السودان يستورد البراز اليونانى ... تخيلوا !!!!

Quote: الأخ الصادق لك تحياتي وتقديري بهذه المناسبة إليكم أحد المقالات الساخرة لأخينا السفير عوض محمد الحسن نشر اليوم بالراية القطرية وإيلاف السودانية Quote: أثار حفيظتي الخبر الذي نشرته صحف الخرطوم هذا الأسبوع عن صفقة ضخمة لنقل النفايات (فضلات بشرية/عذرة/براز) من اليونان للسودان لاستخدامها (كما زعم الخبر) كسماد عضوي. ولم يُثر حفيظتي ما يعنيه الخبر من استهانة (من جانب المُصدرّين والمُورّدين) بشعب السودان وغيره من شعوب جنوب بحر الروم، بل حمدت الله أن النفايات ليست ذرية أو الكترونية. ما أثار حفيظتي حقا هو لجوء السودان إلى الحصول على هذا المورد الثمين للسماد من جهة أجنبية ونحن نُنتج، ما شاء الله، منذ فجر التاريخ، هذه المواد العضوية النادرة بكميات مهولة، دون تكلفة تُذكر. وقد زادت وتيرة الإنتاج منذ عام 1989 دون أن يرد ذلك في الاستراتيجية ربع القرنية التي تُركز على تحقيق الأمن الغذائي وجعل السودان سلة غذاء العالم العربي. يُحيرني كثيرا كيف فات على واضعي هذه الاستراتيجية و على عباقرة برنامج النهضة الزراعية (وأختها النفرة الزراعية) استغلال الانتاج المحلي لهذه الأسمدة العضوية ما داموا سيستوردونها من بلاد الإغريق؟ قادني ذلك إلى التفكر في ما أهدرناه طوال القرون من هذا الانتاج، وخاصة في أثناء انتشار أوبئة الكوليرا في السودان والتي تكثر خلالها انتاجية المواد العضوية المُسمِّدة لارتباط الكوليرا بالإسهال الحاد. وقد أكد مؤرخو الطب في السودان أن غياب التسجيل جعل من الصعوبة بمكان معرفة تواريخ انتشار هذه الأوبئة قبل القرن التاسع عشر إذ أكدت المصادر المتاحة أن الكوليرا اجتاحت السودان في القرن التاسع عشر ولم يرد ما يؤكد حدوثها في القرن الثامن عشر غير ما جاء في مخطوطة كاتب الشونة. وقد عُرفت الكوليرا بالأسماء المحلية مثل (الريح الأصفر) و(الشيطة) و(الهيضة) و(أبو مزيريق) أو (الزَرْقَة). وقد كان الوباء الذي أعقب حروب الخليفة عبد الله التعايشي مع الحبشة (1889-1891) من أشد موجات الكوليرا التي ضربت البلاد، كما اجتاح البلاد وباء عظيم في اعقاب حملة كتشنر في أواخر القرن التاسع عشر، ومنه خرج المثل السائر "يا ابو المُضوّي تجيبو قوّي" على حد تضرع أحد المُصابين ينده شيخه ليُنجيه، إذ أن بداية الإسهال علامة على تمكن المرض المُفضي إلى الهلاك لا شك. ولعل أشهر حالة كوليرا فردية ما حدث لشيخ تحدى أحد الأولياء وعرض عليه أن يُناظره في أمورالدين فجر الغد. ولما خشي الولي المُناظرة دعا على غريمه في منظومة طويلة ورد فيها: واشغل أعدائي بأنفسهم وابليهم ربي بالمَرَجِ وقيل أن الغريم اصابه ذلك المساء إسهال حاد حتى هلك، إذ أن المرج هو الإسهال الذي لا ينقطع، حماكم الله. ولا أظن أن البلاد في حاجة لوباء مثل الكوليرا ليزيد انتاجه من المواد العضوية المُسمِّدة. فقد أفلح انتشار أكل الخبز المسرطن والدجاج المنتفخ بالهرمونات، والخضر المُنتجة بالسماد الكيمائي في زيادة انتاج المواد العضوية زيادة مُقدرة ما يُغني البلاد عن اللجوء للحصول عليها من وراء البحار. ولا أظن ان جودة المُنتج السوداني أقل من غيره، ولا أظننا نعجز عن جمع وتجفيف هذه المخلفات البشرية، واستخدامها كأسمدة في أراضي السودان الشاسعة (أو ما تبقى منها بعد بيع مساحات كبيرة منها للمستثمرين العرب وغيرهم). وربما احتاج الأمر فقط إلى استنفار الجمهور ضمن حملة إعلامية ضخمة تجوب السودان كله لتدعو المواطنين إلى رفع انتاجيتهم وتجفيفها وحفظها في صوامع خاصة وعدم اهدار هذه الثروة القومية ريثما يحل ميقات الزراعة والتسميد. وقد تُخصّص جوائز قيّمة لأكثر المواطنين انتاجا وتُجرى مع الفائز لقاءات إذاعية وتلفزيونية وصحفية تحفيزا للآخرين. أقول قولي هذا ولا أتطرق للجوانب الفقهية في مسألة استخدام المخلفات البشرية للنصارى كسماد: هل هي حرام شرعا أم مكروهة فقط (أم مباحة إن كان العائد المادي مُغريا)، ما دامت تُساهم في انتاج طعام المسلمين. اترك ذلك ل"علماء الدين" الذين يُمضون سحابة يومهم يُخرجون لنا الفتاوى في مسألة ارضاع الكبير، وزواج القُصّر، ولعب النساء لكرة القدم الذي يتسبب في فشل الدفاع عن مدن شمال كردفان وغيرها من الأمور الحيوية التي تشغل بال عامة المسلمين (الرجال). وأسأل الله لي ولكم الحماية من شرور الهرج والمرج! (إيلاف السودانية والراية القطرية 1 مايو2013)