أنا وسيلفيا الهولندية أو (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين نسخة إكترونية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-07-2024, 11:00 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-16-2014, 08:54 PM

الشيخ أبوجديري
<aالشيخ أبوجديري
تاريخ التسجيل: 08-21-2012
مجموع المشاركات: 742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله (Re: الشيخ أبوجديري)

    مشهد "8"
    شقة ميركاتوربورت في أمستردام

    1-6
    طلب اللجوء السياسي في هولندا أمر مرير مشحون بالقلق وكبت قدر كبير من الحريات الشخصية بحكم الضرورات القانونية "التحقق من مسوغات طلب الحماية" كما هناك دوماً توقعات غير سارة. "أنت على الدوام في حالة تأهب كون الشرطة قد تأتي إلى غرفتك في أي لحظة بهدف ترحيلك قسراً إلى بلادك دون سابق إنذار كما قد يأتيك خبر في أي لحظة بإخلاء السكن كون طلبك قد رفض بشكل نهائي وفي كل الأحوال فأنت غير حر فعليك أن تتمم يومياً لدى إدارة المعسكر ما دمت تعيش به وإلا ستعاقب بسحب مصروفك الأسبوعي". كما أن طالب اللجوء غير مسموح له بالعمل كما عليه أن يتمم مرة واحدة في الأسبوع على الأقل لدى إحدى نقاط شرطة الأجانب وإلا سيفقد حقه في طلب اللجوء وتسحب منه بطاقة الإقامة المؤقتة "الانتظار". وإن حدثت مصادفة وهي ممكنة وإن حصلت على حق الإقامة الدائمة بناءً على طلب اللجوء السياسي فليس من حقك أن تسافر إلى بلادك الأصل، غير منطقي، كون طلب اللجوء يقوم على الشك في أن هناك خطرا على حرية أو/و كرامة أو/و حياة الإنسان في بلاده الأصل وإلا فهو من حيث المبدأ لا يحق له الإقامة بهولندا على ذاك الأساس. وإن استطاع السفر إلى بلاده الأصل فذاك يعني أن ذاك الخطر قد زال وتزول معه تلقائياً الحوجة للإقامة بهولندا. ولكن بعد مرور السنوات فمن المحتمل أن يحصل اللاجئ من أمثالنا على الجنسية الهولندية وعندها فقط يكون الإنسان حراً في السفر إلى أي مكان يريد وفق القوانين العامة والسارية.
    في لحظة من لحظات الانتظار المملة تلك جاءني في غرفتي أحد الرفاق، سوداني الأصل "نادر كميل" الشهير بـ"نادر حرفنة" نسبة لمقدرته الفائقة على المجازفة كما خداع "السيستم" كما عرف أيضاً بلقب آخر "نادر أوس" فعندما تسأله سؤالاً لا يريد إجابته من قبيل "كيف وصلت إلى هولندا أو ما قصتك؟" يضع أصبعه على شفتيه ويفتح عينيه الحمراوين إلى أقصاهما ويقول لك "أوس" يأمرك بالصمت وإلا فهو دوماً جاهز للعراك يساعده طوله الفارع وعضلاته المفتولة وتهور منقطع النظير مع أنه من ناحية أخرى رجل حساس وطيب القلب ويهب لنجدة المحتاج مهما كلفه من ثمن.
    شرب نادر معي القهوة ثم أسرني بخبر سعيد "عمل". "عمل!. أين وكيف"؟ "، نحن لا يحق لنا قانونياً العمل مهما كان نوعه وحتى لو جمع القمامة من الشوارع، أنت تعلم يا نادر". "أنا رتبت الأمر مع رجل سيرونامي من أصل هندي يعمل مدير قسم في مصنع لتعبئة الزهور". "أها". "سيتجاوز لنا مشكلة تصريح العمل عبر وسائله التي يعرف، وهو في المقابل سيأخذ ربع المبلغ الذي نحصل عليه مقابل عملنا في المصنع". خبر سعيد، أنا موافق". "سنذهب صباح الغد ومعنا عليم الجزائري وصبحي المصري وبرونو بيترسون اللايبيري".
    لم أسأل نادر حرفنة لماذا اختارني أنا تحديداً دون الآخرين إذ لا مناسبة وقد أبدد فرصتي في العمل كما لم أسأله بالطبع عن لماذا عليم وصبحي وبرونو بيترسون كوني لا أعرفهم من قبل وذاك بالطبع ليس شأني.. تكشف لي فيما بعد أنني بالإضافة إلى مهنتي الأساس في تعبئة الزهور أعمل بطريقة غير مباشرة في وظيفة مترجم ووسيط بين العمال الجدد والمدير التنفيذي للعمل، كون الجميع بما في ذلك نادر حرفنة لا يجيدون أي لغة للتخاطب مع المدير التنفيذي للعمل.
    كنا فرحين بمهنتنا الجديدة الأولى من نوعها "قص وترتيب وتعبئة الزهور" غير أن الحظ لم يحالفنا كثيراً بعد شهر واحد فقط من بداية عملنا هجمت علينا الشرطة وأخذت معها تلك اللحظة زملاءنا صبحي وعليم وبرونو بيترسون وألزمت صاحب المصنع بدفع غرامة مالية وفق النظام المتبع كونه ضبط وبمصنعه عمال وافدون وغير شرعيين لا يحق لهم العمل قانونياً. ورجعنا أنا ونادر إلى المعسكر ونحن نشعر بالغبن والمرارة والحزن على ضياع فرصتنا في العمل كما لا نعلم مصير زملائنا ولماذا أخذتهم دورية الشرطة معها، وأمرونا نحن الإثنين بالخروج من المصنع والذهاب إلى مكان سكنتنا وعدم العودة من جديد بعد أن شرح لنا أحد أفراد الشرطة الأمر الذي نعلمه جيداً وذاك أنه لا يحق لنا العمل في ظل أوضاعنا الحالية "انتظار البت في طلب اللجوء السياسي" وتلك مرحلة قد تستمر إلى بضع أشهر، سنة أو سنتين وربما عشر سنوات أو أكثر في بعض الأحيان، وكله وفق الإجتهاد كما الحظ والأقدار.

    2-6
    خلال أيام العمل بمصنع الزهور تعرف نادر حرفنة على السيدة "شوفينكا تاونفورت" إمرأة في منتصف العمر، تكبر نادر حرفنة بعشرة أعوام، إمرأة بسيطة وطيبة القلب، أنيقة، برازيلية الجنسية ولو أن أصولها العرقية من إحدى جزر الأنتيل، طليقة بحار هولندي، وتعيش منذ عدة أعوام وحدها بشقة مستأجرة في الناحية الجنوبية من حي "ميركاتوربورت" في أمستردام. الشقة مكونة من غرفتي نوم صغيرتين وغرفة جلوس كبيرة نسبياً، ستة أمتار مربعة، كانت كافية لخمسة وعشرين شخصاً يوم عيد ميلاد "سامنتا كورنيل".
    فأقام نادر حرفنة مع شوفينكا تاونفورت في شقتها وفق اتفاق ودي بينهما وكان يجيء إلى معسكر اللجوء يوماً واحداً فقط في الأسبوع، يسجل حضورا لدى قسم بوليس الأجانب وفق النظام العام المتبع في مثل تلك الأحوال. لقد ظهر نادر حرفنة تلك الأيام أكثر ثقة بنفسه وأكثر نظاماً من ذي قبل. غير أن هناءه لم يدم طويلا. إذ بعد ثلاثة أشهر فقط من سكنتهما المشتركة ذهبت شوفينكا تاونفورت في زيارة عاجلة إلى أهلها قبالة ريو دي جانيرو، لكنها لم تعد أبداً، توفيت بعد ثلاثة أسابيع فقط من وصولها إلى هناك، لكن جاءت أخبار موتها إلى أصدقاء ومعارف نادر حرفنة متأخرة ستة أشهر، مأساة جديدة تضاف إلى مأساة قائمة، كان خلال كل تلك الفترة يحاول نادر حرفنة عبثاً التعرف على أخبارها وميعاد عودتها لكن دون جدوى حتى ألمت بنادر ذاته المأساة. خلال تلك المدة توجب على نادر حرفنة فعل ما بوسعه للحفاظ على الشقة بتسديد تكلفة الإجار عند نهاية كل شهر كما تكاليف الكهرباء والماء وكل شيء. كان عليه أن يثبت أنه رجل جدير بالأمانة، أمانة شريكته هذه المرة، في الحقيقة تلك كانت قناعته الذاتية وقد فعل المستحيل من أجل ذلك.

    3-6
    بعد سفر السيدة شوفينكا تاونفورت بأسبوع واحد دعاني نادر حرفنة إلى زيارته في شقته بميركاتوربورت، ففعلت. عندما دخلت الشقة لأول مرة وجدتها محكمة النظام على النسق الهولندي التقليدي مع لمسات كاريبية لاتينية تتبدى هنا وهناك وكان نادر حرفنة حسن الهندام وتفوح منه روائح عطور نسوية محببة.
    الزيارة الثانية كانت بعد شهرين من سفر شوفينكا تاونفورت. هناك شيء تبدل في المكان وفي مزاج نادر حرفنة. هناك فوضى ورائحة التوليت تزكم الأنوف وأرضية المطبخ لزجة وتتخللها بقع سوداء. وكان هناك دستة من البشر يتجولون في المنزل ويحتلون أركانه الأربعة. بشر من جنسيات مختلفة منهم ثلاث نساء يقمن بطريقة غير قانونية وفي الغالب يمتهن الدعارة غير الشرعية مع ادعائهن أنهن يعملن خادمات نظافة في بيوت بعض الأسر الهولندية، لكن عندما تنظر خلسة إلى أظافر أصابعهن الطويلة المطلية بمنكير فاقع اللون وتشتم نفحات العطور الباريسية تفوح من أجسادهن ربما أصبح الشك حقيقة واقعية. هناك تناقضات كبيرة في المكان وتناقضات في المزاج العام وتمايزات واضحة بين البشر الذين يقطنون شقة ميركاتوربورت. لم أسأل نادر حرفنة عما يجري هناك فالأمور واضحة. كل هؤلاء الناس يستأجرون منه فراشاً ولحافاً للنوم بدراهم صغيرة ثم ينهضون في أنصاف الليالي ينشدون غاياتهم الشتيتة في غابات أمستردام الليلية ومساءاتها الصاخبة البهية. تعرفت تلك المرة على سامنتا كورنيل، شابة في مقتبل العمر، كانت ضيفة ذاك اليوم قادمة من مدينة زاندام بالجوار، كانت ضد صخب المكان تبدو هادئة وربما خائفة، اقتربت مني رويداً رويداً، في الحقيقة أنا من دفعها إلى الطمأنينة وفق خطة غير معنية بالكامل. إذ كنت في تلك اللحظة أود التخلص من أحد سكان الشقة الذي أخذ معي كثيراً من الوقت يحكي أشياء خيالية وغير واقعية ومملة عن حياته وتاريخه الذاتي وعظمة أسرته في الماضي السحيق حينما كان جده مناضلاً ضد الاحتلال الفرنسي. فأخذت سامنتا كورنيل إلى إحدى الغرف والتي تصادف أن كانت شاغرة، معتذراً بالخلوة معها، ألوذ من وعثاء الملل. كانت سامنتا كورنيل هشة وقابلة لكل شيء بما في ذلك مضاجعتها في الحال، لكني لم أفعل في تلك اللحظة، لم أستطع، فعلتها في مساء اليوم التالي. كانت سامنتا كورنيل سعيدة وشديدة الإحساس بلمساتي رغم أنني لا أهتم وكنت في البدء أعاملها كعاهرة. كانت تلك هي الحقيقة أم لا، لا يهم، كان هو شعوري الذي ربما لم تستطع حركتي الفيزيائية ترجمته في الواقع. كنت أعاملها كجسد رث وربما موبوء بأمراض الأرض كلها، كنت أشك في كل شيء فيها حتى أنفاسها. كل الأمر أنني ظننتها عاهرة، فقط احتاجتني جسدياً في لحظة محددة ليس إلا.
    ظهر جلياً في مستقبل الأيام أن سامنتا كورنيل مغرمة بهيئتي الفيزيائية: "جسدك منظم، لم أرَ أبداً مثل هذا الجسد الرفيع المرتب، أنت وسيم"، رددت سامنتا كورنيل مثل تلك الكلمات ثم انحشرت في صدري ونامت تلك الليلة كقطة وديعة هامدة. عندما صحوت عند الصباح الباكر كنت أشعر بالقرف والملل. لم أكن بالضرورة محقاً بالكامل في تصوراتي لرفيقة ليلتي، لكن تلك كانت تهيؤات الليلة التي انقضت وقد فعلتها عدة مرات أخر في غضون شهرين تاليين ثم انقضى الأمر بالحادثة المؤسفة.

    4-6
    قبل أن تكتمل فصول الكارثة بأسبوع واحد فقط تكشف لي بمحض الصدفة أن وضع رفيقي نادر حرفنة حرج، في الحقيقة هو في خطر. كان هناك عدد غير محدد من الغرامات المالية من بلدية أمستردام، شركة الكهرباء، مصلحة القطارات، الترام، الباص، الضرائب، البقالات القائمة بالجوار وأشياء أخرى. ظهر نادر حرفنة مؤخراً مهموماً، قلقا وعصبي المزاج.
    الكارثة حدثت ليلة عيد ميلاد سامنتا كورنيل. عيد ميلاد سامنتا كورنيل يصادف رأس السنة من كل عام. وكان ذاك عيد ميلادها الثاني والعشرين. كان حدثاً فريداً كونه صادف أيضاً الاحتفاء بي كعارض أزياء وفق المؤشرات الأولية التي جرت وكانت سامنتا كورنيل مخترعة الفكرة والمشرفة عليها بكل جدارة. الكل يعلم تلك الحقيقة. كنا نبدو جميعنا سعداء تلك الليلة بطريقة متجاوزة لواقعنا الصعب وظروفنا الحرجة. كان الاحتفال في شقة ميركاتوربورت صاخباً والضوضاء تملأ المكان وزجاجات الواين الأحر الرخيص تزحم أركان البيت والبعض يخبئ في جيوبه فتائل خاصة من الفودكا
    والويسكي بعضها مسروق من محلات "الخال خال" والبقالات الليلية. وهناك هدايا من عطور فاخرة باهظة الأثمان وصلت إلى سامنتا كورنيل لكنها غير مغلفة كما جرت العادة مما قد يدل على شبهة ما!.

    5-6
    عملت سامنتا كورنيل كل جهدها لإقناعي بأنني أصلح عارض أزياء. لم ترقني الفكرة، لم تكن واضحة، لم تخطر على بالي من قبل، لم أثق بكلام سامنتا كورنيل وكنت أشك في كل شيء. لكن على أي حال سامنتا كورنيل لم تيأس مني أبداً. وتحت مثابرتها الملحاحة قررت أن أجرب حظي، في الحقيقة حظ سامنتا كورنيل!. سامنتا كورنيل دائماً ما تنتهز أسهل السبل وأقلها كلفة في جلب المال وعبر الوسائل التي لا تحتاج كفاءات أو مهارات ذهنية أو أكاديمية. سامنتا كورنيل جربت بنفسها من قبل لكنها فشلت في الامتحانات الأولية مع عدة مكاتب متخصصة أهما "أؤلا وببارازي وماكس". في معظم المرات كان هناك عاملان يقفان حائلاً دون اختيارها كموديل وهما حجم أردافها الكبيرة وطولها أقل من مائة وسبعين سنتمترا، تلك عيوب حاسمة بالنسبة لمثل تلك المهنة الدقيقة. ما دون ذلك فلونها وملامح وجهها ليس في غاية الأهمية بالنسبة لتك المهنة. فكل الناس من كل الأعمار والأشكال والألوان والأمكنة تقتني بالضرورة الثياب والأحذية والإكسسوارات، وذاك ما يهم الشركات التجارية ولا شيء آخر.
    صورتني سامنتا كورنيل مئات الصور، وأخذت مقاسات جسدي كلها بما في ذلك مواضع حساسة وليست ضرورية للمهمة المعلنة، وكتبت كل الممكن من مواصفات جسدي ولوني وبالغت في وصف شخصيتي وطبائعي. ومهرت الرسائل باسمي وعنوان شقة ميركاتوربورت وأرسلتها في ظرف كبير مشحون بالصور والوثائق إلى خمسة من مكاتب الموديلات بأمستردام. كانت سامنتا كورنيل من تجاربها السابقة تعلم أن كل المقاسات تناسب المعايير وتفيض!.

    بعد عدة أيام جاءتني ردود في شكل رسائل كثيرة التفاصيل من ثلاثة مكاتب بالإيجاب يشكرونني على مبادرتي ويخبرونني بمكان وزمان لقائنا، بغرض المعاينة الأولية لوظيفة «عارض أزياء تجاري». كما تحدثت الرسائل عن الشروط الضرورية والمؤهلات، وناقشت الحوافز المالية التي ربما أحصل عليها في حالة اجتيازي الفحص النهائي.
    ذهبت للمعاينات الأولية وكانت سامنتا كورنيل بصحبتي في كل مرة من المرات الثلاث. وكاد أن يغشى عليها من شدة الفرح عندما جاء الخبر بالموافقة من كل المكاتب "الثلاثة" وبشدة. فقط كان علينا خيار أفضلها بالنسبة لنا..
    أصبحت سامنتا كورنيل بعدها لا تنام الليل، وإن لم تكن معي فإنها تهاتفني في اليوم الواحد عشر مرات وأحياناً عند منتصف الليل. وتذكرني على الدوام بأنها لمدة عام كامل ستحصل على ربع المبلغ الذي ربما أتحصل عليه من وظيفتي المتوقعة كعارض أزياء تجاري كونها مديرة أعمالي.
    وبدأت سامنتا كورنيل على حين غرة تتغير وتتبدل وتشعر بذاتها إنساناً مهماً، وتحلم وتهيم وتسرح في البعيد، وابتاعت فساتين وأحذية جديدة كي تواكب واقعها الجديد بوصفها مديرة أعمال لعارض أزياء له حاضر ومستقبل باهران، وكانت مفرطة الثقة في جدارتي وكفاءتي. وفي مرة من المرات فاض بها الخيال لتتوقع نفسها معي في ساحات هوليوود. وأصبحت تدفعني كلما تجدني لأخلع ثيابي كي تمسج لي جسدي بالزيوت العطرة وتحثني على الرياضة كلما حانت الفرص. وكان عندها خطط بعيدة الأمد وأخرى قريبة الأمد، من ضمن خططها قريبة الأمد القيام برحلات سياحية إلى البرتقال وإبيدزا وفينيسيا.
    كانت الأمور تسير بطريقة سلسة وفق ما خططت له وحلمت به سامنتا كورنيل. كان نجاحاً باهراً. وكانت برفقتي في الجولات التدريبية كلها، أخضعوني لتدريبات قاسية كثيراً ما استمرت ساعات طويلة من ضمنها كورسات نظرية ودورات رياضية مكثفة. لمدة ثلاثة أسابيع، وكان في الجولة الأخيرة من التدريبات تركيز أكبر على تعلم الوقوف والمشي والنظر والابتسام بطريقة احترافية. وكان هناك عدد من المختصين يجلسون أمامي يخبرون المدير التنفيذي بماذا شعروا من حركاتي وسكناتي، حتى إذا ما اطمأن قلب المدير التنفيذي ضرب لي موعداً للجولة الحاسمة في الأسبوع الأول من السنة الميلادية الجديدة.
    إنها مناسبة في غاية الأهمية، وهي عرض أزياء مصور الغرض منه اختيار الصور المناسبة لتنشر ضمن مئات الصور الأخرى لأناس من خلفيات وأعمار مختلفة في الكتاب الإعلاني الدوري لشركة نيكارمان وشركات أخرى لم أتعرف عليها ذاك الحين، كتاب نيكرمان الإعلاني يوزع مجاناً عبر البريد لملايين الناس من سكان الاتحاد الأوروبي.
    كل صورة ستنشر تعادل مبلغاً ما من المال. سامنتا كورنيل تملك مقدماً ربع ذاك المبلغ. كان ذاك هو الإتفاق. غير أن ما حدث في نهاية المطاف كان أمراً مختلفاً عما حلمت وخططت له سامنتا كورنيل.

    6-6
    في خضم المهرجان فوجئت بوجود زملاء مصنع الزهور "عليم وصبحي وبرونو بيترسون". لكن لا أحد يهتم تلك الساعة، فقط تصافحنا على عجل وقلنا ببعض كلمات المجاملة في وجوه بعضنا البعض دون أن يسمع أحد منا ماذا قال الآخر ونحن في خضم ضوضاء الكلام المتشابك والموسيقى الصاخبة وارتطام الأقدام على الأرض وتلاقي الأكف بالسلام وطقطقة "اللبان" في الأسنان وخبط الكؤوس ببعضها البعض وصرير السيارات في الشارع المجاور.
    عندما انتهت مراسم احتفال عيد ميلاد سامنتا كورنيل بدأت المشاعر تتهيأ للاحتفال برأس السنة الميلادية، لكن لا أحد كان عنده خطة محددة، فقط كان هناك عدد من الألعاب النارية مغلفة بالورق الملون، كانت ملقاة على الركن الأيمن من الصالون، لا أحد يعرف من هو صاحبها على وجه التحديد، ذاك غير مهم، ففي شقة ميركاتوربورت اشتراكية مطلقة وحرية مطلقة وتضامن مطلق وكل شيء مطلق!.

    وعلى أي حال عندما جاءت الساعة الحادية عشرة كان تقريباً كل من بشقة ميركاتوربورت ثمل ووجدت إحدى الفتيات نائمة في التوليت. وكثير من الناس في تلك الأثناء نسي رأس السنة وأصبح يتمتم ويتلعثم ويهيم في خيالاته وحده والبعض لا يستطيع الوصول إلى التوليت دون الاستعانة بالحيطان. في تلك الأثناء وجدت أنا سامنتا كورنيل تجذبني بغتة من يدي بقوة إلى غرفة العمليات "هكذا يسمي نادر حرفنة إحدى غرف المنزل" المخصصة للعناق واللحظات الرومانسية. كانت عقارب الساعة تحبو على مشارف العام الجديد. أذكر أن سامنتا كورنيل ذكرت لي خطتها من قبل أنها ترغبني داخلها لحظة التحول إلى السنة الجديدة، ذاك عندها من دواعي جلب الحظ والسعادة في العام الجديد. بدأت سامنتا كورنيل تخلع قميصي وعيناها في عيني تظهر عمداً تلذذها في وقاحة ودية بفتح الزراير حين تفعلها بهدوء ورقة وعناية. كانت النافذة مفتوحة ومشرعة على الآفاق الملتهبة بينما سامنتا كورنيل منكبة على تجريدي من أشياء فائضة لا قيمة لها تلك اللحظة وهي "الثياب"، هناك أضواء كثيفة وأصوات الألعاب النارية تصم الآذان. وفي اللحظة التي كادت سامنتا كورنيل أن تجردني من آخر قطعة قماش من على صلبي، شهدت على حين غرة في قلب بؤرة الضوء المتفجر كالبركان وجه فتاة جميلة وكأنها الملاك تحلق في الأفق وتسبح وسط خيوط النار تؤشر ناحيتي بكفها اليمنى بينما تمد لي اليسرى آمرة "اقرأ لي الكف يا ساحر النيل" ثم شرعت تصيح في صوت الطلقات النارية غاضبة "تعال إلى هنا، إلى بؤبؤ الضوء" تأمرني أمراً حاسماً ونهائياً " امنع تلك الفتاة عما تود أن تفعله بك". فأصبت بقشعريرة صادمة وتملكني الرعب، فخرجت كالممسوس من الغرفة أهرع إلى الصالون، مذعوراً وشبه عار تاركاً سامنتا كورنيل في دهشتها محبطة وتشعر بالبؤس.

    عندما التقيت سيلفيا لأول مرة في قطار الراين بعد عدة أشهر من تلك الواقعة شعرت بأنني أعرف هذا الوجه الملائكي من قبل وإنني رأيت حتماً تلك الكف التي مسها سحري فسحرتني. بعد تلك الواقعة الغريبة خرجت سامنتا كورنيل يكللها الإحباط الشديد إلى الشارع حيث نادر حرفنة وعليم الجزائري كانوا هناك بالقرب من باب الشقة في الخارج يحدقون في الفضاء المتقد ويشعلون بين الفينة والأخرى القليل من الألعاب النارية التي كانت بحوزتهم. وعلى حين غفلة جاءت شعلة نارية كأنها طلقة حية أصابت جسد نادر حرفنة مخترقة الجهة اليسرى من صدره، فسمع الناس آهاته تكدر المسافات ثم سقط ميتاً في الحال والنار تشعل ثيابه حتى أصبح بقطعة قماش واحدة من على صلبه. فدخل بعدها عليم الجزائري إلى المنزل وأخذ سكيناً من المطبخ واتجه ناحية جماعة من الرجال والنساء البيض كانوا يتجمهرون ناحية الركن الأقصى من الشارع ويطلقون ألعابا نارية شديدة الانفجار. جرى عليم الجزائري ناحيتهم وهو يصيح غضباً ويشهر السكين من أمامه فصادفته دورية للشرطة قادمة في الاتجاه العكسي من الشارع ففتح فيه أحدهم النار فأرداه قتيلاً برصاصة في رأسه.
    وعلى أثر تلك الواقعة المؤسفة والحزينة انتهت شقة ميركاتوربورت وانتهت علاقتي المريبة مع سامنتا كورنيل وانتهت حكاية عرض الأزياء. وعندما طلبني متعهد وزارة العدل الهولندية ليبلغني خبر حصولي على حق اللجوء السياسي بهولندا لم أفرح وكنت أشعر بالحزن والبؤس بالذات عندما علمت أن القرار صدر قبل موت نادر حرفنة وعليم الجزائري بعدة أيام وأنهما بدورهما قد حصلا على الإقامة الدائمة لأسباب إنسانية. ثم علمت فيما بعد أن شوفينكا تاونفورت قد ماتت بدورها قبل ستة أشهر خلت بذبحة صدرية بإحدى ضواحي ريو دي جانيرو. كان حزن. لكن من هنا بدأت حياة جديدة مختلفة. إنه من طبيعة الأشياء.
                  

العنوان الكاتب Date
أنا وسيلفيا الهولندية أو (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين نسخة إكترونية الشيخ أبوجديري01-16-14, 00:39 AM
  Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 00:46 AM
    Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 00:53 AM
      Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 04:07 AM
      Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله عمر نملة01-16-14, 04:10 AM
        Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 02:03 PM
          Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 05:16 PM
            Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 05:44 PM
              Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 05:51 PM
                Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 07:19 PM
                  Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 07:54 PM
                    Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 08:22 PM
                      Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 08:51 PM
                        Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 08:54 PM
                          Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 09:04 PM
                            Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-16-14, 10:44 PM
                              Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-17-14, 00:17 AM
                                Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-17-14, 09:54 AM
                                  Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-18-14, 00:42 AM
                                    Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-19-14, 05:37 AM
                                      Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله عمر نملة01-19-14, 05:47 AM
                                        Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-19-14, 08:10 PM
                                          Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري01-22-14, 05:30 AM
                                            Re: أنا وسيلفيا الهولندية (رواية: حرب الأنهار) لمحمد جمال الدين روعة والله الشيخ أبوجديري02-03-14, 01:22 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de