تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطفات .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-11-2024, 10:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-26-2013, 02:38 PM

عمر دفع الله
<aعمر دفع الله
تاريخ التسجيل: 05-20-2005
مجموع المشاركات: 6353

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطفات .



    "حرب الأنهار" كتاب من الحجم المتوسط 20x14 سم، 213 صفحة. وطبعاً للكاتب أخوانا وزميلنا: محمد جمال الدين بتاع "سيلفيا" وإبداعات أخرى أشد من سيلفيا : ).

    صمم الغلاف الدكتور حسن موسى .
    صدرت الرواية من دار أوراق بالقاهرة .

    و في مطلع الرواية
    كتب عدة رسائل يتحدث عن حياته الجديدة في هولندا، من مسكنه على ضفاف نهر الراين.
    تحدث عن كل ما يجول بخاطره، وعن مشاهداته وتجاربه الذاتية، وعن أحواله الخاصة
    وكل تفاصيل الحياة الصاخبة التي عاشها. كما تحدث عن ماضيه الذي لا ينفك عن حاضره!


    Quote: في تلك الجزيرة "أم أرضة" قدرت الأقدار وما شاء الله فعل أن أولد وأعيش هناك كل أيام طفولتي معي أمي وأبي وحدنا (أشقائي الكبار بالمدرسة في القرية البعيدة والصغار لم يولدوا بعد) كما عشت هناك كل مراحل صباي وحتى المرحلة الثانوية العليا. لا يوجد كائن غيرنا جل الوقت ولمسافة عدة كيلومترات. لا أحد غيرنا.
    لكن في الحقيقة نحن لسنا وحدنا، هناك أمم من المخلوقات، أمم لا حصر لها من الكائنات الحية، لكن ليس من ضمنهم البشر. أمم من النمل والحشرات الملونة والطيور "الوز، القطا، القمري، البلوم، الزرزور، القدالي، البوم، الرهو، أم قيرادون، السقد، وأبو سعن والأرانب البرية والسناجب والفئران والثعالب والثعابين والعقارب، وأمم أخرى مختلفة لكنها لا تقل صخبا: الأشجار "السنط، الطلح، السيال، الهجليج والحراز".
    وكان بيتنا يقع على مرمى حجر من شاطئ النهر "البحر" الذي بدوره يشتعل بالحياة من أسماك وثعابين مائية وضفادع وتماسيح وطحالب وعشب البحر وشرانق وأنواع عديدة من المحار. وهنال صخب الموج وهزيم الرياح وزلزلة الأرض الخصيبة من تحت أقدامنا.
    وذاك ليس كل شيء، هناك المزيد!: السماء والآفاق المفتوحة على صفاء النجوم الساطعة مرة، وسطوة القمر مرة أخرى حينما تتوارى الشمس الفتية عن الأنظار مخلفة من ورائها عند لحظات وداعها الأخيرة حسرة على الوجود في مشهد قانٍ يكلل السماء من جهة الغرب، كان أبي يسميه "الشفق" ويصلي من بعده صلاة المغرب وينام "ننام جميعنا" ووجوهنا قبالة المجرات التي تكاد تزهق الأبصار.
    ولم أكن أنا أشعر بشيء غير أنني جزء لا يتجزأ من تلك الوقائع اليومية والعادية "الطبيعة " إذ إنني ككل الأطفال في مراحل العمر الأولى لا أفرز ذاتي من المحيط (لا وعي موضوعي) حتى إذا ما جاء وقت وقرصتني "نملة" قرصة مؤلمة على حين غفلة في شفتي السفلى بدأت أتعلم أن كل تلك الأشياء ربما كانت ليست أنا! ثم بعد حين لدغتني عقرب فكانت بالطبع أشد ألما، مع أن عقرب النيل ليست مفرطة السم "ليست قاتلة" لكن بالطبع أصابتني بألم ممض لا أنساه طوال حياتي. وقليلا وتعلمت أنني أنا هو أنا، أنا لست تلك الأشياء من حولي! كان اكتشافا مباغتا وخطرا وممتعا: "أنا"!
    أنا في مواجهة الآخر والطبيعة، فأصبحت عدواً بشعاً وماكراً للحشرات الصغيرة أقتلها كل ما حانت الفرص وللأشجار الصغيرة الغضة أقتلعها من الجذور وأصبحت من الناحية الأخرى ممتلئاً بالخوف والذعر من عدد من الكائنات التي أتصورها مؤذية وقاتلة بما في ذلك كائنات خرافية مثل ود أم بعلو والغول والسحار، كائنات لا قبل لي بها غير أنني ألوذ بأبي وأمي وبعد حين من الدهر تعلمت أن هناك قوة أخرى يستطيع المرء اللجوء إليها عند الخوف والمحنة، هي: "الله".
    كان بيتنا الصغير المفرد يقع بالضبط في قلب كل تلك الفوضى الحقيقية والمتخيلة وبدا كمحمية طبيعية "اصطناعية" لمخلوقات نادرة على شفير الانقراض هي: أنا وأمي وأبي.
    وهناك قبر الرجل الغريب الميت الذي يسكن تحت الأرض عدة أمتار من دارنا وهو بدوره حدث من أحداث طفولتي وصباي وكثيرا ما نظرت له كأحد أفراد الأسرة كونه الكائن الوحيد "البشر" الذي يسكن بالقرب منا رغم موته الذي لم يمنعه من أن يشرب معنا الشاي باللبن! إنه الرجل الغريب الذي جاء بجثته تيار النهر في يوم من الأيام إلى شاطئ دارنا فحمله أبي إلى البيت ففعل به الشعائر المقدسة كلها ودفنه هناك وفق شريعته دون أن يعرف له أحد شريعة.
    --
    عند سيلفيا مقدرة فذة على التلاصق والكلام. فإما يدها في يدي أو عينيها في عينيّ وإلا هناك مشكلة! إن لم نكن على تلك الحالة فهي عادة ما تحسبني غاضبا منها أو ما عدت أحبها كالسابق. وعند لحظة الطعام وأثناء الأكل تلاعبني بأقدامها على أقدامي من تحت الطاولة. وإذا ما حدث أن نهضت عند منتصف الليل من أجل الذهاب إلى دورة المياه على سبيل المثال فإنني عادة ما أحتاج لعدد مقدر من الدقائق كي أفرز نفسي منها وأستطيع أن أتعرف على يدي وقدمي من يديها وقدميها.

    وسيلفيا تخاف الصمت. هناك مشكلة في الصمت. هي لا تعرف أبدا أن تحدث نفسها في الداخل. هي شفافة لدرجة أن هواجسها الحقيقية وحقدها كبشر وغضبها وطمعها وجشعها ومؤامراتها وكل ما يحرص البشر العاديون على إخفائه هي تعلنه. لا شيء مدسوس في دواخلها. صافية. لا يوجد أبدا مكان في سريرتها معد لاستيعاب مثل تلك الأشياء الفائضة. ليست طبيعية! لذا إما أن تتحدث هي وكثيراً ما تفعل أو أتحدث أنا وعادة ما أروي لها قسطاً من حكاياتي القديمة. سلفيا فتاة عجيبة لم تخطر على خلد الوجود! كانت صدفة من صدف الطبيعة العمياء. رومانسية، صادقة، شفافة وجميلة.

    لكنها بعد تستطيع أن تتآمر وتخطط! في يوم السبت الماضي حدثتني عن رغبتها في الصعود إلى قمة الجبل. ليست ببعيدة. وعندما وصلنا إلى هناك وجدتها تحمل "ملاية" صغيرة ملونة فاستفسرت عنها، فردت سيلفيا مستلفة ابتسامة طفل غرير "خشيت أن تأتيك الحالة فتحملني على الحجارة العارية، أنا لا أضمن شرك"! فضحكت أنا عندها وضحكت سيلفيا وسمعنا الجبل يضحك معنا متخليا لبرهة عن صمته الرهيب. ضحك ثلاثتنا في نسق الوجود كل بطريقته. وما هي إلا لحظات وتحولنا بالفعل إلى وحشين في مكانهما المناسب من الطبيعة الوحشية. ثلاث ساعات وأنا تتقمصني روح ذئب جائع منذ الأزل وسيلفيا ظبية يانعة!

    ثم بكت سيلفيا! بكت بعدها وهي تعانقني وتنظر في البعيد. بكت على حين غرة. بكت على قمة الجبل "أنا سعيدة" وهي ما تزال تبكي وتتساقط الدموع فوق صدرها الوضيء "أنا سعيدة". هي لا تستطيع إلا أن تبكي. سعيدة. تبكي وتسألني متعجبة "من أين جئت أنت"! خلتها تحدث الجبل! ورأيت حبيبات دموعها اللامعة تختلط بأنوار الليل الوانية التي تنصب علينا من البعيد. فنظرت إلى السماء الصافية. كانت ثمة نجوم بعيدة. والفضاء مفتوح على سماوات سبع. فجاءتني خشية رهيبة من مشهد الكون المهيب. فصليت على شريعة الوقت وناجيت في سريرتي عدداً من الآلهة وفي دخيلتي هاجس مجنون! إذ إنني تصورت لوهلة أن رهطا من الملائكة أو الجن ربما هبطوا عليّ من السماء يريدون بي شرا كوني أضع في أسري كائنا من جنسهم! لكنهم تقاعسوا! فظل الملاك ملك يدي.

    في اليوم التالي لصعودنا جبل الآلهة (هكذا أسمته سيلفيا) وعند المساء هاتفت سيلفيا على والدتها من تلفون القصر. تحدثتا طويلا. كانت سيلفيا جل الوقت تحدث أمها عني بوصفي كائنا معجزة. قالت لها مرة "
    "Mijn Man Kan Alles"
    " رجلي يستطيع أن يفعل كل شيء، حتى المستحيل"! إنه يعلم كل شيء عن الناس والطبيعة والمجرات. ويستطيع أن يلعب كرة القدم والمضرب والبلياردو والورق والشطرنج ويكسبها جميعا. ويرقص كيف شاء ويسبح كما الأسماك ويروض الخيول ويصطاد التماسيح. أواه ماما... ويستطيع أن يخاطب الملائكة والجن ويكلم الآلهة من قمة الجبل. أواه ماما... مستحيل!
    "" I love him
    --
    عندما كنا في باريس آخر مرة نتسكع في شارع الشانزليزيه وفي اللحظة التي هبطنا عندها من برج إيفل، جاء عبر الموبايل خبر الموت المفاجئ لمارسيل فان دا ليندا والد سيلفيا، صديقي وغريمي في لعبة الشطرنج وقبله هو الرجل الذي أهداني سيلفيا من صلبه. كانت لحظة عظيمة الارتباك.
    --
    عملت سامنتا كورنيل كل جهدها لإقناعي بأنني أصلح عارض أزياء. لم ترقني الفكرة، لم تكن واضحة، لم تخطر على بالي من قبل، لم أثق بكلام سامنتا كورنيل وكنت أشك في كل شيء. لكن على أي حال سامنتا كورنيل لم تيأس مني أبداً. وتحت مثابرتها الملحاحة قررت أن أجرب حظي، في الحقيقة حظ سامنتا كورنيل. سامنتا كورنيل دائماً ما تنتهز أسهل السبل وأقلها كلفة في جلب المال وعبر الوسائل التي لا تحتاج كفاءات أو مهارات ذهنية أو أكاديمية. سامنتا جربت بنفسها من قبل لكنها فشلت في الامتحانات الأولية مع عدة مكاتب متخصصة أهما "أؤلا وببارازي وماكس". في معظم المرات كان هناك عاملان يقفان حائلاً دون اختيارها كموديل وهما حجم أردافها الكبيرة وطولها أقل من مائة وسبعين سنتمترا، تلك عيوب حاسمة بالنسبة لمثل هذه المهنة الدقيقة. ما دون ذلك فلونها وملامح وجهها ليس في غاية الأهمية بالنسبة لتك المهنة. فكل الناس من كل الأعمار والأشكال والألوان والأمكنة تقتني بالضرورة الثياب والأحذية والإكسسوارات، وذاك ما يهم الشركات التجارية ولا شيء آخر.
    صورتني سامنتا كورنيل مئات الصور، وأخذت مقاسات جسدي كلها بما في ذلك مواضع حساسة وليست ضرورية للمهمة المعلنة، وكتبت كل الممكن من مواصفات جسدي ولوني وبالغت في وصف شخصيتي وطبائعي. ومهرت الرسائل باسمي وعنوان شقة ميركاتوربورت وأرسلتها في ظرف كبير مشحون بالصور والوثائق إلى خمسة من مكاتب الموديلات بأمستردام. كانت سامنتا كورنيل من تجاربها السابقة تعلم أن كل المقاسات تناسب المعايير وتفيض.
    --
    في خضم المهرجان فوجئت بوجود زملاء مصنع الزهور "عليم وصبحي وبرونو بيترسون". لكن لا أحدا يهتم تلك الساعة، فقط تصافحنا على عجل وقلنا ببعض كلمات المجاملة في وجوه بعضنا البعض دون أن يسمع أحد منا ماذا قال الآخر ونحن في خضم ضوضاء الكلام المتشابك والموسيقى الصاخبة وارتطام الأقدام على الأرض وتلاقي الأكف بالسلام وطقطقة "اللبان" في الأسنان وخبط الكؤوس ببعضها البعض وصرير السيارات في الشارع المجاور.
    عندما انتهت مراسم احتفال عيد ميلاد سامنتا كورنيل بدأت المشاعر تتهيأ للاحتفال برأس السنة الميلادية، لكن لا أحدا كان عنده خطة محددة، فقط كان هناك عدد من الألعاب النارية مغلفة بالورق الملون، كانت ملقاة على الركن الأيمن من الصالون، لا أحد يعرف من هو صاحبها على وجه التحديد، ذاك غير مهم، ففي شقة ميركاتوربورت اشتراكية مطلقة وحرية مطلقة وتضامن مطلق وكل شيء مطلق.
    وعلى أي حال عندما جاءت الساعة الحادية عشرة كان تقريباً كل من بشقة ميركاتوربورت ثمل ووجدت إحدى الفتيات نائمة في التوليت. وكثير من الناس في تلك الأثناء نسي رأس السنة وأصبح يتمتم ويتلعثم ويهيم في خيالاته وحده والبعض لا يستطيع الوصول إلى التوليت دون الاستعانة بالحيطان. في تلك الأثناء وجدت أنا سامنتا كورنيل تجذبني بغتة من يدي بقوة إلى غرفة العمليات "هكذا يسمي نادر حرفنة إحدى غرف المنزل" المخصصة للعناق واللحظات الرومانسية. كانت عقارب الساعة تحبو على مشارف العام الجديد. أذكر أن سامنتا كورنيل ذكرت لي خطتها من قبل أنها ترغبني داخلها لحظة التحول إلى السنة الجديدة، ذاك عندها من دواعي جلب الحظ والسعادة في العام الجديد. بدأت سامنتا كورنيل تخلع قميصي وعيناها في عيني تظهر عمداً تلذذها في وقاحة ودية بفتح الزراير حين تفعلها بهدوء ورقة وعناية. كانت النافذة مفتوحة ومشرعة على الآفاق الملتهبة بينما سامنتا كورنيل منكبة على تجريدي من أشياء فائضة لا قيمة لها تلك اللحظة وهي "الثياب"، هناك أضواء كثيفة وأصوات الألعاب النارية تصم الآذان.
    ---
    أول ما دخلت عند سيلفيا وجدت مطبخها بلا زيت طهو اعتيادي فقط زيت زيتون وبلا شطة وبلا سكر أبيض وبلا بهارات وبلا لحمة حمراء فقط قليل من السمك والدجاج ليس إلا، وبالفرن فحسب. وسيلفيا تزن اللحمة بالميزان كي لا تزيد عن مائة جرام حسب مواصفات صحية وطبية، قطعة لها وقطعة لي وكل يأكل مائة جرامه لوحده.
    وأنا كائن قادم لتوه من بلاد الأكلات المسبكة والشطة القبانيت بلاد الشاي السادة والشاي باللبن وربع دستة من معالق السكر والشواءات الشهية ورأس النيفة وأم مفتفت. " يا لهولي من مطبخك يا سيلفيا" هكذا صحت مرة في وجهها
    ---
    الحكومات في عالمنا مريضة بالأزة، إنها تحدق في البعيد في البعيد البعيد. لا ترى الناس لا ترى الأحداث لا ترى شيئا، حتى أنها لا ترى نفسها. الحكومات تحدق في الحق الملتصق بالنجوم، في السماء وعيناها تدمعان خشية السماء. الرؤساء يحدقون وجنرالات الجيش الجرار يحدقون في السماء من خلفهم، الوزراء يسبحون والبرلمان يهلل والأحزاب الحاكمة تكبر في زهو الآفاق البعيدة. إنهم يحدقون في البعيد، مأخوذون بالأنوار المهيبة عن نور الأرض ال########. في سكرتهم المقدسة لا يشعرون بالدنيا من حولهم. يحدقون في السماء لا يرون الأرض من تحتهم. يدوسون الأرض بأقدامهم الطاهرة لكنهم لا يرون ما تحدث أقدامهم. يعيثون في الأرض فرارا إلى السماء. وهنا دماء. دماء على الأرض. الماء ينضب والطعام. هنا فقر. هنا مسغبة. هنا إعياء ومرض. هنا موت. الناس تموت. الأرض تموت وهم يحدقون في السماء ولا يعودون أبدا. لا يكرون البصر لا يتزحزحون عن ربقة الفضاء. وقد قالوها آلاف المرات في خطاباتهم المكرورة حتى صعقت مسامع الأرض "إنهم ما جاءوا إلا من أجل السماء". لا علاقة لهم بالأرض. الأرض غير مهمة في شيء! الأرض خلقت من أجل السماء. إنهم لا يفعلون بالأرض ولا مع الأرض شيئا غير أنهم يمكنون أقدامهم منها من أجل "الهدف" وهو "السماء". يتمكنون. أهل السماء يتمكنون من الأرض. تماما. فيحيلون الأرض إلى يباب ويرجعون بها إلى القرون الوسطى متخلين عن بهرج الحضارة الزائف إلى عالم الأسلاف والكهوف.
    -- العناق ربما أحتاج قدراً من الوقاحة بقدر ما يحتاج الإدام للبهارات وقدراً من العنف الودي وفق قانون كل لحظة في تمايزها عن اللحظات الأخرى.
    سألت مرة سيلفيا عن كيف تشعر بالعناق. العناق الكامل. متعة العناق. المتعة الموعية ونصف الموعية وتلك الغريزية. سألتها بعد أن أبنت لها شعوري الذاتي ومتعتي أخبرها كما أساعدها في فهم السؤال على وجهه الأكمل: "متعتي يا سيلفيا في شعوري باحتوائك كلية، سيطرتي المطلقة على جسدك، ملكيتي له وانصياعه لي. أشعرني في تلك اللحظة ملك الملوك أمتلك أنفاسك المتلاحقة. أشعرني أصطاد غزالة يانعة كما يصطاد الأسد فريسته في غابة استوائية موحشة ومرعبة لا خيار فيها للكائنات غير أن تفتك بعضها البعض لتبقى وتنتصر وفق الداروينية. وفي اللحظة الحاسمة، هناك عندما أصعد بك قمة الألب أتلذذ بعدواتي لك مستلاً أنفاسي الحرى أبارز أنفاسك الهاربة في حرب جبارة لا تهدأ أبداً إلا بانتصاري الأكيد". فضحكت عندها سيلفيا وفاجأتني بأنني أعبر عنها تماماً فقط مع اختلاف تكتيكات الحرب: "الفرق بيني وبينك يا سيدني أنني أغزوك من الداخل وأنت تغزوني من الخارج وأنت تبرز كل أسلحتك عند أول المعركة وأنا أرجئ سلاحي الحاسم إلى آخر المحطات، وفي الختام أنتصر أنا فتكون أنت لاشيء غير كومة من الرماد والأنين تربض فوق باحات صدري تبدد أنفاسك المتكسرة رافعاً رايتك البيضاء تبايعني مليكتك الأبدية".
    --
    فما كان منها إلا أن قفزت في الفضاء بقوة وبشكل تلقائي ثم أعملت يديها على رأسي تجذبني من شعري على الأرض فسقطت مرتطماً بعتبة الباب الأسمنتية وانكبت سيلفيا من فوقي تلطمني بقبضة يديها على وجهي وصدري وهي تصيح كالهنود الحمر وأنا مبهوت لا أقوى على الفهم ولا أستطيع الدفاع عن نفسي ولا عن فعلتي. ثم هدأت بعدها أنفاس سيلفيا وأنفاسي.
    --
    وفي مرة ذهبت سيلفيا إلى الداخل "حيث الحمام" وعادت فوقفت لوهلة على عتبة باب البلكونة وهي تحدق ناحيتي وتقول لي بلا مقدمات: "في نفسي أخربش، أشعرني آكلك حرفياً (بطني فايرة)". رأيتها عنيفة عنفاً ودياً صارماً ولذيذاً. سيلفيا أيضاً تمارس العنف الودي. الظبية اليانعة تستطيع أن تتحول إلى وحش كاسر، لست وحدي من يحتكر العنف، العنف الودي، العنف الشرعي. بل سيلفيا بذات القدر. هناك ألعاب خشنة تفعلها سيلفيا كما تحب أن أفعلها بها وأنا لها. كانت أنها تتوحش وتضع يدها على بطنها بينما هي تحدق في عيني وفي اللحظة التالية بدأ يعتليها قدر من الونى فتهيأ لي وكأنها تتساقط من عليائها بعد قوة بينما تنزوي شفتاها عن ابتسامتها الساحرة كانت عيناها تضيق وشعرها ينزلق إلى الأمام فيسربل جيدها ويغشى وجهها بغير انتظام فتحاول إزاحته دون جدوى كون يدها كانت وانية تسيطر على مفاصلها رعشة عظيمة. في الحقيقة لم تكن يدها هي التي ترتعش بل كان صدرها لكن يداها وساقاها وكل أجزائها، كل شيء بدأ وكأنه يتداعى بالسهر والحمى تضامنا مع رعشة الصدر في انسجام رهيب.
    غير أن سيلفيا على كل حال استطاعت التقدم ببطء شديد وبدت وكأنها تزحف إلى موقعها على الأريكة الملاصقة لي بينما كان النهر يتلألأ من أمامنا طاردا عنه أضواء المدينة التي تعكر من طبائعه الأزلية فيهتاج موجا رقيقا من حين إلى آخر كطفل غرير يدفع عن خده قبلة لا يحبها.
    وفي لحظة بعينها أقر عقلي النهوض وفق خطة أملاها وجع الصدر والخاصرة. صدري بدأ بدوري يوجعني ويرتعش بل يرتعد لقد عادتني سيلفيا بالعنف، بالعنف الودي. بدأت وكأني في غرفة إنعاش مقبل على عملية جراحية معقدة. ولعدة لحظات لم أقو على النهوض ولم تكن سيلفيا قادرة على ممارسة عادتها في التحديق ناحيتي كما تشتهي كانت وانية وتبدو كزجاج يتهشم وعندما فعلت ما بوسعي ومسكت يدها أرجوها المجيء إلى الداخل أقرت بأنها لا تستطيع. لا تستطيع النهوض. أبدآ، لا!
    ---
    شرقي وغربها. شرقي أنا وغرب سيلفيا. الشرق الذي يستعيض بالخيال عن الخطة والغرب الذي ينفي الخيال إلى الخطة. أنا لم أشهد في الراهن اختلافا جذرياً بين الشرق والغرب إلا في شيئين فقط، لكنهما جوهريان، توأمان، هما: الخطة والبراجماتية. ما دون ذلك تمايزات عادية تمليها طبيعة الزمان. للغرب في مجمله خطة وللشرق في مجمله لا خطة! وللغرب في مجمله براجماتية والشرق في مجمله، لا "عملي". وتلك هي القضية!

    وذاك سر "المبالغة" الشرق يغالي "يبالغ" في اللغة وفي الفعل وفي الشعور كون لا خطة ولا براجماتية. "المثال" عند الشرق منفلت كلية عن الواقع بينما المثال يكاد يكون مندغما مع الواقع لدى الغرب. وتلك لها علاقة مباشرة بصورة الابن "المقدس" يمشي بين الناس على الأرض في مقابل المنزه المتعالي.
    ---
    الشجرة الخفية!
    عند احدى الأصائل في يوم من أيام الصبا الباكر سألني أبي سؤالاً صغيراً مباغتاً عددته آنها من باب الدعابة. قال لي: "هل ترى تلك الشجرة"؟. وأشار بيده إلى الناحية الشرقية من صحن الدار. أجبت ب:لا. في الحقيقة لم يكن هناك شيء في تلك الناحية. لا أرى شيئا!. لم يسألني بالكلمات. لم ينطق بلسانه ولم أسمعه بأذني. لكنني على كل حال سمعته يسألني فأجبته بقدر ما أعلم فسمع هو إجابني وصمت حينها.

    ثم قمت من مقامي ذاك مخلفاً أبي على كرسيه في هيئة الملوك العظام وذهبت إلى شاطي "الكتيب" الذي أصبح بغير العادة محلي المفضل للنزهة والتأمل والترويح عن النفس منذ وقت قريب.

    شاطئ الكتيب يقبع نصف كيلومتر شمال الموقع الأثري المسمى وابور حسب الرسول من جزيرة أم أرضة مساحته لا تتجاوز المائتي متراً مربعا. مسافة صغيرة مهجورة ومجهولة من الضفة الشرقية للنهر "النيل". لم تكن مهمة في شي. ليست مهمة إلا من ناحية كونها منطقة سياحية خطرة. هي الأهم على وجه الإطلاق من تلك الناحية وغريبة. هي الأغرب على وجه الأرض كونها البقعة السياحية الوحيدة على مدار الكرة الأرضية التي صنعت لسائح واحد فقط هو "أنا" وحدي لا احد غيري من البشر.
    في الحقيقة أنا من أكتشفها وصنعها وسماها وسمى أشيائها وكائناتها بأسمائهم. رقعة صغيرة معجونة من الرمل والحصى والمحار والطحالب الرقيقة المتكدسة.
    لكنها تضج بالحياة وتشكل مستعمرة لأسراب من الطيور وأمم لا حصر لها من الحشرات والنمل والثعابين والأسماك والجراد والعقارب وليس ذاك فحسب بل جماعات منوعة من التماسيح. إنها في الحقيقة عاصمة التماسيح ومركزيتها من منبع النهر إلى مصبه.

    وأنا هناك وحدي في خضم هذه الفوضى أنسل كشيطان رجيم في واجهة الخطر. وكثيراً ما تأملتني التماسيح متعجبة من هذا الحيوان الجديد الذي يقف على قدمين رقيقتين وكأنه شجرة رفيعة العود واهنة. وعلى كل حال من المحتمل أن لا أحداً من تلك الحيوانات المفترسة والأخرى يعدني من جنس البشر لسبب واحد أساسي وهو أن تلك الكائنات ربما لم تر طوال حياتها بشراً غيري من هذه المنطقة كون لا آدمي عاقل يفكر في التنزه والتجوال في مثل تلك المنطقة المرعبة.
    ماذا يريد كائن من شاكلتي من هذه البقعة الحرجة؟. ربما بدا السؤال منطقياً!. السر ببساطة كان هو شاطئها الرملي الساحر وإنفتاحه على أفق الجزيرة الأخرى الصغيرة المقابلة " رفيدة" والتي تبدو من مسافة قريبة متبرجة في حلة من الطحالب الخضراء وأعشاب النهر، وهناك الأشجار التي تحيط بحافة النهر كأنثى جميلة خصبة تعانق عشيقها ساعة السحر.
    إنها من أشد المناطق السياحية جمالاً في العالم لكنها مغلقة وعصية على البشر إذ يلفها الخطر من كل ناحية وصوب لذاك لم يزرها سائح من قبلي بالرغم من جمالها الأخاذ. لقد هجرها البشر منذ الأزل. أسوح بها أنا وحدي. أنا وحدي ملكها وسيدها أتصرف بها وبمخلوقاتها كما أشاء.
    لا أحد من أفراد أسرتي يعلم بمسرح أعمالي الجديد. وعندما كشف مرة أبي أمري مع منطقة الكتيب المرعبة بعد ردح من الزمن، فعل أمراً ربما لا يتوقعه الكثيرون من فصيلة البشر العاديين. لم ينهاني أبي عن الوصول مجدداً إلى مكان الخطر الذي هو بالضرورة مكان متعتي. فقط سعى إلى تمليكي مهارات جديدة في التصدي للمخاطر المحتملة والمقدرة على التعايش مع الوقائع الجديدة. إذ جاء لي برجل كهل إختصاصي ضليع في التعامل مع التماسيح وصيدها ليعلمني أسرار مهنته وبالتالي أكون في مأمن من أشد المخاطر توقعاً وهو الوقوع في فك تمساح.
    جاء الرجل يعلمني في البدء المبادي النظرية
    --
    عندما ترجلنا من القطار في مدينة آرنهيم مساء الأحد كانت سيلفيا مصابة ببعض الونى والإرهاق وأنا لست أقل تعباً وإرهاقا. ولو أن قلوبنا مليئة بالإشراق نتحدث عن لارا وإيملي وإليسا وفلورا وإيفي والمزيد. توقفت سيلفيا بغتة أمام الشارع الرئيس المؤدي إلى شقتنا على الراين وقالت لي أمراً صغيراً اذكره في دخيلتي على الدوام : "هذا الشارع سيسمى بإسمك يوماً ما، لكن ليس هذه الأيام، ربما بعد مئة عام من الآن"، فضحكت بشهية ورددت عليها من باب الدعابة "لما لا يفعلونها الآن!" فضحكت سيلفيا بدورها وهي تقول "لا يعلمون بعد إن النيل هنا".
    --
    في لحظة إطفاء الشموع وقفنا جميعاً، شلة هانقلو" وعدد آخر من أفراد أسرة و أصدقاء إيملي ومارك فان بوميل. تحلقنا جميعاً حول إيملي وغنينا أغنية عيد الميلاد ثم حيينا إيملي وهنيناها من جديد، كان كل واحد منا يصيح على طريقته الخاصة. وعندما أطفأت إيملي الشموع الخمسة وعشرين صفقنا لها طويلاً مؤازرين، فردت إيملي في دعابة سعيدة "شكراً أهلي وأصدقائي، اليوم اكملت خمساً وعشرين سنة من العقل والفطنة" وضحكت بعدها في دلال، فأمسك مارك فان بوميل يدها اليسرى، جذبها إليه وقبلها بحرارة، فصفقنا من جديد وكنا وكأننا نشاهد فيلم هندي رومانسي.
    كان حفل عيد ميلاد إيملي حفلاً عادياً وروتيناً لا مفارقات به عن جميع أعياد الميلاد التي حضرتها من قبل بصحبة سيلفيا، غير شيء واحد، مثل مفاجئة صغيرة بالنسبة لي هو إعلان لارا عن زواجها من عشيقتها "سولارا فيليب" في يوم السبت من الإسبوع التالي، وأشارت إلى سولارا فيلب بيدها فنهضت سولارا فيليب ممسكة بيد لارا وقبلتها قبلة طويلة فصفق كل الناس لهما وأنا أيضاً فعلت. تلك كانت أول مرة أعرف عندها أن صديقتنا لارا سحاقية وأن لها علاقة عمرها عدة سنوات بسولارا فيليب تنقطع ثم تتواصل من جديد، وقد قررا أخيراً الزواج رسمياً وتبنيتا قبله طفلاً يتيماً عمره سبعة أشهر من أصول بنغالية.

    ---
    لم يعد التلامس حلاً للظمأ، الإلتحام الكامل ليس كافياً، لاشيء يروي الظمأ. هناك كارثة!. سيلفيا تشخبطني وأنا أشخبطها، وفي لحظة ما فككنا قبضتنا وأتجهنا ناحية النهر وأجهشنا سوياً بالبكاء، كان البكاء هو الحل. تلك اللحظة وحدها تعلمت لماذا خلق الله الدموع، هدأنا، لكننا لم نهدأ، فمدت سيلفيا لي كفها اليمنى "عضني" فعضضتها في يدها حتى كتفها وعضضتها بأسناني الفوقية ولساني في أماكن بعضها مرهف الحساسية. وسيلفيا لم تكن أقل عنفاً مني، كان وقع أصابعها وأظافرها يشتد بين اللحظة والأخرى على




    ونواصل ........
                  

العنوان الكاتب Date
تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطفات . عمر دفع الله08-26-13, 02:38 PM
  Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف عمر نملة08-26-13, 06:38 PM
    Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف Moutassim Elharith08-26-13, 10:37 PM
      Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف عمر دفع الله08-27-13, 03:23 PM
        Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف بله محمد الفاضل08-27-13, 03:28 PM
          Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف هشام هباني08-27-13, 03:52 PM
            Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف Khalid Kodi08-27-13, 05:28 PM
              Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف عمر دفع الله08-29-13, 09:39 AM
                Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف عمر دفع الله08-31-13, 08:16 AM
                  Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف عبدالكريم الامين احمد08-31-13, 08:35 AM
                    Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف عمر دفع الله09-03-13, 10:43 AM
                      Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف أيمن محمود09-03-13, 10:58 AM
                      Re: تهانينا لزميل المنبر محمد جمال الدين بمولد روايته الاولى ... مقتطف البشير دفع الله09-03-13, 11:24 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de