ندوة فكـرية كبري "الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديدة"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-21-2024, 07:27 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-10-2013, 02:27 AM

احمد محمد الحاج

تاريخ التسجيل: 10-29-2009
مجموع المشاركات: 72

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد (Re: احمد محمد الحاج)

    إن أدورنو رغم كونه مفكراً مادياً إلاّ أنه يتعامل بطريقة مختلفة مع موضوعية العمل الفني. فرغم أن الإدعاء بأن للعمل الفني ماهية مستقلة عن العناصر التجريبية المكونة له إدعاء وهمي ـ وفقاً للفكر المادي ـ فإن أدورنو يرى أنه ليس وهماً محضاً، لأنه ينتج من حقيقة أن هذه العناصر التجريبية إنما تُصب في شكل ذي معنى. هذا الشكل لا يمكن رده إلى ذاتٍ ما، ومع ذلك فإن موضوعيته تختلف عن تلك الموضوعية التي للأشياء إنها تشبه موضوعية المعنى اللغوي، وتكون له خصائصه: المعنى الفائض عن نوايا الذات والاعتماد على الشكل. وهو ما يسميه أدورنو بخاصية اللغة أو خاصية العمل الفني كنص. إن ما يجعل الأعمال الفنية أكثر من مجرد وجود هو بدوره ليس شيئاً موجوداً إنما هو لغتها. إن أدورنو يتخذ من اللغة نموذجاً لامكانية قيام علاقة غير قسرية بين المفهوم والموضوع. ومع هذا فإن هذا الامكان هو أيضاً وهم، ففي عالم منظم قسرياً يكون الحديث عن مجال للغة كلياً غير قسري وهماً خطيراً يعمل فقط على إخفاء القسر الحقيقي. هذا التحرر الوهمي من السيطرة في الفن لا يحاول أدورنو تفكيكيه وإنما، على العكس، يحاول إنقاذه، فمثلاً الشعر الحقيقي يكون سيطرة للغة في خدمة التحرر، وليس منطقة للحرية المتحققة فعلاً من هذه السيطرة. بل نستطيع القول أن المجال الرئيسي الذي استطاع فيه أدورنو تحقيق الديالكتيك السلبي ونقد تفكير الهوية هو مجال الفنون. ولذلك تكتسب نظريته الاستاطيقية أهمية بالغة بالنسبة للديالكتيك السلبي، ويصير لها مضموناً معرفياً يميزها عن غيرها.
    هذا العنصر التلقائي الحر، الذي تعبّر عنه الفنون على هذا النحو، ليس هو الحرية وقد تحققت في العمل الفني، لأن الفنون شأنها شأن أي نشاط إنساني آخر ما زالت ترزح تحت لعنة مبدأ حفظ الذات؛ وإنما هو تعبير عن اقتراب الفنون الحميم من الحرية الممكنة في المستقبل. وهذا يعني أن محاكاة الفنون إنما تكون لطبيعة لم توجد بعد. أي أن الفن الأصيل محاكاة ليوتوبيا، ولكنها محاكاة لا يمكن انجازها إلاّ سلبياً. فالطبيعة التي لا توجد لا يمكن محاكاتها إلاّ بنفي محدد للثقافة التي تم تطبيعها على نحو زائف يفصل بينها والطبيعة، وهي الثقافة السائدة في المجتمعات الحديثة. إن الكشف عن الجمال لا يتم إلاّ بتصالح الثقافة والطبيعة، فمحاكاة اليوتوبيا لا تتم إلاّ في الثقافة وإن كانت محاكاة للطبيعة. لقد استسلم عنصر المحاكاة تماماً للفنون، والتي اعتبرها فكر الهوية لا عقلانية وتفتقد تماماً لأي محتوى معرفي؛ بينما الفكر السلبي عند أدورنو يعتبر الفنون نوع من العقلانية، ولكنها عقلانية تنتقد العقلانية دون أن تنسحب منها. وكما أن التفكير الحقيقي ـ عند أدورنو ـ يُبقي عنصر المحاكاة المقموع حياً في المعرفة، كذلك يُبقي الفن الحقيقي عنصر المعرفة المقموع حياً في المحاكاة.
    إن التجربة الجمالية ـ لدى أدورنو ـ تعبّر عن الديالكتيك السلبي، بل هي التجربة الأكثر جوهرية في التعبير عن هذا الديالكتيك. ومن هنا تكتسب قيمتها المعرفية، فهي التجربة الجوهرية لنقد تفكير الهوية identity thinking أو بالأحرى هي تجربة اللاهوية الأصيلة. هنالك، بالطبع، شكل من أشكال الهوية يعمل في التجربة الجمالية، كما هو الحال في أية تجربة، فكل عمل فني يسعى تلقائياً للتطابق مع ذاته. ولكن هذه الهوية الجمالية تختلف عن هوية التفكير المفاهيمي، فهي لا يتم استخلاصها من الذات وإنما من العمل الفني نفسه كواقعة مكتفية بذاتها. ولذلك فهي ليست محكومة بمنطق تماثل الهوية وإنما بمنطق المحاكاة. ومن خلال المحاكاة تصبح الأعمال الفنية موضعاً ممكناً لتجربة اللاهوية. ويعرّف أدورنو المحاكاة كترابط غير مفاهيمي بين الإبداع الذاتي والآخر الموضوعي. هذه الخاصية غير المفاهيمية هي الحاسمة في دور الفنون كمتحدث عن الطبيعة المقموعة (اللاهوية). وهي تلعب هذا الدور بالتعبير عن تلك الوحدة المادية بين الذاتية والطبيعة (الموضوعية) التي ينكرها التعارض الصلد بين الذات والموضوع في التفكير المفاهيمي. والفنون، بهذا المعنى، هي ممارسة ما بعد الصورة. ولأنها كذلك، فهي تنقل الحقيقة التي تطمح إليها الفلسفة ولا تستطيع الوصول إليها مطلقاً، فهي وحدها القادرة على قولها بدون أن تقولها. وهذا يعني أن العمل الفني نتاج لفرض الشكل، الذي يمثل الهوية والعقلانية والبناء، كما هو نتاج للمحاكاة، التي تمثل اللاهوية والموضوعية. إن مضمون حقيقة العمل الفني تعبّر عنه الطريقة المحددة التي يندمج بها ديالكتيكياً المحاكاة والعقلانية، التقليد والبناء. إن العمل الفني يسعى لاستعادة الجنة المفقودة، لتوحيد الذات والموضوع. ويفشل هذا السعي لأن لحظتي العمل الفني: المحاكاة والعقلانية هما لحظتان غير متصالحتين، ورغم ذلك فهما مرتبطتان ديالكتيكياً ببعضهما البعض، بمعنى أن كل واحدة منهما تتحقق عبر الأخرى. ففي العمل الفني، تخترق لحظة المحاكاة ديالكتيكياً اللحظة العقلانية (بدون أن تتصالح معها) بحيث يتم التعبير عنها من خلالها، بينما، ومن خلال إختلافها عنها، تعمل كنقدٍ لها. وينتج عن ذلك عدم التصالح النهائي الذي هو لحظة أساسية في العمل الفني. وكل الأعمال الفنية العظيمة لا تنجح نجاحاً كاملاً، إنها تفشل بمعنى ما. إن الفنون لا تعيش وفقاً لمفاهيمها، وبسبب ذلك فإنها أرفع تعبير عن الديالكتيك السلبي، عن تفكير اللاهوية. إنها تجربة معرفية عميقة، ومع ذلك فهي غير قابلة للشرح والتوضيح.
    وإذا كانت بنية العقل الأداتي الأساسية هي التسلط فإن العمل الفني هو الوحيد الذي لا يخضع لهذه الهيمنة، وإذا كانت المعرفة قد اتجهت إلى السيطرة ونفي التفرد فإن العمل الفني هو الوحيد القادر على إنقاذ التفرد. إن الأستاطيقا ـ عند أدورنو ـ هي الجانب الثقافي الوحيد الذي يحرر الإنسان، لأنها تترك للأشياء وجوهها الفريدة، وهي تضع مسافة بيننا وبين الأشياء والمشاهد والكلمات، وهي تكشف عن حضور كيفي للأشياء، ولذلك فهي تأكيد لكل ما هو نوعي في مقابل النزعة الكلية التي تهيمن وتتسلط.
    إن الأعمال الفنية لا تجعلنا على يقين من أي شئ بما في ذلك اليوتوبيا ولكنها تفتح الإمكان لتجربة جديدة لا يقبلها تفكير الهوية. هذه الأعمال تمارس نقدها بطريقة تمكّنها من تشكيل مواد لها تاريخها المترسب. في هذه الأعمال الجديدة تمارس الفنون "حكماً بغير حكم" على الماضي. هذا الجهد يتفق مع ذلك النوع من الإدراك الذي نجده في التجربة الإستاطيقية لاستقبال الفنون. ومن ثم فإن انجذاب أدورنو إلى المحاكاة الإستاطيقية هو إنجذاب لشكل من الحكم يستطيع أن يعرف بدون مفاهيم قاصداً ما تود المفاهيم أن تقوم به. الفن يبحث عن معرفة حقيقية ولكنها محاكاة، محاكاة تحاكي التغلب على تمايز العقل إلى مجالات منعزلة من الحقيقة والصواب المعياري والجمال. إن الممارسة الفنية نموذج لشكل بديل من الممارسة. والإنجذاب إلى المحاكاة الإستاطيقية إنجذاب إلى عقل تنويري. وهذا يعني أن أدورنو ما زال ملتزماً بالتحرر كغاية للتنوير. وهذا ما يجعله متمايزاً من فلاسفة ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية، ويحفظه داخل تيار النظرية النقدية.
    الفنون لا تمثل نشاطاً انسانياً متحرراً من السيطرة، الموجودة بطريقة خفية في العقلانية الحديثة. فهي تصارع من أجل سيطرة متقدمة على مادتها، تماماً مثل العقلانية العلمية. ولكن وفي نفس الوقت السيطرة في الفنون ليست ببساطة نسخاً وتكراراً للسيطرة بشكل عام وإنما نقد لها أيضاً. فهي سيطرة على مادتها المتحققة تاريخياً، ولكنها سيطرة، بابتعادها عن العالم التجريبي، تحقق نقداً للسيطرة الحقيقية على الطبيعة التي تحكم ذلك العالم. ومن الواضح أن السيطرة في الفنون يحققها الأسلوب فهو الذي يقوم بصياغة البنية الفنية. والأسلوب لا يعبّر عن حرفية مهنية خالصة وإنما يعبّر أولاً عما هو معرفي ونقدي فهو يتضمن فهماً تاريخياً لمادته أكثر من كونه فهماً طبيعياً خالصاً لها.
    الإسلوب يمثل وعداً في أي عمل فني. فما يتم التعبير عنه في العمل الفني يخضع للأشكال السائدة من التعميم، للغة الموسيقى أو للرسم أو للكلمات، على أمل أن تتم مصالحته مع فكرة التعميم الحقيقي. هذا الوعد، الذي يحمله العمل الفني بخلق الحقيقة عبر إعطاء شكل جديد للأشكال الاجتماعية المألوفة، بقدر ما هو جوهري بقدر ما هو زائف. فهو يضع بطريقة غير مشروطة الأشكال الحقيقية للحياة كما هي، مقترحاً أن تحققها يكمن في مشتقاتها الجمالية. وإلى هذا الحد فإن إدعاء الفن يصبح دائماً إدعاءً أيديولوجياً أيضاً. وعلى أية حال، ففي هذه المواجهة فقط مع التقاليد، والتي يسجلها الأسلوب، يستطيع الفن التعبير عن المعاناة. إن العامل الذي يمكّن العمل الفني من تجاوز الواقع لا نستطيع فصله بالتأكيد من الأسلوب؛ ولكنه لا يتكون من الانسجام المتحقق فعلاً، ولا من أية وحدة مشكوك فيها بين الشكل والمحتوى، الداخل والخارج، الفرد والمجتمع؛ وإنما يوجد في تلك السمات التي يظهر فيها الإختلاف: في الفشل الضروري للصراع المشبوب من أجل الهوية. والأعمال الفنية العظيمة دائماً تعرّض نفسها لهذا الفشل بحيث ينجز أسلوبها دائماً نفياً ذاتياً، بينما الأعمال ال########ة دائماً ما تعتمد على التشبه بالأعمال الأخرى ـ في هوية بديلة. وأخيراً أصبح هذا التشبه مطلقاً في صناعة الثقافة. وتوقفها عن أن تكون أي شئ إلاّ الأسلوب، يكشف عن سر هذا الأسلوب: طاعة التراتب الاجتماعي. الحديث عن الثقافة يكون دائماً نقيضاً للثقافة. فالثقافة كقاسم مشترك تحتوي جنينياً على تخطيط وعملية تصنيف تجعل الثقافة ضمن مجال الإدارة. والتصنيف المتسق منطقياً والمصنّع يتطابق كلياً مع هذه الفكرة عن الثقافة. وبإخضاع كل مجالات الإبداع الثقافي لنفس الغاية وبنفس الطريقة واحتلال كل حواس الإنسان منذ وقت خروجه من العمل وحتى عودته في صباح اليوم التالي بمادة تحمل طابع العمل الذي يقوم به طوال اليوم، فإن هذا التصنيف يشبع بطريقة خادعة مفهوم الثقافة.
    إن مفهوم الأسلوب في صناعة الثقافة يتطابق من ناحية الأسم فقط مع مفهوم الأسلوب في الأعمال الفنية. في الأخيرة، يهتم الأسلوب بالتنظيم الداخلي للموضوع نفسه، أي بمنطقه الداخلي. بينما الأسلوب في صناعة الثقافة، منذ البداية يرتبط بالتوزيع وإعادة الانتاج الميكانيكية، ومن ثم فهو يظل خارجياً بالنسبة لموضوعه. وهذا يعني أنه يحمي نفسه من إمكانات الأسلوب التي تتضمنها منتجاته بالارتباط بالأيديولوجيا. إن العمل في صناعة الثقافة يعيش متطفلاً على أساليب غير فنية، هي أساليب الانتاج المادي للبضائع، وبدون اعتبار لقوانين الشكل التي يتطلبها استقلال الاستاطيقا. ولذلك فإن صناعة الثقافة تعوق تطور الأفراد المستقلين المتحررين الذين يستطيعون أن يختاروا وأن يحكموا لأنفسهم عن وعي. ولكن على أية حال فإن هذا يكوّن شرطاً قبلياً للمجتمع الديمقراطي الذي يحتاج إلى أفراد راشدين يستطيعون أن يدعموا أنفسهم وقادرين على التطور. المستهلك ليس ملكاً كما تحاول أن توهمنا صناعة الثقافة، إنه ليس ذاتاً لهذه الصناعة، بل موضوعاً. إن صناعة الثقافة تنقل العقل الأداتي، عقل السيطرة إلى مجال الفنون فهي تقوم على ظاهرة "التنميط" أو التوحيد القياسي standardization وهي عملية تفرض بها احتكارات صناعة الثقافة الأعمال الناجحة والأنماط والأمزجة على المادة التي ينبغي تشجيعها. أي أن أساليب الفنون تتحول جزء من العقل الأداتي، العقل القائم على الحساب والسيطرة على موضوعه.
    لقد اكتشف إتجاهٌ رئيسيٌ في الفلسفة، مع ليبنتز وهيجل، ادعاءً بالحقيقة في الأعمال الفنية ومؤسساتها وعواطفها، ولكن اللاعقلانية فصلت العاطفة والدين والفنون من أي شئ يستحق اسم المعرفة. وهي تقترب في ذلك كما في جوانب أخرى من الوضعية الحديثة، الأثر الأخير الباقي من التنوير، التي حددت عقلاً بارداً من أجل الحياة المباشرة، ومع ذلك فلم تجعله إلاّ مبدأً معادياً للفكر. وتحت غطاء هذا العداء تم سحب العاطفة، وأخيراً كل التعبير الإنساني، حتى الثقافة ككل، من الفكر؛ ومن ثم تحولت إلى عنصر محايد في العقل الشامل للنظام الإقتصادي، الذي هو نفسه تحول إلى اللاعقلانية منذ زمن بعيد.
    إن أدورنو يقدم عدد من الصياغات المتناقضة في محاولاته لتحديد الفنون والأعمال الفنية، فهو يقول أن ما يجعل العمل الفني يزيد عن العالم التجريبي ويتمايز عنه هو شئ غير موجود. ولذلك فإن وجود الأعمال الفنية بالنسبة إليه يشير إلى الاحتمالات التي يمكن أن يوجد فيها اللا موجود. والفن ـ عند أدورنو أيضاً ـ هو وهم التحرر من الوهم. فالعمل الفني يدعي أنه ليس مجرد شئ وإنما شيئ في ذاته، أي جوهر. هذا الإدعاء وهم لأن الجوهر يجب أن يظهر. وبدلاً من أن يفكك أدورنو مقولة الجوهر على هذا الأساس، كما فككها من قبله نيتشه والوضعيون، نجده يتمسك بأن التفكير المادي مستحيل بدون مقولة الجوهر. وهذا ما يعنيه أدورنو من قوله أن الفن هو وهم التحرر من الوهم. العمل الفني هو وهم الشئ في ذاته، وهو وهم لا يكون للوعي فقط. وهو أيضاً وهم ما بعد الذات، الوهم الذي يسميه أدورنو أيضاً بغير المتماثل. إن هذه الخاصية الوهمية للعمل الفني، والتي يسميها أدورنو أيضاً بالخاصية الصنمية fetish-character، ليست محض وهم يحتاج للتبديد، والنظر إليها على هذا النحو يحقق العملية التي يتحول بها التنوير على الضد من مقاصده إلى ميثولوجيا. ولذلك فإن أدورنو يؤكد على التمييز بين الخاصية الفنية للعمل الفني وصنمية الموضوع المعبود بالمعنى الحرفي، فبينما يمتاز الأخير بالاعتماد على السياق الاسطوري أو السحري فإن العمل الفني يمتاز بالاستقلال. فإن الكلام عن سحر الفن يتجاهل هذا الفرق الهام، وبدلاً عنه يرى أدورنو أن سحر العمل الفني هو إزالة السحر. إن الأعمال الفنية أصبحت ممكنة بفضل ديالكتيك التنوير، فهي الملجأ العقلاني للمحاكاة في عالم يقمع فيه تفكير التصنيف أي محفز للمحاكاة.
    وهذا هو السياق الذي وصف فيه أدورنو العمل الفني بأنه صنم ضد صنمية البضاعة. فالفنون، بإدعائها كرامة لا تقبل التبادل والتكافؤ، إنما تقاوم الفكرة الأساسية التي تقوم عليها البضاعة، فكرة أن عدم التكافؤ النوعي يمكن أن يصبح تكافؤاً كمياً. والفن لا ينتقد صنمية البضاعة بأن يصبح أقل منها صنمية أو أقل منها وهماً، بل على العكس بأن يصبح أكثر منها صنمية. فالفنون، بتوصيلها لما لايمكن توصيله، تعمل على تحطيم الوعي المشيّأ، أي أنها مضادة للبضاعة. ولكنها، وفي نفس الوقت، تعكس الطابع الصنمي للبضاعة فهي تبجيل لما سبق وأن انتجه الإنسان، فشهرة عمل فني ما أو نجم ما يصنعه الجمهور ويدفع ثمنه من ماله، ومن ثم يعبده ويبجله. وعلى هذا الأساس يتحدث أدورنو عن العمل الفني كبضاعة مطلقة، بضاعة البضاعة. ولذلك أيضاً لا نصل لمحتوى العمل الفني من الحقيقة بإلغاء خاصيته الوهمية وإنما بفهمها. هذه الصياغات المتناقضة تشير إلى الموقع المركزي الذي تحتله النظرية الاستاطيقية في مادية أدورنو ذات الطابع الخاص. وهي أفضل تعبير عن الديالكتيك السلبي وقدرته على تكوين معارف بالنفي.
    إن الأعمال الفنية ـ في النظرية الاستاطيقية عند أدورنو ـ توفر نقداً للعقلانية الأداتية والفعل الأداتي. وهي بهذا تلتقي مع النظرية النقدية، التي هدفها هو أن تنهي أولوية العقل الأداتي ـ العقل المستخدم كأداة دون اعتبار للسمات الخاصة للموضوع. ولكن وبما أن الفنون مستقلة فإنها لا توفر هذا النقد لنوع معين من الفعل وإنما توفره للإطار الذي تتم فيه الممارسة كلها. وطبقاً لذلك فإن الأعمال الفنية لا يمكن اختصارها في خدمة الممارسة لأن ما تنتقده هو نقض ممارسة الممارسة ذاتها. إن أدورنو يفهم الفن باعتباره الموضوعة الاجتماعية النقيضة للمجتمع.
    إن فكرة أدورنو عن المحتوى المعرفي للفنون ـ أي محتواها من الحقيقة ـ يمكن فهمها بفهم الفنون كشكل من أشكال الفعل التواصلي، كما فعل هابرماس؛ وبذلك تكون الاستاطيقا الحديثة ذات أهمية أولية فهي تمنحنا إمكاناً لشكل من أشكال الفعل التواصلي له القدرة على جمع المادة المقصاة والمنفية والمشتتة وغير المتكاملة وغير ذات المعنى في فضاء من التواصل المتحرر من السيطرة. هذا الفهم اللغوي التداولي للحقيقة الاستاطيقية يبعدها عن التطابق مع فكرة التصالح بين الطبيعة والثقافة، التي يشتغل عليها أدورنو، فلا تصبح حقيقة بالمعنى الحرفي للكلمة وإنما إمكان للحقيقة؛ خلاصة لقدرة الأعمال الفنية على الكشف عن الحقيقة. كما يمكن تطوير العلاقة بين مقولات أدورنو عن الحقيقة والمظهر والتصالح إلى مركب من مجموعة constellation مقولات يحفظ الغاية النقدية لاستاطيقا أدورنو وممكناتها الفلسفية. وإذا أضفنا إلى كل ذلك العقلانية التواصلية فإن الذوات الفاعلة والمتواصلة والمتلقية ستدخل في العلاقة بين الفن والواقع واليوتوبيا مما سينتج تأثيراً متعدد الأبعاد في مقابل بناءات أدورنو الديالكتيكية أحادية البعد. هذا الفهم هو ما فشل فيه أدورنو لأنه لم يستطع أن يصل إلى أي شكل من أشكال العقلانية الأخرى غير العقلانية الأداتية، فظل أسيراً لها وبالتالي أسيراً لنموذج الحقيقة الذي تطرحه فلسفة الوعي، أي الحقيقة كتطابق بين المعرفة والواقع. مما يجعل أدورنو يعيد إنتاج شروط السيطرة بدلاً من التحرر منها.
                  

العنوان الكاتب Date
ندوة فكـرية كبري "الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديدة" Ahmed Elyas06-09-13, 02:04 AM
  Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديدةand احمد محمد الحاج06-09-13, 03:02 AM
    Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-09-13, 03:09 AM
      Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد صلاح عباس فقير06-09-13, 03:58 AM
        Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-09-13, 04:42 AM
          Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:13 AM
            Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:17 AM
              Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:19 AM
                Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:27 AM
                  Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد سيف اليزل سعد عمر06-10-13, 10:49 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de