الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 08:22 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-09-2013, 07:50 AM

مصعب عوض الكريم علي

تاريخ التسجيل: 07-03-2008
مجموع المشاركات: 1036

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس (Re: مصعب عوض الكريم علي)

    الدعوة للديمقراطية/ الفصل الرابع
    معالم في الطريق إلى الإصلاح
    مذكرة الألف:
    في مطلع العام الحالي تواثق حوالي ألف عضو من المؤتمر الوطني لتوقيع مذكرة تطالب بالإصلاح في الحزب والدولة، ويرى بعض المراقبين أن المذكرة كانت خفيفة التناول (أي- فطيرة) بيد أن الأهم هو ما أحدثته المذكرة من حِراك وسط القاعدة وكذلك ما كشفته من وقائع، داخل أسوار المؤتمر الوطني والتأثير في الرأي العام وداخل الأحزاب والقوة السياسية الأخرى، نريد أن نقف و نشير إلى جملة من الملاحظات حولها.
    أولاً: المذكرة إعتمدت النهج التحليلي الوصفي، ولم تجنح إلى إصدار أحكام قيمية قد تثير الجدل، بمعنى أن تمضي إلى تخطئة أو تجريم أحد، بل عنت بوصف مواطن الخلل، واكتفت بالإشارة إليها من بعيد بطريقة واضحة ولكن مهذبة، ولم تنسق إلى دعوات بعض الأعضاء المشاركين إلى تعيين مواقع قيادية أو اسماء أسهمت في الأخطاء المشار إليها. لخصت المذكرة الخلل الواقع في شقين الأول مؤسسي في بنية الهياكل الحزبية ومؤسسات الحزب والنظام الاساسي الذي يربط هذه المؤسسات، مثلا تعيين فواصل بين الحزب والدولة وعدم الربط بين الإثنين بحيث لا يصبح مصير البلاد معلقاً بواقع وتصرفات الحزب (الإشارة إلى إستقلالية القضاء ومؤسسات الدولة الأخرى مثل: الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية). والثاني ذاتي "شخصي قائم على ممارسات بعض الأعضاء والقيادات **التي تستوجب المساءلة والحسم، ومنها الإشكالات المتعلقة بقضايا الفساد والمحسوبية وغيرهما.
    ثانيا: تأسيسا على التحليل السابق، اقترحت المذكرة بتواضع شديد نوعين من الإصلاحات الضرورية والعاجلة، الأولى إجرائية تشمل إتخاذ قرارات سريعة ونافذة، والثانية سياسات (Policies) تتطلب تدبرا وتدارسا فيما بين الأعضاء قبل مناقشتها في الهياكل والمؤسسات الحزبية .
    هذا هو ما قالته المذكرة صراحة وعلنا وفي النور، وكانت كل مدالولات النقاش التي تتم في الإجتماعات يجري إرسالها وتوزيعها علي من يهمهم الأمر، إمعانا في تثبيت الشفافية كمبدأ وتعبيرا عن نقاء السريرة ووضوح الهدف وإبعادا لأي شبهة تآمر أو أجندة خفية.
    كان من الواضح للقيادة أن حالة القلق تتصاعد وأن حالة من فقدان الثقة أصبحت تتسرب إلى صفوف الشباب الذين هم العصب الحي للحزب، كإمتداد لحالة الضيق العام من مخلفات إنفصال الجنوب وتصاعد وتيرة العنف في جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي طالت كل بيت وكل أسرة، كذلك الحديث المتصاعد عن إستشراء الفساد الذي تتناقله كل يوم المواقع الاسفيرية، وبدأت تظهر وثائق تضرب بعض المسؤولين أو المتنفذين في الدولة أو أقاربهم أو أحسابهم، بل تجاوز بعضها ليضرب في "العالي جدا" قبل أن تبدأ اتهامات توجه بصورة رسمية مثل ملفي الأوقاف أو الأقطان أو مصنع النيل الأبيض أو غيرها من شواهد وقرائن الفساد، وسواها مما يبعث على القلق ويستحث الخطى نحو الدعوة للإصلاح.
    تولدت قناعة لدى قيادة الحزب بأن الوسائل القديمة لن تجدي هنا مثل الإستقطاب عن طريق الوظائف أو تقديم مساعدات مالية أو وعود براقة ناهيك عن التهديد أو التلويح بمعالجة أمنية كالاعتقال أو توجيه إتهام أو غيرها(1)، فهذه هي القاعدة الشبابية التي يرتكز عليها الحزب، وعلى كل هذا يحسب لصالح القيادة في مثل هذه النظرة.
    الحرس القديم والمذكرة:
    جرت مناقشات واسعة على مدار شهر ديسمبر كإمتداد للقاءات وإجتماعات سابقة بعيدة، تبلورة معها فكرة مخاطبة قيادة الحزب كتابة حول مطالب معينة، خاصة وأن اللقاءات السابقة، التي كانت تجمعهم بالقيادات تتحول إلى حملات تعبوية ممجوجة ويتصاعد معها الهتافات وتنتهي عندها بطريقة لا تقدم ولاتؤخر فاستُبعد معها فكرة طلب لقاء.
    مع بداية الإسبوع الثاني من شهر يناير إنخرط ممثلو الشباب في اجتماعات مباشرة مع نواب رئيس الحزب الأستاذ علي عثمان ود.نافع علي نافع، في الأسبوع الثاني والثالث من ذات الشهر بدأت بعض الأخبار تتسرب إلى الرأي العام الذي كان يعاني من حالة الإحتقان السياسية الشديدة نتيجة العوامل التي ذكرناها آنفا(مخلفات انفصال الجنوب، الازمة الاقتصادية الطاحنة، حالة الحرب في الأطراف النيل الازرق جبال النوبة دارفور) فتلقفها كقميص يوسف في وجه يعقوب أ يطرق عليها، وتردد صداها داخل الحزب حيث احدثت المذكرة حراكا عالي المستوى على صعيد القيادات العليا. ففي حين نقلت الصحف تصريحا متعجلا للدكتور مندور المهدي انتقد فيه الامر ووصفه بانه خروج على مؤسسات الحزب (صحيفة الانتباهة 12يناير 2012)، نقلت ذات الصحيفة يوم 14 يناير تصريحا لوالي شمال كردفان د.معتصم زاكي الدين يقول فيه "إنه يؤيّد مذكرة الشباب دون تحفظ"، وفي ذات العدد من الصحيفة حديث للدكتورة سعاد الفاتح محمد البدوي عضو البرلمان والقيادية التاريخية في الحركة الاسلامية قولها إن الإستجابة إلى مطالب الشباب ضرورة ملحة .ونقلت الصحيفة في العدد نفسه لعضو البرلمان ومستشار الأمن السابق صلاح قوش تأييده لما ذهبت اليه زميلته د.سعاد الفاتح.
    نقلت الصحف يوم 15 يناير تصريحات للدكتور قطبي المهدي يقول فيها إنه يتفق مع هذه المذكرة في كل ما جاءت به وانها لو عرضت عليه لقام بالتوقيع عليها تعبيرا عن تضامنه مع كل ما جاءت به. نقلت صحيفة الاحداث يوم 17 يناير عن البروفيسور ابراهيم احمد عمر مستشار الرئيس وعضو المكتب القيادي انه تلقى نسخة من المذكرة وأنه يرى أنها موضوعية ولم تخرج عن الإطار المؤسسي، ويدعو قيادة الحزب إلى تلبية مطالب الشباب. يوم 19 يناير نشرت صحيفة (الرأي العام) حواراً مع الأستاذ أحمد عبد الرحمن عضو المكتب القيادي والقيادي المخضرم بالحركة الإسلامية يدعو القيادة الإستجابة إلى مطالب الشباب والإستماع إلى رؤيتهم. 20 يناير صحيفة( الاهرام اليوم) ترصد وقائع ندوة فكرية في جامعة الخرطوم يتحدث فيها مستشار الرئيس وعضو المكتب القيادي غازي صلاح الدين ود.أمين حسن عمر وزير الدولة ومسؤول العمل الثقافي في الحزب، يطالبان قيادة الحزب بالسماع لصوت العقل ونداء الشباب والعمل على إدارة حوار بنّاء يتعرف على احتياجاتهم ويخاطب متطلباتهم. يوم 23 يناير تنشر صحيفة (الرأي العام) إستطلاعا صحفيا أجرته الصحيفة يكشف أن "مذكرة الألف" هي في الحقيقة قد جمعه حوالي عشرة آلاف توقيع (يجب ملاحظة ان الصحيفة مملوكة للحزب ويرأس تحريرها أحد اقارب الرئيس البشير وهو شديد القرب منه). 29 يناير صحيفة (سودان تربيون الالكترونية) تنشر ماقالت انه مذكرة رفعها "700 ضابط في القوات المسلحة" يطالبون باصلاحات سياسية واقتصادية، وتعيد الصحف بالداخل نشر الخبر على استحياء إلى أن تصدى الناطق الرسمي باسم الجيش الصوارمي سعد في مطلع فبراير ينفي الأمر جملة وتفصيلا، مما ألقى ظلالا كثيفة حول الأمر بنفيه أكثر من تبديد الشكوك كما أراد. على أن المؤسف - كما هي العادة في السودان- لا تستمر حالات الوعي واليقظة الى منتهى إيجابي كما كان متوقعا، بل تبددت حالة الحكمة التي تلبست القيادات وكشفت الايام انها كانت ظرفية طارئة لم تدم أكثر من ايام، فمع بداية شهر فبراير بدأ التضارب يقع في مكونات القيادة على أعلى مستوياتها في احترام عضويتها.
    جاءت ردة فعل القيادة مدهشة في مطلع فبراير تُعبّر عن حالة تفكك غير مسبوقة تكشف ما يجري بداخل المطبخ السياسي ،ففي الوقت الذي استقبل نواب رئيس الحزب (علي عثمان ونافع علي نافع) الحدث بطريقة إيجابية ومبشرة وتفاعلت معها بقية مكونات الصف الأول في الحزب من برلمانيين واعضاء المكتب القيادي(كما أشرنا بأعلى)، قام رئيس الحزب بشن هجوم غير مسبوق وغير مبرر على المذكرة وعلى من كتبها وقال (اذا كان هؤلاء ألفا، فإن الحزب فيه خمسة ملايين آخرين، ولا يمكن لهؤلاء أن يُملوا إرادتهم على الآخرين) وعلى النقيض من هذا الإستفزاز الصريح فقد اتسمت رِدة فعل الشباب بالإيجابية والأناة ولم تجنح إلى رد الفعل المتسرع المتعجل ليس لأن "ليس لديهم ما يفعلونه" كما علق أحد المعنيين، ولكن لأن داعية الإصلاح لا يستجيب للإستفزاز مهما كان مصدره ولا يعتمد ردود الفعل منهجا، ثانيا لأن هناك قناعة مترسخة في عقل الشباب بأن الحِراك الذي يقودونه هدفه الإصلاح والذي يتصدى لمثل هذا الامر عليه ان يدرك انه شخص رسالي ولديه هدف نبيل يسعى لتحقيقه، فلم يكن يُعقل ان يقول الرئيس خلاف ذلك كما توقع بعضهم، فإن كان في القيادة فساد أو محسوبية فإنها تطاله غالبا، إما بالمسؤولية المباشرة اوبالتستر عليها، وفي كل هو المسؤول.
    فمع أن المذكرة معنونة إلى من أعتبرهم الشباب قيادتهم بصفتهم الحزبية، حيث خاطبت الرئيس باعتباره رئيس الحزب وليس الدولة ونواب رئيس الحزب (علي عثمان، الحاج آدم، ونافع علي نافع) بذات الاعتبار ومن ثم الآخرين مثل أحمد إبراهيم الطاهر، إبراهيم أحمد عمر، غازي صلاح الدين، لكن الرئيس قاد الهجوم على المذكرة ومقدميها بطريقة غير متوقعة. وكقول أبي الطيب
    كلما أنبت الزمان قناة
    ركّب المرء في القناة سنانا
    وَكَأنّا لم يَرْضَ فينَا برَيْبِ الـدّهْرِ
    حتى أعَانَهُ مَنْ أعَانَا
    نظرة من الخارج:
    كتب عبد الوهاب الأفندي معلقا (عندما يلخص هؤلاء الأعضاء ما توصلوا إليه في وثيقة تحدد ملامح هذا التوافق، فهذا مؤشر أخطر، خاصة إذا كان ما اتفق عليه مخالفاً لرأي قيادة الحزب، بل يشتمل على نقد واضح وصريح لهذه القيادة ومنهجها وخياراتها. ويكون الأمر أخطر بكثير حين تكون كل كوادر الحزب القيادية غافلة تماماً عما يجري، حتى تفاجأ بتقدم هؤلاء الأعضاء بآرائهم كتابة فيما يشبه الإنذار. فكل من هذه التطورات يعكس وجود أزمة، وهي مجتمعة تنبيء بأن الأزمة قد وصلت مرحلة الانفجار. وتكشف بصورة غير مسبوقة عزلة القيادة عن قاعدتها الإسلامية العريضة. -الواضح أن الحزب الحاكم في أزمة عميقة، تشكك في فاعليته، بل وفي إمكانية بقائه كحزب، خاصة بالنظر إلى أن معظم هذه الكوادر من المفترض أن تكون قيادية. فهذه الأعراض تشير إلى أن الحزب مصاب بانسداد الشرايين، وانغلاق قنوات التواصل الداخلية، بحيث أن معظم القوى الفاعلة، في قمته وقاعدته معاً، تجد نفسها بمعزل عن مواقع اتخاذ القرار، وتضطر إلى كتابة "العرضحالات" شأنها شأن المواطن العادي. وقد اضطرت عناصر قيادية من قبل إلى تدبير "انقلاب قصر" ضد القيادة، ولعل مظاهر الاحتقان الحالي هي إرهاصات انقلاب وشيك قادم. فعندما تفقد القيادة ثقة كتلتها البرلمانية، وقطاع العمال والشباب والطلاب وكبار الأكاديميين، ثم الآن القطاع الحي في قلب كتلتها الإسلامية، فما الذي بقي-وأهم دلالة لتداول فئة كبيرة من عضوية حزب في شؤونه وفي الشأن العام، بمعزل عن بقية العضوية وخارج أطر الحزب، هو أن هذه الأطر قد فقدت وظيفتها، وفقدت الثقة فيها. وحينما يخفي الأعضاء مداولاتهم عن القيادة، فهذا يعني أنهم فقدوا الثقة في القيادة، وكل من يتصل بها بحيث يمكنه أن يوصل المعلومات إليها. وهذا بدوره يؤكد عزلة القيادة وبُعدها عن هذه القواعد).
    وسيبقي السؤال ما الذي دفع الرئيس البشير ليتصدى للمذكرة بهذه الطريقة؟
    ما تطالب به المذكرة، من تصد للفساد، وإستقلال للقضاء، وتحييد لمؤسسات الدولة وإبعادها عن الوصاية الحزبية، وتوحيد الصف الوطني وضمان نزاهة وعدالة الانتخابات، وغير ذلك من الإصلاحات، هي مطالب محقة، وقد ظلت تلك هي مطالب اهل الإصلاح منذ فجر التاريخ وردحاً من الزمن وما من سميع. سيبقى هذا السؤال معلقا مثله مثل اسئلة اخرى كثيرة من شاكلة ما الذي دفعه إلى قبول نيفاشا بكل ما جرته من خراب وتدمير رغم نصيحة اقرب الناس إليه؟؟ ما الذي جعله يصمت على قضايا الفساد رغم أن خزائن مكتبه مملوءة بالملفات والوثائق التي تكشف بوضوح اسماء واضحة وصريحة؟؟
    الرئيس البشير يعلم ان مقارنة الالف بالخمسة ملايين ليست مقارنة موفقة ولا دقيقة (ما أكثرالاخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل). لذلك عندما جاءت ساعة الجد والحسم بعد أقل من ستة أسابيع، لم يجد من حوله إلا هؤلاء الألف الذين انتقدهم، وقال انه سيقوم بمحاسبتهم. فهؤلاء لم نرهم إلى جوار إبراهيم شمس الدين أثناء الغزو اليوغندي في الأمطار الغزيرة، ولم نجدهم يوم العدوان الثلاثي، كما لم يخرجوا للقتال يوم غزوة أم درمان، إنهم يقِلون عند الفزع ويكثرون عند الطمع. لذلك لم يسع البشير لطلبهم في القيادة العامة منتصف ليل الثلاثاء عندما سقطت هجليج، ولو طلبهم لما استجابوا، ولو استجابوا لما وطئت اقدامهم أرض المتحرك كما فعل علاء زايد و دفع الله الحسين واخوانهما، بل رأيناهم يتلذذون بلبس "الميري والحوامة به" داخل شوارع الخرطوم والتطواف بين مكاتب المسؤولين بحجة جلب الدعم و الاستنفار..الخ"، يقول المثل الشعبي عند أهلنا في دارفور (يوم القنيص ما بنسعى ######) بمعنى أنك لا تستطيع تدريب باز في يوم الصيد نفسه.
    (يطالبك بمراجعة الفقرة السابقة"بالاصفر")
    فكر القيادة والمذكرة:
    لقد كانت الفكرة الأولية السائدة لدى بعض المكونات القيادية أن هذه المذكرة والحراك الكبير الذي احدثته بين بعض العناصر القيادية، أنها جاءت لتعمل على إحداث اختراق تتغير بموجبه التركيبة القيادية، بمعنى أنها من طرف خفي، ولكن مع الأيام ثبت بطلان هذا الإدعاء، وبرهن هؤلاء الشباب أن حركتهم هذه تأتي من منطلق ذاتي مرجعيته الوحيدة صدق النية في الدعوة إلى إصلاح حال الحزب والدولة، دافعهم لذلك القلق والمخاوف من المجهول الذي صارت إليه البلاد في ظل الظروف المحيطة التي أشرنا إليها في أكثر من فصل من هذا الكتاب. يتضح ذلك بصورة جلية من خلال ردة فعل القيادة - في مستوى نواب الرئيس – حيث عمد هؤلاء كما وصفنا إلى امتصاص حماس الشباب من خلال جرهم إلى سلسلة حوارات ممتدة، كان الهدف منها استكشاف ما وراء المذكرة والعمل على استنكاه خطواتهم بعدها.

    خيارات المذكرة وبدائل العمل:
    لقد كان اقتراح تقديم المذكرة بعد أكثر من عام من التداول - كما اشرنا- واحدة من ضمن خيارات اخرى ناقشها الشباب كطرائق عديدة للتعبير عن مطالبتهم بالاصلاح، والحقيقة كان هناك وجود لجناح متطرف يرى أنه لا ضرورة للتواصل مع مكونات القيادة بهذه الطريقة الناعمة، والتي لن تجدي، إلا أن الهدي النبوي )بالمتابعة في السير على خطو ضعفائنا( جعلت الأغلبية تغالب الإندفاع وتعتمد الصبر، مع يقينهم بصدق ثلاثة افتراضات طرحت عليهم اثبتت الأيام صحتها :
    الإفتراض الأول: ان هؤلاء القيادات يعلمون ان هناك ازمة ويعترفون بها. وهو ماحدث فعلا حيث أعترف نواب رئيس الحزب (علي عثمان ونافع علي نافع في لقاءاتهما بالشباب أنهم يعرفون أن هناك أزمة سياسية في الحكم على مستوى الدولة والحزب، وقد وصف علي عثمان الأزمة ببركة الماء الآسن).
    الفرضية الثانية: انهم يعرفون حقيقة طريق الخروج من هذه الأزمة ويعرفون جيدا مستحقات هذا الخروج. وهو تغيير جذري وشامل وعاجل في القيادات التي ظلت متمسكة بمواقعها زهاء الربع قرن "بما فيها رئيس الدولة ونوابه"، يتبعه تغيير هيكلي في السياسات: تمهد لتغيير ديمقراطي شامل، يُعزز من حاكمية الشورى ومنهجها ويحاسب المفسدين، ويعيد تعريف العلاقة بين الدولة ومواطنيها. بطريقة حضارية حديثة.
    الفرضية الثالثه: انهم " قيادات الحزب الحالية" لا يستطيعون أن يتحدثوا أو يرفعوا عقيرتهم بهذه الحقائق ولا يقدرون على التصدي لذلك (4) بعضهم لاعتبارات وطنية، والآخر لإهتمامات شخصية، لان سنن التاريخ تخبر بأن كل صاحب سلطة حتى وان كانت روحية او مادية تتكلس حوله طبقة تبقى مصالحها مرتبطة بوجوده شخصيا –كما ذكرنا سابقا- ومن ثم تزين له افعاله وتُرغِبه في البقاء بإعتبار أن وجوده هو "صمام أمان البلاد وإنها مسئولية تاريخية في اختيار الله له لهذا المكان" ولا يدري هؤلاء أن هناك آلاف السنين عاشتها الشعوب على هذه الارض ولم ترتبط بشخص في ذاته، وفي ساعة الجد لن يجدهم لأنهم بطبيتعهم يقلون عند الفزع، والشواهد في تاريخنا الحالي أكثر من أن تعد، من صدام إلى المخلوع القذافي، إلى مبارك...الخ.
    لقد ثبت جليا أن هذا الرأي كان صائبا باكثر مما قدر هؤلاء الشباب وقتها، وقد كشف مسار الأحداث بعد انحسار العدوان في هجليج والمطالبة بمحاسبة المقصرين في الأمر بطريقة جلية أن القيادات تعرف الأزمة وتعرف طريقة الخروج منها ولكنها لا تقوى على المصارحة والمكاشفة بالأمر، حتى نزلت تطورات الأحداث الاخيرة عقب زيادة أسعار الضروريات.
    موقف القوى السياسية:
    كما هي العادة من فقدان الثقة بين القوى السياسية والمؤتمر الوطني كانت ردة فعل القوى السياسية وتصرفها على اساس انها صراع على السلطة داخل من يصفونه بالحزب الحاكم ،وان شباب الحزب يريدون نصيبهم من كيكة السلطة ويريدون إحداث انقلاب قصر، ومن هذا المنطلق فان الامر لا يعنيهم وهو ما عبر عنه في تصريح للصحف في منتصف يناير د.الترابي بان هناك "مذكرة اخرى ثالثة" بطريقة فيها كثير من المكر تهدف إلى صب المزيد من الزيت، بعد كثير من التدبر نقلت صحيفة (الأحداث) تصريح رئيس تحالف الاجماع الوطني فاروق أبوعيسي يوم 23 يناير بـ (ان هذه المطالب جيدة وان كنا نزيد عليها التعجيل بالضغط على النظام لإحداث تحول ديمقراطي سريع يخرج البلاد مما هي فيه).
    من السطحية والجهل النظر الى الحراك الذي يقع داخل سوار المؤتمر الوطني على أنه حادث معزول أو يخص أهله، فمثل هذا الأمر يصح اذا كان عن تعديل النظام الأساسي للحزب أو إنتخاب عضوية المكتب القيادي أو غيرها من إجراءات، لكن عند الحديث عن وضع خطوط فاصلة بين أجهزة الدولة ومؤسسات الحزب أو إستقلال القضاء أو محاربة الفساد أو إجراء محاسبة عاجلة وفورية للمقصرين في الوظائف العامة...الخ ، هذه إجراءات ضرورية يتأثر بها كل مواطن، وتمس حياته مساً مباشرا ولا يمكن أن توصم بأنها أشياء تخص عضوية المؤتمر الوطني والساحة السياسية العامة غير معنية بها.
    الإشراق الذي جاءت به المذكرة على القوى الشبابية الأخرى – أو ما يمكن تسميته بمنطق العدوى - في الأحزاب حيث ظهرت مذكرات أخرى في حزب الأمة حيث تقدم شباب الحزب بمذكرة تطالب بإصلاحات قيادية وتجديد قيادة الحزب وكما هو معلوم تصدى لهم سيد صادق وبناته وأولاده في محاولة مكشوفة لقمعهم إلا أن انتهى بهم الأمر الى الإطاحة بالأمين العام للحزب الموالي لبيت القيادة، وإستبداله بشخص وسطي وفاقي، في حزب المؤتمر الشعبي بادر د.حسن الترابي يقول بأنه بصدد التنازل عن قيادة الحزب إلى جيل جديد، وقال انه ربما تتولى "سيدة" مكانه في سابقة فريدة من نوعها في السودان، وشق من الحركة الاسلامية أن تكون امرأة في إمامة الناس، ولم يعف هذا الإجراء من قيام بعض الشباب بإحتجاجات تطالب بالإصلاح، وربما كان الوضع الصحي للراحل الأستاذ محمد ابراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي وقتها – حيث كان في غيبوبة او حالة موت سريري - حاجزا دون قيام مجموعة شبابية بالتمرد داخل الحزب ولكن مع وفاته التي وقعت في مارس الماضي اصبح الطريق مفتوحا لتصعيّد جيل جديد من شباب الحزب إلى دست القيادة وهو ما جاء بمحمد مختار، أما الحزب الاتحادي الديمقراطي فقد جرت عملية تدجين مبكرة حتى اصبح حزب الحركة الوطنية فرعاً من طائفة الختمية، فبعد ان تقدمت المجموعة القيادية التي كان على رأسها ميرغني عبد الرحمن الحاج سليمان ود.فاروق احمد آدم بما عُرف وقتها بمذكرة الثمانية في نهاية التسعينات في القاهرة، أصبحت الحركة الإتحادية في حالة ولاء تام مع آل الميرغني وتأتمر بأمرهم وتسير وفق رغائبهم وليس أدل على ذلك من الاسماء التي شارك الحزب بها في التشكيلة الوزارية الاخيرة في ديسمبر 2011م (6).


    -1- حاول بعضهم ممارسة نوع من التشكيك أو الإغتيال المعنوي مثل الاشارة إلى بعض اعضاء المذكرة والناشطين فيها بأنهم ينتسبون إلى المؤتمر الشعبي، وكانت أشبه بمزحة ثقيلة. فقائل هذا الكلام كان يتحدث وإلى جواره الحاج آدم نائب الرئيس، مما جعل أحد الشباب يلفت إنتباهه إلى أن الذي إلى جواره لم يكن "مؤتمراً شعبياً" فقط، بل و"مطلوباً للعدالة" كما كانت تصدر باسمه بيانات القضاء للصحف.(غير موجودة بالنص)
    - 2- للإنصاف لم تكن النظرة ان هؤلاء القيادات يخافون من رفع صوتهم والمطالبة بالإصلاح والتغيير، من خشية خوف السجن او الحرمان من إمتيازات ينالونها، ولكن خوفا من أن يقود ذلك إلى تصعيد أو خلق دورة صراع جديدة البلاد في غنى عنه في مثل هذا الظروف.(غير موجودة بالنص)
    -3- بعد التصريح الذي أدلى به بروفيسور إبراهيم أحمد عمر في صالون الراحل سيد أحمد خليفة وقوله ان وزير الدفاع سيخضع لمحاسبة على التقصير الذي حدث في هجليج على مستوى الدولة (في البرلمان على الأقل) وعلى مستوى الحزب، ذهبت بعض القيادات للرئيس لمناقشته في الأمر بجدية بإعتبار أنها طلب من القواعد، فاجأهم الرئيس بقوله (برأيكم من هو الأجدر بالحساب عبد الرحيم، ام الذين جاءونا بإتفاق نيفاشا؟؟). حينها وجم الحضور.
    -4- راجع فصل الحركة السياسية وضرورات التغيير في هذا الكتاب.
    (أين 5 وأين 6)
                  

العنوان الكاتب Date
الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-08-13, 02:48 PM
  Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس محمد حامد جمعه04-08-13, 02:51 PM
    Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-08-13, 03:12 PM
      Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس عبدالله عثمان04-09-13, 06:27 AM
        Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:02 AM
          Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:04 AM
            Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:07 AM
              Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:48 AM
                Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:50 AM
                  Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:52 AM
                    Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-10-13, 07:26 AM
                      Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس Mohamed Hamed Ahmed04-10-13, 08:05 AM
                        Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-10-13, 08:47 AM
                          Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-13-13, 10:23 AM
                            Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-15-13, 10:00 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de