|
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف (Re: Ridhaa)
|
الساعة العاشرة من مساء الإثنين أجلس على سرير بغرفة في الدور الأرضي بعد أن أصبحت لا أقدر على صعود الدَرَج مع قدمي التي في الجبس وضعف ساقيَّ .. يذهب زوجي للطابق الأعلى لبعض شئونه .. يساورني إحساس بأن عيني اليسرى لا تغمض جيداً .. أطلب من نوار أن تحضر لي مرآة .. يا إلهي فمي أيضاً يميل إلى الجهة اليسرى بصورة ملحوظة .
أطلب من إبنتي أن تستدعي والدها .. يأتي مهرولاً.. أقول : »الموضوع أكبر من حكاية شرخ في الظهر .. أنظر إلى عيني وإلى فمي.. لذلك من الأفضل أن نلغي ميعاد يوم الأربعاء مع أخصائي العظام في المستشفى المركزي«. وقد تبين لي لاحقاً أن ما حدث لعيني ولفمي كان نعمة وليس نقمة كما تبدو في ظاهرها.. وإنه ترتيب من عند الله ليوجهنا الوجهة الصحيحة . زوجي يجلس على السرير في صمت وقد تحولت هواجسه إلى واقع يشل تفكيره .. يده تبحث في جيب الجلابية عن المفكرة التي تحوي أرقام التليفونات. » ألو.. دكتور عبدالله.. كيف أحوالك..؟ يا أخي بدور دي سافرت القاهرة يوم الخميس وجات راجعة مساء الأحد و..«.
ويبدو أن حالته لم تسعفه للشرح أو رأى أنني أقدر منه على وصف حالتي فناولني السماعة قائلاً :»أحسن أخليها تشرح ليك بنفسها«.
أمسكت بالسماعة وشرحت لدكتور عبدالله بالتفصيل بدءً من شعوري بآلام الظهر وذهابنا لحوادث المستشفى المركزي وموعدي مع أخصائي العظام وانتهاءً بما طرأ على وجهي . طلب منا دكتور عبدالله أن نأتي في الصباح لقسم الحوادث بمستشفى زايد العسكري وسيقابلنا هو هناك .
في صباح الثلاثاء ذهب زوجي لتجديد البطاقة الصحية التي تسمح لي بتلقي العلاج في مستشفى زايد العسكري .. أجلس في غرفة الجلوس مع أولادي في انتظار عودته .. يتأخر .. يعتريني النَصَب والتعب .. يعاودني ألم الظهر .. يتصبب مني العرق غزيراً .. يداهمني إحباط شديد لا قِبل لي به .. تنهار حصون مقاومتي .. أواجه أولادي في لحظة ضعف بكل ما اختزنته في داخلي طوال تلك الأيام . » أنا طالعة من البيت ده وما عارفه حأرجع هنا تاني ولا ما حأرجع .. لو مت خلو بالكم من نفسكم ومن أبوكم«.
لا أدري كيف غاب عقلي ومات قلبي في تلك اللحظة .. لا أدري كيف تسببت في ترويع صغاري وإلحاق الأذى بنفوسهم الغضة ولكنه اليأس قاتله الله يعمي البصر والبصيرة . سمعنا صوت سيارة فيصل في الكراج .. سرت أستند على ذراع عبدالرحمن وواصل تتبعنا نوار.. أحاول الوصول إلى المقعد الأمامي.. ساقايَّ لا تحملاني.. أنزلق منهم على الأرض.. يحملونني ويجلسونني على المقعد الخلفي بالسيارة ومن ثم نتوجه صوب المستشفى. في غرفة الفحص بقسم الحوادث دكتور عبدالله يفحصني بدقة واهتمام .. يسأل عن أدق التفاصيل .. »هل أحسست بألم في الحلق أو نزلة برد«؟ أجيب: »شوية بس كنت بحس بطعم مرارة في فمي لكن لما أقيس الحرارة بلقاها عادية«.
أضيف متسائلة : »وبخصوص ما طرأ على وجهي ؟« يجيب : »ما تقلقي ده إلتهاب في العصب السابع وبيزول بعد أيام .. ودلوقت حأخليهم ياخدوا ليك صور أشعة للظهر وإنشاء الله خير«.
كلمات دكتور عبدالله تنزل على روحي القانطة كما تنزل قطرات المطر على الأرض المجدبة فتبعث فيها الحياة .
في غرفة الأشعة طالعني وجه أسمر وحياني بلهجة سودانية أزالت من داخلي كل رهبة وتوتر .. إنه دكتور عبدالله جابر أخصائي الأشعة .
بعد ذلك تم نقلي إلى غرفة عادية حيث جاء دكتور مأمون حنفي إستشاري التخدير وأخبرني أنه سيسحب سائلاً من الظهر وطلب مني بعد الحقنة ألا أتحرك لفترة حتى لا تؤثر على ظهري . أستسلم وقد أصبح عقلي عاجزاً عن التفكير .. أقول لنفسي هل يا ترى يشكون في إصابتي بمرض التهاب السحائي ؟
يحضر دكتور عبدالله .. أبادره وقد نسيت أمر الحقنة : »هل ظهرت نتيجة الأشعة يا دكتور ؟«. يجيبني : »في شوية شروخ في الظهر«. »هل هي السبب في الحاصل لي ده يا دكتور ؟«. يرد : »حنشوف ما تخافي«.
إجابته الهلامية تُصدِّر إليَّ شعور القلق من جديد .. وفي واقع الأمر كان دكتور عبدالله ينتظر نتيجة فحص السائل الذي سُحب من ظهري، والتي تؤكد شكوكه من عدمها.. وفعلا جاءت النتيجة مؤيدة لتوقعاته..
في غرفة العناية المركزة المليئة بالأجهزة والمعدات إستقر بي المقام .. الممرضة تشبك أصبع يدي بمشبك يشبه ذلك الذي تُثبَّت به الملابس عندما تنشر على حبل الغسيل .. أسألها .. تقول لي إنه موصول بأجهزة لقياس الأوكسجين في الدم .. وضغط الدم والنبض .. ثم بعد ذلك تثبِّت في صدري أشكالاً دائرية عديدة بحجم قطعة النقود المعدنية الصغيرة في نهايتها أسلاك موصولة بجهاز رسم القلب .
زوجي وأبنائي بجانبي .. يحاولون جهدهم معي أن أتناول ولو قليلاً من الطعام .. لا أستطيع .. وفي النهاية يأتي وقت المغادرة .. يغادرون ويتركونني وحدي مع الآلام . آلام ... وآلام مبرحة تصرخ في كل عظم من عظام جسدي .. في عظام ظهري وساقي وذراعي .. أطلب من الممرضة أن تساعدني على الإتكاء على جنبي ولا تمضي خمس دقائق حتى أطلب منها أن تعيدني إلى وضعي الأول .. ثم إلى الجانب الآخر .. وهكذا .. مسكينات هؤلاء الممرضات فإلى جانب الجهد الذي تتطلبه مهنتهن الإنسانية فهن يعشن هذه الأجواء الكئيبة من المعاناة والألم مع المرضى .
في وقت خُيِّل إلي إنه حوالي العاشرة مساءً يحضر دكتور عبدالله يتأكد من الممرضة أن السائل يأخذ طريقه من الزجاجة المتدلية من على رافع معدني عبر الأنبوب إلى وريدي ثم يطمئني ويغادر الغرفة.
يتسلل إلىَّ صوته هامساً متقطعاً.. دكتور عبدالله لا يعرف أن حاسة السمع عندي قوية وأنا الآن أرهف السمع لأقصى درجة علَّني أسمع أي شيء.. أي شيء ينبئني عن حالتي.. تخترق أذني عبارة مرض نادر بالإنجليزية. يا الله مرض نادر معناه مجهول.. معناه الموت.. أكذب سمعي.. ولكن ها هو شكي يصبح يقيناً وأنا ألمح دكتور عبدالله من خلال الواجهة الزجاجية للغرفة يهم بمغادرة مكتب الممرضات المناوبات.
أنادي: »سستر .. سستر .. من فضلك نادي دكتور عبدالله«. أقول: »أنا سمعتك يا دكتور وإنت بتكلم الممرضات عني.. أنا إنسانة شجاعة ومؤمنة.. أرجوك صارحني بحقيقة حالتي«. دكتور عبدالله يستجمع صوته ويقول بهدوء: »أنا كنت بديهم تعليمات عشان إهتموا بيك فقط.. صحيح المرض ده نادر لكن بتعالج .. والحمد الله العرفناه من البداية ومن حسن حظك في دواء إسمه »Immunnoglobulin« إمينوقلوبلين عندنا منه كمية محدودة هنا وسنحاول تكملتها من خارج المستشفى.. والدواء ده مهمته تقوية جهاز المناعة في الجسم وقد بدأنا في حقنه لك عن طريق الوريد.. وإطمئني المرض لن يتعدى ساقيك وبعدها سوف ينحسر بالتدريج.. بس أهم شيء روحك المعنوية لازم تكون عالية«.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
قصتي مع مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Ridhaa | 08-28-13, 01:55 AM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Ridhaa | 08-28-13, 01:57 AM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Ridhaa | 08-28-13, 01:59 AM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Ridhaa | 08-28-13, 02:01 AM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Ridhaa | 08-28-13, 02:02 AM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Ridhaa | 08-28-13, 02:04 AM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Ridhaa | 08-28-13, 02:07 AM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Ridhaa | 08-28-13, 02:09 AM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | محمد أحمد الريح | 08-28-13, 12:54 PM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Ridhaa | 08-28-13, 09:52 PM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | Barakat Alsharif | 08-29-13, 06:43 AM |
Re: مرض نادر وقاتل ... بقلم: بدور عبد المنعم عبد اللطيف | عمار عبدالله عبدالرحمن | 08-29-13, 08:52 AM |
|
|
|