ماذا قالت الصحف اليوم في الخرطوم ؟

Quote: نداء اليقظة بتاريخ : الأحد 09-01-2011 03:41 مساء « كل صوت في الصناديق اليوم .. كسر للقيد»..!! انتظر الجنوبيون هذا اليوم طويلاً جداً.. مثلما انتظره الشماليون بلهفة وصبر جميل ..!! هو يوم تاريخي بحق.. لم يكن ليخرج التاريخ فيه من النافذة أو البوابة الأخرى ليعود ثانية. كل شيء اليوم هو تأكيد لرغبة ظلت تعتمل في النفوس وجاء وقت خروجها ساطعة وبائنة لا تنكرها إلا العين الرمداء أو الواقفون عند منافذ الوهم العريض يلونون الأفق بفرشاة وألوان من الخداع البئيس..!! كل صوت يدلي به أهل الجنوب اليوم في الاستفتاء على تقرير المصير.. هو نهاية مثلى لأزمنة ملئت بالكراهية والحرب والأشلاء المتناثرة والحلم المضاع..!! كل صوت يساوي للشمال الكثير، لأنه يتخلص اليوم من أثقال ما ألحقه به المستعمر الإنجليزي الذي ألصق الجنوب في الشمال ليبقى هذا الأخير شوكة حادة في خاصرة الشمال، وقيداً في رجليه يمنعه التحرك للأمام ويدفعه للسقوط كلما حاول القيام والنهوض.كل صوت يدلي به المواطن الجنوبي اليوم، يساوي أمدية من الزمن الحزين الذي كانت فيه العلاقة بين الشمال والجنوب، هي علاقة الحرب «اللقوح» ورائحة البارود والدم والمؤامرة والأحقاد التي تأبى أن تنام.كل صوت يدلي به المواطن الجنوبي اليوم يعني للشمال الكثير، فهو ليس يوم الاستقلال وفك الارتباط مع الشمال بالنسبة للجنوب، إنما هو يوم الحرية الأكبر للشمال، فقد ظل السودان الشمالي يرهن حريته وتحقيق تطلعاته وهويته وثقافته وعقيدته باعتبارات علاقته التي مع الجنوب، فتأخر الشمال في مسيرة التنمية والنهضة بسبب الجنوب ونخبه التي تفننت في العمالة وصناعة الحروب منذ 18/8/1955م، وحتى حركة قرنق التي تحصد ما زرعه الآباء المؤسسون لفكرة الجنوب المستقل، وتحصد كذلك خيباتها في نيلها بجدارة وسام والدة الدولة الفاشلة التي لم تولد بعد.كل صوت يلامس الصناديق في استفتاء اليوم، هو قنديل يوقد في الشمال إيذاناً بأن عهداً جديداً قد أطل، وآن للشمال أن يستريح من علاقة عضوية لم تعطه غير الجهل والفقر والمرض والتخلف والسأم المستطال.كل صوت في الجنوب اليوم أو الأصوات التي يدلي بها الجنوبيون في ولايات الشمال أو في دول المهجر، ستكون مهراً للواقع الجديد الذي يشهده السودان الشمالي وهو يتحرر من أزماته ويعيش كما يحلو له، محققاً غاياته الكبار ومنهياً عهوداً من التنازعات وحقباً خاض فيها بحوراً من الدماء الغالية.فقد تحطمت بفعل العلاقة مع الجنوب منذ الاستقلال، كل الأحلام الجميلة في بناء وطن متجانس وقوي وقادر على بناء ذاته، وأن يهب جواره الإقليمي والعالم العريض، المشرق من تجلياته الحضارية وخصائص ثقافته وإبداعاته، ويكون محوراً للتواصل الخلاَّق، لما في الشخصية السودانية من فضائل وخِلال آسرة.تقرير مصير الجنوب الذي يبدأ الاستفتاء عليه اليوم، ليس فرحة للجنوبيين وحدهم، لكنه فرحة للشمالي الذي سيطوي سنوات من الريبة والشك والظن والاتهام المهين، فقد وقر في قلوب الجنوبيين أن الشمال هو مستعمر آخر بعد خروج الاستعمار، وفي المخيلة الجنوبية هناك افتراءات وخيالات ودعاوى باطلة عن الشمال والشماليين، وما درى أهل الجنوب، أنه لولا الشمال لما كان الجنوب على ما هو عليه الآن، فالشماليون أكثر رحمةً للجنوبيين طيلة العهود الماضية من أي شعب آخر في المنطقة، وظلت المصالح الحيوية لهم مع الشمال وليس مع سواه، ورغم ذلك فإن الجنوب الذي يقف اليوم على حافة الفراق، لم يجد منه الشمال إلا الجحود والنكران.ليست للشمال مصلحة بعد الآن في أي شيء يعيد عقارب الساعة للوراء، فنحن قد تجاوزنا العقد النفسية التي كانت تصور الانفصال كأنه نهاية الدنيا، وحفرة من سقر وقطعة من جهنم، فنحن اليوم في وضع مختلف تماماً، نستطيع فيه أن ننظر لمستقبل أجيالنا بصورة أفضل، ونضمن لهم مصيراً ليست في قاموسه الحروب والخراب والدمار والدم المسفوح.نحن سنعيش في سلام وطمأنينة، مثلما يحلم مواطن الجنوب أن يعيش ذات السلام والطمانينة والاستقرار، فعندما يتخلص الجنوب من رهقه في انتظار حلم قديم، نتخلص نحن من تعب المسير لنعيش غداً أفضل بكثير من وحدة كانت وبالاً علينا نحس بطعن عوسجها الحاد في قلوبنا وجلودنا ومراراتها في حلوقنا.سنحتفل بهذا التطور الفارق والمفصلي في حياتنا، ونحن نرى بلدنا الذي أقعدته الوحدة القسرية التي صنعها المستعمر الإنجليزي بوصل ما لا يوصل، وفصل ما وصل ويستحق الانفصال.. وسنرى الآفاق الجديدة تلوح منائرها وبيارقها، فوق ركام الجغرافيا وعلى سارية التاريخ الجديد الذي سيكتب بمداد من الصدق والصبر.هذا اليوم شمسه غير كل الشموس، وهواؤه ليس كما عهدنا، وضحاه أنضر مما عشنا، وغروبه أسطع من صباحه الأبلج ومساؤه يهب للناس في كل ربوعه فجراً جديداً، لا عودة فيه لعبادة التراب وإن غلا، ولا للتعبد في محراب الوحدة وأمام صنمها الأصم بلا جدوى.هنيئاً للشمال في يوم فكاكه من القيد.. وهنيئاً للجنوب وهو يمضي بعيداً وحيداً.. فكلنا يمضي إلى غاياته، ولن نقول «لا تقل شئنا فإن الحظ شاء». رئيس التحرير