بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 00:22 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-19-2013, 07:48 PM

الهادي عبدالله احمد
<aالهادي عبدالله احمد
تاريخ التسجيل: 10-30-2010
مجموع المشاركات: 649

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها (Re: الهادي عبدالله احمد)

    سارة: معزوفة على قيثارة الذاكرة .. د. زينب عبد الرحمن أزرق

    1526635_566443030105014_721287406_n1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    سارة: معزوفة على قيثارة الذاكرة .. د. زينب عبد الرحمن أزرق
    البحث في خارطة الذاكرة لإستجلاء مكنوناتها ممارسة تقنع بها النفس أحياناً هروباً من غيابة الواقع وأحياناً أخرى لإستدعاء مواقف أو أحداث بعُدت كثيراً. ولى فى إحدى زواياها خواطر ذات وقع خاص، علاقة ربطتنى بأخت روحى سارة، وأنا أحمل منسأة الترحال فى ثناياها بحثاً عن محطات حملتنا معاً أجدها تخفق فرحاً أحياناً وأتراحاً أحاييناً .
    مسيرتى مع سارة مشوار بدأت خطواته ونحن زغب الحواصل فى المدرسة الإبتدائية مدرسة الإمام عبد الرحمن المهدى بودنوباوى، مروراً بمدرسة أم درمان الثانوية بنات حيث أخصب دورات الفصول مضطرما بها الفؤاد ومن دقاته الكبرى نصيب لا يزال يحن إلى تلك السنوات المورقات.
    وطالما أن الدراسات العلمية أكدت قوة ذاكرة المرأة خاصة الذاكرة طويلة المدى أطمع أن تأذن لى باستدعائها ما شاءت وشاء لها هوى النفس. وللحديث عن هذه السيرة كان لا بد من استعراض مختصر لمجتمع المرأة آنذاك، ومجتمع أم درمان على وجه الخصوص.
    أم درمان شهدت نشأتنا، أم أعطت ومابخلت فمن أنا من الذاكرين إن لم أذكر أم درمان، وكعهدها دائماً ولأنها ولدت بالتهليل والتكبير أعطتنا ذلك الأحساس بالأمان فنشأنا فى أزقتها وشوارعها بلا خوف يسوق خطانا، ولا قلق يؤرقنا اخوان على سرر متحابين، وما أن اشتد عُودنا انتمينا إلى عالمنا عالم النساء، وهو عالم له قوانينه آنذاك كما له محاذيره، فعملية التطبيع الإجتماعى جعلت من المرأه أداة للإنجاب والمساعدة في العمل، فعالم الرجل المميز آنذاك شاركت المرأة نفسها فى صنعه، ويستشهد الذهن الشعبى بأغنية ظلت تتردد لزمن طويل (تبكر بالوليد والفايده الإيد) ، وكنت أعجب حين تقول الواحدة من النساء للنفساء إذا كان المولود ذكراً لابد من إكثار التعطر والتزيّن، اما إذا كان المولود أنثى فغالباً لا نسمع مثل هذه النصيحة. كذلك المعاملة فى المنزل، ودرجة الحريات محكومه بالنوع، فالأنثى تغسل وتكوى وتنظف وتطبخ لأخيها الذكر وإن كان هو أصغر منها سناً.. صحيح أنه قد سمح لها بالعمل وإن لم يتنازل الرجل عن إمتيازاته فقتلها صراع الأدوار. ومع كل ما تقوم به كان يقال عنها "المرة كان فاس ما بتكسر الراس".
    هذه المقولات وغيرها ربما أحدثت بعض الإرباك فى شخصية المرأة، فاضطرت إلى الإذعان لهذا الواقع دون مقاومة تذكر، فأدوارها مرسومه بعناية تامة، فهى ومنذ صغرها تعي تماماً أن المنزل بالنسبة لها محطة لا بد من مغادرتها يوماً ما، وأن "كل ساقطة ليها لاقطة"، فمؤسسة الزواج نفسها كانت مهمة فى حياة المرأة لأنها تعنى منح بعض الحريات والاعتراف بدورها فى المجتمع، فيحل الانعتاق من السلطات المتعددة: سلطة الأب والاخ.
    ورغم دورها فى صياغة الأحداث المجتمعية الكبرى آنذاك، ورغم تأثيرها المباشر على مجريات الأحداث اليومية، ورغم الحقوق السياسية التى نالتها المرأة التى أكدها الدستور، ورغم صياغة القوانين التى تكفل لها جميع حقوقها على أساس العدالة والمساواة، إلا أن هذه الحقوق جعلتها أكثر إرباكاً، ففى السياسة فغالباً ما ينحاز النساء إلى شكلية الموقف فيدعمن حملات الانتخاب التى ترشح الرجال، وبعض النساء يستسلمن إلى فكرة أنه لا فائدة للمجتمع من إشراكنا فى القرار السياسي.
    رغم زيادة فرص تعليم المرأة وتدريبها ورغم أن مشاركتها فى الإقتراع والحملات الإنتخابية منذ العام 1954م لإختيار أعضاء البرلمان إلا أنها ما زالت بعيدة عن مواقع اتخاذ القرار، رغم أن أول امرأة دخلت البرلمان كانت عام 1965م إلا ان تمثيلها ظل منخفضاً.
    أما المجال القضائى فقد انخرطت فيه النساء منذ عام 1965م حيث عملت محامية وقاضية ومستشارة.
    أما في مجال التنمية الإقتصادية والإجتماعية فقد مثلت المرأة نسبة مقدرة، خاصة فى القطاع التقليدي الزراعي، وتشارك بفعالية في جميع مجالات العمل، وكفلت لها تشريعات العمل المساواة العادلة فى الحقوق والواجبات، كما شهدت معدلات التحاق البنات بالتعليم زيادة كبيرة حتى أنها كانت تتلقى تعليمها العالى خارج السودان.
    وإذا كان مجتمع أم درمان هو المؤشر الذى يمكن أن نقيس به بقية المجتمعات فى السودان باعتبار أنه بمثابة البوتقه التى انصهرت فيها أهل السودان باختلاف سحناتهم ولهجاتهم، فإننا نلحظ أنه قد منح المرأة حريات اجتماعية محدودة. وفى مجال الزى مثلاً كان لا يسمح للنساء الشابات بالتزيي بحرية، فالتوب كان يمثل مؤشر انتقال المرأة من مرحلة الطفولة إلى الشباب، أما الطرحة فكانت للقاصرات. ورغم أن التدين لم يكن مظهراً إلا أنه كان سلوكاً، إلا أن النساء كبيرات السن كن لا يحبذن المرأة المتدينة فتقول الواحدة منهن "الدجاجة العوعاية ولا المرأة الصلاية". وفى زماننا ذلك كانت الحبوبات لهن اليد الطولى فى اتخاذ القرارات فى الأسر، فهن يطلقن الألقاب على الشباب، فنادراً ما تجد أحداً يخلو من لقب، كما كن يعملن بإصرار على تطبيق كل العادات، وأهمها الختان، لذلك احتلت الداية القانونية مكانة مرموقة فى المجتمع بحقيبتها الحديدية النظيفه والموسى تقبع فى أحد أركانها تجول بين المنازل تمنح العفة الممهورة بالدم والمرض وأحيانا التضحية بالروح، فالخوف من المجتمع كان الهاجس الأكبر فماذا يقول عنا الناس؟ هو السؤال الذى يفرض نفسه فى الاعتراض على أية ممارسة سالبة كانت أم إيجابية، إلا أن مراكز الإستشارة كمؤسسة الأحفاد، كانت قد بدأت أولى خطواتها فى التصدى لظاهرة الختان المتدثر بدثار الدين أحيانا مما جعله حياً لأجيال خلت. والموسى لم تقنع بوصم العفة الجسدية ولكنها أيضا تدخلت فى رسم صورة الجمال ففصدت أوجه النساء بدعوى الجمال، وصارت مهنة التشليخ مهنه فنية دقيقة، وصار الشعراء يتغنون بالشلوخ ويروجون لهذا المفهوم الجمالى، ونساء أم درمان كن يفضلن الشلوخ الطويلة العريضة العميقه التى يطلق عليها المطارق والتى قال فيها أحد شعراء البادية :
    ماذنب الزول الشلوخه تمانيه
    بينى وبينه دول الإنجليز والمانيه
    ياعابد اللالوبه زاهد الفانيه
    ارحم حالة روحى مدندنه وفانيه
    الا ان هذه العملية بدأ المجتمع فى رفضها منذ الخمسينات فيقول المطرب حسن عطيه :-
    ماشوهك بفصادة
    للخدود السادة
    كذلك أغنية السادة لونه خمرى، وغيرها من الأغنيات التى بدأت فى شجب عادة التشليخ، وخلق صوره ذهنية مغايره للمفهوم الجمالى فى التشليخ.فأصبحت النساء يتخلين عنها شيئاً فشيئاً حتى انحصرت فى نطاق ضيق جدا فى جيل الجدات فقط.
    لهجة نساء ام درمان
    وكما ذكرت فإن مجتمع أم درمان أفرزته عدد من الهجرات من الريف إليه خاصة فى عهد المهدية لأن مفهوم الهجرة كان من المفاهيم الأساسية إبان المهدية، مما أكسبه صفات خاصة به، وسمات لغوية خاصة لدى نسائه فرسمت خارطة لغوية خاصة فى الاحياء العريقه ورغم إنتشار التعليم الا ان النساء المتعلمات كن يتداولن ذات الالفاظ التى طورها مجتمعهن بحسب نسبة انغلاقه وابتعاده عن مجتمع الذكور، حتى أن هناك ألفاظاً إذا تفوه بها الرجل تعد خدشاً فى رجولته. كما أنه كانت قد بدأت تنمو طبقة اجتماعية قياساً بالمعيار الاقتصادى وكانت نساؤها يملن الى استخدام الألفاظ الإنجليزية أو ترقيق الأصوات العربية المفخمة، وقد يرجع ذلك إلى بدايات الانفتاح على الغرب، أو التأثر بالمواد الإعلامية الغربية. كما أن عزلتهن عن الرجال أيضا دفعت بهن إلى اختلاق المناسبات الخاصة بهن، وكلما كان سياج العزلة عن الرجال مستحكماً، كلما كانت اللغة الخاصة بهن أوفر قاموساً، وإن كان أسلوب النساء خاصة المسنات أقرب إلى الأسلوب الأدبى الذى يعتمد على التصوير الدقيق، وتلمس أوجه الشبه، كما أن تعابيرهن كانت تميزها لمسة من المودة والإلفه واستخدام بعض التعابير الإباحية أحياناً، وإن كانت الأجيال الحديثة التى كنا ننتمى إليها آنذاك لا تتقن هذه اللغة، وإن كان هناك احترام الحبوبات والاستئناس بهن واللجوء إلى حكمتهن مما نفتقده هذه الأيام وما يفتقر إليه هذا الجيل، ومن أمثال ذلك كانت الواحدة إذا أرادت أن تصف اختها بالتسرع مثلا تقول "شفقانة شفقة بت مكنتن الطلعت على راجلها بجزماتا".. أو "فارغة فراغ من متلها الباعت أمها وكست راجلها وقالت ما قرم رجال لكن سترة حال"!
    هكذا كنا نسمع مثل هذه التعبيرات من كبيرات السن فى مجتمعنا، وإن كانت قد آلت الى الاندثار مخلفة بعض الألفاظ والتعبيرات التى تضرب عميقاً فى القيم السالبة، لتخلق ألفاظاً تسخر من الكبار، كأن يطلقوا عليهم جلاكين ساخرين، أو دقوا ليه خروج فى إشارة لاقتراب أجله، مما ساهم فى إحداث فجوة بين الأجيال. ففى زماننا كانت النساء كبيرات السن وفى كثير من مناحى سلوكهن يمثلن مصدات قويه للتيارات السالبة التى تقلع قيم العفاف والاهتمام بالعرض.. كانت تقول الواحدة منهن تصف عفة إحداهن "فلانة شدة ماعفيفة ونضيفة دمها يداوو بيه الكلف". أو "بت الرجال البسترو الحال ديل البعرفو الغرض ويصونو العرض". أو التخفيف على وقع مصيبة العانس أو من فاتها قطار الزواج "بت الناس كلما بارت استخارت". كنا نردد هذه المقولات أحياناً وننسبها إلى كبيراتنا ولا ننسببها إلى المساطيل حتى صار مسطول الأمس عاقل اليوم وحكيم الأمة وخبيرها ومؤنسها، هذه الصورة الذهنية الإيجابية التى شكلت للمسطول جعلته قيمة ربما تدفع بالكثيرين إلى الانخراط فى معية الساطلين!
    أما فى مجال الفن كانت بداية البلابل فى وولوج دنيا الفن وهن كريمات الأستاذ طلسم الناظر بالمدارس الثانوية. هادية أكبرهن والتى كانت زميلتنا فى الدراسة الثانوية وكانت تتمتع بحس نقدى ومقدرة على التعبير كنا نفتقدها نحن بنات جيلها. ولم تكن الفنانة الطقطاقة مثلاً هى التى أعطت للوطن وعملت على استقلاله كما وصفها المذيع فى الذكرى السنوية لوفاتها، بل كانت مجرد مغنية تطقطق للعروسات خاصة الثريات منهن. وكأنى بها حملة مقصودة لتزييف الوعي فى السودان، وإلا كيف تمر ذكرى استشهاد الخليفة عبدالله مرور الكرام بينما تتقد الذاكرة المزيفة بمرور عام على وفاة مغنية لم يكن لها دور فى الاستقلال إلا أنها تزيت بتوب يشبه ألوان العلم وغنت للأزهرى؟!
    باختصار كان مجتمع أم درمان محافظاً إلى حد كبير رغم مظاهر الحداثة من تعليم وتوظيف للمرأة ونشاطات طوعية ومكانه لها خصوصيتها.
    العلاقة بسارة
    فى هذا المجتمع نشأنا سارة وأنا في مدرسة ود نوباوى الإبتدائية وكنا نحترم مدرساتنا ونلبى طلباتهن بسعادة بالغة وهن يزرعن فسائل الأخلاق. المدرسة الواحدة منهن كانت تلبس التوب الابيض الزى الرسمى وما أن تصل إلى المدرسة تستبدله بالطرحة حتى تستطيع الحركة دون قيود خاصة فى طابور الصباح حيث التفتيش كل يكشف تنورته حتى تستطيع المدرسة الوقوف على درجة النظافة فى الأظافر والملابس الداخلية ثم ننصرف إلى القاعات "الفصول"، وما أن يرن جرس الفطور إلا كانت مجموعات تتدافع فى مظان أزيار الشراب حيث تسمع صوت التلميذات صائحات "حلوقى فى حلقوك"، هذا التعبير بمثابة قسم أن تمنحها كوز الشراب لها فقط ليس للتى تأتى بعدها. وأخريات يخططن لعبة الحجلة فى الأرض فترى الأقدام الصغيرة تدفع بالحجارة من مربع إلى آخر وصيحات الشجار والخصام، والمشادة الكلامية لرفع وتيرة العراك "القرادة المستبدة.. كان أصالحك أبقى قردة ..القرادة عايزة الصلح والسوسة ماكلة الضرس"، ومجموعات أخرى تلعب "سك سك" وأخريات يترنمن بأناشيد المدرسة "نحن الطيور أيها الانسان"، وسرعان ما يرن جرس الخروج فنمضى كل منا فى حال سبيلنا من ذهبت الى البوت أو إلى الجان لنشترى بضاعته أو إلى قمرن نشتري سلطة الروب باللقيمات.
    فى المرحلة الثانوية توثقت علاقتنا أكثر، حيث أصبحنا على درجة من الوعى تسمح لنا باكتشاف أهمية الصديق الذى ينتمى إلى ذات معتقداتك حيث يكون الإطار المرجعى موحداً واللغة مشتركة وهكذا كنا سارة وأنا تجمعنا المعتقدات الأنصارية مما سهل العلاقة بيننا، إذ اطمأنت الأسرتان لتلك العلاقة وباركوا خيوطها المنسوجة بالحب الأخوى. فظلت علاقتنا صامدة لم يدق بيننا إسفين، فسارة طيبة حنونة تشعرك بالأمان وأنك الوحيد المتربع فى بؤرة اهتمامها، ورغم صغر سنها إلا أن نشأتها فى بيت الأمير أورثتها هذه المعانى، فالبيت كبير بمعنى الكلمة، ليس بهاو أبواب خصوصية، كان بحق بيت السودان، وأشجار الياسمين تتسلق الجدران فالداخل تعطر أنفه رائحة الياسمين النفاذة، وما أن تدلف داخل الحوش الكبير المتعدد المنازل حتى تحس و كأنك فى قطعة من السودان الكبير مدينة أو قل حى كامل فالناس دائماً في حركة دائبة، وأوانى الشاي والعصيدة، الكل فى حالة استقبال ووداع، النساء دائماً فى حالة إعداد لوجبات لا تنقطع، والأمير عبد الله والد ساره فى جلباب الدمور فى كامل هندامه وإن كان حافى القدمين يخدم ضيوفه وابتسامة لا تفارق وجهه فى حركة مستمرة بين المطبخ والصالون، ووجهه بشر طلق. كان يحيرنى هذا الأمير كيف يبدو رقيقاً رغم المهابة، كيف يبدو مبتسماً رغم الصرامة؟ ورغم حداثة سنى وصديقاتي كان يعاملنا الأمير باحترام. كثيراً ما حيرنى هذا المنزل الذي تضج أركانه وزوايه بالحركة، أورث سارة النشاط والإيجابية. تلك البسمة التى تعلو وجه الوالد أورثت سارة وداعة بائنه ظاهرة للعيان، كما أن والدتها كانت تمثل المرأة السودانية بحق، المرأة التى لا تنفك تذكرك أن الدار دارك. فبت سبعة كانت حلوة المعشر، ذربة اللسان، وكانت البنات يمنحنها رعاية خاصة واحترام كبير. كنا نحن الصديقات كثيرا ما نزور سارة لأن ظروف البيت إلى جانب المحاذير التى كانت تضعها أختها عائشة خوفاً عليها جعلت حركتها أكثر تقييداً، إلا أن ذلك لم يمنعها من زيارتنا أحياناً، أذكر أننا كنا نتلاقى نادية محمد نور وهدى على جعفر وسارة وأنا نستذكر دروسنا فنقضي جل وقتنا نكتب عناوين المواضيع التى سنناقشها بعد الامتحان! وهكذا كان يضيع وقتنا ونحن نحاول تسجيل هذه الملاحظات ثم يسرقنا الزمن ونذهب بعيداً عن كراسات الدراسة وجفاف المقررات الدراسية فنضحك، وأحيانا يعلو صوتنا، وكانت نهرات الأمير والد سارة كفيلة بأن تعيدنا إلى رشدنا، فنلملم أغراضنا سريعاً ونسير نحن الأربعة معا فى طرقات ود نوباوى التى شهدت تآلفنا وبراءة غاياتنا فنصل مع هدى ثم نعود إلى نادية وترجع سارة لتصطحب أحدهم ويصطحبونى إلى منزلي، فالشاهد أن منازلنا لم تكن متباعدة، هذا القرب الجغرافى جعل التواصل اكثر سهولة وعمق الصلات التى تربطنا.
    سارة كانت ولا زالت اسماً على مسمى، أخذت من اسمها الكثير، لا أكاد أذكر أحدا اشتكى منها أو بدر عنها ما أساء لأحد، ورغم زيارتنا المتكررة إلا أن خطاباتنا لم تتوقف. كنت إذا أردت كتاباً أو احتجت إلى أى غرض أرسل لها خطاباً وترد هى بخطاب ممهور بـ(سارة، أول ضابطة مباحث سودانية)، كنت أضحك حتى تبين نواجذى، أى جهاز بوليس ذلك الذى يسمح لأمراة أن تعمل في هذه المهنة، واعتبرتها مجرد أضغاث أحلام، كما أنى لم أكن أدرك أن سارة تملك فعلا كل الإمكانات التى تؤهلها لتمتهن هذه المهنة. لأنى كنت ألمس فيها رقة فى التعامل ومودة فى القربى، فلا أخالها تستطيع العمل كامرأة تبحث فى الجريمة وتحقق في أسبابها وتحقق مع مرتكبيها. كما أنه لم يدر بخلدي يوماً أن سارة ستغدو امرأة سياسية، لأن السياسة كما كنت أفهمها فن الممكن الذى يستلزم النفاق وهذا أبعد ما يكون عن سارة، والسياسة كما كنت أفهمها فيها القسوة والمعاناة لذلك كنت أدفع بسارة بعيداً عن ساحاتها، ولكن فاتنى أن سارة بنت بيئتها وعالم أسرتها عالم صاغته أفانين السياسة وخبروا دروبها وأدركوا كواهنها وذاقوا وبالها وصبروا. لم أكن أعرف أن الصبر يمكن أن يكون صديقاً يلازمك يتغذى من ألمك فيكبر وينمو ويترعرع حتى تحس كأنه كائن يتنفس بقربك إلا حين تعرفت إلى هذه الأسرة، فرغم البلاء والإبتلاءت التى عشتها بينهم على على مر السنين كنت ألمس ذلك الإيمان الكامن، وملامح الرضا المرتسمة دائماً على ملامحهم. فمصاب الأمير عبد الرحمن كان مصاباً جللاً إذ أنه استطاع وبجدارة أن يرث مكانة والده وأن يصبح لسارة صديقاً صدوقاً وأن يرسم على وجه الأسرة الصابرة كثيراً من الإبتسامات، يعود من غربته يجمع الأصالة والحداثة، يحافظ على عراقة الأسرة وصلاتها الممتدة خارج العاصمة، وفى ذات الزمان يحاول أن يضع معالم خارطة طريق يحسبها بر الأمان، ولكن كعهده وعهد من سبقه ظل صامداً قوياً فى شموخ، الأمر الذى أذهل أعداءه فكانوا له بالمرصاد. وفى مصاب الحاج صبرت الأسرة. ظلوا يلوكون الصبر ويقتاتون الصمود على مر الشهور والسنين، ومن ظهر أسرة كهذه خرجت سارة من أب وأخ أستعير فيهم قول الأديب الطيب صالح: (حياتهم كد وشقف، وقلوبهم عامرة بالرضا الكثير لايبطرهم والقليل لا يقلقهم لايتعدوا على حقوق انسان ناس سلام وقت السلام، ناس غضب وقت غضب، الذى لايعرفهم يظن انهم ضعاف يرمهم الريح الا انهم اقوياء فهم فى ذلك مثل شجر الحراز ضعيف فى مظهره قوى فى بنيته). فعلاقة الإنتماء الى هؤلاء النفر جعلت سارة تكتسب نمطاً من السلوك والتفكير أبعد بها كثيراً عن بنات جيلها، فانتماءاتها ألقت على عاتقها التزامات ربما أكبر من سنها، ولم تنوء يوماً بما حملت، فلهجت بخلقها ألسن وخواطر، وصبت إليها الجوانح لأنها كانت معطاءة كحقل متسع بلا حدود.
    لقد كنت أحس وأنا معها أن أعوامنا القادمة ستكون أفضل لأن سارة تمنحك شعور المخبتين، فهذه القوة الناعمة لم تكن خافية عني فقد خبرتها عبر سنوات طوال، إذ عتقتها داعيات البلاء، وعجمت عودها فنذرت ذاتها إلى كيان أرحب من حدودها الضيقة، يلائم شكل الحرية وأحلامها لم تفطم بعد، صارمة الخطوات، تعلم الرياضيات تعشق الأرقام، تحاول أن تبتكر لنا الأحلام فى هذه الأزمنه الرثة ظلت طليعة النساء، امرأة فارعة رائعة التكون، تمير أهلها رغم فيض من حريق الهموم كان وجهها يستحم بنور الايمان اذا ضاقت بها ضائقة الزمان، كانت أحياناً تأتينى لا تقول شيئاً وأنا احترم صمتها إلا أن دموعها تعبر عن خبايا أحدقت بها من شرار النفوس، كانت تغسل همومها بنهر من الدمع ثم تعود إلى منزلها راضية مرضية. تصلي سارة كثيراً وتصوم أكثر حتى أن والدتها دائماً ما كانت تسخر منها قائلة "يا بت انتى كاتلة رقبة؟" فنضحك ملء أشداقنا ألا رحم الله بت سبعة وأسكنها فسيح جناته.
    حكا لى أحد المثقفين وهواة السياسة وأعلام الأدب قائلاً والله يا ينب ما أن أسمع صوت سارة فى إحدى الندوات، والحديث أيام الديمقراطية طبعاً، إلا أن ركبت سيارتى وتبعت اتجاه الصوت مشدوداً إلى حديثها. كان كثيراً ما يكررها، واعتبرها امرأة استثنائية، ويقسم أنها يوماً ستتقلد منصب يعود بالنفع لهذا البلد المبتلى. ونحن ما زلنا نتطلع لمثل هذا اليوم.
    ما زالت المفارقات موجعة فكل هذا الزمان ونحن الآن ندق أبواب الستين، نجد أن الزمان يتقدم إلى الأمام بينما نحن نتقهقر بخطى سريعة، فلا حلم تحقق، ولا نعمة طرأت فما زلنا أسرى الخوف بكل أنواعه. خوف الفاقة والألم والجوع، وما زال المدفع أقوى من الفكر، والرصاصة أرخص من الخبز، وما زال جيل بأكمله يعيش متاهات، بعضه مغيب بفعل فاعل، وبعضهم غاب عبيد بأفكارهم وميولهم إلى منابع أخرى ينسجون أحلامهم حولها ويهفو إليها وجدانهم الفارغ من حب الوطن.
                  

العنوان الكاتب Date
بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-18-13, 01:25 PM
  Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها سيف اليزل الماحي12-18-13, 01:39 PM
    Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها محمد أحمد الريح12-18-13, 02:49 PM
      Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها احمد حمودى12-18-13, 03:02 PM
        Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 10:50 AM
      Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 11:12 AM
    Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 10:43 AM
  Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 09:19 AM
    Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها حمزاوي12-19-13, 11:19 AM
      Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 12:42 PM
    Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 12:12 PM
      Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 01:33 PM
      Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 04:38 PM
        Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 04:51 PM
          Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 05:32 PM
            Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها أحمد ابن عوف12-19-13, 05:48 PM
              Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 06:19 PM
              Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 06:33 PM
                Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 06:57 PM
                  Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 07:07 PM
                    Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 07:23 PM
                      Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 07:39 PM
                        Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 07:48 PM
                          Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها نادر الفضلى12-19-13, 08:29 PM
                            Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-19-13, 08:55 PM
                              Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-21-13, 08:17 PM
                                Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-21-13, 08:31 PM
                                  Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها abdelrahim abayazid12-21-13, 08:50 PM
                                    Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-25-13, 01:30 PM
                                      Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-25-13, 01:54 PM
                                        Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-25-13, 02:06 PM
                              Re: بكماء حزب الامة وكاتمة سره سارة نقد الله في منصة التكريم غارقه في دموعها الهادي عبدالله احمد12-25-13, 05:54 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de