|
Re: الأمن يمنع محاضرة في مركز الأستاذ محمود محمد طه الثقافي (Re: Yasir Elsharif)
|
مقدمة: ظلت المذهبية الصوفية، هي الإطار الدلالي والايدلوجيا الهادية للحركة الوطنية السودانية منذ نشأة الدولة على اشلاء القبيلة، اثر تدافع الهجرة العربية إلى السودان بعد الاسلام. لقد صاغ التصوف جل المفاهيم النظرية والعملية للوعي الاجتماعي، واشتهر السودانيون بعاطفة جياشة تجاه كل ماهو ديني، وبادمان أحاديث السياسة وممارستها كطقس تعبدي مقدس. إن التصوف في السودان، ليس مذهباً تعبدياً، يتحدد تأثيره في تفاصيل النشاط الروحي القاصد لثواب الآخرة وحسب، بل هو رؤية تاريخية اصلاحية لدى الطليعة ولدى العامة، على اعتبار ما علموا بالضرورة من الدين ان الدنيا مطية الآخرة. وحيث ان الواقع التاريخي لا يعترف بالزهد في معاركة الحياة، لذا كان صوفية السودان كغيرهم من أهل التصوف ايجابيين وفاعلين في ظرفهم التاريخي وعند كل حقبة، فلم يكونوا زاهدين - بالمعنى السلبي للزهد، انزواء ودروشة - بل سعوا بفهمهم لعقيدتهم إلى ممارسة كافة ضروب النشاط الاجتماعي ومن بينها السياسة، «بحقها» ..والذهن السوداني لا يكاد يفصل بين الدين والسياسة، ويتمخض في كل مرحلة ولا يلد الا دولة تتجذر بالانتساب للدين(1) وتتمنطق بالقداسة. وبقراءة التجربة التاريخية نجد ان سلطنة الفونج 1504 ـ 1821م قامت على مفاهيم التصوف العفوي وادعاء تطبيق الشريعة(2). وتفجرت المهدية من تحت عباءة الطريقة السمانية شعارها «العودة بالناس إلى معين الدين الصافي». وكذلك أعلنت دولة الاسلام السياسي - الانقاذ - مشروعها الحضاري بالانقلاب العسكري، وتبنت وراثة التجربتين السالفتين، وعلى اسس بيعة الاخوان المسلمين للنميري اماما ومجدداً للدين بإعلانه الشريعة في ما سمى بقوانين سبتمبر 1983م. إن التجارب الثلاثة، الفونج والمهدية والانقاذ، تلتقي كلها على صعيد ظل القداسة لتؤكد حقيقة الرتق الواقع في الذهن السوداني بين ماهو ديني، وماهو سياسي. وهذه الحقيقة التاريخية، أي ذلك الرتق، افرز تناقضات هددت مباشرة التماسك القومي في السودان الحديث وجعلت المسرح السياسي السوداني رهيناً للأطماع الأجنبية، بسبب نزوات التعصب الديني والعرقي والتكالب على السلطة والثروة خلال عهود الحكم الوطني، وبخاصة حقبة استيلاء الأخوان المسلمين على مقاليد الحكم في نهايات القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة. وهكذا، اضحى الدين الذي كان أداة توحيد في القرن السادس عشر أول متهم بتهديد التماسك الاجتماعي ووحدة القطر.. ولم يجد دعاة الأسلمة في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر إلا الاتيان بفعل أعدائهم، بالاتجاه إلى محاصرة الدين ليكون ذلك مخرجا من الأزمة، وبالتعري من«داء» التدين، على غرار تجربة الحداثة الأوربية التي تشترط في سبيل الحرية «محاصرة الإله وقتله»!. وإن بدا أن الاخوان المسلمين قد قبلوا ذلك وفعلوه في التحالف مع امريكا ضد طالبان والقاعدة وفي توقيعهم لبروتكول مشاكوس وما حوله.. و.. و... فهل من الطبيعي أن يخرج من الرحم السوداني سليل ليس منتمياً دينياً يعمد إلى التحرر من الدين «كأنه كابح للتطور؟». الواقع أن القوى الوطنية بما فيها الحزب الشيوعي والحركة الشعبية، لا تتبنى فكرة إقصاء الدين عن الحياة(3). كما أن الضرر الذي وقع على مسار الأسلمة في السودان كان كبيراً بعد تبني الانقاذ خيار «الجهاد» .. و«بعد سياسة الترابي انتشرت المسيحية في أوساط الجنوبيين بصورة أكثر من ما حدث في القرون الماضية.. في أيام الانجليز كانت النسب تقول أن 17% مسلمون و18% مسيحيون، الآن بعد مشاريع الأسلمة الاجبارية أصبح أكثر من 90% من الجنوبيين الذين تجمعوا في معسكرات خارج مناطقهم مسيحيين.. فقد كانت الكنائس تجد صعوبة في الوصول اليهم في مناطقهم في السابق»(4). ان فشل الأخوان المسلمين في تطبيق برنامجهم - المشروع الحضاري - أي الشريعة، في واقع الحياة السودانية، والتخفي عن فشلهم بقناع القداسة والعنف.. كل ذلك لا ينفي دورهم في التبليغ بأن الشريعة التي يتداولها السلفيون هي محل نظر كأداة للإصلاح الاجتماعي. لقد هيأت تجربة الانقاذ المريرة ساحة السودان لتقبل إسلام الفكر ومبادئ التصوف العلمي، وهاهم الأخوان المسلمون يتخلون عن تطبيق الشريعة في بروتكول مشاكوس ـ يونيو 2002م ويتبنى نظامهم مبدأ «المواطنة» أساساً للحقوق والواجبات، وهو مبدأ أصيل في «أسس دستور السودان» .. وربما لا تكون تجربة الانقاذ آخر تجربة عنف ثوري يدخل بعدها السودانيون إلى باحة المجتمع المدني المتسامح، لأن المعركة التي تدور بين الغرب المادي والمسلمين هي صراع بين أمريكا والتطرف الذي انتجته سياساتها، هو صراع بين امريكا وربائبها وفي مقدمتهم «طالبان والقاعدة». بمعنى آخر ان الصراع التاريخي في هذا الظرف هو صراع في منطقة العقيدة، اذ لا صراع في مرحلة العلم.. وبعد ظهور التطرف، أو ما يسمى بالارهاب, فان أعداء التصوف العلمي هم الأكثر حاجة إليه .. لكنهم محجوبون بخوفهم من التغيير، لأن تجارب الدروشة والتثوير ما كانت لتطمئنهم، لأنها عتبة في درب التصوف يترقى منها إلى علم، لان التصوف رؤية مفتوحة على التطور. تفضل بتصحيح الكتاب الاستاذ عيسى إبراهيم .
عبد الله الشيخ
|
|
|
|
|
|
|
|
|