ندوة فكـرية كبري "الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديدة"

الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-23-2024, 05:10 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-10-2013, 02:17 AM

احمد محمد الحاج

تاريخ التسجيل: 10-29-2009
مجموع المشاركات: 72

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد (Re: احمد محمد الحاج)

    * في ورقة (الحداثة ومابعدها)، تحدثت عن الأزمات التي وقع فيها مشروع الحداثة بشكله الكلاسيكي (مستجيباً معك للنظر للحداثة كمشروع لم ينته، وإن كانت هذه النقطة جديرة بالتساؤل لاحقاً) كيف ترى تورط الماركسية في تلك الأزمات، فالبعض ـ مثلاً ـ لايرى أن الماركسية فلسفة تقوم على الهوية؟ وماذا عن النظرية النقدية، هل نجحت في تجاوز نظرة الماركسية والحداثة الكلاسيكية؟

    - نعود إلى أس مشاكل الحداثة الكلاسيكية (بما في ذلك تعبيرها البليغ، الماركسية) وهو ـ كما أمسكت به النظرية النقدية مستعينةً بماكس فيبر ـ العقلانية الأداتية والتي فرضت على المجتمع الصناعي بشقيه، الرأسمالي والاشتراكي، بعداً واحداً أحسن التعبير عنه ماركيوز في كتابه (الإنسان ذو البعد الواحد). وبما أن الماركسية كانت نموذجاً يصعب التفكير خارجه فقد صاغ فلاسفة النظرية النقدية مشروعهم النظري على أساس فتح بُعد الماركسية النظري الواحد على أنظمة متعددة؛ أي فتح المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية بحيث تصبح نظاماً نظرياً متعدد الأنظمة multi-disciplinary system. وهو مشروع لم يستطع هوركهايمر وأدورنو الوفاء به بسبب استغراقهم في نقد العقل الأداتي، أو بسبب عدم قدرتهم تجاوز نموذج الماركسية المعرفي على الرغم من قوة نقدهم له.
    فشلت محاولة أدورنو وهوركهايمر، خاصةً أدورنو الأكثر نفاذاً معرفياً والمعبر الفلسفي عن المشروع في بداياته، الذي لم يستطع، وكذلك هوركهايمر، تجاوز ثنائية الذات والموضوع ولذلك لم يكن له بدٌّ من الاستناد على أولية ميتافيزيقية للموضوع لم تسعفه فيها نفاذ بصيرته ولا ميتانقديته التي سبق بها تيارات ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية، بل اعتمد فيها على الإدراك الشائع common sense والبداهة؛ ونستطيع أن نقول أن ملكته النقدية قد خذلته فارتطم في آخر حدود تجاوزه للماركسية بسقفها الأخير فقعد في حدودها، فصدق وصف فردريك جيمسون لفكره بأنه ماركسية متأخرة.
    كما فشلت محاولة ماركيوز الذي أدخل مبدأ اللذة والليبيدو الفرويدي على المادية التاريخية سعياً لتحقيق مشروع فتح الماركسية على أبعاد متعددة وتحويلها إلى نظام متعدد الأنظمة. وفشلت المحاولة لأن ماركيوز بقي داخل حدود نظرية المعرفة الماركسية وثنائيتها المعروفة بين الذات والموضوع فانتهت محاولة إدخال بُعد جديد على الماركسية يقاسم بُعد العمل أولويته النظرية إلى أن يزيح مبدأ اللذة مبدأ العمل عن أولويته في النظرية الماركسية ويحتل محله. وسبب ذلك يعود لنظرية المعرفة الماركسية التي لم يستطع ماركيوز تجاوزها فهي لا تسمح بتعدد شروطها الأولية؛ مما يفرض على من يظل بداخلها أن يتبنى بعداً واحداً يؤسس عليه نظريته. وهو ما يدفع الماركسية دائماً على بناء خططها بافتراض وجود تناقض رئيسي واحد في أية ظاهرة؛ فالعلاقة بين الذات والموضوع لا تقبل إلاّ صيغة العلة والمعلول والسبب والنتيجة. وهي صيغة يلزم عنها أن تنتهي إلى علة أولى أو سبب أول.

    * ماذا يعني فشل النظرية النقدية في بداياتها؟

    - فشل النظرية النقدية في تحقيق مشروعها النظري عند بداياتها إنما يعني أن هنالك دائماً مفاهيم معرفية تحد من قدرات الذهن الإنساني مهما عظمت، وتسجنها في تصورات عن العالم تشكل سياقها المعرفي والتاريخي. ورغم أن مشكلات هذه التصورات تكون واضحة منذ البداية إلاّ أن شروط تجاوز أي نظام معرفي تتوفر في توفر مفاهيم معرفية جديدة لا تستند فقط على تراكم خبرات ومعارف جديدة في السياق المعرفي والتاريخي وإنما أيضاً على تراكم الأزمة والمشكلات، وأهم من ذلك تستند على قدرات الذهن الإنساني في النظر من جديد في معارفه وتاريخها خارج سياقها وتصوراتها (وهو أمر جليل وجلل، هو الذي يستحق لفظ “ثورة”، لا العنف والاستيلاء على السلطة بالقوة)؛ فإذا توفرت هذه الشروط توفر إمكان تجاوز النظام المعرفي وإلاّ فشلت المحاولة رغم فصاحة مشكلات النظام السائد وبيان أزمته. ومن الواضح أن شروط تجاوز الماركسية لم تتوفر في بدايات القرن الماضي وأواسطه فالثورة في مجالات العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية لم تقع بعد كما أن الفلسفة لم تكن بعد قد انعطفت انعطافتها اللغوية كما إن الخبرة الإنسانية بمشاريع تحررها لم تكن قد أدركت بعد الأهمية الحاسمة للديمقراطية وضرورة تأسيس التعددية نظرياً وفلسفياً وهو أمر غير ممكن إلاّ بتجاوز دوغمائية نظرية المعرفة الماركسية القائمة في أساسها النظري على تطابق حقائقها مع الواقع. وهو ما توفر بعد ذلك مع هابرماس الذي أنجز مشروع النظرية النقدية في فتح الماركسية على التعدد ولكنه أمر لم يكن ممكناً إلاّ بتجاوز الماركسية نقدياً، أي بنفيها جدلياً، إلى نظام معرفي جديد يتخطى أزمتها ويحفظ منجزاتها.

    * الإهتمام بسد ثغرات الماركسية، وتجاوزها، من قبل النظرية النقدية خلق خلطاً بينهما؛ إذ يرى الكثيرون أن النظرية النقدية ماهي إلا إمتداد للماركسية. أتذكر في حوار شفاهي مع أحد الشيوعيين أشار لدريدا بإعتباره صاحب “أطياف ماركس” لا أكثر (أو أشباح ماركس، إذ لم يعني جهلي بالفرنسية على تفضيل ترجمة ما)، وأشار لفلاسفة فرانكفورت بإعتبارهم نيوماركسيسميين. هذا المثال درجة مشتطة بالطبع من المقاربة، لكن أشباهه كثر؟

    - إجابتي على السؤال قبل السابق تؤكد على أن محاولة وصف النظرية النقدية بأنها ماركسية جديدة أو أنها لا تشكل خروجاً على النظام الماركسي محاولة بائسة ويائسة قد تصدق علي النظرية النقدية في بداياتها أما على هابرماس فهو أمر فيه قدر كبير من الابتسار وعدم الإلمام بمشروع هابرماس. وحصر خلاف هابرماس مع الماركسية فقط في التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية ـ كما يحاول أن يفعل السر بابو ـ أمر فيه تجني على هابرماس وعدم معرفة بائنة بمشروعه. مشكلة هابرماس الرئيسة مع الماركسية هي نظرية معرفتها. والطريقة التي عالج بها هابرماس هذه المشكلة لا تبقيه أبداً في حدود النظرية الماركسية. يمكننا أن نقول عن النظرية النقدية كما كانت مع هوركهايمر وأدورنو وماركيوز أنها ماركسية جديدة أو ماركسية متأخرة أما هابرماس فلا أظن؛ وهو ظن أقرب إلى الجزم لولا حذر الإطلاق والدوغمائية. ولذلك فإن السذاجة التي وصف بها السر بابو من يرى في انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي سبباً لتجاوز الماركسية تكاد ترتد إليه من فرط بساطة هذه العبارة ودغمائيتها وإطلاقيتها؛ فماذا كان ينتظر السر بابو أن يحدث لنرى فيه سبباً لتجاوز الماركسية، القيامة مثلاً، ألا يكفي انهيار النظام في أكثر من ثلث العالم لكي يكون سبباً في تجاوز الماركسية. لا أظن أن من يطلق هذه العبارة سيكون لديه في يوم من الأيام سبباً لتجاوز الماركسية حتى لو قامت القيامة. إنه إيمان دوغمائي بالماركسية. ألا يشير انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي إلى خللٍ ما في النظرية؛ خاصةً أنه في النظرية الماركسية لا يمكن الفصل بين النظرية والتطبيق لأن الماركسية تدعي أن نظرية معرفتها أساسها التطبيق وهو أيضاً معيار صحتها، أي أنها تبدأ من الواقع وتنتهي إليه؛ ولذلك لا يمكن أن تنتهي الماركسية إلى القول بأن فشل تجربتها إنما هو فشل في التطبيق لا فشل في النظرية.
    أما محاولة تفسير إخفاق الماركسية بـ”الجمود” فهي محاولة بائسة أيضاً، فمفهوم “الجمود” كأداة نظرية نقدية ليس مفهوماً نقدياً ماركسياً مستحدثاً يعالج أزمة مستحدثة فيها وإنما هو مفهوم نقدي له تاريخ في الماركسية وتم تقعيده نظرياً داخلها في نقد التجربة الستالينية؛ فما الذي يسمح بتكرار هذه الظاهرة في الماركسية إن لم يكن خللاً في النظرية نفسها يجعلها هي نفسها تتصف بالجمود وتكرره. إن “الجمود” ليس أحوال تعتري الماركسية في ظروف بعينها، إنما هو جزء من بناءها النظري ليس فقط كأداة نظرية نقدية وإنما أيضاً كحال ووقائع تقعدها عن الانفتاح والتجدّد ولا توفر لها مخرجاً غير تجاوزها.

    * في ظن ـ أقرب إلى الجزم أيضاً ـ أرى أن الإرتباط بالمشروع السياسي للماركسية، الحزب الشيوعي مثلاً، كثيراً ما يشكل دافعاً لمثل هذه الحجج الساذجة؟

    - "جمود" الماركسية لا يمكن تفسيره إلاّ بآحادية نظرية معرفتها وادعاءاتها العلموية بالتطابق مع الواقع. وهو ما يجمعها ـ ويا لدهشة الماركسيين ـ مع غريمتها الوضعية المنطقية فتتنازعان العلموية وتبوءان معاً بالدوغمائية. “جمود” الماركسية في علمويتها الدوغمائية؛ ولن تفلت منه مهما استعنا ـ كما فعل الأستاذ محمد إبراهيم نقد ـ بنصوص ماركس وإنجلز التي تلعن هذا الجمود وتجعل من الانفتاح والتجدد طابعاً لعلمية الماركسية، بحيث تصبح الماركسية شأنها شأن أية نظرية علمية يصححها الواقع وتجاربه باستمرار. وما دروا أن هذه النصوص نفسها أقوى دليل على دوغمائية الماركسية وعلمويتها إذ أنها تقدم تصور للنظريات العلمية تجاوزه فلاسفة العلم منذ توماس كوهن وفيرابند ولاكاتوش، فلم تعد الحقائق العلمية وقائع تنتظر الاكتشاف وإنما وقائع يبنيها العلماء بناءً يتدخل فيه سياقهم التاريخي بكل ما فيه من خبرات وتجارب ومعارف؛ وإن كان يزعم لنفسه تطابقاً مع الواقع فإن أدلة هذا التطابق وبراهينه وحججه إنما يقدمها هؤلاء العلماء أنفسهم وفقاً لأطرهم النظرية السائدة ولا يقدمها الواقع الخالص، الواقع غير الملوث بالبشر إذ لا وجود لهذا الواقع إلاّ في الميتافيزيقيا.
    إن اكتشاف نظرية علمية جديدة لا يعني اكتشاف وقائع جديدة فوقائع الكون موجودة هناك منذ الأزل ولكن ما يتغير هو مرجعيتنا النظرية ومفاهيمها والإجراءات التي تترتب عليهما. إن الذي يتغير هو العالم كما هو ملتبس وملوث بنا أو إن ما يتغير هو نحن الملتبسين بالعالم وملوثين به. ولذلك لم يعد العالم مجرد حقل تجارب علمية تخضع للتحليل وإنما أيضاً نصوص تخضع للتأويل والشرح والتفسير. وبذلك صار العلم، الذي ارتجى فيه التنوير أن يكون كل المعرفة الإنسانية وحلاً لجميع مشكلاتها، أي العلموية، إلى حتفه؛ وبقي العلم كأحد مجالات المعرفة الإنسانية وليس قولها الفصل. وإذا كان الماركسيون السودانيون يريدون أن يستندوا إلى ما يسمونه التفكير العلمي والعلم في تجاوز ما طرأ على الماركسية من جمود وإخفاق، فإن فهمنا للعلم قد تغير ولذلك نحتاج لتبيان ما يقصدونه بلفظ “العلم” أو “العلمية”، أما إذا استمروا في استخدام الكلمة كما تم التعارف عليها ابتداءً من مشروع التنوير إلى منتصف القرن الماضي فإن هذا هو عينه “الجمود”.

    * ولكن، ألا تستطيع الماركسية تجديد نفسها بتجديدها لمفهومها للعلم؟

    - مأزق الماركسيين السودانيين هو أن تبني أي مفهوم جديد للعلم لا يعني سوى تخطي نظرية المعرفة الماركسية وبالتالي تخطي النظرية الماركسية نفسها. إن تخطي الماركسية ضرورة نظرية من أية جهة أتيتها، سواء من جهة مشروعها الإنساني أو مشروعها السياسي أو مشروعها الاجتماعي الاقتصادي أو مشروعها الفلسفي والنظري أو مشروعها كعلم. وإذا كان لا بدّ مما ليس منه بد، فإن مآل الماركسية المنطقي هو النظرية النقدية. لأن تخطي أحادية الماركسية إلى أبعاد النظرية النقدية المتعددة يعني أن تصير الماركسية بُعداً من أبعاد النظرية النقدية. ومن هذه الزاوية فإن الماركسية نظرية نقدية تم تجاوزها وليست النظرية النقدية حصراً، شأنها في ذلك شأن النظرية النقدية عند هوركهايمر وأدورنو وماركيوز، بينما لا يمكن وصف النظرية النقدية بأنها ماركسية. وهذا أفضل تلخيص للخطوط العامة للعلاقة بينهما. وفي حدود هذه الخطوط العريضة للعلاقة بين النظرية النقدية والماركسية فإن ما يبقى من الماركسية في النظرية النقدية في نسختها الأخيرة عند هابرماس هو جانبها النقدي أو ما يعرف بنقد الآيدولوجيا.

    * هل من تبيان أكثر لهذا الأمر؟

    - لتوضيح هذا الأمر عند هابرماس لا بد من تبيان، غاية في العمومية، لنظرية التحرر عنده. مشروع التحرر عند هابرماس ذو شقين: يتكون أحدهما في العلاقة بالطبيعة وثانيهما في العلاقة بين البشر والشقين لن يتحقق فيهما التحرر إلاّ بالتفكير النقدي. هذا الإطار العام هو ما يقوم عليه كتاب “المعرفة والمصالح الإنسانية” أحد أهم كتب هابرماس الذي تقوم فيه المعرفة على صنفين من الأفعال: الفعل الأداتي الذي يقوم في العلاقة بالطبيعة والفعل التواصلي الذي يقوم في العلاقة بين البشر، أي الفعل والتفاعل، إلاّ أن هذه المعرفة تحتاج إلى نوع ثالث من المعارف لكي تؤدي غرضها في التحرر ألا وهي التفكير النقدي. هذه المعارف الثلاثة يمكن إجمال عقلانياتها في: العقلانية الأداتية والعقلانية التواصلية والعقلانية النقدية.
    وإذا كان هدف العقلانية الأداتية في العلاقة مع الطبيعة هو الوصول إلى الأتمتة الكاملة بحيث يتحرر الإنسان بالكامل من الطبيعة فإن هدف العقلانية التواصلية في العلاقة بين البشر هو الوصول إلى تفاعل يقوم على الفهم والتفاهم الكامل والشفافية التامة بحيث تتحقق العدالة والمساواة والحرية بما يشبه مستوى الأتمتة التامة في الطبيعة (وهذا فقط لتقريب الصورة وليس لأن العلوم الطبيعية نموذج لما يجب أن يكون عليه الحال بالنسبة للعلاقة بين البشر). هذا التحرر تعيقه عوائق ابستمولوجية بالنسبة للعلاقة مع الطبيعة ولذلك فهو في حاجة باستمرار إلى التفكير النقدي.
    أما في مجال العلاقة بين البشر فإن ما يعيق التحرر هو مصالح لا تنتسب إلى النوع الإنساني ككل وإنما إلى مجموعة منه، إلى طبقة اجتماعية أو قوى اجتماعية بعينها، وهي عوائق تسد الفراغات والفجوات ـ على حد تعبير هابرماس ـ التي توجد في الفعل التواصلي؛ أي أن الخلل في الفعل التواصلي تتولد عنه فجوات تسدها قوى اجتماعية بعينها بما يخدم مصالحها لا مصالح النوع الإنساني، ولأن هذه الفجوات جزء من الفعل التواصلي فإن ما يسدها يجب أن يتمثل ما يقوم به الفعل التواصلي فيدعي العدالة والمساواة والحرية والشفافية رغم أنه نقيض شروط التواصل هذه لأنه يخدم قوى اجتماعية بعينها. وهذا يعني أن ما يسد هذه الفجوات هو الايدولوجيا عينها كما عرفتها الماركسية؛ وهذا يعني أن إزالة العقبات الأيديولوجية لكي يتم التواصل ضرورة تستدعي الحاجة إلى التفكير النقدي، أو ما يمكن تسميته بنقد الآيدولوجيا.
    وهذا هو ما بقي من الماركسية في النظرية النقدية كما انتهت عند هابرماس. ولمن ينظر في الأمور على نحوها الدقيق والعميق فإن هذا القدر من الماركسية الموجود في النظرية النقدية قدر كبير ولا يستهان به ولكنه أيضاً قدر لا يسمح بالقول بأن النظرية النقدية مجرد ماركسية جديدة. إنه تخطي جدلي للماركسية ـ كما قلنا من قبل ـ يحفظها بتجاوزها أو هو نفي النفي كما نعرفه في الجدل الهيجلي أو الماركسي. والدليل الحيوي على صحة هذا الاستنتاج هو أن الماركسية كانت قد أعلنت موت الفلسفة واعتبرته عائقاً ايدولوجياً في سبيل التحرر تستخدمه البرجوازية باقتدار (وهي أحد الاتهامات التي طالت هابرماس في الستينات باعتبار أنه ما يزال يمارس صراعاً فلسفياً بدلاً من أن يمارسه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً). وهي قراءة خاطئة تماماً لمقولة ماركس في كون الفلاسفة اعتادوا تفسير العالم وأنه قد حان أوان تغييره. المهم أنه بينما أعلنت الماركسية موت الفلسفة (حتى وإن تعددت نسخ هذا الموت أو فهمه) فإن النظرية النقدية عند هابرماس تعتبر الفلسفة هي علم التفكير النقدي وبذلك ترد لها اعتبارها لا كأحد العلوم وإنما كأهمها. فهي أحد ثلاثة معارف إنسانية؛ فبينما كل العلوم تنقسم بين العلوم ذات الصلة بالطبيعة والعلوم ذات الصلة بالإنسان وتفاعلاته فإن الفلسفة تقوم على رأس العلوم النقدية. وهو من أهم الانتقادات التي وجهها هابرماس إلى ماركس باعتبار أن الأخير قد خلط بين العلوم النقدية والعلوم الطبيعية. هكذا تصبح مهمة الفلسفة “تحرير وعي ذاتي للنوع يرتفع إلى مستوى النقد من العماء الأيدولجي” (وفق ما أستحضر من لغة هابرماس) ولذلك دعني أقول لمن يعيشون في أحلام موت الفلسفة: “لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل فلسفة تموت فلسفة جديدة”. وأنا أعني بدقة عدم الحلم بعالم سعيد؛ فالعبارة ليست مجرد مجاراة لشعر أمل دنقل وإنما هي عبارة أقصدها تماماً، لأن الفلسفة وعي شقي ـ على حد تعبير هيجل ـ ولكنه ضروري لمشروع التحرر الإنساني.
                  

العنوان الكاتب Date
ندوة فكـرية كبري "الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديدة" Ahmed Elyas06-09-13, 02:04 AM
  Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديدةand احمد محمد الحاج06-09-13, 03:02 AM
    Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-09-13, 03:09 AM
      Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد صلاح عباس فقير06-09-13, 03:58 AM
        Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-09-13, 04:42 AM
          Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:13 AM
            Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:17 AM
              Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:19 AM
                Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:27 AM
                  Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد سيف اليزل سعد عمر06-10-13, 10:49 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de