عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-24-2024, 02:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-13-2013, 11:17 AM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    قصة رائعة من كتاب ذكرياتي في البادية للأستاذ حسن نجيلة
    Quote: ودعت في هذه الحياة احباباً كثراً وقفت عند قبورهم حزيناً موجعاً ومازلت عليهم حزيناً موجعاً كلما ذكرتهم- وما اكثر ما اذكرهم- لكني لم اشعر قط بتفاهة الانسان وحقارته ازاء الموت مثلما شعرت بهذا في بادية الكبابيش.
    لست انسى يوم تعالى صراخ نساء الحي من حولي يبكون احد رجال الحي الاعزاء، فاسرعت الي خباء الرجل حيث تجمع عدد غير قليل من النساء والرجال تحت ظلال الاشجار بعد ان فاض بهم
    الخباء الصغير، ونواحهم يصم الآذان... وكانت تلك اول مره احضر فيها مأتماً بدوياً.
    وجلست مع بعضهم على الارض الرملية تحت ظل شجرة باسقة - ولعلي من القلائل الذين قدموا للعزاء دون ان يعلوا صوتهم بالنواح، فقد كان كل من يقدم يبدأ فى البكاء بصوت مرتفع من بعيد قبل ان يبلغالدار وقد غطى عينيه بيديه وطرف ثوبه.... ولعل سبب هذه التغطية الا يكشف امره، أسالت الدموع من عينيه ام انه يصرخ باكياً لمجرد واجب العزاء؟ فإن العزاء عندهم لايكون الا هكذا، نواح متصل كلما قدم قوم جدد على ظهور الخيل او الجمال حتى اذا اقتربوا من الدار هبطوا من دوابهم وأوثقوها ثم اتجهوا نحو المكان للعزاء وقد تعالت اصواتهم بالنواح وايديهم تغطي عيونهم باطراف ثيابهم!
    كنت جالساً ارقب كل هذا واسائل نفسي، ترى كيف يحملون الجثمان؟ واين يوسدونه الثرى وكان لابد ان تدور هذه الاسئلة في ذهني وانا لم اشهد كيف يدفنون موتاهم من قبل، واعرف ان ليس في خيامهم - الا نادراً جداً - هذه ( العناقريب) التى تملأ بيتنا ونحمل عليها موتانا... وقد بدا لي الامر مستعصياً، ففي داخل بيتوهم لاتوجد غير تلك الاسرة الضخمة المصنوعة من الجريد والتي
    لاتصلح اباً لحمل الجثمان، واعرف ايضاً ان ليس هناك مقبرة بالمعنى المتعارف عليه عندنا، ذلك لانهم قوم رحل، لهم في كل آن مستقر جديد في تلك الصحراء المديدة ريثما يتركوه لغيره.
    ولم تطل بي فترة التساؤل حتى جِئ بجمل ضخم يبدو عليه الهدوء، ورأيت بضعة رجال يحملون ( قرفه) كبيرة فارغه.. القرفة هذه تشبه الخُرج عندنا الا انها اكبر منه. تصنع من الياف الشجر او جلد البقر ويعتمدون عليها في خزن حاجياتهم من الذرة خلال تجوالهم - ولم اكن ادري لمَ جاءوا بالجمل والقرفة؟ وزاد عجبي عندما رأيتهم يملأون القرفة بالتراب، ثم احكموا ربطها علي صفحة الجمل وجاء بعضهم "بحويتين" ربطهما على صفحة الجمل الاخرى وترك فراغها الى اعلى حتى اذا تم ذلك دخلوا الي الخباء وعادوا يحملون الجثمان بايديهم الي حيث كان يبرك الجمل. وفي هدوء وضعوا الجثمان على الحويتين المربوطتين على صفحة الجمل الاخرى وضعاً محكماً- ووضحت لي الحقيقة الساخرة والتى لم اكن انتظرها هكذا. ! فعلى جانب الايسر عدلة من تراب وعلى الجانب الايمن الجثمان... عدلتان على ظهر الجمل كلاهما من تراب... تراب طبيعي لايحس بنا ندوسه بارجلنا ونستخف به، وتراب سوي انساناً كانت له حياة زاخرة صاخبة كحياتنا ثم انتهت وتلاشت كأن لم تكن وعادت كومه من التراب على ظهر جمل يهطع بها الى المقر الأخير. !
    وتواثبنا الى جمالنا وخيولنا لنسير خلف الجثمان، وسار القليل منا على ارجلهم، ذلك لأن من عاداتهم دفن موتاهم بعيداً عن الاحياء مما يقتضي ان يسير المشيعون راكبين لبُعد المسافة ومشقة المسير إذ ليس هناك طريق معبد. وركب على ظهر الجمل الذي يحمل الجثمان ابن المتوفي او شقيقه لست اذكر بالتحديد وانما جرت العادة ان يكون اقرب الاقربين للميت، وشدّ ماكان يحزنني نواحه على طول الطريق واكاد لا ازال احس بلذع الحزن في قلبي كلما طافت بذهني تلك الصورة الموجعة لذلك الفتى ينوح من اعماق قلبه باكياً وهو على ظهر الجمل الذي يحمل الجثمان ويردد .... وو..... وو.... الخراب جاني... وو ... الحزن جاني...! وهو يمد في احرف الكلمتين في نغم حزين، وأيّ خراب ابشع واوجع من الموت!
    وفي كل مآتمهم كنت اسمع هذا النواح الموجع يرددونه رجالاً ونساءاً... وهل حياتنا مهما امتدت وحفلت بالسرور والمرح الا الي الخراب؟؟ وهل نحنا مهما كنا الا الي التراب؟.
    لقد احسن البدويون بفطرتهم السليمة اختيار " قرفة" مليئة بالتراب يعادلون بها الانسان الذي يحملونه الي نهايته فلا شئ قط غير هذا التراب يعدل الانسان. وبلغنا الي حيث ارادوا أن يوارى الجثمان، وليست هناك مقبرة بالمعنى الذي تعرفه، انما هناك انه منذ عام كذا، وعندما كان الحي ينزل قرب هذا المكان دفن فلان او فلانه، عند تلك الشجرة او قرب ذلك التل الصغير، فلا بأس ان يجاورهم اليوم هذا الزائر الجديد...وصلى على الجثمان - لحسن حظ الميت- ووري الثرى، لاجديد هنا الا مارأيتهم يفعلونه عقب الدفن، اذ عمدوا الى الاحجار الضخمة يردمون بها القبر ولم يتركو جانباً منه الا غطوه بالاحجار الثقيلة، وسألت لم يفعلون هذا؟ ونظر اليَّ من بجانبي وتجلت الدهشة على وجهه لجهلي وهو يقول.. انها الضباع والذئاب يخشون منها ان تنبش القبر وتنهش الجثة ان وجدت الي ذلك سبيلاً.
    الا ما احقر الانسان واهون امره وان ظن في نفسه القوة! وتذكرت اني في البادية حيث نقاسم الحيوان سكناه، وطافت بذهني صورة من ذلك الصراع الدموي بين البدوي وجاره الحيوان فأيهما ظفر بالآخر صرعه واكله، لا اختلاف بينهما في ذلك وترحمت على المتنبئ عندما اشار الي هذا الجوار الذي لا حرمة فيه ولا رعاية لود او اخاء:
    جيرانها وهم شر الجوار لها :::: وصحبها وهم شر الاصاحيب
    وانتابني انقباض شديد وانا انظر خلفي الي ذلك القبر الموحش حيث دفن الرجل وتخيلت الضباع والذئاب تحف بقبره وتحاول زحزحة الاحجار عنه، انه - حتى اذا ما سلم من هذا المكان، انهم لفاعلون ذلك غدا او بعد غد فما يطيق البدويون البقاء في مكان واحد اباً... وساءلت نفسي ترى ماذا اذا حانت منيتي هنا واودعت هذا القبر الموحش حيث لا يعودني احد، ولا انيس من حولي وقد اكون نهباً للضباع؟... ان المقابر في المدن والقرى تجاور الناس، ومن يدري فقد يؤنس الموتى دبيب الحياة من حولهم وبعض ذاكريهم يلمون بهم احياناً. اما هنا فلا طارق الا من حيوان ضارٍ والا هذا الصمت الموحش.
    وكدتُ ارثي نفسي كما فعل مالك بن الريب الذي قيل انه صاحبَ سعيد بن عثمان بن عفان عندما ولاه معاوية خراسان، وكان مالكاً كارهاً لهذه الصحبة التي ستبعده من اهله في بادية البصرة- وفي الطريق اناخوا للقيلولة فلدغته افعى، فأحس بدنو أجله وجزع ان تعاجله المنية في ذلك القفر الموحش بعيداً عن زوجته وبناته واهله، فرثى نفسه بقصيدة مشهورة تعد من عيون الشعر العربي، استهلها بتساؤل اللهِف الملتاع... وادي الغضا اتراه يعود اليه ويبيت فيه ليله وينعم به؟
    الا ليت شعري هل ابيتن ليلة *** بجنب الغضا ازجي القلاص النواجيا
    ويلتفت مالك حوله فلا يجد من يبكي عليه في ذلك القفر سوى سيفه ورمحه وفرسه الاشقر، وقد تخيله يجر عنانه ليرِد الماء بلا ساقٍ بعد ان فقد صاحبه!.
    تفقّدتُ من يبكي عليّ فلم اجد *** سوى السيف والرمح الرُدينيّ باكيا
    واشقر خنذيذ يجر عنانه £££ الي الماء لم يترك له الدهرُ ساقيا

    ويقول لصاحبه من حوله: ان دنا الموت فانزلاني برابية ولا تتعجلا مفارقتي بل ابقيا معي يوماً او بعض ليلة... ويطلب اليهما ان يحفرا قبره باطراف الاسنة وان يوسعا له في الارض ذات العرض فلا يكون قبره ضيقاً!.
    فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا *** برابيه إني مقيم لياليا
    أقيما علي اليوم او بعض ليلةٍ *** ولا تعُجلاني قد تبيّن مابيا
    وقوما إذا ما استُل روحي فهيّئا *** لي السدر و الأكفان ثم ابكيا ليا
    وخطا بأطراف الأسنة مضجعي *** وردّا على عيني فضل ردائيا
    ولا تحسُداني بارك الله فيكُما *** من الأرض ذات العرض ان توسعا ليا
    خُذاني فجُرّاني ببردي إليكما *** فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
    وقد كنت عطّافاً اذا الخيل أحجمت *** سريعاً لدي الهيجا إلى من دعانيا
    يقولون ( لاتبعد) وهم يدفنوني £££ واين مكان البعد الا مكانيا
    غداة غدٍ يالهف نفسي على غدٍ£££ اذا أدلجوا عني وخلفت ثاوياً

    ولم يمت مالك بن الريب من لدغة الثعبان تلك ولست ادري أكان ساخراً عندما قال انه باع الضلالة بالهدى وسار في جيش ابن عفان
    ألم ترني بعت الضلالة بالهدى £££ واصبحت في جيش ابن عفان غازيا
    ولكني كنت اردد هذه المرثية كلما شهدت قبرا في ذلك القفر الموحش، وكلما شهدت ثعبانا من حولي ، وما اكثر الثعابين حولنا. فكلما نزلنا مكانا جديدا واقمنا خيامنا نفرت من حولنا ثائرة. فيلقى الواحد منا اكثر من ثعبان كل يوم بالقرب منه او في سريره او حذائه او في طريقه، واني لأعجب كيف سلمت من لدغتها وقد تعرضت للمئات منها خلال سنوات عملي هناك، ولكن عناية الله ودعاء من خلفنا وراءنا يذكروننا في صلواتهم وقرآنهم بقلوب عامرة بالايمان، اثابهم الله الجنة
                  

العنوان الكاتب Date
عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد02-08-13, 07:14 AM
  Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد02-08-13, 07:27 AM
    Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد02-08-13, 04:55 PM
      Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد02-08-13, 05:45 PM
        Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد02-08-13, 06:13 PM
          Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد02-09-13, 06:01 PM
            Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد02-09-13, 06:12 PM
              Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد02-09-13, 06:41 PM
                Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد02-13-13, 11:17 AM
                  Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد06-17-13, 05:41 AM
                    Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد07-01-13, 10:47 AM
                      Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) محمود سيد أحمد08-18-13, 11:35 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de