عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 07:07 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-18-2013, 12:02 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... (Re: عبدالله الشقليني)





    دراسة هامة مقارنة في مصطلح الإسلام الشعبي ، للبروفيسور عبد الله علي إبراهيم ، تعمق الدراسة في الإسلام الشعبي ، وهو مبحث هام :

    الإسلام الشعبي: دين في مقاس الرجرجة
    عودة الي مفهوم القس سبنسر ترمنغهام (1949) عن الأسلام الشعبي
    عبدالله علي إبراهيم
    ترجمة محمد عبدالله عجيمي



    سادت منذ حين مصطلحات واوصاف في الكتابة عن الثقافة السودانية لم تخضع بعد الي التمحيص. ومن هذه المصطلحات قول الكتاب أن إسلام السودانيين المسلمين هو "تأسلم" وأن عروبة عربهم استعراب وأن خليط هذين الحظين المبخوسين هو "الاسلاموعربية". و"التاء" في حال التأسلم والإستعرب هي "ت" الإفتعال. وهذا حكم مجازف لا يصدر عن علم او تأهيل لأنه لا احد يعرف "مقدار" الاسلام أو العروبة التي يشترط توفرها في كائن بشري حتي يصح وصفه بالمسلم العربي بغير "تاء" المناتقة كما جاء عند الدكتور عبدالله الطيب.

    وأخشي أن يكون ذيوع هذه المصطلحات أثراً من معارك السياسة العملية حيث تدور رحي حرب الحداثيين والإصوليين من العرب المسلمين منذ حين في سياق حرب اهلية بغيضة. وقد اراد الحداثيون كسب نقاط علي خصومهم الدينيين بالقول ان ديننا هو "نص ديانة" وعروبتنا هجينة فلا تخوتوننا. واذا صح مثل هذا الاعتذار بضآلة كسبنا من الاسلام والعروبة في معمعمان العراك السياسي فهو لا يجوز في مقام العلم بالأشياء.

    ومصطلحات الحداثيين الدهريين من مثل الإستعراب والتأسلم قديمة حتي لو بدت لها لمعة عند الناطقين الجدد بها. فهي من موروثنا من الإثنوغرافية الاستعمارية والتبشيرية التي نشط فيها هارولد مامكايكل بكتابه عن (تاريخ العرب في السودان، 1922 ) والقس الأنجليكاني ترمنقهام بكتابه عن الاسلام في السودان (1949). ولم نقصد برد منشأ هذه المصطلحات الي بؤر استعمارية القول ان متبنيها في أيامنا هذه ملوثون ومصروعون بالغرب. حاشا. اكثر ما نريده في هذا المقام القول ان هذه المصطلحات قد تفرعت من نظريات "ألأوابد"survivals والانتشار التاريخي للثقافة ومباديء الوظيفية functionalism التي سادت في اوئل القرن الماضي ثم خبت جذوتها وهجرها الناس الي نظريات أهدي وأقوم. ووقف للأسف حمار نظرنا الثقافي في عقبة تلك النظريات المهجورة. وقد نعزو ذلك الي ان شعبة الأنثربولجيا بجامعة الخرطوم ،التي هي مركز تلقي الجديد في هذا العلم، قد كفت عن العناية بالثقافة منذ تحولت الي شعبة خدمات لمنظمات غوث الملهوف الغربية. وأضحي جهد أكثر اساتذتها منصباً علي كتابة مذكرات عن خلفيات اجتماعية للسودانيين المراد غوثهم او تطويرهم. وهكذا توقفت الشعبة عن النظر الثقافي الذي ميز جيلها الأول مثل الدكتورين تاج الأصفياء وفهيمة زاهر. وسيري القاريء خطر مثل هذا التباطؤء في متابعة النظر الثقافي المطرد الذي انتهي بنا الي التعلق بنظريات عن أخص خصائصنا عفا عليها الزمن ورمي بها الناس في مزبلة العلم لو صح التعبير.

    وقد حاولت في مقالين لي بالإنجليزية أن أوطن النظر الثقافي عندنا فيما استجد من علم الهوية والثقافة. نشرت كلمتي الأولي في مجلة الدراسات الأفريقية العالمية الإنجليزية عام 1985 ونشرت الثانية بكتاب حرره الدكتوران سيد حامد حريز والفاتح عبدالسلام عنوانه في العربية: "الإثنية والخصام ولتكامل القومي في السودان" (1989). وقد حال صدورهما في الانجليزية وتنائي المنشورة بالخارج منهما عن محيط البلد دون أن يجدا مكانهما في المناقشات الجارية علي قدم وساق في بلدنا عن الهوية. وقد التمست عون الاستاذ عزالدين عثمان المحامي في ترجمة المقالة الأولي والأستاذ محمد عبدالله عجيمي في ترجمة الثانية. كما دقق في التعريب الدكتور بدر الدين علي والأستاذ الخاتم المهدي. فجزاهم الله عني كل خير. وقد راجعت التعريبين لأتحمل تبعة نشرهما وحدي دون غيري. وقد نشرت المقالة الأولي المعنونة "كسار قلم مكميك: عودة الي هوية الجعليين الكبري" هنا علي حلقات منذ حين. وها أنا أبر بالوعد وأنشر المقالة الثانية المعنونة " الإسلام الشعبي: دين في مقاس الرجرجة" علي حلقات هنا. ولن يجد القاريء ثبت المراجع ويمكن لطالب الإستزادة الإستفسار عن مرجع أو آخر علي بريد المؤلف.



    وجهة النظر المأخوذ بها حاليا حول هوية السودانيين الشماليين الإثنية والدينية هي في جوهرها من عمل هارولد أ. مكمايكل (1922)1 وجي. سبنسر ترمنغهام (1946)2. ويقول مكمايكل أن القاسم المشترك الأعظم في الهجين العربي الأفريقي، الذي نشأ عن اختلاط النوبة المحليين والعرب، الذين استقروا على نهر النيل منذ القرن التاسع وحتى القرن الرابع عشر الميلادي، هو تلك الأرومة البربرية أو النوبية المشتركة التي تسري في كافة عناصره بنسب شديدة التفاوت (1922:235). وقد أطلق ترمنغهام على دين هذا الهجين اسم "الاسلام الشعبي" لأنه مشرب بالوثنية الأفريقية. وأراد ترمنغهام بهذه التسمية القول انه إسلام آخر علي النقيض من الاسلام الارثوذكسي ANTI -ORTHODOX ،أو هو هجينSYNCRETISTIC علي اقل تقدير، او غير تقليديUNORYHODOX(1949 :108). وقد قبل الباحثون اللاحقون بهذا التوصيف لهوية الشماليين الإثنية والثقافية على نطاق واسع:(هارولد باركلي 1964 :136-137؛ يوسف فضل حسن 1967 :152؛سيد حريز 1977 :11،22؛ وليام آدمز 1977: 557،574،577؛ أحمد الشاهي وف.ت.مورF. C. T. MOOR 1978 :32؛ حيدر ابراهيم 1979 :15،126؛ أحمدعبدالرحيم نصر 1980 :88-91 وشرف الدين عبدالسلام 1983 :5،10،43)3.

    ينطلق توصيف كل من مكمايكل وترمنغهام لهوية الجعليين الكبري من فرضية فاسدة لا تستمد جذورها من الحقيقة المشاهدة للتمازج العربي-الأفريقي في السودان فحسب بل من الدلالات السلبية لمصطلح السفاحية العرقيةMISCEGENATION في الثقافة الانجلو-ساكسونية. فهولاء البيض من ذوي السلطان علي الفكر ومفاهيمه يستهجنون في دخيلة انفسهم خلطة الأعراق ويعدونها خرقاً وسفاحاً (علي المزروعي1973 :58،75).وعليه فمكمايكل يتحدث عن عملية التمازج العربي-الأفريقي في السودان والعنصر الذي نتج عنها بمصطلحات مثل:"التدني"، و"النقاء العرقي"، و"السلالة الأصلية"، و"التلوث" وما يجري مجراها:(1922 :195،208،223،318،336). وهذا فعل من يستنكر في قرارة نفسه تزاوج الأعراق وخلطتها. بل أنه وصف مجموعة عرقية سودانية بعينها يجري فيها دم أفريقي أكثر من الدم العربي بأنها "متدنية أو هابطة". وقال أنه عني بهذا الوصف أن تلك الجماعة ببساطة وبراءة "أقل عروبة" من غيرها. وقد برر لجوءه لهذا المصطلح بقرينة أنه يكتب عن العرب في السودان لا عن أفارقته: " وبما أنني أكتب عن العرب وليس عن السودانيين الأفارقة الذين سبقوهم الي السودان بصورة أساسية فانني استخدم عبارة"أكثر تدنيا" كمعادل ل"أقل عروبة"(1922 :223)". وبرغم هذا االتنصل فان عمل مكمايكل يوحي أحيانا بأنه يرى"الدم العربي" أعلى قدراً من "الدم الأفريقي" .فهو يشير، على سبيل المثال، الى أن أغلب الأسر ذات البشرة الشاحبة، التي يفوق مقدار دمها العربي مقدار دمها الأفريقي، تنفر من التلوث بدم هو مزيج سوداني خالص(1922 :199 318). وعلى نحو مماثل ينسب مكمايكل وترمنغهام تفوق الكنقارا، وهم سادة الفور بغرب السودان، وبأسهم الى أرومتهم العربية الأولي (مكمايكل 1922 :91؛ترمنغهام 1949 :32). والواضح أن وراء استخدام مكمايكل لمصطلح "تدني" دلالة أكبر من مجرد مصادفة إسلوبية في الكتابة عن العرب دون الأفارقة. ويبدو تمسكه بمقولة التدني الثقافي الناشئ عن التدني العرقي هذه أكثر وضوحا حين يصف اسلام "عرب" السودان الشمالي بانه "ملوث بعادات وخرافات مختلف السكان الأصليين الذين استقروا بينهم" (1922 :195). وحسب ترمنغهام فان "الزنوج-العرب" و "الحاميين-العرب" في السودان دخلوا الإسلام وصبغوه بقدر وافر من وثنيتهم (1922 :10،149). وقد بدا له إسلام السودانيين مشربا بعناصر وثنية أفريقية كما هي في دارج فهم الغربيين لعقائد الأفريقيين المتمهين بالتعلق بالخرافة النزعة العاطفية وقابلية التأثر بالايحاء الجماعي (1949 :108،149). وجريا على ذات االنهج يشير ترمنغهام الي "تعصب" البقارة للمهدية وينسبه الى غلبة "الدم الزنجي " فيهم (1949 :30).

    بات واضحاً أن مقولتي "التدني العرقي" و"التدني الثقافي" متناصرتان يشدا واحدهما إزر الأخري في هذه المناقشة حول هوية السودانيين الشماليين. فالدهماء في نظر ترمنغهام ترتبط بخرافاتها ارتباطاً لاينفصم (ترمنغهام 1949 :195). وستقتصر هذه الورقة على مناقشة مقولة التدني الثقافي التي ينطوي عليها مفهوم الاسلام الشعبي الذي جاء به ترمنغهام ليصف إسلام السودانيين. وسنتتناول بالنقد المنهج والمفاهيم التي استبطنت مقولته عن الاسلام الشعبي. وأضافة الى ذلك سوف تناقش الورقة حماسة الدراسات الأثنوغرافية السودانية في قبول هذه المقولة بغير تأمل ونقد. وهي حماسة تتناقض مع أفضل أحكام ترمنغهام الذي حذر من الأخذ ببعض مقولاته الى حين اجراء دراسات مفصلة حول الاسلام الشعبي في أقاليمه المختلفة (1949 :171). ولاحاجة للقول بان هذه القبول السكوتي لمقولته يتعارض أيضا مع افضل النظرات التي تمخضت عنها تلك الدراسات الأثنوغرافية نفسها. وترى ورقتنا أن فهم الاسلام في السودان، في وقت أصبح الدين يلعب دوراً متزايداً في الحياة الثقافية والسياسية للبلد، سوف يبقى قاصرا من دون نظر نقدي في نصوص ترمنغهام وأفكاره.

    يرى ترمنغهام أن الاسلام في السودان يراوح بين قطبين هما الاسلام "الشعبي "والاسلام الأرثوذكسي ORTHODOX ISLAM وقد فسر الاختلاف بين الأثنين في ضوء اطروحته العامة حول التعايش التاريخي بين الإسلام الرسالي الأول وبين نظم هجينة تفرعت منه في البلاد التي التي تمدد اليها . وعلى حد قول تلك الاطروحة فان قلة فاتحة ضئيلة الشأن من العرب جاءت بالرسالة ، أي بالقرآن والسنة، فأخذتها الجمهرة الي اقاليم الدنيا واستثمرتها في معاشها ومعادها كادحة الي ربها كدحاً. وقد أعطى هؤلاء الذين دخلوا الاسلام تلك الرسالة "استشرافا للعالم دفق بدوره الدين في كل شئ في الحياة". وبمضي الزمن، في قول ترمنغهام، تطور الاسلام الى النسق التوفيقيSYCRETISTIC SYSTEM الذي هو عليه اليوم. وهو نسق علي خلاف الرسالة الإسلامية الوافدة والحضارة التي تمثلتها. فهذا الهجين في نظر ترمنغهام "شئ جديد حقاً نشأ عن تفاعلهما وتركيبهما". ويصف ترمنغهام هذا النظام المهجن بأن له قوة باطنية غير عادية لتمثل وهضم العناصر الأجنبية التي أثرت مفاهيمه الأصلية الغريرة بينما احتفظ، في ذات الوقت، بعزائمه الخاصة في طلب الشوكة والوحدة العضوية والنظر المحيط للعالم. ويقرر ترمنغهام أن الشريعة تبقى الرمز لأهل النظام الهجين بينما تحكم الأعراف والعوائد حياتهم (1949 :106-107).

    ويعتبر ترمنغهام،فيما يبدو، التهجين SYNCRETISM عملية خلاقة حينما تطرق لكيف تهجن الاسلام وتطور داخل الحضارتين الهلينية-الشرقية (1949 :106) الا أنه سيء الظن بعاقبة التهجين لدي تناوله لإسلام السودان الهجينSYNCRETISTIC ISLAM :-

    "...لقد أشرب الاسلام بصبغة قوية من الميول والنزعات الأفريقية فجاءت سماته المميزة ممثلة في الوجدانية المسرفة والخرافة... جاء الإسلام الى بلاد بلا حضارة (السودان-أفريقيا) خلا الناس فيه من كل إرث باطن يسهمون به في ترقية الدين الوافد صعداً" (1949 :108)4.

    وزاد ترمنغهام بأن قال أن الذين قاموا بنشر الاسلام في السودان لم يأتوا بإسلام من الدرك الأسفل فحسب بل كانوا انفسهم من الجهلاء الذين قصر خيالهم دون التدريب الحسن في عقيدة الإسلام الإرثوذكسية. وواصل قائلاً أنه قد سنحت الفرصة كاملة لهولاء الدعاة الجهلاء، وسط قوم بلا خلفية ثقافية، أن لا يستصحبوا خرافات الناس وترهاتهم فقط بل أن أن يجسدوها هم أنفسهم في هئية أولياء صالحين ذوي كرامات (1949 :108)".

    ومن أول متاعب الباحث مع مفهوم "الاسلام الشعبي" أنه غير دقيق في الإحاطة المقنعة بالظاهرة التي خرج لوصفها. فالاسلام الشعبي، حسب ترمنغهام وسالكلي نهجه، هو إسلام صوفي في غالبه إرتدف ممارسات وثنية مميزة ايضاً. فمن المعلوم أن رجال الصوفية هم من نشروا الإسلام في السودان بصورة رئيسية. ولقد سبق لنا الوقوف على الفكرة االسلبية التي يحملها ترمنغهام عن انجاز هؤلاء الرجال. فقد وصف الطرق الصوفية، التي هي عنده نقيض الأورثوذكسيةORTHODOXY ، بأنها التعبير المنظم عن حياة السودانيين الدينية. ويصنف ترمنغهام الايمان بالمهدية كجزء من الاسلام الشعبي رغم أنه يطلق علي المهدية اسم "الاسلام البدائي" (علي غرار المسيحية البدائية المضطهدة في ظل دولة الرومان) الذي هو عنده الأصل الذي جاء به النبي (ص) (1949 :155). من الناحية الأخرى لايعتبر ترمنغهام "الاسلام البدائي" اسلاما إرثوذكسياً ORTHODOX طالما أنه يرفض المذاهب الأربعة كما فعل المهدي (1949 :162). وهنا مطعن علي ترمنغهام كبير. فهو يدخل مفهوم المهدي في الأسلام الشعبي ثم يخرجه منه بمنطق دائري. واخيراً فان ترمنغهام لايفرق كثيرا بين الصوفية الخالصة التي تروق للمتعلمين وبين الاعتقاد في الأولياء والصالحين السائد عند جمهرة الناس (1949 :193). فهما عنده سواء مما يدخل المتعلمين في جمهور الإسلام الشعبي ايضاً. ولكنه يري أن عقيدة العامة تضمنت المفاهيم الصوفية بشكل مفسد (1949 :210). وعلى وجه العموم فان وجهة النظر الأكاديمية السائدة عندنا تطابق بين الإسلام الشعبي وبين الصوفية التي يعتقد الباحثون أنها لم تبلغ قوماً بلا حضارة وحسب، بل كانت هي نفسها تمر بمرحلة متضعضعة من تاريخها، وبين الإسلام الشعبي.

    للباحثين نظرات شتي في البؤس الثقافي المزعوم للإسلام الشعبي. فهو في نظر الباحثين تجلي متدن للإسلام الرسالي في بئية السودان الجاهلة. فلما اعيت الإسلام الحيلة عندنا أن يتحقق علي مثاله الأرثوذكسي الرسالي أو الرسمي هبط الي درك الشعبية. (ترمنغهام 1949 :115؛ حريز 1972 :22؛ ابراهيم 1979 :126؛ عبدالسلام 1983 :43). ويرى هؤلاء الباحثون أن السودانيين انتهوا الي إسلام متدن حين مزجوا الاسلام الأرثوذكسي بالعادات المحلية.

    كان بوسع ترمنغهام في الأربعينات ان يخوض في هجنة الدين كما فعل. ولكن لا عذر لسالكي دربه لأن الدراسات الأكاديمية الحديثة حول الهجنة SYNCRETISM ،وتجلياتها في الإسلام على وجه الخصوص، علي نقيض الصورة التي رسمها ترمنغهام للاسلام "الشعبي" في السودان. وقد وضع جي.سبولدنغ JAY SPAULDING أصبعه ،على نحو مميز، علي الخلل في معالجة ترمنغهام والمعالجات الشبيهة بها. يقول سبولدنغ أن وجود ممارسات اسلامية سودانية مما قد تكون بدعاً سافرة قد قاد اؤلئك الباحثين الى استخلاص نتيجة مفادها إما أن السودانيين مسلمون غير ملتزمين أو أن إسلامهم يختلف عن إسلام الشعوب الأخرى. ويرى سبولدنغ أن المسالة الأولى هي شأن متروك الحكم فيه لربهم الذي خلقهم بينما الثانية نموذج للبرهان الدائري- أي أن يفترض المرء مسبقا أن السودانيين مسلمون ثم يأتي من بعد ليقف علي طبيعة وشذوذ الإسلام السوداني (1977 :49).

    وقف الباحثون في الاسلام في شرق آسيا، بحزم، ضد الفكرة القائلة بان الهجنة تتمخض في نهاية المطاف عن ضرب من الاسلام من الدرجة الثانية. ويرى جون بوسفيلد JOHN BOUSFIELD أن الأيحاء بان المراحل الأولى للإسلمة في جنوب شرق آسيا كانت تحمل في طياتها فكرة تعدد الآلهة بقدر تععد قوي الطبيعة ونواميسها. وهي المعروف ب "الإشراك" في الديانات التوحيدية. ومن ثم جاءت، بالضرورة، باسلام "غير نقي" هي فكرة ليس لها ما يسندها (1985 :207). و من ناحية أخرى يلقي عاصم رويASIM ROY اللوم على دارسي الاسلام الذين يصبون اهتمامهم على قياس انتشار الاسلام على المستوى الأقليمي بمسطرة الاسلام الأرثوذكسي. هذا القياس ، فيما يقول روي، يحيل عملية جد خلاقة ومركبة للتفاعل الثقافي بين ديانة مقتحمة وثقافة محلية، الي مجرد مسالة استقطاب بسيطة، غير حاسمة ولا موضوعية بين ضرب من الاسلام "الحقيقي" أو "الأصلي" وضروبه المنحرفة عنه المسماة ب "الشعبي" أو "العامي" (1983 :249).

    وفوق ذلك فإن مصطلح "الهجنة" قد يكشف، وبشكل مضطرد، عن قصور نظري في تحليل كيف يغير الناس معتقدهم ويدينون بدين جديد. بل أن ستيفن قليزر STEPHEN GLAZIER وجد مفهوم الهجنة مضللاً. واستفاد قليزر من ليكوكس الزوجة والزوج (1972 :320 ) ليخلص الي أن مفهوم الهجنة يفشل في انصاف العملية الخلاقة في تحول الناس الي الأديان حيث يوحي بأنها ، بالأحرى، مجرد عملية تجميع آلية لأفكار خليط من الدين الوافد وعقائد سبقته بين من إعتنقوا هذا الدين (جلازير 1985 :60).

    ويمكن لهذه القطبية (المثالي-الواقعي) أن تكون أكثر تضليلا اذا ما أخذت بمعزل عن سياق الخطاب الذي أفرزها. ويوضح روي، على نحو بارع،أن المثالي في الاسلام أو الإرثوذوكسي، هو من ابتداع المستشرقين ودارسي الاسلام الأول ممن لم يطلعوا علي ابحاث تجريبية عميقة حول الاسلام في اقاليم أهله العديدة . فقد نحت هؤلاء الباحثون، فيما يرى روي، نموذج الاسلامي الارثوذوكسي نحتاً إستندوا فيه بالضرورة على مثال المذهب السني. وأصبح هذا الابتداع، الاسلام الأرثوذكسي، المحك الذي يقيسون به صحة كافة المظاهر الاسلامية الأخرى(روي 1983 :5). وعليه فإدعاء هذا الكيان المبتدع أنه الأصل والحق و"الدين" هو مما فرضه هذا الكيان نفسه علي ضروب التدين الأخري. وهي ضروب يحق لها بذات القدر أن تدعي مصداقية جوهرية وجاذبية باطنة للمعتقدين بها. علماً بأن اؤلئك الباحثون لم يجعلوا الاسلام الأرثوذكسي مرادفا ل "الدين" الا في ضوء معيار مسبق للصحة يرتبط بمفهومهم للحقيقة (عبدالحميد الزين 1977 :248).

    وهذا منهج أخرق في قول روي: " يكمن القصور الاساسي لهذه النظرية الإستشراقية المثالية للتفاعل الديني الثقافي في نزوعها الى تقييم الظاهرة الاسلامية والمسلم استنادا الى درجة التطابق مع مثاليات أو معايير الاسلام الأرثوذكسي. ويعاني هذا المنهج الاستدلالي في مجال دراسة التغيير الديني من قصور ذاتي حيث يبدأ بتعريف مسبق للإسلام ومن ثم قبول أو رفض ما يعرض لهم من إسلام اقوام مسلمين بمقدار انسجامه مع ذلك التعريف . ومنهج كهذا لهو عاجز عن تفسير الدين تفسيراً يبلغ ما يعنيه الدين لمن يؤمن به ويتعبد به ويوقره في خاصة نفسه. واذا كان الهدف من دراسة دين ما ليس هو تعريفه بل التعرف عليه فان هذا البحث المعياري، الذي يحاول فرز المسلم "الصالح" من المسلم "الطالح"، قمين باتخاذ وجهة خاطئة" (1983 :5).

    وعليه فإن مصطلحي الاسلام الشعبي والاسلام الأرثوذكسي لايندرجان تحت علاقة الواقعي في مواجهة المثالي، بحفظ الترتيب. بل علينا أن ننظر اليهما من وجهة نظر المسلم كضربين أو واقعين اسلاميين مختلفين كما سنبين ذلك بالتفصيل لاحقا. ونقول، مستفيدين من عبارة لميشيل هرزفيلد MICHAEL HERZFELD ، أن الاسلام الشعبي والاسلام الأرثوذكسي لايشكلان تمييزا بين "الواقعي" و"المثالي" بقدر ما يمثلان تقابلاً بين واقعين :أي فكرتين حول ما ينبغي أخذه في الإعتبار عند محاولة تعريف ماهية المسلم(1982 :9).

    ويضر تشديد الباحثين على الانفصام بين الاسلام التقليدي والاسلام الشعبي بمحاولة فهم أوسع وأشمل للاسلام في السودان. وقد درج الباحثون اللاحقون لترمنغهام، دون تمييز، على إعادة صياغة أفكاره حتى عند تعارضها مع بصيرتهم التجريبية المستقاة من العمل الميداني بين الجماعات المسلمة، كما سيتضح بالتدريج. ويكشف وصف ترمنغهام لأداء الاسلام في السودان،وما استنسخ الباحثون التالون له منه، دون اختلاف يذكر، عن ملمحين،الأول: أن ترمنغهام يميز بين الاسلام الأرثوذكسي والاسلام الشعبي على المستوى القومي أو مستوى "القريةالأنثروبولوجية" باعتبارهما مؤسستين وواقعين متعارضين تماما. وإذا نظرت الي عناصر هذه القطبية رأيت مدي التحامل التاريخي للدراسات الأكاديمية علي العامة المستضغفين وتنميط طرائقهم وتبخيسها كيفما أتفق. ويوضح الرسم المستخلص عن هذه الدراسات كيف أن هذه الدراسات تتحيز ضد الوثني، والأفريقي والأمي والعملي والأنثى حين تقيسهم علي المسلم والعربي والمتعلم والنظري والذكر (الأشكال لن تصحب المقال).

    التحامل الثاني في تحليل ترمنغهام هو إخضاعه للممارسات الدينية بحسب درجة قبولها النسبية عند علماء الدين (باركلي 1964 :206). وهكذا سارع لباحثون لتعيين البدعة والمحرم والمفارق للقرآن في ممارسات الإسلام الشعبي بمقياس ما ظنوا أنه لا يتسق أو ينافي الإسلام الأرثوذكسي (ترمنغهام 1949 :127،164،166،181،210). ويقول حيدر ابراهيم بوضوح أنه بنى دراسته عن إسلام الشايقية علي بينة "أين يتقاطع مع الاسلام الأرثووذكسي وأين يميل عنه أو يختلف"(1979 : 134). وهكذا فإن هؤلاء الباحثين بتركيزهم على الانفصام بين الأرثوذكسي والشعبي يعطون الانطباع بان موضوع دراستهم ليس الاسلام والسودانيين بل الاسلام في مواجهة السودانيين. ويعلق الدكتور أكبر أحمد على نزعة مماثلة في دراسة الاسلام في باكستان قائلا أن الباحثين ينحرفون بدراسة الإسلام فيحعلونه ديناً مضاداً لإسلام شعب الباشتون الباكستاني. ويضيف: "يمثل الإسلام بالنسبة للبشتوني القبائلي تكوينا سياسيا واقتصاديا-دينيا محددا يمارس هويته الباشتونيته من خلاله. فالاسلام والباشتونية متسقان ومنسجمان بحيث يمثلان عند الباشتوني تكوينا منطقيا. ويرتبط الأثنان بعلاقة تبادلية عميقة. كما أن الاسلام متوغل في البنية الباشتونية بما يوحي بأن مسألة الفصل بينهما غير واردة (1982 :193)".

    ولابد أن ترمنغهام قد أدرك شيئا من متانة تعلق مسلمي السودان بإسلامهم . فعلى الرغم من قوله صراحة أن السوداني يحتاج أن يتحرر من "اسلامه العاطفي، غير الأصيل" (1949 :22) لكي يحقق امكانياته الجمالية، فانه يصف ذات السوداني، في ذات الوقت، بأنه "مسلم حقيقي صلب" وليس وثنياً تكسوه قشرة رقيقة من الإسلام (1949 :108ـ109).

    يكشف حتي الباحثين الذين يقبلون بالإسلام الأرثوذكسي كمفهوم صالح ونهائي في الاسلام عن قصور كبير في محاولاتهم لتحديد أرثوذوكسية أفكار ومعتقدات اسلامية بعينها منسوبة للإسلام الشعبي في السودان. وقد أبان طلال أسد عن جهل هارولد باركلي بالأفكار والمفاهيم الاسلامية الأرثوذكسية التي أراد أن يحاكم بها ممارسات الإسلام الشعبي (1965 :169). ويكفي أن نذكر هنا أن عقيدة رجم الملائكة للشياطين بالشهب، وهي ثابتة بنص آية قرآنية(67 :5) مما عده باركلي خرافة(1949 :172)6. ويتضح من هنا أن أية تأكيدات حول وجود انقسام بين الدين الأرثوذكسي والشعبي يستلزم، في المقام الأول، معرفة شاملة وعميقة بفقه الإسلام الأرثوذكسي الذي عليه مدار الحكم. وسوف نفصل لاحقا في حاجة دارسي الثقافات الإثنية في المجتمعات الاسلامية الى تدريب كاف في مسائل الفقه والشريعة الإسلامية.

    وفوق ذلك فقد أضفى بعض الكتاب إبهاما وغموضاً على مفهوم الإرثوذكسية نفسه، وذلك حين خلقوا، بلا مبرر، صراعأً داخلياً بين عناصر هذا المفهوم المعروفة من قرآن وسنة وقياس واجتهاد. فليس ثمة إتفاق بين هؤلاء الكتاب في نسبة ما للإرثوذكسي وما للإسلام الشعبي من الممارسات التي يدرسونها. فشرف الدين عبدالسلام يقول بأن الاعتقاد في الأولياء والصالحين ليس له ما يسنده في القرآن الا أنه، مع ذلك، لايوحي بان ذلك الاعتقاد يتنافى مع الاسلام الإرثوذكسي(1983 :63). وحسب رأي باركلي فإن العناصر القرآنية المتوافقة مع االاعتقاد في الأولياء والصالحين ـ خلافا للعناصر غير القرآنية ـ مقبولة تماما عند علماء الدين(1964 :206). وفيما يتعلق بمفهوم المهدية، من الناحية الأخرى، فان ترمنغهام يراه عظمة نزاع بين إرثوذكسية متشددة ترفضه وإرثوذكسية متساهلة تتسع له وتتكيف معه (1949 :148). ويزيد الأمر تشويشاً حين يقسم ترمنغهام معظم السودانيين الي فئتين: فئة الإرثوذكسيين من جهة وفئة الإرثوذكسيين المتشددين من الجهة الأخري. ولا غرو فإن هذا التشقيق في مفهوم الأسلام الإرثوذكسي يفسد قولهم بالتمايز والقطيعة بينه وبين الإسلام الشعبي. فالإرثوذكسي، كما رأينا في تشقيقه أعلاه، ذو درجات ومنازل منها القصوي المتشددة والصغري المتساهلة. وقد تتداخل درجاته الصغري مع الإسلام الشعبي.

    وينبع التشويش في مفهومي الإسلام الإرثوذكسي والشعبي من بعض الأساليب التي يصف به الكتاب بعض عقائد العامة.فيستخدم بعض دارسي الإسلام أحياناً صيغة المبني للمجهول عند الحديث عن معتقدات بعينها مما يؤمن به القرويون (باركلي 1964 : 146،152؛ حيدر ابراهيم 1979 :18،145). وهذا الاستخدام اللغوي مضلل في كثير من الاحيان. فقد يقود الى الظن بأن هذه المعتقدات مما يختص بها الاسلام الشعبي بينما حقيقة الأمر ليست كذلك. وعلى سبيل المثال يقول باركلي: "يعتقد بعض القرويين أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد، وبسبعة وعشرين درجة على وجه الدقة" (1964 :146). وفي واقع الأمر فان ذلك هو حكم الشرع لكن صياغة باركلي توحي بأنه ربما كان مجرد اعتقاد شعبي. ويبلغ موضوع فرز عناصر الإسلام الشعبي من الإرثوذكسي مرتبة العشوائية في تناول الدارسين للعين الحارة. فالدارسون، على اطلاقهم، يعتبرون الايمان بها أمرا ليس من الاسلام الإرثوذكسي في شئ ويحسبونها إما من عقائد الاسلام الشعبي (حيدر ابراهيم :126،145،149)، أو ممارسة خرافية وثنية ظلت حية بعد دخول الاسلام (ترمنغهام 1949 :166،170ـ171؛ باركلي 1964:195؛ سيد حريز 1977 :7؛ آدمز 1977 :577؛ شرف الدين عبدالسلام 1983 :86ـ89). ومن الجهة الأخري فإن دائرة المعارف الإسلامية تنص علي ثبوت العين في الاسلام (ص786) الا أنها تقرر خطأً أن "السنة تشجب الايمان بها" (ص786).

    وصفوة القول فإن تلك المؤسسات التي أطلق عليها الباحثون اسم الاسلام الإرثوذكسي يمكن أن نطلق عليها،وعلى نحو دقيق، اسم الاسلام "الرسمي" والذي نشأ في ظل الأدارة الاستعمارية التي تلت الدولة المهدية(1885ـ1898). وليس بغير دلالة هنا أن يستخدم كل من ترمنغهام وسيد حريز مصطلحي "رسمي" و "أرثوذكسي" بالتبادل (ترمنغهام 1949 : 202؛ حريز 1977 :7). ولإتحاد المصطلحين، أو تبادلهما المواضع، جذر في نشأة المؤسسة الدينية الحكومية في السودان خلال عهد الإستعمار. فقد تتبع نورمان دانييل ،ببصيرة نافذة، التباين بين أرثوذكسية (الدين) والتعصب (اللادين) في سياق الإسلام والسياسة في السودان ورده الى أيام حرب الدعاية التي شنها دعاة التدخل في السودان من الإنجليز في آخر القرن التاسع عشر لإقناع الرأي العام والحكومة البريطانيين بضرورة القضاء على الدولة المهدية (1966 :423ـ448). وصورت تلك الدعاية المهدية في السـودان بأنها حركة ضالة مفعمة بالتعصب وتدعو الناس الى ما وصف،على وجه التحديد، بانه مروق على الدين القويم (دانييل 1966 :428، 435،438). وبعد القضاء علي المهدية أرادت الإدارة الإستعمارية التحوط ضد قيام أي تمرد مسلح كالمهدية في المستقبل تؤجج ناره الطوائف الصوفية (التي كانت تعتبر جزءً من الاسلام الشعبي). ولذا قررت الأدارة الاستعمارية تشجيع ما أسمته الاسلام "الأرثوذكسي" ORTHODOX ISLAM . ويصف غابرييل واربيرج هذا الضرب من الاسلام كمايلي :-

    "يقوم أولاً علي هذا الاسلام العلماء الذين درسوا في الأزهر بصفة أساسية. وكانت مهمة هؤلاء رئاسة الهرم الديني في السودان ومنع قيام الحركات الرسولية، مثل المهدية. ويقوم ثانياً علي شبكة من المحاكم الشرعية يرأسها قضاة مؤهلون وذلك للحيلولة دون لجوء المسلمين السودانيين الى شيوخ الطرق الصوفية... كما شددت السلطات الاستعمارية على ضرورة اقامة مساجد في المراكز الهامة في السودان الشمالي للتقليل من أهمية زوايا الصوفية (1971 :95)." ويتضح لنا مما تقدم إن الاسلام الرسمي-الإرثوذكسي - هو واقع سياسي أكثر منه مسألة عقيدة أو مذهب. وهو أيضا أداة أدارية، بمعنى أنه، ممثلا في الشريعة، صار القانون "الأهلي" أو"العرفي" الذي يحكم حياة السودانيين الشخصية والعائلية(فليرـلوبان FLUEHR- LOBBAN 1981 :69) وبالتالي فلا يمكن الإدعاء للاسلام الرسمي إلا بشق الأنفس بأنه الإسلام الإرثوذكسي طالما أردنا له ان يتطابق مع عالمية العقيدة وسدادها.

    ومما يبعث على الأسف أن تركيز الباحثين على ثنائية الشعبي/الإرثوذكسي، على مستوى "القرية الأنثروبولوجية" يتعارض مع أفضل النتائج التجريبية التي توصل اليها الباحثون أنفسهم. وفي هذا السياق أمسك باركلي علي ما سماه " جوهر الاسلام الإرثوذكسي" في بري اللاماب (الحي الخرطومي المعروف وكان ريفاً لدي زيارة الباحث له في الخمسينات) في ضوء تحرياته الميدانية حول مدى التزام أهل القرية بأركان الاسلام الخمسة (1964 :137ـ145). وعلى الرغم من حقيقة أن باركلي قد وجد أن القرويين علي جادة شرع الإسلام من هذه الجهة إلا أنه يتشبث مع ذلك بالثنائية القديمة بين الاسلام الإرثوذكسي وإسلام القرية الشعبي قائلاً:

    " أهل بري اللاماب مسلمون يمارسون شعائرهم وفق المعتقد السني أوالإرثوذكسي ويتبعون المذهب المالكي الا أن السلوك الديني في القرية لايمكن تفسيره، على وجه الدقة، وفق أي مفهوم أساسي للاسلام الأرثوذكسي (1949 :136). واستطرادا فان ترمنغهام وآدمز يزعمان، دون تمحيص، أن مسلمي السودان يرتبطون بكرامات وسير الأولياء والصالحين أكثر من ارتباطهم بإسوة النبي (ص) (ترمنغهام 1949 :127؛ آدمز 1977 :579). هذا في الوقت الذي يلفت فيه باركلي النظر الى ايمان القرويين المطلق بالنموذج المثالي للنبي(ص) (1964 :138).

    وتتحكم في تضخيم ثنائية الأرثوذكسي -الشعبي إعتبارات لا اصل لها في الإسلام نفسه بقدر ما تعلق ذلك بمنهج مباحث الدارسين وتبويب كتبهم الأنثربولجية. فالباحثون في إسلام القرية عادة ما يفردون فصلاً لدين القرويين يصفون فيه خرافاتهم ووجوه ممارساتهم التي يقولون أنها لا تنسجم مع الإسلام الأرثوذكسي. ومن الجهة الأخري، وفي حالات عديدة، يأتي هؤلاء بما يعدونه ممارسات إسلامية "إرثوذكسية" من صحيح الدين في فصول أخري ليست هي فصل دين القرية الموصوف بالشعبي. فعلي سبيل المثال نجد بركلي يعرض لموقف اللأسلام الشرعي في العدل بين الزوجات، وعلاقة الرقيق بالسادة في الأبواب المفردة للصلات القرايبية وتراتب الشرائح الأجتماعية في كتابه. ولو لم تستول فكرة ثنائية الدين الشعبي والأرثوذكسي علي بركلي لوسع من فصله عن دين القرية (الذي هو عنده دين غير قويم ومفارق للجادة) ليشمل هدي الأسلام عن تعدد الزوجات والرق والرحم والقرابة (1964 :122،126،129).

    ويتكرر نفس الشيء في كتاب حيدر إبراهيم عن الشايقية (1979). فالكتاب يعرض لعقائد وهدي الأسلام الأرثوذكسي خلال فصوله التي تتناول ترتيب الشرائح الأجتماعية ودورة الحياة والنظم الأجتماعية. ولم يشأ حيدر أن تتخلل تلك العقائد فصله المخصص للدين. وغني عن القول أن قصر مناقشة الاسلام على فصـل مفرد للدين يعني فصـله عن الممارسةالأجتماعية. وفوق ذلك فقد عني الدارسون بإيراد هذا القدر من أقباس الاسلام الأرثوذكسي بما وافي حاجة بحثهم الخاص ولم يريدوا الحصر. ولو أرادوا الحصر لجاءوا بعناصر كثيرة من وحي الشرع في حياة أهل القري. وسنخلص الي شيوع الأرثوذكسية وتمكنها من الإسلام الشعبي متي اعتبرنا ضروب الممارسات الإسلامية العديدة لعامة المسلمين التي أصلها في الإسلام الأرثوذكسي من غير تصريح أو إعلان. وعلى سبيل المثال فقد ظللت اعتقد، ولفترة طويلة، أن التقريع الذي نالنا من أهلنا الكبار حين نتناول الطعام وقوفاً أو استلقاءً على الجنب، ماهو الإ من قبيل الحث على آداب المائدة، ان لم يكن خرافة. ثم اكتشفت أنه مما قضت به الشريعة.

    بالاضافة الى الخلل الذي رأيناه في المحاولات البحثية لتحديد الممارسات الاسلامية الأرثوذكسية، فإن نظرة دارسي "الاسلام الشعبي" في السودان تجاه المعتقدات الشعبية، التي هي قوام إسلام العامة في نظرهم، ربما كانت هي خطئيتهم الكبري. فهم قاصرون عن تحليل هذه المعتقدات علي ضوء خصائص أجناسها الأدبية أو الفلكلورية لإقتطاعهم لها من سياقها الشفاهي في دورانها بين الناس وجعلها عقائداً مجردة مكتفية بذاتها. فعلماء الفلكلور شديدو التنوية بأن النظر الرشيد الي عقائد العامة رهين بمثل هذا التحليل لكل المأثور الذي تستبطنه هذه العقائد. وترجع هذه الشدة في التنوية الي سي دبليو فان سيدو (1948) وقد تبعه بإحسان لوري هونكو الذي قال: " قبل اصدار أي حكم تعميمي حول معتقدات الانقريين (مجموعة اثنية فنلندية) على المرء ان يعرف أي جنس من المأثورات يوفر أكثر الأدلة قيمة عن المعتقد وأيها ، من الجهة الأخري، ثانوي القيمة بوجه ما" (1964 :7).

    ينطبق النقد سالف الذكر على توصيف ترمنغهام لما يشكل "عقائد للسودانيين". فهو عزوف عن تحليل الأجناس الأدبية الموصوفة. ففي تركيبه لما سماه بالإسلام الشعبي نجد ترمنغهام يقتطع عقائده عن الأجناس الفلكورية الحاملة له مثل كرامات الاولياء والصالحين (1949 :135ـ136) والإمثال السائدة (ص158) والاحلام (ص143) والنذور (ص145) والتنبؤات (ص158) والخرافات (ص173) والأحاجي (ص173) والحكايات (ص173). وفيما عدا بعض التعليقات المقتضبة حول مصداقية كرامات الاولياء و"الخرافات" فانه يهمل نقد مصادر العقائد الشعبية إهمالاً تاماً. ونتيجة لذلك فقد انتهى به الامر، كما أشرنا من قبل ، الى اعتبار ما جاءت به الآيات القرآنية عن الشهب والشياطين، إضافة الى شيطان الاعصار، من قبيل الخرافة، وهما حق ديني (1949 :172). علاوة علي أن النذر ليس دلالة على الخضوع الكامل للولي كما اراد لنا ترمنغهام ان نفهم . فخلافاً لذلك يرى حيدر ابراهيم أن مريدي الأولياء ماكرون نوعاً ما وعلاقتهم مع سادتهم تتسم بالمنفعية والعملية. ومن دلائل ذلك ما قاله حيدر عن تهديد القرويين للولي خلال طقس أداء النذور بالتحول عنه الي ولاء آخر إن هو فشل في تلبية حاجتهم. وقد قيل أن ولياً مشهوراً اشتكى من اساءات القرويين له واستفزازهم (حيدر ابراهيم1979 :156) .ويعتبر تحليل سيد حريز لأحاجي الجعليين (1977) وشرف الدين عبدالسلام لكرامات الأولياء (1983) تقدما جديرا بالثناء في مجال تحليل الأجناس الفولكلورية بالرغم من انهما لم يبتعدا كثيرا عن الولاء لاطروحة ترمنغهام في عرضهما لعقائد الإسلام الشعبي.

    نظرة جديدة لاشكالية الإسلام الشعبي/الإسلام الأرثوذكسي

    أوجزنا فيما سبق بعض الاخطاء التي وقع فيها الباحثون في محاولتهم تأسيس دراساتهم حول السلوك في القرية السودانية على مفهوم مسبق قائم على ثنائية الإسلام الشعبي/الأرثوذكسي. كما تناولنا بعض الاشكاليات الكامنة في افتراض مثل هذه الثنائية. ومن الناحية الاخرى فقد تشكك بعض الباحثين، مؤخراً، في جدوى مفهوم "الأرثوذكسية" نفسه سواء بالنسبة لدراسة الاسلام أو ممارسته. ففي قول بعض الباحثين أن إستخدام مفهوم الاسلام الأرثوذكسي أضحي اما أمراً متعذراً أو مسألة خاضعة لإيجاد تحديد صارم ودقيق له بفضل ما أولاه المؤرخون الاجتماعيون والاثنوغرافيون من اهتمام لرسم صورة دقيقة للاسلام في تضاريسه المتنوعة والمركبة، ومن السياقات المحلية لا من الكتب الشرعية وحدها.

    وقد اتخذ هذا الانزعاج من مفهوم "الإرثوذكسي" منحى متطرفا في بعض الحالات. فعبدالحميد الزين، مثلا، يقترح التخلي عن مصطلح "الاسلام" الجامع المانع والمعرف بالألف واللام لأجل فهم أفضل لتجارب المسلمين المتنوعة في ضروب اسلامهم العديدة النكرة (1977 :227). ويرمي اقتراحه بصورة أساسية الى ازاحة مايطلق عليه الاسلام الأرثوذكسي عن موقعه المتميز بوصفه الاسلام ـأي ذلك المعرف بالألف واللام. وقد لفت العديد من الباحثين النظر الى الطبيعة المتطرفة لاقتراح الزين هذا (ايكلمان EICKELMAN 1981 :1؛ أسد 1986 :1؛ أكبر أحمد 1987 :220). وفوق ذلك يبدو اقتراح الزين لإفتراع "ثيولوجية شعبية" إسلامية صعب التحقيق . وهذه الثيولوجية الشعبية، التي تضارع الثيولوجية الرسمية تعني عنده "تجاوز النص المقدس لصالح نظرة ثاقبة مباشرة في نظام العالم" (1977 :248). ولعل احدى سلبيات فرضية الثيولوجيا الشعبية هذه أنها تبقى على ثنائية الإسلام الشعبي/الأرثوذكسي التي خرج الزين بالذات لهدمها .وهو بايحائه أن الثيولوجيا الشعبية قد تكون "الاسلام الحقيقي" (المصدر السابق :246) يحدث ضررا بالغا بقضيته الداعية الى أن الإسلام تجليات شتي كل منها صحيح النسبة للدين.

    وعلى الرغم من الخلل في حجة الزين فان الثيولوجيا الشعبية قد تبرهن على كونها مجالا واعدا للبحث والدراسة. فقد جمعت مثلاً من الرباطاب حكما وأمثالا صيغت جريا على نهج السنة النبوية .ومع ذلك فان القول بوجود ثيولوجيتين متميزين في الاسلام أمر يصعب برهانه. وكما بين مايكل غيلسنان ،على نحو بارع، فان تعاليم القرآن والسنة والاحكام الشرعية قد نفذت من خلال قوة الثقافة الشفاهية الى صميم النسيج الذي يشكل حياة المسلمين واصبحت جزءا منه (1982 :35ـ36). وهكذا صح القول إن ما عددناه "الثيولوجيا الشعبية" هي بالأحري مجرد ثيولوجيا صفوة دخلت الماثور الشفاهي للعامة. ولعل إحدى مهام البحث الشيقة القادمة هي التحقيق في السبل التي أخذت العامة الثيولجيا الأسلامية وجعلتها جزءاً صالحاً من ثقافتها وممارساتها.

    ويرى باحثون أخرون أن مسألة الأرثوذكسية ذاتها كمفهوم وممارسة دخيلة على الدراسات الاسلامية (سميث SMITH 1957 :20؛ ايكلمان 1981أ:213؛ تيرنر TURNER 1974 :62). فهم يرون، تبعاً لذلك أنه من الأوفق الحديث الأورثوبراكسية لا الأورثوذوكسية متي تعلق الأمر بالإسلام. والأورثوبراكسية هي مفهوم يعني إشتراك اهل الدين في العبادات والشعائر أكثر من إشتراكهم في العقائد اللأهوتية التي لا خلاف عليها (ايكلمان 1981 :204). وعلى الرغم من أن ديل ايكلمان قد ساهم في صياغة هذه الفرضية الا انه يلفت النظر ـ محقاـ الى قصورها (المصدر السابق :204). فهي تفصل في الاساس بين الشعائر والعقيدة اللذين يمثلان في واقع الامر جانبين لا غني عن اي منهما في اي حياة دينية تستحق الإسم (دائرة المعارف الدينية THE ENCYCLOPEDIA OF RELIGION :187). ولن تفلح فكرة جعل الإسلام وحدة شعائر لا عقائد في تفسير المحن العقدية التي تعرض لها علماء ومتصوفة مسلمين عبر التاريخ. فهناك محنة احمد بن حنبل ،شيخ المذهب الحنبلي، ومحنة ابن تيمية، حنبلي القرن الرابع عشر، ومحنة وإعدام الحلاج ـ صوفي القرن العاشر. وهي محن كانت مدارها صحة العقيدة لا سداد الممارسة. وكبديل للتخلي عن مفهوم الإرثوذكسية هذا بالكلية حاول بعض الباحثين ادخال تعديلات عليه. ويمكن للاسلام، بلا شك، ان يستخدم المفهوم بمعنى يختلف عن ذلك الذي ظل مستخدما حتى الآن . وقد يقتضي هذا بالطبع تعديلات جذرية عليه قد تنتهي باستبداله بآخر اكثر ملاءمة .

    توافرت لنا منذ سنوات بحوث ودراسات جيدة عن ضروب الاسلام المحلي وتجارب الاسلام "الشعبي" والاسلام في التخوم . وهي دراسات ساقت الباحثين الى الفكرة القائلة بوجود معتقدات معيارية عامة تستبطن كافة ضروب الاسلام المحلية هذه (ايكلمان 1982 :1). ولكن هذه المراجعة لاتستلزم بالضرورة العودة الى مفهوم الأرثوذكسية القديم الذي تعرضنا له بالنقد لتونا . فلا مندوحة من القول أن الأرثوذكسية أساس في الإسلام. ويقول طلال أسد أنه من المؤكد أن للأرثوذكسية حضوراً في الاسلام. فهي عنده تتجلي "حيثما توفرت لدى المسلمين القوة لضبط وإعلاء شأن دينهم أو طلب الإلتزام بصحيح الدين والتكيف علي مقتضاه أو ما استخدموا تلك القوة لإستهجان الإنحراف في دينهم وحصره وتقويضه أو إحلال صحيح الدين في محله."( 1986 :15). فالأرثوذكسية كما يراها أسد، تقاليد خطاب DISCURSIVE TRADITION يمكن حتي للمسلم الامي أن يساهم فيها بفرز صحيح الدين والإلتزام به (المصدر السابق ).ويستطرد فيصفها بانها "علاقة مميزة ـ علاقة قوة" وليست مجرد فقه وشرع ومعتقد (المصدر السابق ) . وتغاير فكرة اسد هذه ،بوضوح، معنى الإرثوذكسيةالذي اعترضنا عليه في هذا الفصل. فقد فهمناها طويلاً كبنية من المعرفة والمتون أو المؤسسات الوصي الوحيد عليها هم علماء الدين . وفي تعريف اسد للإرثوذكسية يصبح عالم الدين، الذي كان في السابق الوصي والقيم الوحيد على التعاليم الاسلامية، وترا واحدا فقط في قوس" التقليد الإسلامي كما جاء عند غيلسنان (1982 :46) .

    ومع ذلك يبدو ان أسد لم يصب تماما في مطابقته بين التقاليد الخطابية والإرثوذكسة. فللأورثوذكسية لوازم من إجراءات فقهية وسياسية كي تقع وتنفذ. وعليه فمفردات التقليد الخطابي قد تندرج أو لا تندرج في الأرثوذكسية حكماًً بصور الشوكة التي تسندها وتجعلها قانوناً نافذاً متبعاً. فالسنة والشيعة معاً في تركيا مثلاً يستهجنون ممارسات العلويين وينفونهم عن الإسلام. وبهذا الحكم علي العلويين فإن هؤلاء السنيين والشيعة قد ادلوا بدلوهم في ما هو صحيح الدين وشاركوا في الخطاب الذي يريد حفظ بيضة هذا الصحيح من الدين (ايكلمان 1981أ :220ـ221). ولكن يحتاج المرء الي ما هو أزيد من مجرد هذا الإستهجان والنفي عن الدين ليدرج رأي السنيين والشيعة الموصوف في الإرثوذكسة. وقد مر علي بين االرباطاب السودانيين من صرف عبارات تقولها كبار النساء من جيل مضي بمثابة إقامة للصلاة كلغو فولكلوري لا دين فيه. ولكن الباحث يحتاج لاكثر من مجرد نفي السنة والشيعة الاتراك للعلويين من الدين لكي يدرج رأيهم هذا في الإرثوذكسية. ونجد في الحالين تعييناً من مسلمين لصحيح الدين ، اي التقاليد الخطابية، من غير أن تتخذ هذه التقاليد صورة الأرثوذكسية الجامعة المانعة.

    ويبدو ان العلاقة بين التقليد الخطابية والأرثوذوكسة في الاسلام تثير معضلة حقيقية للباحثين .وأطلق هودجسون HODGSON ، الذي واجه هذه المعضلة قبل أسد، علي هذه التقاليد الخطابية مصطلح "الإسلام الشرعاني" (1963 :229) وهي تسمية سرت سريان النار في الهشيم ووافقت هوي عند جملة من الباحثين (تيرنر 1974 :105؛ ايكلمان 1981أ : 221؛ بوسفيلد 1985 :207). ويعرف هودجسون هذا الضرب من الإسلام بأنه كيان كلي معقد من نظم السلوك والتفكير يتميز به أولئط المسلمون الذين يرون أن للشريعة القدح الأعلي في الدين والحياة. (هودجسون 1974 :351). وعلى الرغم من أن الإسلام الشرعاني ، حسب قول هودجسون ، ليس صورة الإسلام الوحيدة ، إلا أنه إكتسب منزلة خاصة بين صور اللأسلام الأخري. فقد إستاثر بالحكم علي صحيح الدين من غيره. فهو الذي بيده الأمر في موافقة ممارسات وعقائد المسلمين أم إنحرافها عن جادة الأسلام. (المصدر السابق :224). ومع ذلك فان هودجسون يقرر حقاً أن الإسلام الشرعاني ليس إرثوذكسية خلافا لافتراضات بعض الدارسين الخاطئة في هذا الشان (المصدر السابق :350ـ351). وبالمقابل يحتفظ هودجسون بمصطلح "إرثوذكسي" في دراسة الإسلام ليستخدمه في الحالات التي إستقرت فيها عقيدة او ممارسة بعينها وتوطدت إاما رسميا او اجتماعيا مما يسوغ وصفها بالإرثوذكسية. ومثل هذا الإستخدام المشروط لمصطلح "أرثوذكس" ، في قول هودجسون، لايتطابق بالضرورة، في كل الاحوال ،مع "الشرعانية". (المصدر السابق :351). إن تمييز هودجسون هنا بين الأرثوذكسية والتقاليد الخطابية مثير للاهتمام الا إنه لن يشبع الباحث الذي يريد أن يعرف كيف تشق مفردات التقاليد الشرعانية الخطابية طريقها الي الأرثوذكسية في الإسلام. فلم يفصل هودجسون في أمر المؤسسة أو المؤسسات التي لها الشوكة في تعيين ما الأرثوذكسي. كما لم يتطرق الي التقاليد الثقافية التي ترتكز عليها تلك المؤسسة او المؤسسات ليقع لها بها ذلك التعيين. وليس واضحاً من إجتهاد هودجسون في الأمر المدي الذي تطاله هذه الأرثوذكسة متي وقعت.

    مما لا شك فيه سمو مهمة إعادة تعريف مصطلح الأرثوذكسية كأداة شوكة ثقافية من جهة و بما يأخذ في الإعتبار خصوصية الدين الأسلامي من جهة اخري. وليس في المجال فسحة هنا لمعالجة الاسئلة الهامة التي يثيرها هذا المشروع. غير أني سوف اسلط الضوء ،باقتضاب، على بعض المسائل المتفرعة عن هذه المراجعة. وعلينا هنا أن نضع نصب اعيننا اننا نتعامل، فيما يتصل بالاسلام إجمالاً، مع تقاليد خطابية صورها الدكتور بريان تيرنر بأنه تتمتع ب "بفضفضة جوهرية" (1974 :226). فليس هناك البابا الذي يحتكم اليه المسلمون حول صحيح العقيدة ولا المجالس اللأهوتية التي يتواثق عندها اهل الحل والعقد. وتبعاً لذلك علينا، مثلا، ان نحدد كيف يسعى الإسلام الى تحقيق الاجماع حول صحيح معتقده، وكيف ينعقد له الإجماع علي ذلك، وكيف يحافظ عليه ويوطده، وبأي حظ من النجاح. ولا مشاحة أن المحن الكبري مثل محنة إبن حنبل والحلاج وابن تيمية، التي المحنا اليها فيما سبق، ستكتسي قيمة عظمي في المباحث الأانثروبولوجي التي تتجه لغاية تعيين صور الإسلام المختلفة. ومن المفيد في معالجتنا لطريقة الإسلام في عقد الإجماع لصحيحه ان نعرف لماذا أحس ابن تيمية ،الحنبلي ، بعد اربعة قرون من اعدام الحلاج بسبب معتقداته الصوفية، بالحاجة الي الطعن في الرجل والتنغيص الغليظ علي ذكره. فلربما ألجأ ابن تيمية الي هذه الخطة النكدة فرط محبة الحنابلة من رهطه للحلاج بعد مر كل ذلك الوقت علي محنته (ماسيجنون 1982 :45).

    اضافة الى ذلك نحتاج ان ندرس البنية الكهونتية (متعلقات إدارة الكنيسة الجامعة في التعبير المسيحي) في كل تعبير أو مؤسسة إسلامية. والبادي أن علماء الشيعة يتمتعون بقوة "كهنوتية" مؤسسية تضمن لهم تلاحم جمهور اتباعهم اكبر بكثير مما يتمتع به اضرابهم من علماء السنة . وسيقودنا هذا الي جملة ابحاث نافعة ولازمة وخصبة عن المدى الذي تطاله فتاوى العلماء ودرجة نفاذها، وبطش ووسداد مجالس التفتيش التي يعقدها العلماء للتحري عن إلتزام أفراد بعينهم بصحيح الدين، ومنزلة حكم الردة عموماً 12. ولعلنا نحتاج أيضا الي التدقيق في مصطلحات إسلامية راسخة مثل "الغلو" و "الاعتدال" و "تجاوز حد الدين"، كحدود تعين علي تمييز المباح والمندوب والمحرم إسلامياً لنستصحبها في مباحث الإرثوذكسية ومترتباتها في الإسلام. وفوق هذا فقد أشار ايكلمان ،ببراعة، الى أن أثر المال السعودي، الذي دعم المذهب الوهابي في بقاع دار الأسلام، في عقد اتساق إسلامي مشاهد حول صحيح الدين، من الموضوعات التي لم تنل حظها الكافي من الدراسة (1982 :11). ان دراسة المجالات المشار اليها آنفا مطلوبة من اجل توصيف دقيق لكيفية عمل مفهوم الإرثوذكسية في الاسلام قبل ان نقطع بوجودها في الدين او عدمه رجماً أو تكأة علي تقاليد دينية أخري .

    وقد المحنا فيما سبق الى تشبث الاثنوغرافيين اكثر فاكثر بالمعتقدات المعيارية في الاسلام وهم ينبشون في البيئات المحلية الوصوف إسلامها بالشعبي. وهذا يتطلب منهم ،بدوره، تنويعا في تدريبهم يشمل التعرف على نصوص الاسلام الموسومة باللأرثوذكسيةORTHODOX ISLAM . ومثل هذا التدريب سوف يعرض للخطر ،بلا شك، تقسيم العمل البحثي حول الاسلام كما تصوره العالم الإنثربولجي الأمريكي روبرت ردفيلد (1985) فالماثور الثقافي عند ردفيلد إما "كبير" ويقصد به ثقافة الخاصة وإما "صغير" وهو ثقافة العامة. و جسد ردفيلد التفاعل بين المأثورين، "الكبير" و "الصغير"، في واقعهما الاسلامي، كلقاء بين فون جرنباوم VON GRUNBOUM ووسترمارك WESTERMARK . أما الأول فهو دارس لتراث الإسلام الفصيح وأمهات كتبه وتفاسيره ومتونه وحواشيه الرصينة المهابة. أما الثاني فهو عالم انثروبولوجيا انصب اهتمامه على المأثور الشعبي والمحلي والخرافي. فهما مثلاً قد درسا موضوع التفاعل بين الاعتقاد في الاولياء والصالحين ومفهوم الإسلام الشرعاني كل من زاويته وبما يسعف منظوره ومنهجه (1985 :48ـ49). وكيفما كان الأمر فان حظ مأثوري ردفيلد "الكبير" و "الصغير" من الذيوع في أدبيات الانثروبولوجيا حول الاسلام، جد قليل. وقد قبل به من دارسي الإسلام الدكتور جوزيف روجر JOSEPH ROGER الذي زكي ان يعيننا المصطلح كإطار لا بأس به لفهم بعض عقائد العامة. ولم يعلق روجر مع ذلك علي ثنائية ردفيلد فتحاً علمياً مرموقاً (1981 :88) ويرى ايكلمان، من الجهة الأخري، انه لايعني اكثر من حشد لا يسمن ولا يغني لبيانات بعقائد إسلام الخاصة، كا بوبها المستشرقون، ومقابلتها بقائمة حاشدة اخري من عقائد العامة مما إستنبطه الإنثربولجيون. وفي الحالات التي جرت في هذه المقابلة بين قطبي الثنائية (كما في تحقيق حيدر ابراهيم حول مفهوم السحر في قريته السودانية (1979 :135ـ143) مثلا) فان المرء ليشك في شرعية تقسيم الإسلام الى شعبي / تقليدي . وعلى نقيض اللقاء بين العقيدة والخرافة الذي هيأنا له ردفيلد في صورة إجتماع فون قرنبوم ووسترماك، فإن المقابلة بين قائمة إسلام الصفوة واسلام العامة أقرب الي مشهد الشخص الذي يرى صورته في المرآة أو يلتقي بنفسه في الجانب الآخر من الطوار.

    يربط ايكلمان بين ميل الانثروبولوجيا المتزايد لتصبح مشروعا "أهليا"، اي ما يقوم به أهل البلد عن بلدهم بدلاً عن إحتكارها بيد البحاثة الأوربيين، وبين التعديلات الجوهرية التي لا بد أن تطرأ علي دراسة وتحليل التيارات الدينية الشعبية (1981أ :234). وربما كانت تدور بخلده حين قال بهذا الربط مساهمة المرحوم الأنثربولجي المصري عبدالحميد الزين (1935ـ1975) ووعده الذي عاجله الموت فذبل. ونقول بهذا عن إيكلمان إستنادا الى ماكتبه ايكلمان ناعياً الزين بالاضافة الى كتاباته أخرى. فأيكلمان مدرك ليس لما أنتوي الزين من تغيير لمنهج دراسة الإسلام الشعبي فحسب بل مدرك للحدود القصوي التي ربما قطع الزين أشواطها لتنفيذ منهجه المذكور لو لم يمت. (1981 :365). وكان الزين إقترح معالجة لنظام الرموز الدينية علي نهج المدرسة البنيوية. وهي مدرسة تري تلك الرموز قائمة كتعابير عن علاقات في تركيبة مجمل المجتمع. يقول الزين :



    "علينا ان نبدأ، في هذه الحالة، من نموذج إسلام إنسان البلد NATIVE"" ونحلل العلاقات التي عينت معناه . وانطلاقا من هذا الافتراض يمكن لنا أن نلج عالم اللأسلام ونسبر غوره من أية نقطة كانت حيث لايوجد انقطاع مطلق في أي مكان بداخله. فلاتوجد كيانات مستقلة في باطن ذلك النظام ، وكل نقطة فيه يمكن الوصول اليها، في نهاية الأمر، انطلاقا من اية نقطة اخرى. وبهذا الفهم لن تكون للمعاني وظائف جامدة ممكن عزلها عن بعضها بصورة كلية أو إرجاعها ببساطة الي أي وحدة من وحدات التحليل سواء كانت رمزاً أو مؤسسة أو عملية إجتماعية إلا إذا فرضنا ذلك فرضاً علي الوظائف المذكورة. وأنتهينا بذلك الي ترتيب خارجي لها يخيم علي النظام الثقافي، الإسلام، بصورة مصطنعة ومن عل. وبمعنى آخر فإن بنيات النظام الثقافي الإسلامي وطبيعة مفرداته المكونة له هما ذات الشئ، اي أن منطق النظام هو محتواه، بمعنى ان كل مصطلح وكل كيان داخل النظام هو نتيجة علاقات بنيوية بين كيانات ومصطلحات اخرى ،وهكذا دواليك، بلا بداية للنظام ولا نهاية عند أي نقطة معينة مطلقة " (1977 :251ـ252) .

    ويوحي الزين هنا ان مثل الترتيب المصطنع الدخيل على النظام هو ما يقع لنا متي ما تمسكنا بغير ضرورة بثنائية أرثوذكسي/شعبي .

    والمهم أيضاً أن عبدالحميد الزين لم يقنع بردم الهوة بين "الإسلام الشعبي" و "الاسلام الرسمي" بل سعى ايضا الى لحم الانفصام في الأنثربولوجي نفسه وذلك من خلال بحثه، في أخريات أيامه، للحصول على درجة علمية في الفقه والتشريع الاسلامي ( ايكلمان 1981ب: 365). وكان يريد أن يلم بهذه العلوم الشرعية حتي لا يسلم أمر فهم الدين، متي عرض له إسلام الخاصة، لعلماء الدين مؤمناً علي دور زينوه لأنفسهم كسدنة للإسلام لا فهم له بدونهم ولا معقب علي قولهم. وهو دور خصهم به لأنثربولجي الباكستاني أكبراحمد بقوله: "ان تصحيح الفهم الخاطئ للاسلام عند رجال القبائل المسلمين هو مهمة علماء الإسلام الأورثوذكسي. أما نحن، كانثروبولوجيين ، فمعنيون بكيفية فهم المجتمع للدين وليس بكيفية رؤية الدين لنفسه " (1982 :198) . وخلافاً للزين فإن أحمد يوطن علماء الدين في مشروعهم كحراس للدين الصحيح. فقد ظل علماء الدين "يعتبرون سوء استغلال الاسلام او الفهم الخاطئ له عند رجال القبائل " من صميم الاسلام "الشعبي" أو الضال . وهذا منهاج سيبقي علي الثنائية الأورثوذكسية-الشعبية. وللخروج منها يلزم أن نتجه الي دراسة افضل لكيفية فهم المجتمع للدين، او الدرس الأفضل للدين الشعبي الذي سيقتضي تجاوز الحدود التي إقترحها أحمد. فالتأهيل الشرعي الفقهي الذي طمح له الزين في أخريات عمره مما يشير بقوة الي الحاجة الملحة لخرق حدود بروتوكول تقسيم دراسة الدين بين غون قرنبوم ووسترمارك.

    خاتمة :ـ

    تنطلق هذه الورقة من الارتياب في فعالية مفهوم الاسلام الشعبي الذي اطلقه ترمنغهام عام 1949 م لوصف دين "العرب ـ الافارقة" بشمال السودان . وقد اتضح ان هذا المفهوم يرتبط ارتباطاً لافكاك منه بوجهة نظر سلبية أشمل تستهجن الطبيعة الهجين لاؤلئك الناس حيث تعتبرهم نتاجا لدم سفاحي ملوث تم فيه التنازل عن نقاء كل من العنصرين العربي والافريقي . ونتيجة لذلك فإن اسلامهم تشكل على صورتهم فجاء "مموثناً"، اي مترعاً بالوثنية، وفي درك من الثقافة. إضافة الى ذلك فان الورقة ترى ان مفهومي التوفيقية SYNCRETISM والأرثوذكسية ORTHODOXY قد قيدا خطا دراسة الاسلام في السودان بفرضهما على مادة البحث ترتيباً حكمياً، خارجياً، مزيفاً. و عليه يمكن وصف تلك الدراسات التي تاسست علي ثنائية الشعبي والأرثوذكس بانها تتناول الإسلام في صدام مع السودانيين وليس إسلام السودانيين . وبسبب قبول الأنثربولجيين لثنائية شعبي/وأرثوذكسي بصورة مسبقة فإنهم قد انحدروا في بحث غير رشيد مما يسميه الغربيون ب "صيد الفراشات" يتعقبون به الغرائبي والمنحرف والخرافي من العقائد لحشدها في فصل مستقل عن إسلام القرية التي يدرسونها. وهذا منهج أطرق ينتزع الاسلام من جملة حياة أهل القرية في زواجهم وعقودها وتنشئة بنيهم وبناتهم، وموتهم وشعائره، اي في معاشهم ومعادهم. وتري المقالة أنه لكي ندرس بصورة أحذق ما تعارفنا عليه بإسم الإسلام الشعبي وجب علي الأنثربولجيين إحسان المعرفة بما يسمونه الأسلام الأرثوذوكسي والتدريب في فنونه حتي لا ينصبوا بغير ضرورة ملجئة علماء الدين اوصياء عليهم في مجال حيوي من مجالات علمهم.

    هوامش

    1ـ دخل مكمايكل (1892ـ1969) في خدمة حكومة السودان (الاستعمارية البريطانية) في عام 1905 وتدرج فيها حتى تبوأ منصب السكرتير الاداري في عام 1926 .

    2ـ انضم ترمنغهام (1904ـ ) الى خدمة جمعية التبشير الكنسية واصبح سكرتيرا عاما للجمعيات التبشيرية في كل من شمال السودان أعوام 1937ـ1949، ومصر أعوام 1949-1951 ثم غرب افريقيا أعوام 1951ـ1952، حيث استغرقه البحث الاكاديمي منذ ذلك الحين . ومن المدهش ان تظل صورة مبشر للإسلام في السودان متماسكة لا يعتورها شك أو تصويب على مدى العقود التي إنصرمت منذ الخمسينات وخلال فترة مضطربة طوال عهد الإستقلال اصبح فيها موضوع الدين طاغيا في الساحة السياسية . ولا لا غلاط أن تحيزات ترمنغهام التبشيرية تنفذ من خلال عمله بلا مواربة . ويكفي ان نشير الى قوله ان السوداني اذا ما "حرر من إرثه الديني فان تطوير فكره وخياله سيكون أمراً ميسوراً " (1949 :22) . وغني عن القول ان هذا "التحرير" هو نقطة البداية لأي مبشر . وواضح أن صورة ترمنغهام لإسلام السودان احتفظت بجاذبية نافذة إختلف إغراؤها بإختلاف من وقعوا اسري لها. وبدا لي أن رواد الحركة الوطنية واليساريين قد راقهم فيها الفصل بين الأسلام الشعبي والرسمي أو الأرثوذكسي. فمثل هذا الفصل يبيح لهم أخذ جانب الدين الشعبي وشجب طبقة العلماء الدينية المتهمة عندهم بممالاة الإستعمار أو الشطط الديني. أما الإسلاميون فقد وطدوا عزمهم علي تربية او حمل الناس علي صحيح الدين لما مثله الأسلام الشعبي من إنحراف عنه. وقد وجد الاثنوغرافيون، من الناحية الاخرى ، ان الاسلام الشعبي قد فصل من نفس القماشة الريفية الهامشية التي هي مادة شغلهم البحثي. وتشكل هذه الجاذبية المتعددة الوجوه للاسلام الشعبي موضوعا شيقا للبحث في حد ذاته.

    3ـ يطلق عليه آدمز اسم "الدين الشعبي" (1977 :574،577) . ويرى باركلي ان الطرق الصوفية ليست دينا "شعبيا" بكل معنى الكلمة حيث انها ذات جذور في تاريخ المسلمين الفكري (1964 :137) .

    4ـ إختلف الباحثون في تعيين الطبقة الثقافية التي تهجنت مع الإسلام لدي وفوده الي أرض النوبة. فقد وصفها بعضهم بالوثنية او السحر (ترمنغهام 1949 :111؛ باركلي 1964 :266؛ عبدالحي 1976 :28؛ حريز 1977 :52،60؛ ابراهيم 1979 :126؛ نصر 1980 :91؛ عبدالسلام 1983 :10). ويبدو ان آدمز هو الوحيد الذي إعتقد أنها ثقافة مسيحية متماسكة ومؤثرة في أهلها تفاعلت بقوة مع الاسلام الوافد (1977 :591) . ومما يستغرب له أن هؤلاء الكتاب، خلافاً لآدم، شككوا في مسيحية السودانيين التي كانت دين السودانيين لحوالي ثمانية قرون خلت قبل اللأسلام، ونسبوها الي الوثنية أو السحر. والسبب البادي في هذا الإرذاء بالمسيحية السودانية أن هؤلاء الكتاب إعتقدوا أن مسيحية السودانيين كانت سطحية الأثر ولم تفلح في اقتلاع جذور الوثنية التي سبقتها . فقد قال ترمنغهام إن المسيحية السودانية لم تكن سوي دين للدولة بينما لم يكن الناس علي دين ملوكهم وظلوا يحتفظون بأرواحيتهم الوثتية (1949 :77) .

    5ـ يذكر حيدرابراهيم منظور المؤمنين هذا،عرضا، ودون تركيز في تناوله له خلال تأطيره لدراسته عن الاسلام في قريته الشايقية . ويلفت النظر ، محقا، مع ذلك الى ان كل طائفة من المسلمين في القرية تعتبر نفسها وحدها العارفة بصحيح الدين وتدعي حوزة السداد في معرفة ذلك الصحيح دون الآخرين (1979 :127)، ولكنه للأسف لم يتحر بإستقامة هذه النقطة الهامة بل تجاوزها متمسكاً بثنائية الشعبي والأرثوذوكسي (1979 :126) .

    6ـ يرى ترمنغهام ان سمة الاسلام الافريقي المفردة تتمثل في ان اعتناقه لايسبب الا قدرا ضئيلا من الاهتزاز الداخلي في الحياة الاجتماعية ومأثور الإنسان الأفريقي العائش علي الطبيعة. والسبب في ذلك أن هذا الأسلام لا يستنكف إستصحاب ملامح الوثنية الأساسية ويهجنها في صحيح معتقده (1949 :249) . وبهذا يفسر ترمنغهام النجاح الكبير للإسلام في افريقيا لأن تحول الأفريقي اليه لا ينزعه جملة واحدة من أكثر عقائده الوثنية (1949 :165). ويناقض ترمنغهام مع ذلك نفسه حين ينسي مقولته عن هذا التساهل الفطري للإسلام في قبول الهجنة حين فسر السودانيين الجنوبيين عنه. وقال أن هذا الإنصراف راجع الي المقاومة الطبيعية للقبائل الزنجية للاسلام "حيث ان الارواحية الوثنية شديدة المحافظة بينما الإسلام يدمر المؤسسات الوثنية " (1949 :104) .



    7ـ يبدو ان عدم الدقة في تحديد ماهو من الأسلام الأررثوذكسي وما ليس منه فاشية. فميشيل ميكر MICHAEL MEEKER يري أن أداء فريضة الحج عدة مرات ليس من الإسلام الأرثوذكسي في شيء. ويقرر أيضاً بغير سند أن الوقوف بعرفة في الحج امر منهي عنه في صحيح الإسلام (1979 :266) .والحكمان خاطئان من وجهة نظر الاسلام الموصوف بالأرثوذكسية.

    8ـ يقدم جاك واردبيرج JACQUES WAARDEBURG اطارا فكريا ًاوسع للتعيين الأخرق للأرثوذكسية في الاسلام وذلك من خلال تفسيره لاسباب ضآلة مساهمة البحث الاكاديمي الغربي في تعميق فهم العلائق الواشجة بين الاسلام الشعبي والاسلام الأرثوذكسي. يقول واردبيرج : "بما ان أهل العلوم الإجتماعية قلما يعرفون النصوص الاسلامية الآمرة . . . فإنهم ظلوا يركزون مباحثهم على الاسلام الشعبي حيث وجدوه غاصاً بعناصره "البدائية"... فالانثروبولوجيون يعتبرون الإسلام الشعبي الشعبي هو اسلام الناس الحقيقي بينما يعتبرون الاسلام الرسمي (الأرثوذكسي) مثاليات دينية لدى بعض المشرعين وعلماء الدين البعيدين عن الناس (1978 :335ـ338) .

    9ـ المصادر التي اعتمدت عليها دائرة المعارف الإسلامية ، لا تقرها، في حقيقة الامر، علي حكمها بأن العين خرافة ليست من الدين. ولم يزد ابن الاثير والمتقي، ممن رجع اليهم كاتب مادة (العين الحارة) في دائرة المعارف، عن لجوء المصاب بها الى ضارب الودع للوقاية منها ( ابن الاثير 1893 :202، المتقي 1969،4 : 220) . وفيما عدا هذا الاحتراز فان المتقي يورد خلاصة لمعظم الاحاديث النبوية التي تقرر ان العين حق (1971 :744،746) .

    10ـ يرى ايكلمان ،على سبيل المثال، ان المرابطية ،وهي مصطلح أهل المغرب لعقيدة الناس في الأولياء الصوفية، لا نسبة لها في الإسلام الأرثوذكسي. وهي عنده في احسن الأحوال ضرباً من الأورثوزبوكسيةORTHODOXY وتتبع شعيرة طقسية راسخة (1981أ :225) .

    11ـ يرد في إقامة الصلاة تلك ما يلي:

    الصلاة صلاتك

    والواطة واطاتك

    ونقع ونقوم على جلاتك

    ترجمها عن الانجليزية محمودالامين في " الصوفية في السودان SUFISM IN THE SUDAN " بحث لنيل درجة الشرف ،الجامعة الامريكية ببيروت 1970 .

    12ـ للوقوف على تطبيق حديث لهذه السلطات العقابية الدينية انظر محمودمحمد طه (1987) .

    *
                  

العنوان الكاتب Date
عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-02-13, 10:09 PM
  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-02-13, 10:23 PM
    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-02-13, 10:28 PM
      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-02-13, 10:33 PM
        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-02-13, 10:49 PM
          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... صلاح عباس فقير11-02-13, 11:54 PM
            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... Nasr11-03-13, 01:06 AM
              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... MAHJOOP ALI11-03-13, 01:35 AM
                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... MAHJOOP ALI11-03-13, 01:59 AM
                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... adil amin11-03-13, 03:57 AM
                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الصادق اسماعيل11-03-13, 04:01 AM
                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الصادق اسماعيل11-03-13, 04:09 AM
                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الصادق اسماعيل11-03-13, 04:09 AM
                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الصادق اسماعيل11-03-13, 04:19 AM
                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-03-13, 10:14 AM
                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-03-13, 03:51 PM
                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... كمال علي الزين11-03-13, 04:34 PM
                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... محمد الكامل عبد الحليم11-03-13, 05:33 PM
                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... جمال المنصوري11-03-13, 05:52 PM
                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-03-13, 08:52 PM
                                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-03-13, 09:00 PM
                                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... HAYDER GASIM11-04-13, 00:01 AM
                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... Nasr11-04-13, 02:26 AM
                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... Nasr11-04-13, 03:20 AM
                                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... adil amin11-04-13, 05:41 AM
                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-04-13, 08:48 AM
                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-04-13, 09:58 AM
                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-04-13, 06:48 PM
                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... محمد حيدر المشرف11-04-13, 07:36 PM
                                                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-05-13, 03:27 PM
                                                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-05-13, 08:55 PM
                                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-06-13, 08:02 AM
                                                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... نصر الدين عثمان11-06-13, 01:01 PM
                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-06-13, 05:50 PM
                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-06-13, 05:59 PM
                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... MAHJOOP ALI11-07-13, 06:44 AM
                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-07-13, 07:00 AM
                                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-07-13, 04:33 PM
                                                                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-07-13, 04:37 PM
                                                                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-08-13, 11:25 AM
                                                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-08-13, 08:30 PM
                                                                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-08-13, 09:16 PM
                                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-09-13, 08:02 AM
                                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-09-13, 08:51 AM
                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-09-13, 09:10 AM
                                                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-09-13, 09:24 AM
                                                                                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-09-13, 12:21 PM
                                                                                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-09-13, 01:09 PM
                                                                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... صلاح عباس فقير11-09-13, 08:25 PM
                                                                                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... صلاح عباس فقير11-09-13, 08:38 PM
                                                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-10-13, 10:15 AM
                                                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-10-13, 12:11 PM
                                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-10-13, 01:43 PM
                                                                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبيد الطيب11-10-13, 02:02 PM
                                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-10-13, 05:22 PM
                                                                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... صلاح عباس فقير11-10-13, 05:57 PM
                                                                                                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-11-13, 06:22 AM
                                                                                                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-11-13, 10:18 AM
                                                                                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-11-13, 11:18 AM
                                                                                                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... Amjad ibrahim11-11-13, 10:15 PM
                                                                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... HAYDER GASIM11-12-13, 02:38 AM
                                                                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... كمال عباس11-12-13, 03:48 AM
                                                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-12-13, 05:02 AM
                                                                                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-12-13, 08:10 AM
                                                                                                                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-12-13, 11:19 AM
                                                                                                                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-13-13, 04:55 AM
                                                                                                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... MAHJOOP ALI11-13-13, 05:58 AM
                                                                                                                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-13-13, 06:35 AM
                                                                                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-13-13, 11:31 AM
                                                                                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... Bushra Elfadil11-13-13, 02:11 PM
                                                                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-13-13, 04:45 PM
                                                                                                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-13-13, 04:49 PM
                                                                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... كمال عباس11-13-13, 04:49 PM
                                                                                                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-14-13, 00:11 AM
                                                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... د.نجاة محمود11-14-13, 04:27 AM
                                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... د.نجاة محمود11-14-13, 04:31 AM
                                                                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-14-13, 10:49 AM
                                                                                                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-14-13, 11:29 AM
                                                                                                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-14-13, 06:45 PM
                                                                                                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... كمال عباس11-14-13, 11:25 PM
                                                                                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... MAHJOOP ALI11-15-13, 04:51 AM
                                                                                                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-15-13, 04:31 PM
                                                                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... بهاء بكري11-16-13, 07:59 AM
                                                                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-16-13, 10:31 AM
                                                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... كمال عباس11-16-13, 10:04 PM
                                                                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-16-13, 05:07 PM
                                                                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-16-13, 08:35 PM
                                                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-16-13, 10:04 PM
                                                                                                              Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-17-13, 03:27 AM
                                                                                                                Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-17-13, 07:09 AM
                                                                                                                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-17-13, 11:05 AM
                                                                                                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-17-13, 03:44 PM
                                                                                                                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-17-13, 04:24 PM
                                                                                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... MAHJOOP ALI11-18-13, 01:18 AM
                                                                                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... adil amin11-18-13, 04:52 AM
                                                                                                                  Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-18-13, 09:59 AM
                                                                                                                    Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-18-13, 12:02 PM
                                                                                                                      Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... طلعت الطيب11-18-13, 11:18 PM
                                                                                                                        Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... كمال عباس11-19-13, 03:12 AM
                                                                                                                          Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... عبدالله الشقليني11-19-13, 06:24 AM
                                                                                                                            Re: عبد الله على ابراهيم ...فى وجه العاصفة ....كتاب السودان غاضبون ... الكيك11-19-13, 10:59 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de