرائية , إلا ان هناك الكثير من المبادئ والعناصر المشتركة التي تمثل قاسماً مشتركاً كبيراً بينها وبشئ من الايجاز يمكن القول بأن اهم عناصر ومكونات برامج التثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي تتمثل في : خفض الإنفاق العام وذلك عن طريق تقليص أوالغاء الدعم الحكومي للسلع والخدمات , وتقليص الإنفاق الموجه إلى القطاعات والخدمات , وتقليص الإنفاق الموجه الى القطاعات والخدمات الاجتماعية وبخاصة قطاعي الصحة والتعليم , وزيادة الضرائب , وتحرير الأسعار بحيث تترك لآليات العرض والطلب , وتخفيض قيمة العملة الوطنية , وتحرية التجارة الخارجية , وإلغاء الرقابة على الصرف , ورفع يد الدولة عن مسألة التوظيف , وتشجيع القطاع الخاص , وتخصيص المشروعات العامة المملوكة للدولة , والتخلي عن حماية الصناعية الوطنية ...الخ .وعموماً فإن العناصر والإجراءات السابقة تتمحور حول ثلاثة أبعاد أساسية : أولها , تحريرالنشاط الاقتصادي من القيود والضوابط التي تفرضها الدولة وتدعيم آليات إقتصاد السوق . ثانيها , تشجيع القطاع الخاص ليقوم بالدور الرئيسي في النشاط الإقتصادي مع تخصيص المشروعات العامة المملوكة للدولة . ثالثها , استبدال استراتيجيات التنمية ذات توجه خارجي غايتها إدماج الإقتصاد في الإقتصاد العالمي . وهكذا , فإن الدوله اتجهت إلى تنفيذ برامج التثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي تحت ضغط ازمتها الاقتصادية التي افرزتها عوامل ومتغيرات عديدة ( داخلية وخارجية ) من ناحية , وضغط مؤسسات التمويل الدولية وبخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين من ناحية أخرى . والتحدى الحقيقي الذي يواجه الدوله في الوقت الراهن – تتمثل في مدى فاعلية برامج التثبيت والتكيف الهيكلي في تمكينها في تجاوز أزمتها الاقتصادية من ناحية وتحقيق التنمية من ناحية اخرى .
نواصل
الإطار العام لبحث الآثار الإقتصادية والإجتماعية السلبية لسياسات التثبيت والتكيف
|
|
|
|
|
|