|
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح (Re: محمد عوض احمد)
|
"يناير 1997م - رمضان 1417هـ "
1. (المغنِّي.. مصطفى)
أُصارعُ وَسَنِي. أبدأُ عرضحالَ الحزن ومُوَات الكلمة.كيف لي، وكلمتي تصطرعُ فضاءاتِ حلقيَ الجريح. هذا زمنُ البعوض. أسئلتي حيرَى، ولا صوت يُسكِتُ صراخَ الصّمت الموجع. يومها كانت كلمتي رديئةَ الصنع. ثم مصطفى، كيف جعلتَني أضاجعُ كلَّ هؤلاء الشعراء؟، جعلتَهُم يَسْكُنون خَليَّاتي؟. لا أعرفُهُم إلا من نَفَسِكَ وقسماتِك، عَشِقتُهُم فيك، رأيتُهُم يُشبهونَك، شامخون، يستطقون استنماءاتي. أستمعُ إليك، ومن عُهْرِ أذنيَّ أَلْثُمُ الكلمات، الشِّعرَ، وأمارس فعل الحب. هَزَمَتْنِي مَواجعي، بَوْحِي، وعهر شجني. إنَّهم هناك كما الأطفال، يغتسلون عراةً في ضياءِ خيالي، يلعبون بطين أحلامي، ويصنعون صلصالَ عشقي بيوتاً ونوافذَ وفضاءات. مصطفى، أُحدِّثك عن أسراري البائسة، أقول: تكاثَفَ الرَّمادُ بحيث لَم يَعُد بوسعِنا أن نتنفَّس. تَمَهَّلْ أيها الصَّاعقُ الهَدْرَاتِ ريثما ينقشعُ الضباب. لا تتركنا كذا قابعين نسمَعُك، ونُعْهَر. لَم تَعُد الدهشةُ تمرح بيننا. كلّ ما هناك هجراتُ اللّيالي الطويلة مع هذا الرَّماد. لكنْ تَمهَّلْ، فما زالت أُحجيتي تترنَّح من سُكرِ يومئذٍ.
2. سنادة ومَداراتُ التّداعي
أتذْكُرُني أيّها الصَّدِيق، أيها المقاتل القَلِق؟.مَرَّت أربعٌ وعشرون سنة، ومازالت الذِّكرى المتغضِّنةُ لِدَنِّهِ وحَيِّهِ. شارع النيل، والأريكة الحجريّة المتسطِّحة داخلنا، ونسيمُ اللَّوعة من النيل الأزرق... لَكَم تباعَدْنا. ساعتَها، يالزَهْوِي الفطير بالأشياء، أُوّاه يالخجلي!، ماهذا التراكم المتقيِّح. صَدِئتُ يا سنادة، واكتمَلَ الشبق الواقف عند تلك السّاعة. حيثما تعثَّرتُ على لُزُوجة الشبق، بكلمةٍ صغيرةٍ هامسة، تفجَّرَت الأجنّةُ، ولحظةُ شبقٍ رهيبٍ مازال يصطرعُ في ثمالة الحلقوم لَم تكتمل. ولَم تَزَل حيةً ومؤلمةً ولزجة. عاشت وطاويطُها المتسلِّخة في نافوخي كلّ هذي السنين، ولَم أُفلح في نيلها أبداً، لَم يكن لها ذاك الحضورُ المتكاثف، كلّما عَبرَتني أُصبتُ بالقشعريرة النازفة. أحلامُ يقظةٍ وليليّة. أحلمُ بها، وبهاتيك اللّوعة النادرة. لقد تقشَّفَت لوعتي، وصار جِلدُها خشناً سميكاً، وطَفقتُ أركضُ حواريَها المظلمة، ولَم ألْحَق بها أبداً. عبرتُ السّنوات، ومازلت. ضاجعتُ الشّيطان، وحفرتُ نقشَ الجِنّ مليون مرة. تَكَسَّرَتْ على كبرياءِ الجرحِ أجنةُ النَّزْف، والتصقَت سقطاتُ الهوى على سقوفِ حجراتِ الفنادق والمطارات. كلّها، ولَم أجِد رعشةً صغيرةً لِقِمَّةِ تلك اللذّة تُشْفِي غليلَ ظمأي إلى قمَّةِ الرَّعشة، وبقيَتْ حثالةُ النَّشْوَى الطائرة. لَم أقبض عليها مُطلقاً. تَصوَّر يا صديقي؟، لكَم أشقيتَني. أشقيتَني وأشقيتَني. مابالك وكل هذا الاجترار. لم يكن محمود أحسنَ حالاً ولا حظّاً. تَطحنُني لُزُوجَتُهُ الماسخة، ويَطحنُني ضباب لندن؛ هذه المدينة الكئيبة. أزدادُ كآبةً كلما مارستُ فيها هذا العهر. تملمَلَ المللُ ينظر إليَّ، وهذه الغرفةُ الإبرةُ رغمَاتِّساعها. لَم تُسعِفْني نفسي الضيّقة. جاءني. برغم دعوتي له قَذَفْتُهُ على بهو الملل حينما سَحَب قدميه خارجَ الدفء، كان ثلجاً مذكَّراً. وبدأ هيثرو ضاجّاً بالضوضاء. لقد أَصْبَحَتْ. وعدتُّ أدراجي أحتقبُ الملل. لا تُسامِح. اِنْسَ يا بلدي كلَّ هذه الضَّلالات، لكأنّ يناير فقط أحدٌ وثلاثون يوماً كئيباً، مثل كلّ الكآباتِ في تاريخك المنحوس. لقد صارَ جسرُ التّواصُل نحوَ عُلُوِّكَ مفقوداً مفقوداً. فمنذ أنْ بالَت عليكَ كبرياؤك، وتعهَّرَت الكلمةُ في حواريك، صارَ لونُكَ رماداً، وأضحَت نهاراتُكَ كلَيْلِك، وأنا مسجونةٌ في هذا السّفر العظيم. أُرَتِّقُ ضَيَاعي منذ سبعِ سنينٍ عِجَاف!. أين أنت أيها الصَّدِيق، أَصْدِقْني النُّبوءة: هل ثمة سِمَانٌ يأكلهنّ عِجَاف، أم هي سمينةٌ واحدةٌ، بحجم طموحي، قادرةٌ على أكل كلّ تلك العِجَاف التي تملأ هذي الأرضَ الحَلُوبَ بالعُقم والتصحُّر والبَلاءات.
3. زُوبَا
تذكَّرْتُ يومَها تلك البائسة، وهي تطاردُ الطُّرقاتِ، مُسرعةً بعربتها الصّغيرة، تَلْحَقُهُ قبل صعودِهِ إلى سلّم الطائرة، إذ كيف كان يُطاردُها، واللحظةَ يحملُ لحمَها، وقلبَها، ويقظتَها، وليالي التعبِ المستحيلة، في حقائبه، كَذِباً، ويهربُ دونما إعلانٍ ولا وَداع؟. مُسْرِعة.صَافرةُ رَجُلِ الإشارةِ الحمراءِ تُخطِئها بجنون.اقتحمَت الحواجزَ والأشخاصَ والإشاراتِ الحمراء.اختفَت منها السّيارةُ وقَدَماها وأشياؤها كلُّها، واستلْقَت بجنونٍ على جناح الطائرة؛ هي وسيارتُها وكلُّها. إشاراتُ الإنذارِ الحمراء أُضيئَت، وصاَفراتُ العالَم،وعُيونه، وأُنوفه، وأفواهُهُ الواسعةً، تَضِجّ. سَلامة. ومن وراء الزُّجاج اللَّزِج تُطلُّ عينان حقيرتان، لتذوبَ داخلَ مُحرِّكات الطائرة المشتعلة. مثل شمعةٍ مُتدحرجةٍاستقرَّت أمامَه، لتجد صِنْوَ روحها هَرَب مثلّها، باحثاً عن الموتِ الجَاشِع. كذا أفضليّة. خيرٌ من بيعِ القَذَى، وتَقيُّؤ الدولار جيوبَ الانتظارِ المقيت، فهي ليست خضراءَ كصحرائه؛ ولا صفراءَ كحُقوله الزائفة. هو الوهم، إنه رَجُلُها هذا الأجعَد المتخَم. برغم حلمِها، واستطالةِ مشاعرِها الأعلى من عماراتِهِ القزمة، وحنانِها الأوفر من كذباتِهِ البنكيّة الرّبوية، هناك كان يقف عندما اقتحمَت، سَجَدَت عند هذا المتخَم، ظلَّ يُقَبِّلها محاولاًإغراقَ دَماميلِ غيبوبتها.
4. رَاويَة
التقَيتُ بها.أهلاً راوية.، أوَتكتبينَ أم تُلاحقينَ الصّناعة والمصنوع. ابتسمَت جميلةً وباسمةً، مثل صحوةِ رضيعٍ يبحثُ عن ثدي أمّه. هكذا، مُترعةً، ولَدِنة، وغزيرةً بالعطاء، وَجَدَت طريقَها إلى إحدى المنصّات، وهي لا تدري كم هي قذرةٌ تلك الواجهة. كانت تُصارع قتامةَ الشَّوكِ تحتَها، وتقاتل. وكنتُ مُعجبةً كثيراً بها، وبصَمتٍ خَجولٍ سَمعتُها. يالهولِ ماهي مُقْدِمَةٌ عليه. راوية توشَّحَت، في غفلةٍ، بالقذارة، وأضحَت بوقاً لكلِّ لسعاتِ الشّوك القميء. (ذكِّروني أكتب قصّتها).
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | محمد عوض احمد | 04-29-13, 10:07 AM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | محمد عوض احمد | 04-29-13, 10:10 AM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | محمد عوض احمد | 04-29-13, 11:25 AM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | محمد عوض احمد | 04-29-13, 01:12 PM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | محمد عوض احمد | 04-29-13, 08:05 PM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | nassar elhaj | 04-29-13, 08:10 PM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | محمد عوض احمد | 04-29-13, 09:26 PM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | محمد عوض احمد | 04-29-13, 09:52 PM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | عبد العزيز محمد عمر | 04-29-13, 09:56 PM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | محمد عوض احمد | 04-29-13, 10:12 PM |
Re: أسماء عثمان الشيخ ...... واقفةٌ كالنّصلِ، مَمشوقةٌ أمام الرِّيح | محمد عوض احمد | 04-29-13, 10:21 PM |
|
|
|