الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-15-2024, 12:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-10-2013, 07:26 AM

مصعب عوض الكريم علي

تاريخ التسجيل: 07-03-2008
مجموع المشاركات: 1036

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس (Re: مصعب عوض الكريم علي)

    الإصلاح السياسي/ الفصل الثاني
    السلام والرهان علي الكرت الخاسر
    تعتبر قضية جنوب السودان من أخطر القضايا التي اثرت في مسيرة العمل السياسي لكل الحكومات المتعاقبة في تاريخ البلاد منذ الاستقلال كما هو معروف. لذلك كانت الحركة الاسلامية تتطلع الى هذه القضية من منظور مختلف عبرت عنه في ميثاق الجبهة الاسلامية، كما انها عمدت على ان تكون لها أذرع تنفيذية تعمل على التفاعل مع المجتمع الجنوبي من خلالها، حيث جرى استقطاب الكثير من القيادات الجنوبية حتى غير المسلمة، مستفيدين من تجارب التحالفات السابقة التي مثلت "جبهة القوى الجديدة" في حقبة الستينات نموذج لها التي كانت تضم جناح الحركة الاسلامية السياسي المتمثل في "جبهة الميثاق الاسلامي" وحزب الأمة جناح صادق المهدي والزعيم الجنوبي الراحل وليم دينق ممثل حزب سانو الجنوبي. بعد المصالحة مع نظام مايو ووفق الإستراتيجية العشرية التي تبنتها الحركة الاسلامية (1) جرى التركيز على الدخول الى المجتمع الجنوبي بخطى متزامنة، الأولى استقطاب قيادات خاصة الشبابية والطلابية، والثانية من خلال العمل الاغاثي والطوعي (منظمة الدعوة الاسلامية، الوكالة الافريقية الإسلامية للإغاثة، لجنة مسلمي افريقيا ،..الخ(والعمل على زيادة الصف الحركي مع الاشراف على وسائل العمل من خلال مكاتب هيكلية مقامة في المناطق النائية وليست القوافل التجوالية المؤقتة التي تروح وتغدو.
    أثمرت نتيجة هذا العمل فوز الجبهة الإسلامية بعدد من الدوائر الجغرافية في الجنوب والجزء الأغلب من دوائر الخريجين في انتخابات العام 1986م، حيث بدأ العمل مبشرا وواعدا، فتم تفريغ د.علي الحاج الأمين السياسي للجبهة الاسلامية للعمل في ملف الجنوب والتواصل مع مكوناته الإجتماعية، باعتبارها واحدة من أهم الملفات السياسية والقضايا الحيوية التي تثير جدلا في الساحة الوطنية. كانت رؤية الجبهة الاسلامية للقضية تتلخص في ثلاثة محاور :
    اولا: العداء المطلق لحركة التمرد (الحركة الشعبية التي يقودها جون قرنق) باعتبارها حركة ماركسية كما اعلنت، تُريد تغيير هوية السودان وتعمل على استئصال الثقافة العربية والاسلامية. وتستتبع هذه الخطوة تقديم المساندة والدعم للقوات المسلحة بتمكينها من الوسائل والمعدات التي تجعلها تعيد التوازن في الميدان وتقدر على كسب الحرب، وبإسنادها معنويا وإعلاميا (2).
    ثانيا: العمل علي تمييز الأغلبية الوطنية الصامتة في الجنوب عن مناصري الحركة وحثها علي أداء دور وطني ايجابي لصالح الوحدة الوطنية، ويترتب علي ذلك التعامل مع المجتمع الجنوبي مباشرة دون اعتبار وكلاء محليين (بمعني العمل علي استقطاب شباب وبناء قاعدة عضوية للحزب فيه)، ويبقى التركيز على الخط الإستراتيجي في العمل علي نشر الإسلام من خلال الواجهات والمنظمات الدعوية والخيرية.
    ثالثا: توظيف الموردين أعلاه للعمل السياسي في المركز بمعني محاصرة نصراء الحركة الشعبية في الخرطوم الذين كان يغلب عليهم الصبغة اليسارية.
    وكان الاختراق السياسي الوحيد الذي حققه د.علي الحاج في هذا الملف في تلك الفترة هو نجاحه في لقاء ممثلين للحركة الشعبية (التقي د.لام اكول مسئول الاغاثة والعمل الخارجي في الحركة) علي هامش ندوة في مدينة بيرجن بالنرويج في فبراير 1989م. في ذات الوقت الذي كان فيه مبارك قسم الله زايد وفضل السيد أبو قصيصة وعبد السلام سليمان واحمد الرضي جابر ومئات من خلفهم يعلمون في صمت وخفاء وفق الاستراتيجية التي ذكرناها.
    بعد الانقلاب :
    بعد التغيير بدأ ملف السلام يتخذ أولوية أكثر صعودا، وظل د.علي الحاج وبتشجيع كامل من القيادة (بالاخص د. الترابي) يتحرك بقوة، وان كان الواجهة الرسمية الفاعلة تمثلت في تعيين العقيد محمد الامين خليفة مسؤولا رسميا عن ملف السلام كوجه عسكري مقبول ومتحدث لبق، لكن بقي الشخص الذي يمتلك كل مفاتيح الملف هو د.علي الحاج.
    بدأ النظام يكشف رويدا عن توجهه الفكري وبدأت حركة قرنق تتصلب في مواقفها وتشدد في مطالبها، لكن الوقت بدأ في تلك الفترة تجري رياحه بما لا تشتهيه سفنها، فقد وقعت ثلاثة تطورات دراماتيكية كبيرة و مترابطة قاد كل منها للآخر أو ساهم فيه، وكان لها أثر كبير على مجمل مسار القضية، تمثل التطور الأول في التغيرات العسكرية الكبرى التي حدثت في أثيوبيا بسقوط الحليف الإستراتيجي لقرنق وهو منقستو هايلي ماريام وإنهيار نظام الدرك الماركسي فيها، وبالتالي تلقت الحركة ضربة قاصمة بفقدان نصير إقليمي قوي كان يوفر قواعد خلفية وسند لوجستي وغيرها من ضرورات القتال والعمل السياسي، التطور الثاني كان هو التقدم الهائل للقوات المسلحة بكافة المحاور في ميادين القتال المختلفة وكسر شوكة الحركة، وإعادة زمام المبادرة إلى يد الدولة في مسارح العمليات الحربية المختلفة، التطور الثالث والأخير تجسد في الإنشقاق السياسي والعسكري الكبير الذي وقع في صفوف الحركة بخروج أبناء أعالي النيل والإستوائية منها، (رياك مشار، لام اكول، كاربينو كوانين، وليم نون، أروك طون.. الخ)، أو خروج النوير على الدينكا و تبعتهم قوميات أخرى كبيرة ومؤثرة في مجتمع الحركة المناصر لها. النتيجة النهائية وكإمتداد لما ذكرنا في الفصول السابقة، فقد عجزت السياسة عن ترجمة وتوظيف هذه التطورات الكبيرة والهامة في خدمة تقدم إستراتيجي لحسم القضية سلما او حربا، بل تركت الامر معلقاً كشأن كل القضايا الاخرى في انتظار بروز عوامل ضغط للتغير من أولوياتها ( لاحظ حديث د.علي الحاج في الحوار الصحفي الذي نشرته الإنتباهة مطلع يونيو عن الإنقسام وتشتت الرأي في القيادة السياسية تجاه عملية السلام).
    على صعيد الحرب كان الجيش يعمل على أمل ان السلام وفق رؤية القيادة الجديدة، التي كانت خالية الوفاض من أية رؤية متكاملة، ويؤكد ذلك وقوع امرين يكشفان بطريقة جلية غياب الرؤية الواضحة للحل في مخيلة القيادتين السياسية والتنفيذية للحركة والدولة (بشقيها المدني والعسكري) في تلك الفترة، الأول في إجتماع عقد في مدينة فرانكفورت بألمانيا في يناير 1993م حيث جمع لقاء بين د. علي الحاج مسؤول الملف و د.لام اكول اجاوين القائد في حركة إستقلال جنوب السودان، التي كانت تحالفا يضمه مع د.رياك مشار بعد إنسلاخهم من الحركة الشعبية التي يقودها قرنق، تضمن الإجتماع طرح مسألة تقرير المصير، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتسلل فيها هذا المصطلح إلى قاموس السياسة السودانية، عند عودة د. علي الحاج إلى الخرطوم، وفي إجتماع مشترك للقيادة (جرى في منزل د.الترابي) وفي رد على سؤال عن مدى التفويض الذي ناله ليقدم مثل هذا المقترح لممثل الجنوب في اللقاء، أجاب د.علي الحاج انه تحادث مع د. الترابي "عبر الهاتف" وأنه نال مباركته على هذا الامر- يكشف هذا بجلاء كيف أن قضية محورية لا تمس السودان فحسب بل تتجاوزه إلى القارة الإفريقية جمعاء يجري تفويض شخص فيها عبر إتصال هاتفي مع آخر، بغض النظر عن الثقل الذي يمثلانه- شبّه أحد الحضور الأمر بأنه وكأنه "منزل يريدان بيعه أو إيجاره" وليس وطناً يعيش عليه ملايين من البشر.
    الأمر الثانى كان المقترح الذي قدمه الرئيس البشير في إجتماع لدول الإيقاد جرى في كينيا في عام 1993 بطلب للتوسط لحل أزمة جنوب السودان، فما كان من قادة المنظمة التي يمثلها رؤساء الدول المجتمعين إلا أن صمموا ما أسموه إعلان المبادئ (Declaration Of Principles) أو ما أصطلح على تسميته بـ(DOP) والذي بُني على إختيار أيّ من طريقين وضعا كشفرتي المقص، الأول دولة سودانية موحدة، ولكنها علمانية يُعزل الدين عن السياسة فيها تماما، والثانية تصور عام لنظام كونفدرالية يربط بين دولتين واحدة في الشمال والأخرى في الجنوب، قبول المقترح بهذه الطريقة جعل الأمر وكأنه إما انتحار سياسي بقبول فصل الدين عن الدولة، في ظل قيادة ترى أن مشروعية بقائها في الحكم مرتبطة بتثبيت الشريعة الإسلامية كنظام للحكم، فمعروف أن الشريعة الإسلامية هي جوهر دعوة التحالف الذي جاء بالإنقاذ إلى سُدة الحكم، وقبول ذلك يعني القضاء على المشروعية الأخلاقية للقيادة الموجودة، على الأقل أمام أنصارها، والثاني ذبح للوطن بقبول مبدأ الكونفدرالية كأساس للعلاقة بين الدولة المركزية وإقليم تابع لها، مما يعني التسليم والقبول ضمنيا بإنفصال الجنوب، بعد كل الانتصارات العسكرية التي تحققت وشلالات الدماء التي سالت والتضحيات الجسيمة التي وقعت.
    هذا في ظاهر الأمر في الخفاء وخلف الكواليس كان هناك صراع من نوع غريب، الأول بين نائب الامين العام (وزير التخطيط الاجتماعي وقتها) الأستاذ علي عثمان محمد طه، والثاني بين د.علي الحاج محمد مسؤول ملف الجنوب (مسؤول بيت التمويل والإستثمار- بدرجة وزير مركزي وقتها)، الأول أقرب الى خط العسكريين والثاني أقرب إلى د.الترابي، كان بين الشخصين منافسة غير مرئية ولكن تبلورت في إستراتيجية كل منهما ورؤيته للحل، فالأول يرى أن الرهان على تحالف يربط بين الإنقاذ وقبيلة الدينكا هو صمام أمان الحل المفتاحي لقضية الجنوب، وله في ذلك جملة إعتبارات أهمها وجهة نظر معقولة: وهي أن القبيلة هي الأكبر عددا بين سكان الجنوب، و يُعتبر أبناؤها الأكثر ثقافة بما فيهم قادة حركة التمرد الحاليين(وقتها)، لذلك التحالف معهم يجعل تحقيق السلام والإستقرار خيارا إستراتيجيا في الجنوب. ويعتبر القاضي ونائب الرئيس الأسبق ابيل الير هو الشخص المفتاحي بالنسبة له في التواصل مع هؤلاء، وهو على علاقة جيدة به منذ فترة حكم النميري.
    بالمقابل يرى د.علي الحاج أن النوير هم الخيار الأوفق، وله وجهة نظر مقبولة: مستندا الى العلاقات التاريخية التي تربطهم بالحركة الاسلامية، كما أن الثروات المتوقعة جلها في أراضيهم، وهم معقولون في مطالبهم، ليسوا مثل الدينكا الذين يتطاول طموحهم إلى ما بعد حدود الجنوب، ويحلمون بحكم السودان كله، كذلك هناك نظرية إجتماعية أصبحت أشبه بالقاعدة الثابتة منذ فترة الاستعمار في التعامل مع المكونات الإجتماعية في محيطها، تقول حين يكون عليك الترجيح في التعامل بين أغلبية سائدة في مجتمعها او مكون آخر دون الأغلبية بقليل فإن إختيارك يجب أن يتجه إلى من هم دون الأغلبية بقليل، لأن كونهم دون الأغلبية يجعلهم في حاجة دائمة إلى حليف خارجي بإستمرار –والذي تمثله هنا الدولة المركزية أوالحركة الاسلامية في هذه الحالة بالذات- مما يعني عدم تفكيرهم في الإستغناء عن الشمال، على عكس لداتهم في الجنوب وبالأخص الدينكا. ومع أن هذا شكل من الإنحدار" أن تصبح رؤية حركة تسعى للتحديث والتنوير عبر هذا المسلك القبلي المنغلق" إلا أن دخوله في مضمار الصراع والمنافسة، جعل كل طرف يتصيد الآخر، ويحاول استرداد زمام المبادرة بإعادة الملف إلى حوزته. وقعت جمله من الشواهد في مفاوضات ابوجا ونيروبي الأولى والثانية وأديس ابابا فيما بعد، ولكنها جميعا لم تكن ذات بال.
    في أبريل 1997م جاء اتفاق الخرطوم للسلام وأصبح د. رياك مشار مساعدا لرئيس الجمهورية ورئيسا للمجلس التنفيذي الحاكم في الجنوب(كان يسمى مجلس تنسيق الولايات الجنوبية، ولكنه لم يكن جهة تنسيقية بل كان مجلسا تنفيذيا بما له من هياكل وفروع تنفيذية حتى وإن كانت جوفاء(. كانت حالة الإستقطاب بين القصر والمنشية –كما عرف لاحقا- تجرى تحت الأرض على أشدها في قضايا أخرى لا علاقة لها بملف السلام ولكنه بحكم الحيوية التي نالها أضحي جزءاً من الصراع السياسي الدائر، وبالتالي كان كل طرف يعمل على عرقلة الآخر، بل واستدراجه للخطأ في بعض الأحيان.
    جاء تحول كبير في فبراير 1998 بإنتقال نائب أول الرئيس الزبير محمد صالح إلى الرفيق الأعلى، ومجئ الأستاذ علي عثمان محله، وبوفاته فُقد عنصر توازن مهم في الصراع المذكور، بعدها بأشهر قليلة تم تعيين د.نافع علي نافع مستشارا لرئيس الجمهورية للسلام، وإبعاد آدم الطاهر حمدون الذي يُعتبر حليف د.علي الحاج ورجله التنفيذي في الملف، اتخذ الصراع منحى أشد حدة حين جرى إغراء بعض القادة العسكريين التابعين لمشار للخروج عليه وقد كان. حيث انسلخ القائد فاولينو ماتيب عن حركة مشار وأعلن إلتزامه بالإتفاقية، وما تلاها من أحداث. وبدأ كأن مسئول ملف السلم الجديد يعد للحرب بسند نائب الرئيس الجديد. وفي غمرة قرارات الرابع من رمضان بعث د.رياك مشار استقالته من جميع مناصبه من كينيا عبرالفاكس إلى رئاسة الجمهورية.
    بعد الرابع من رمضان:
    كان الإنتقاد الأبرز للدكتور علي الحاج أنه لم يكن يحمل اية رؤية او يناقش أحدا في التفاصيل، ولكن الحقيقة هي أن القيادة نفسها والتي يجب أن تضع الخطوط الإستراتيجية لأية سياسة تنفذ، كانت غائبة أو متنازعة أو مشغولة بأمور أخرى، منها ما أشرنا إليه في الفصول السابقة، حتى صار السلام وهو قضية حيوية وحساسة عرضة للتنازع والشد بين الأطراف المتصارعة إمتدادا للصراع السالف ذكره.
    يقول د.عبد الوهاب الافندي القيادي المشارك في جميع جولات السلام في تلك الفترة (3) (إن كثيراً ممن عملوا في ملف الجنوب، وهو أهم ملف في عهد الإنقاذ، لم يكونوا يطرحون أسئلة حول التوجهات الاستراتيجية حول الجنوب، ولم يكن هناك منبر لهؤلاء لمناقشة التوجهات الكبرى والقرارات المحورية حول هذه القضية.(
    بعد قرارات الرابع من رمضان وإنفراد أحد الجناحين بالسلطة، لم تكن القيادة الجديدة متحمسة للوصول إلى إتفاق خاصة في الشهور الأولى، ربما بسبب المزايدات التي كان يطلقها حزب د.الترابي بأن الحكومة أصبحت ألعوبة في يد الغرب بعد طرده منها، مما يمكن معه تفسير الوصول إلى إتفاق سلام أنه صفقة غربية كمقابل تحويل ولاء النظام، لعل ذلك ما يبرر تكليفهم لوزير الخارجية د.مصطفي عثمان بالإستمرار في جولات التفاوض التي كانت تُعقد في اديس ابابا تحت مظلة الايقاد التي أصبحت تراوح مكانها وصارت محض لقاءات باردة. كذلك إتجه صُناع القرار إلى تفعيل المبادرة المصرية-الليبية المشتركة وبث الروح فيها، فتم تكليف د.غازي وزير الإعلام للتعامل معها، إلا أن الحكومة كانت تتعامل بفتور مع القضية او بطريقة روتينية على أقل تقدير، وذلك ما يكشفه تحويل الملف في أقل من عام إلى أربعة أشخاص، تكليف د. مصطفي وزير الخارجية بإدارة العملية التفاوضية، ثم تعيين أحمد إبراهيم الطاهر مستشارا للرئيس لشئون السلام، بعد الحاجة لتفريغ د.نافع للعمل في إعادة بناء الحزب بعد انشقاق الترابي. وفي أكتوبر بعد نهاية الإنتخابات وإختيار أحمد إبراهيم الطاهر رئيسا للبرلمان كممثل لإقليم كردفان، تم تعيين مكي علي بلايل وهو دبلوماسي شاب وعضو برلماني مستشارا للرئيس للسلام ومسئولا عن الملف. هذه التغييرات جرت في أقل من عشرة أشهر، من يناير الى أكتوبر،(تحويل الملف من د.نافع، تكليف د.مصطفي بالتفاوض، تعيين أحمد ابراهيم الطاهر، ثم إستبداله بمكي علي بلايل)، وجميعها ترسل جملة من الإشارات الخاطئة أن الأمر كله لا يعدو أن يكون مجرد تصريف أمور، وليست هناك نظرة إستراتيجية محكومة بمنهج محدد لمعالجة القضية، في حين احتفظ القصر لنفسه بالخطوة النهائية. وذلك ما ظهر عند إقالة اللواء جورج كنغور أروب التي جاءت مفاجئة حتى للعاملين في الملف في الدولة، وجرى إتخاذها بقرار فوقي للغاية لم يتم عرضه للتشاور أو الحوار، بل صدر خطاب "إقالة ورسالة شكر" بعث بهما الرئيس لنائبه المقال، والذي كان محل احترام من جميع من عملوا معه بسبب أمانته وولائه الشديد للدولة التي كان يخدمها، كل تلك الصفات جعلت المتعاملين مع الملف في حيرة من أمرهم. وحين جاء تعيين بديله بعد فترة كان شخصية أكاديمية لم يُعرف عنها شئ او مساهمة في العمل السياسي مسبقا، وهو بروفيسور موسس مشار الذي كان يشغل منصب مدير جامعة أعالي النيل قبل تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية، وعليه لم يفاجأ الكثيرون عندما إنضم للحركة الشعبية حين جاءت عقب إتفاق نيفاشا، وحتى قبل إقالته من منصبه(4).
    إدارة ورؤية جديدتين:
    في يناير من العام 2001 جاءت إلى البيت الأبيض إدارة امريكية جديدة، تمثل الحزب الجمهوري المدعوم من اليمين الديني كما هو معروف بعد غياب ثمانية أعوام عن الحكم، ترافق معها نشر تقرير صدر عن مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية الأمريكي والمعروف إختصارا بـ (CSIS) ، قدمه في يوليو من ذات العام وترأس فريق البحث كل من الخبير الأمريكي المعروف ستيفن موريسون ود.فرانسيس دينق كرئيس مشارك (Co-chair) جاء التقرير الذي موله معهد السلام (USIP) التابع للكونغرس بمشاركة فريق عمل من خمسين باحث يمثلون كل ألوان الطيف الأمريكي من الوكالات الرسمية، وجماعات الضغط، ...الخ، قدم التقرير وصفة حل للمشكلة السودانية من ثماني نقاط بالتركيز على انهاء الحرب وتحقيق السلام كأولوية عاجلة، ولخص الحل في تبني مشروع سلام بدعم ودفع الأطراف المتنازعة للوصول إليه عبر صيغة اقترحها التقرير وهي (إقامة دولة واحدة بنظامين، إسلامي في الشمال ومحايد في التعامل مع الأديان في الجنوب). في مايو من العام التالي أذاع جون قرنق رئيس الحركة خطابا بمناسبة الذكري التاسعة عشر لتأسيسها، قال فيه إن صيغة دولة واحدة بنظامين قد تبدو أقرب إلى فكر الحركة، وكان لهذا ما بعده، يجب التنبيه إلى أن التقرير وُضع ونُشر قبل وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر بحوالي ثلاثة أشهر.
    في يونيو 2001م قام الرئيس في خطوة غير متوقعة (5) بتكليف د.غازي عتباني وزير الإعلام بمهام مستشار رئيس الجمهورية للسلام ومنحه التفويض الكافي للعمل في ملف الجنوب بكل تعقيداته المعروفة (عسكريا امنيا سياسيا دوليا اقليميا والعقدة المركزية هي تقاطع كل هذا مع علاقات مراكز السلطة الداخلية في الخرطوم)، إعتكف مستشار الرئيس الجديد لعدة أيام وقام بقراءة الملفات المكونة لمسئوليته الجديدة، قام بعدها بعدة جولات خارجية خاصة في الغرب، علي إثرها توصل إلى رؤية محددة قوامها، إن مبادرة الإيقاد غير محبذة أو تمثل الحد الادني من المقبولية، بيد أنها تبقي الأكثر ترجيحا ولديها القابلية للعمل وفق التعقيدات المتشابكة في هذا الملف دوليا وإقليميا ومحليا. قام مستشار الرئيس الجديد بوضع منهج تفاوضي يقوم علي التدرج في إتخاذ القرار (تشكيل وفد تفاوضي يُباشر الاعمال الروتينية) فلا تجرفه التفاصيل، ويصبح متفرغ تماما هو لإتخاذ القرارت الحاسمة بعد التشاور مع الخرطوم. تزامنت بداية مجهوداته مع هجوم الحادي عشر من سبتمبر وما حملته من تطور في العلاقات السودانية الأمريكية بنحو قد يكون إيجابي فقام بتوظيف هذه الأجواء الجديدة التي خلفها "تعاون المخابرات الأمريكية مع نظيرتها السودانية" والتي أطلت ببعض الظلال الإيجابية في علاقات البلدين الدبلوماسية، في حين أن الولايات المتحدة وهي تتجه إلى ضرب العراق وافغانستان كانت حريصة علي توجيه رسالة للعالم العربي والإسلامي: انها ليست ضد الإسلام ولا العرب والدليل أنها الآن تساعد علي إخماد أطول حرب أهلية في العالم العربي والإفريقي في السودان.
    قام الرئيس جورج بوش (الإبن) بتعيين القس السناتور جون دانفورث عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ميسوري، والمرشح السابق لشغل منصب "نائب الرئيس الأمريكي" في سبتمبر 2001م والذي استهل عمله بزيارة الي الخرطوم قام خلالها بالإتفاق مع مستشار الرئيس بوضع إستراتيجية من اربع خطوات للبدء في مسيرة تفضي إلى إقرار سلام شامل كانت أولي تلك الخطوات هي: إتفاق جبال النوبة، الذي جري التوقيع عليه في المانيا في يناير 2002، وتم تتويج الجهود تلك الفترة بالتوقيع علي إتفاق ميشاكوس الإطاري في 20 يوليو2002م بين ممثل حكومة السودان د.غازي صلاح الدين مستشار الرئيس للسلام والقائد سلفاكير ميارديت نائب رئيس الحركة الشعبية، أعقب الاتفاق وبعد اسبوع منه إجتماع مباشر بين الرئيس البشير وجون قرنق رئيس الحركة في العاصمة اليوغندية كمبالا، رتبه الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني، من أجل منح إرادة السلام دفعة أكبر.
    في الخرطوم بدأ النجم السياسي لمستشار الرئيس في الصعود، دون إنتباه إلى التعقيدات التي ذكرناها داخلياً، وبعد أقل من شهر من الإتفاق بدأت جولة المفاوضات الثانية والتي بدأت تناقش التفاصيل، وفجأة قامت القوات التابعة للحركة الشعبية بالهجوم علي مدينة توريت في نهاية اغسطس، وتحت الضغط العسكري غير المتوقع بعد الأجواء الإيجابية التي خلفتها إتفاقية ميشاكوس، ونتيجة للتعبئة الاعلامية الكبيرة المضللة التي خلقت انطباعا عاما لدي جنود وضباط الجيش أن السلام بات وشيكا، وبالتالي تراجعت عندهم الرغبة في القتال، إضطر الجيش لإخلاء المدينة وقامت قوات الحركة بدعاية إعلامية كبيرة لهذا الانتصار المتوهم، ردة فعل القيادة في الخرطوم كانت إعلان الإنسحاب الفوري والعاجل من المفاوضات والتعبئة العامة لإعادة تحرير المدينة من أيدي التمرد. من ناحية مبديئة وفنية صحيح أنه لم يكن هناك إتفاق لوقف العدائيات أو وقف إطلاق نار موقع بين الطرفين، ولكن برتكول ميشاكوس ولقاء الرئيس بقرنق بالإضافة إلى الدعاية الإعلامية المتفاءلة بقرب السلام خلقت شعورا زائفا بأمر هو قادم ولكنه لم يصل بعد.
    كانت هناك أيادٍ تلتقي في الخفاء بطريقة غير مفهومة وغير مدبرة بين الخرطوم وأكتوس وناروس –مراكز قيادة قرنق- ففي الاخيرة كان هناك من يقود التصعيد بغرض تعطيل مسيرة السلام، التي كما بدت من إتفاق ميشاكوس فإن الحركة لم تنل شئ، بل وكما صرح د. امين حسن عمر في الخرطوم بعد توقيع الإتفاق "من يريد أن يناقشنا فإن مرجعيتنا في هذا الإتفاق هي ميثاق الجبهة الاسلامية القومية وليس المؤتمر الوطني" كناية عن أنهم قد حققوا أهدافا أوسع مما يظن الناس، وهذا علي خلفية بعض المزايدات التي كان يثيرها منسوبي المؤتمر الشعبي، والتي تستهدف النيل من الإتفاق بإعتباره صناعة أمريكية وأن الحكومة باعت نفسها للغرب ..الخ. كان جون قرنق يشعر بانه غُرر به وأنه لم ينل شيئا غير تقرير المصير وهو أمر قد أخذه في السابق، فالإتفاق يتحدث عن الفدرالية كنظام للحكم مما يعني الوحدة ودولة موحدة، حتي الفترة الانتقالية صارت ستة اعوام ونصف، في حين أن إتفاقية مشار في الخرطوم كانت أربع سنوات، ويتحدث الإتفاق عن حدود 1/1/1956م وعن الشريعة في كل الشمال بما يعني أن العاصمة، وأبيي ذهبت إلى خارج مظلته، كذلك التنازل عن حلفاءه في التجمع وغيرها من القضايا التي كان يماطل فيها ويناور، لذلك لابد له من أن يكسر من حدة قوة الإندفاع الحكومية، ويعيد زمام المبادرة إلى يده، فأصدر الأوامر بدفع قواته العسكرية وإحتلال توريت لإحداث نوع من الفرامل ومن ثم التغيير في الصورة تمكنه من إعادة التقييم والسيطرة.(راجع منصور خالد في كتابه الآخير "قصة بلدين" وهو يعدد ما نالته الحركة في ميشاكوس ص 915، والتي يحصرها في ديباجة الإتفاق : إعتراف النظام بالمظالم التاريخية، تحديد فترة إنتقالية، إعتراف بوقوع خسائر مادية وبشرية وإقتصادية، القبول بمراجعة الدستور وتكوين حكومة قومية) وكلها كما يُلاحظ القارئ ألاّ جديد فيها.
    الأغرب كان ما يحدث في الخرطوم، حيث كان هناك من يترقب النجم الذي صعد علي رافعة إتفاق ميشاكوس، دون أي اعتبار لأوضاع القوي الحقيقية في معادلات السلطة بالداخل، او تمكنه لأىّ من عناصرها، فوجد هؤلاء في هجوم توريت الأخرق من الحركة، ضالتها لتضع العصا في دولاب السلام المتحرك بغية إعادة إمتلاك زمام الأمور في يدها علي الأقل داخليا، وهناك صوت لوم وتقصير واضح لقادة الجيش في الدفاع عن المدينة وعدم قدرتهم علي إيجاد تبرير مقنع للإنسحاب منها، ومعروف حساسية إنتقاد الجيش أمام الرئيس، بالتالي كانت فكرة سحب الوفد من كينيا هي الفكرة المثالية التي يمكن تسويقها لإقناع الرئيس بانها توفر الغطاء السياسي الأنسب لعملية خسارة مدينة مثل توريت، وقد كان، حيث تصدر الرئيس للأمر بنفسه وأذاع خطابا من منزل الشهيد خالد علي عبد الله يعقوب الذي قضى في معركة إخلاء المدينة، وأمر بسحب الوفد الحكومي المفاوض وطلب منهم العودة بأسرع ما يمكن.
    لم تعد الأمور علي ما كانت عليه، حتي بعد الجولات المكوكية التي قام بها الجنرال الكيني لازاراس سمبويو سكرتير المبادرة بين الخرطوم ومناطق الحركة في الجنوب، والتي نجحت في إمتصاص أثآر الصدمة، خاصة بعد إستعادة الحكومة للسيطرة علي المدينة، بل والتقدم علي كافة محاور القتال المختلفة، وإعادة الفرقاء إلى طاولة التفاوض مرة أخري بعد إشتراط الخرطوم توقيع اتفاق وقف العدائيات قبل بداية أي جولة تفاوضية جديدة، وهو ما قد كان.
    تُعتبر الفترة التي تلت حادثة سقوط المدينة و إلى منتصف العام التالي فترة عمل تفاوضي ميت يراوح مكانه، حيث يتواصل الفريقين دون نتيجة تذكر، فباستثاء إتفاق وقف العدائيات الذي تم التوصل إليه في نهاية شهر سبتمبر، والذي كان يُجدد كل شهرين ككرت ضغط من التمرد لم يحدث أمر ذا بال.
    إلى أن جاءت وثيقة ناكوروا، التي قامت الحكومة برفضها بعد أن قدمها الوسطاء في مطلع أغسطس من العام التالي (2003م) بعد ذلك جرت عملية تعبئة شامل في الإقليم، طافت فيها وفود رئاسية من الخرطوم كل دول الجوار الايقاد أولاً ثم شركاء الإيقاد بعدها لشرح الموقف، وكانت رسالة الخرطوم واضحة أن سكرتارية الإيقاد تريد أن تعطي الحركة بيدها اليسري ما لا تستطيعه، أو حتى تملكه الخرطوم في اليمني، فمعظم الترتيبات التي وردت في الوثيقة المقترحة منهم تذهب إلى ترتيبات جوهرها إنفصالي ولا يتحدث عن الوحدة التي حملت روحها ميشاكوس: حيث يوجد في الوثيقة أن الحركة تحتفظ بقواتها خارج المدن ولا تقوم بتفكيكها أو دمجها في الجيش الوطني، كذلك حقوقهم في الثروة والسلطة أعتبرت الوثيقة أن الحركة هي الجنوب فإنفردت لها بكل شئ ولم تُراع المكونات الوطنية الأخرى في الجنوب بما فيها حزب المؤتمر وأنصاره هناك، وغيرها من القضايا الشائكة. كانت رؤية بعض أعضاء الوفد الحكومي المشارك في التفاوض براغماتية للغاية بأن الورقة معقولة وأن طريقة مستشار الرئيس – المسؤول عن الملف - في رفضها غير مبررة، من جانبه كان مستشار الرئيس يري أن الورقة جنحت كثيرا خارج سياق الوحدة، ويريد أن يُعيّد ترتيب الأمور وقيادها إلى يد الحكومة، فمثلا تثبيت أن الحق القانوني والشرعي بما لا لبس فيه أن الجنوب للدولة السودانية، بما يترتب علي ذلك أن الجيش لن ينسحب ولن يكون معه قوة أخري لها شرعية مثل أي مليشيات أي كانت " حتي وان كانت هذه المشروعية اسميه فقط" ، ثانيا إن كل ما تمنحه الحكومة المركزية للجنوب هو من المركز وللجنوب بالعموم ولا يعني أن الجنوب بأي حال من الأحوال يجب إختصاره في الحركة الشعبية، وغيرها من القضايا.
    في منتصف ذلك العام وقع الكونغرس قانون سلام السودان (Sudan peace act) وحظي بدعم أطراف عديدة في غرفتي الكونغرس من مجلسي النواب والشيوخ وأقطاب الضدين، الديمقراطيين ويقودهم دونالد بين، والجمهوريين وعلي راسهم فرانك وولف– اشرنا الي ذلك في فصل العلاقات الخارجية من هذا الكتاب، الحالة الوحيدة التي يتفق فيها الضدان هي السودان - والقانون يدعو إلي فرض عقوبات فورية علي الحكومة السودانية ودعم التمرد بطريقة فعالة إذا لم تثبت الحكومة جديتها في الوصول إلى سلام. علي أثر هذا التطور وصل الي الخرطوم والتر كينشتاينر مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الافريقية برفقة مبعوث الرئيس بوش دانفورث والتقي بالبشير وعلي عثمان وغازي مسؤول الملف، بعدها طار إلى كينيا ثم عاد إلى واشنطون، في منتصف اغسطس وبعد أيام من رفض وثيقة ناكورو قام نائب أول الرئيس بزيارة إلى لندن لعدة ايام رافقه فيها ثلاثة من أعضاء الوفد المفاوض في كينيا (يحي حسين نائب مدير المخابرات، د.مطرف صديق وكيل الخارجية، سيد الخطيب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية) وكان ملاحظاً غياب مسؤول الملف مع أن المحادثات في لندن ستجري مع ممثلي المجتمع الدولي (أمريكا، بريطانيا) التقى نائب الرئيس مرة واحدة بجاك استرو وزير الخارجية البريطاني الذي جاء لزيارته في مقر إقامته بوليسدين قرين، كذلك انخرط النائب ووفده في عدة إجتماعات مع الجانب الأمريكي الذي ترأسه كينشتاينر الذي كان يقضي آخر أيامه في الخارجية ويستعد لمغادرتها. عاد الوفد للخرطوم في ظل هدوء متوتر للعالمين ببواطن الأمور، وبعد عدة أيام من رحلة لندن قام نائب الرئيس بزيارة إلى دنقلا في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس، وصل في ذات الوقت إلى الخرطوم كالنزو مسيوكا وزير خارجية كينيا، حاملا رسالة من" دول الإيقاد" و"شركائهم" إلى الرئيس البشير، تحثه ضرورة عقد لقاء عاجل بين الرئيس شخصيا او ممثل له لابد أن يكون بـ "مستوى عالٍ جدا" وجون قرنق في كينيا في الاسبوع الأول من الشهر القادم (سبتمبر) وموافقة قرنق تعتمد على الإسم الذي يجب أن يحدده الرئيس الآن.
    بين نائب الرئيس ومستشار السلام:
    العلاقة التي تربط بين النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه ود.غازي صلاح الدين، يمكن وصفها بأنها من نوع مميز، حيث ربط بينهما على الصعيد العملي، التعامل المباشر بينهما في وقت عصيب ألا وهو فترة الانقلاب وما تلاها، حيث كان د.غازي من فريق المدنيين المساعدين لنائب الامين العام وقتها، قبل ان يصبح غازي بمثابة مقرر مكتب القيادة السداسي (الذي ضم د.الترابي والبشير والزبير وعلي عثمان وعلي الحاج، راجع فصل القيادة)، كذلك في فترة الخلاف مع الترابي في منتصف التسعينات كان لسمو العلاقة بين د.الترابي ود. غازي تجعل توطيد نائب الرئيس لعلاقته بغازي أكثر من ضرورة سياسية، ثم تلت فترة الإنشقاق التي اختار غازي لنفسه أن يقود فيها المواجهة ضد الترابي(في مذكرة العشرة أو بعد قرارات الرابع من رمضان) وإن كان يفعل ذلك من منطلق مختلف، إلا أن الفاعلية التي أبداها، خاصة في الجوانب الفكرية، مستفيدا من ثقافته وإطلاعه الواسع، كان لها القدر الأكبر في إنحياز قطاعات كبيرة)خاصة من الشباب والطلاب والمرأة( التي لم يكن خطاب الآخرين جاذبا لها، بل على النقيض ربما كان منفرا، ثم جاءت الفترة التي تلت الإنشقاق والتي كانت الحكومة تحتاج إلى شخص يتعامل مع المجتمع الدولي في القضايا الحيوية مثل السلام والعلاقة مع الغرب، يكون في هيئة مُفكّر اكثر منه ناشط سياسي او رجل دولة (لديه إلمام ومتابعة للحركة الفكرية في الغرب ولغة انجليزية عالية وغيرها من ضرورات التواصل) فكان اختيارهم له، دون منحه الموقع المناسب –كان يخدم كوزير إعلام في تلك الفترة- كل هذا إضافة الى علاقة أسرية وشخصية تجمع الرجلين(6) ولكن في دنيا السياسة وصراعات السلطة هل تخدم كل هذه الروابط وتكون عاصمة من قواصم المكائد؟؟. لقد خدم الإثنان لفترات طويلة بإنسجام حتى في ملف السلام نفسه قبل إستقالة غازي منه آخرها رحلتهما لأبوجا للقاء قرنق بدعوة ورعاية الرئيس النيجيري اوباسانجو الذي كانت له صلات حميمة بقرنق وحركته، أيضا بعد توقيع اتفاق نيفاشا إستمرت العلاقة المميزة، في ملف دارفور وفي البرلمان حتى مع الجنوب نفسه في اللجان المشتركة. لقد وصف البعض الخلاف بين الإثنين بانه خلاف بين منهجين وليس خلافا شخصيا وربما كان في هذا توضيح لبيان د.غازي الذي نشره عشية قبول الرئيس استقالته مطلع نوفمبر 2003 حين قال (إنني أرى أن منهجية التفاوض قد تغيرت ولا أستطيع أن أعمل في ظل الأوضاع الجديدة). بالاضافة إلى هذا، هناك أمر مرتبط بالطبع الإنساني، ولكنه لعب دوراً فعاّلاً من بعض أعضاء الوفد المفاوض -الذي اختاره غازي من أبناء جيله – هؤلاء من الممكن ان يقبلوا بالوقوف في الصف الثاني إذا كان في الأول الرئيس أو نائبه، وليس شخصا من جيلهم، وبعضهم كانت لديه إتصالات بقيادة الحزب والدولة في الخرطوم بطريقة فعالة.
    عند المفترق :
    في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر سافر نائب الرئيس علي عثمان إلى كينيا للقاء جون قرنق بعد محاولات مضنية وصادقة جرت لإقناع مستشار الرئيس بمرافقته، والذي تشدد في موقفه بالرفض، شارك فيها الأمين العام للحزب إبراهيم أحمد عمر وأحمد عبد الرحمن محمد القيادي التاريخي بالحزب، طلب غازي من نائب الرئيس مهلة ثلاثة أيام ليسبقه إلى نيروبي ويقوم بترتيب أجندة التفاوض وإعداد المواقف التفاوضية وتجهيز السيناريوهات البديلة التي يجب طرحها، ولكن تحت ضغط "مساعدي" نائب الرئيس الذين صوروا الأمر بانه محاولة "للعرقلة" (7)كما سماها أحدهم لم يستجب النائب، عندها قرر غازي رفع إستقالته وخرج من الملف، وكانت قرأته للذين من حوله بانه يتوقع:
    (قرنق رجل شديد الذكاء وقبوله للقاء نائب الرئيس بهذه الطريقة (سافر نائب الرئيس وهو على خلاف مع بعض قيادات حزبه - استقالة مسئول الملف – كذلك هناك الظرف الدولي مضت فقط خمسة اشهر على غزو العراق وصدر في الكونغرس قانون سلام السودان، أيضا تأكيدات الامريكان لقرنق بعد لقاءات لندن بانه سيلتقي برجل مختلف) قرنق بدهائه سيعمل على ابتزاز النائب بجره إلى مفاوضات طويلة تبعده من مركز قراره في الخرطوم مما سيجعله مع كل يوم يتأخر فيه سيكون مضطرا لتقديم تنازل أكبر بسبب حساسية موقفه من مركز السلطة– باعتباره صانع القرار الاول- فلا يمكن ان يعود دون ان يحل أكبر واعقد قضية تواجه البلاد).
    اللعب خارج المضمار:
    بدأ اللقاء بتنازل كبير وإن كان تكتيكيا، إلى أنه أفضى إلى ضياع إستراتيجي، من جانب المفاوض الحكومي بأن ترك للطرف الآخر وضع الاجندة، وتلك كانت أول الخطوات في الإتجاه الخاطئ، حيث قام جون قرنق بكتابة أربعة بنود رئيسية لم ير المفاوض الحكومي فيها غضاضة.
    الأول: الترتيبات الأمنية والعسكرية، وكان منطق قرنق فيها: أنه رجل غابة ومتمرد، وأن قيمته في بندقيته ولذلك يريد أن يعرف أين يضع هذه البندقية، وعلى ضوء هذا تتحدد الخطوات التالية؟؟ ولم ينتبه المفاوض الحكومي لهذا الفخ الكبير، وكان هذا غريبا لأنه في كل سوابق إتفاقيات السلام فإن الترتيبات الأمنية والعسكرية تكون ملحقا مدرجا بنهاية الإتفاقية ولا يتم البدء بها مهما كانت الظروف.(اتفاق أديس ابابا 1972م، اتفاقية السلام المصرية الاسرئيلية، مفاوضات باريس للسلام في فيتنام، ...الخ( وهو ما أشار إليه الرئيس البشير نفسه بتعحب "بعد أن وقعت الفأس في الرأس" في اللقاء التلفزيوني في 3 فبراير 2012 عندما قال من أجل السلام قبلنا بمبدأ (Fight and talk).
    البند الثاني قسمة الثروة.كان أخطر ما في هذا البند هو خروج المفاوض الحكومي على ماتم إقراره في السابق بأن الثروة التي في باطن الأرض ملك عام لكل البلاد ولا تخص أهل الإقليم الذين تنحدر منهم. الأمر الآخر إنعكاس هذا البند على مجمل مسار التفاوض، وذلك بتقنين مبدأ 50% أو المناصفة بين فريقين غير متكافئين لا من حيث المبدأ ولا الحجم ولا القدرة أو الوجود على الأرض.
    البند الثالث المناطق الثلاث( جنوب النيل الأزرق، جبال النوبة، أبيي). هذا البند كان المفاوض السابق يرفض مناقشة الحركة فيه، ووصل الرفض إلى درجة التهديد بإعلان الإيقاد وسيط غير محايد، لأن المبادرة تتعلق بجنوب السودان وهذه الإقاليم لا تقع ضمن حدود الجنوب المعترف بها، خاصة أبيي التي تم حسمها في بروتكول ميشاكوس بأنها ضمن حدود 1/1/1956م. اضطرت الإيقاد ومع تشدد المفاوض الحكومي وقتها إلى إفراز مسار منفصل لمناقشة ما أسمته مطالب أهل هذه المناطق من الذين انضموا للحركة، في نوفمبر 2002م عقد هذا المسار عدة جولات في يوغندا بعد إتفاق ميشاكوس لمناقشة ما سمته الحركة "مناطق مهمشة" وتمسكت حكومة السودان بموقفها بعدم السماح للجنوبيين بحضور هذه الجلسات، وقالت إنها تريد أن يلتقي ممثلو الحكومة مع أبناء المناطق الثلاث في الحركة لبحث مطالبهم المتعلقة بالتنمية وغيرها من القضايا مثل المشاركة السياسية..الخ، كذلك قام المفاوض الحكومي بإشراك ممثلين للمجتمع المدني من أبناء هذه المناطق بالداخل في تلك الإجتماعات، والآن بعد الحرب التي يدور رحاها في جنوب كردفان والنيل الأزرق غني عن القول الإشارة إلى ما جره هذا البند من كوارث وويلات على البلاد بعد الانفصال من ناحية عسكرية أما من المنظور السياسي فمن المتوقع أن تتفجر الألغام تباعا فيما يسمى بالمشورة الشعبية أو تمرد الجنوب الجديد كما يسمونه في جبال النوبة جنوب النيل الأزرق ( وصف أحد قادة الحركة الشعبية بالجنوب المشورة الشعبية بقوله "لقد تركنا لكم المشورة الشعبية وهي طفل إنفصال، قالها بالحرف Baby of secession).
    البند الرابع قسمة السلطة. وهذا هو الذي كان يريد أن يتعجل نقاشه المفاوض الحكومي ولعلم قرنق بذلك عمل على تأخيره ليكون آخر ما يُبحث.
    امتدت المفاوضات لستة عشر شهرا كما توقعها مستشار السلام المقال(من أول سبتمبر 2003 وحتى يناير 2005 تاريخ التوقيع على الإتفاقية التي تركت قضايا أيضا معلقة جرى تعيين مفوضيات لحسمها)، وكان أخطر ما في العملية التفاوضية هي عدم إدراك المفاوض الحكومي لنقاط قوته ليقوم بتعزيزها وحمايتها، ونقاط ضعف الخصم ليشدد التركيز عليها، وفق مبادئ صن توزو الفيلسوف الصيني في ابجديات القتال، فأصبح من الواضح أنها ليست مفاوضات بين حكومة شرعية معترف بها (ولو بشرعية الامر الواقع) (7) من كل العالم ولها ممثل في المنظمات الدولية مع حركة متمردة وليست لديها أي مشروعية غير ما وصفها قرنق ببندقيته وهو محق في ذلك،(راجع تصريحات قرنق في رمبيك عندما قال قبلنا بإتفاق الترتيبات الأمنية لأنه سينظر إلى جيشنا بإعتباره قوات رسمية في الدولة ورفع يده بعلامة النصر الحرف V) بل كان التفاوض يتم على أساس أشبه بممثلي حزبين ذوي وضعية متساوية يتم تقاسم كل شئ بينهما بالتساوي (انظر اتفاق قسمة الثروة ومبدأ 50% لكل). كذلك الحركة لم تكن لديها أي سيطرة على مناطق محورية أو مركزية في الجنوب أو حتى نقاط ذات طبيعة إستراتيجية مثل عواصم الولايات أو مناطق البترول أو تهديد للعاصمة أو غيرها، من القضايا التي تجعل المتفاوض يقدم تنازلات إستراتيجية. لقد استخرج قرنق أجندة قديمة وبدأ يجري المفاوضات على أساسها، فمثلا اتفاق الترتيبات الأمنية، المقترح الذي قدمه فيها كان يتطابق مع خطاب بعث به قرنق وهو نقيب في اواخر عام 1971م، الى قائده جوزيف لاقو يقترح عليه الإتفاق مع الشمال على تكوين ثلاثة جيوش واحد للشمال والآخر للجنوب والثالث وحدات مشتركة بين الإثنين(9).
    تعامل المفاوض الحكومي بإستسلام تام لفكرة أن الحركة تمثل الجنوب كله، وفي هذا جناية وطنية كبرى على رجال ظلت علاقتهم بالدولة المركزية "الوطنية" علاقة إستراتيجية، مثل السلطان عبد الباقي أكول زعيم دينكا أويل والذي كانت تربطه صلات قوية بالسيد عبد الرحمن وجعفر نميري و يدير خلاوي ومنظمات تعمل بين أهله على نشر الاسلام في المنطقة منذ عهد المهدية، وقام أهله بمقاومة الإستعمار عندما حاول تنصيرهم واحرقوا كنائسه، كذلك السلطان إسماعيل كونجي زعيم قبيلة المورلي في أعالي النيل "البيبور" والتي تُعرف أن جُل أهلها مسلمون ويتعرضون لإبادة حقيقية الآن على يد خصومهم التاريخيين (دينكا بور) دون أن ينجدهم أحد، هذا يهم الحركة الإسلامية خصوصاً في مجال الدعوة بإعتبارها حركة بعث وتنوير إسلامي تعمل على هداية الناس فكيف تسلم إخوانها على طبق من ذهب لخصمهم الألد مهما كان المقابل، بالنسبة للدولة الوطنية فالفاجعة أكبر فقد جاء الإتفاق بما هو أدهى وأمرّ مما يشابه الكارثة في وقوعه، وذلك لأن الحلفاء العسكريين الأقوياء للجيش قد "تم التخلي عنهم" في عبارة ملطفة أو "بيعهم " بحسب تعبيرهم الذي قالوه في الجنوب، وهذه ليست أسماء على السطور بل رموزا لقبائل تمتلك وتبسط سلطانها على الأرض بالرجال والسلاح والثروة، وتسيطر على الموارد والثروات الطبيعية من زعماء ورجال القبائل أمثال كلمنت وانيّ زعيم قبيلة المنداري أقوى قبائل بحر الجبل و الاستوائية الذي ظلت قبيلته تشكل الدرع الواقي لمدينة جوبا وكان لهم دور بارز وفعال في استعادتها عند سقوطها مرتين في عام 1992م من يد قرنق، وفاويلينو ماتيب زعيم قبائل غرب النويرالذي قدم حماية إستراتيجية لمناطق البترول و قبلت الحكومة بالتضحية برجل في قامة رياك مشار مقابل الإحتفاظ به وحمايته، وأيضا قادة شرق النوير مثل قوردنق كونق شول وسايمون قارويج وغيرهم من قبائل اللاتوكا والتبوسا في الاستوائية وغيرها من الأسماء التي لم يسمع بها المتفاوضون السابقون أو اللاحقون، بيد أن دورها في حماية البوابة الجنوبية للسودان وقتالها الى جانب الجيش كان له أثر عظيم في الإنتصارات التي كان يطرب لها الناس في الخرطوم فيترقى بها الجنرالات أو في تدفق الثروات التي شُيدت بها العمارات والجسور والطرقات ولا ترد أسماؤهم في البيانات الرسمية ولا يعرفهم أحد بغير كلمة القوات الصديقة، لقد تم إهدار جهدهم وتقديمهم كبش فداء في مذبح التنازلات الفتاك، عن صوت هؤلاء عبر د.رياك قاي -الذي كان يتعرض لضغوط شديدة على الأرض- في اجتماع مجلس الوزراء عقب إجازة اتفاق الترتيبات الأمنية وذلك حين قال للرئيس "لقد تم بيعنا بثمن بخس ونحن قد قاتلنا إلى جواركم كل هذه الفترة كجزء منكم"، غضب البشير وكان غضبه في غير محله، حيث لم يتدبر مظلمة هؤلاء والغُصة التي تملأ حلوقهم – راجع فصل أزمة القيادة – بل قال بطريقة جافة (يجب ألا تُزايد علينا فهذا ثمن السلام) حينها صُعِق الرجل وسكت. ولم يلمه أحد من العارفين ببواطن الأمور عندما قام بتسليم دور الحزب وممتلكاته بالجنوب وانضم للحركة الشعبية، ولكن بعض صحافة النفاق في الخرطوم كتبت تصفه بأنه "تاجر سياسة " وغيرها من الكلمات غير الكريمة، في حق رجل كان يجب احترامه والبحث عن اسباب مظلمته والدوافع التي حملته على سلوك هذا الطريق، لأن من فعل به هذا وهو يقاتل الى جواره ربما يفعل ما هو اشد بصحفي يكتب معه الآن ويمكن ان يقدمه ثمنا لامر قادم. (10)
    يلخص الناطق باسم الوفد المفاوض ذلك بطريقة غريبة حين يقول (أهمية إتفاق الترتيبات الامنية هو اشاعة جو من الثقة، فتح الطريق لمناقشة الخطوات الاخرى بناء على الثقة المتولدة، كذلك سيجعل تجاوز العقبات في المستقبل من اسهل ما يكون)،(كذلك راجع قول علي الحاج في اللقاء المشار اليه: المفاوض الحكومي كان يريد الوصول إلى سلام بأي ثمن(.
    بداية حلف الكراهية:
    قام قرنق بما هو أبعد من ذلك، حيث أوعز إلى شريكه في الطاولة أن مشكلة دارفور بيده حلها إذا جرى التوصل إلى اتفاق معه حول الجنوب. وكانت تلك قمة الإبتزاز والتدليس، حيث كشفت إتصالات هاتفية تم إلتقاطها وتسجيلها بواسطة جهاز مخابرات صديق وتسليمها لنظيره السوداني في ذات الوقت لقرنق وهو يعمل على صب أطنان من الزيت في نار دارفور المشتعلة على كافة الأصعدة: عسكريا، لوجستيا، وسياسيا، بل ويحرضهم على عدم الوصول إلى اتفاق وهم على طاولة المباحثات في انجمينا وأبشّي، وبعد التوقيع كانت طعنته النجلاء هي قوله: ان الحكومة بعد أن أعطت الجنوبيين حقوقهم عليها ان تقوم بالعمل ذاته مع الاقاليم الاخرى، وكانت تلك بحق قمة الابتزاز السياسي لرجل يضع قدمه اليمنى في عربة الحكومة واليسرى في مركب المعارضة.
    وقع أمران في أثناء فترة التفاوض كان لهما أثر عظيم على مسار العملية التفاوضية، الأول المنافسة التي جرت في إنتخابات الحركة الإسلامية التي كانت في أبريل 2004م، والتي كشفت أن صانع القرار الذي يفاوض في نيفاشا يتعرض مركز سلطته إلى إهتزاز عنيف، وبات عرضة للإنكشاف بطريقة عسيرة (11)، مما استوجب العودة إلى الخرطوم سريعا وفي غضون ايام، الأمر الثاني إقالة مبارك الفاضل المهدي في أكتوبر 2004م والطريقة التي جرت بها – حيث أرسل له البشير خطاب إقالة صباحا في مكتبه- كان مبارك على علاقة وثيقة بقرنق، فوفد الحركة الذي بُعث به إلى الخرطوم في ديسمبر 2003م كان من بين دور الأحزاب القليلة التي دخلها في الخرطوم دار حزب مبارك، كان الهاجس الأكبر لدى قرنق هو حركته السياسية بعد ان قام بتأمين موقف جيشه في بروتكول الترتيبات الأمنية والعسكرية، وتشكُكه الدائم هو أن المؤتمر الوطني لا يريد أن يمارس معه هوايته المعهودة في شق الأحزاب بعد توقيع اتفاق سلام معها أسوة بما فعل مع الآخرين (على سبيل المثال الصادق المهدي) وقد طرح صراحة هذه القضية على جليسه في الطاولة (حليفه المرتقب) ولم يجد إجابة مقنعة تشفي غليله، كما نقل للآخرين فيما بعد، الا أن الحادثة ظلت تلقي بظلال كثيفة على عملية التفاوض، فجعلته يتمسك بأدق التفاصيل مما بعث الوسطاء والمراقبين على الملل والتضجر بإستمرار.
    أصداء المطاولة في الخرطوم:
    توهمت قيادة الدولة والمفاوضون أن قرنق سيكون حليفا صادقا لهم هو وحركته، وكان في الخرطوم من يقرعون الأجراس مثل د. قطبي المهدي الذي كان يشغل منصب المستشار السياسي للرئيس، والذي كان في نصيحته حادا بعض الشئ، ولكن تم تصوير الأمر لصانع القرار، بتبسيطه، بانها غيرة من صعود النائب وذلك أمر له جذور تمتد إلى ايام الدراسة الجامعية كما ذهب بذلك المشاؤون. تشكلت على الافق بعض جبهات المقاومة الناعمة مثل الطيب مصطفي والمهندس أحمد خليل والشيخ عبد الله بدري وانضم اليهم قطبي المهدي لاحقا، إلا أن القيادة المنساقة خلف النشوة اللحظية الفوارة، لم تكن على استعداد لسماع أي شئ غير معزوفة السلام التي بدأت تطرب لها بشدة وما صاحبها من حشود وتطبيل يصم الآذان، وفيما عدا ذلك فهو هراء ليس لديها الوقت الكافي لسماعه. وهو ماقاد إلى تشققات الجسم القيادي بصورة أقعدت به وأضرت بالبلاد بطريقة كبيرة (راجع فصل ازمة القيادة من هذا الكتاب).
    في ذات الوقت الذي سارت فيه الحركة الشعبية على وتيرة قائدها الذي رحل وخلف (الغاما بدأت تتفجر تباعا) داخل الحركة نفسها قبل غيرها ولكنها كانت تتجاوزها بطريقة ماهرة تحسد عليها، بشغل قادتها بالتركيز على وحدة الهدف، وهو الإنفصال والإنتقام من الشمال جملة، بإستثمار لا أخلاقي في اللعب على تناقضات الأحزاب الشمالية، ساعدها على ذلك الأغراض الشخصية في تصفية الثأرات والإنتصار للذات لدى قيادات تلك الأحزاب غير المسؤولة. فكانت تلك لأول مرة في التاريخ ان يصبح حزب سياسي ولمدة سبع سنوات كاملة شريكا في الحكم يتمتع بكل لذيذ ومطائب الحكم من نفوذ وسلطة وإحتكار للإعلام ومال لا يحصى ولا يعد، وفي ذات الوقت يركب حصان المعارضة ليس رديفا فيه بل قائدا له، يضع الأجندة، ويحدد المسارات، ويقود التظاهر، ويحرض القريب والبعيد على الدولة التي هو شريك في قيادتها، وليس في السر بل في رابعة النهار علنا، في شزوفرينيا لا تخطئها عين. وليت الأمر استمر شهرا أو عاما، بل ظل سبع سنوات كاملة، لا يساعدهم على ذلك إلا هوان وخور القيادة التي تشاركهم في السلطة وتسمح لهم بممارسة هذا النوع من الابتزاز والعبث غير المسؤول بمصير البلاد. والتي جاءت اليوم تعض بنان الندم وتقول أنها خدعت فيهم – وتصفهم بالحشرات والثيران وغيرها من النعوت- وأنها كانت تظن بهم حسنا. لقد كانت تلك السنوات السبع كفيلة بأن يعلم القاصي والداني هذا الخداع والتضليل والمراوغة التي بدت منذ أول لحظاته جليةً.
    لقد كانت القيادة تتصرف في البلاد لوحدها دون مشورة كافية أو حوار داخلي حقيقي في المؤسسات)البرلمان او الحزب او الرأي العام) مما افقدها الرؤية المتكاملة والسند الجماهيري، وذلك بفرض وصايتها على المؤسسة واتباع سياسة الإملاء حتى على مناصريها، وهو ما اتضح عند مقاومة نواب في البرلمان لقانون الاستفتاء بحسبانه آخر كروت الضغط التي في يد الحكومة في مواجهة الحركة الشعبية الجنوبية واشتراط حل القضايا العالقة قبل توقيع الرئيس على قانون الاستفتاء وإنفاذه، وعدم ترك الأمر معلقا حتا لا تراوغ الحركة بعد الانفصال فتتحول المفاوضات من حركة شعبية ودولة السودان، الى مفاوضات بين دولتين، وهو لسوء الحظ ما وقع وحوّل القضية الى مجلس الامن الآن بنص التفويض الذي ذهب به الاتحاد الافريقي، فبحسب وسائل الإعلام في منتصف العام 2010م جاء الدكتور نافع على نافع، مساعد رئيس الجمهورية، واجتمع مع الهيئة البرلمانية للمؤتمر الوطني ووجه الأعضاء، في مخالفة واضحة للإجراءات البرلمانية، بإعادة القانون إلى منصة التداول وحذف الفقرة التي تشترط حسم القضايا العالقة قبل الإستفتاء. واستند نافع في هذا الطلب إلى اتفاق تم بين نائب رئيس الجمهورية على عثمان، ورياك مشارك نائب رئيس حكومة الجنوب. وبالفعل تم لنافع ما أراد، وأعاد النواب صياغة القانون، ضاربين بلوائح المجلس- حتى لا نقول مصالح البلاد- عرض الحائط كما علق بعض المحللين، ولكن الأدهى وأمر هو العقلية التي تم بها مساومة قضايا إستراتيجية بهذه الطريقة تمس أمن البلاد ومستقبلها.
    التحكم من القبر:
    لقد اصبحت القضية الواضحة للعيان، إن الحركة الشعبية الشريك الأصغر في السلطة، لا تزال هي من يضع الأجندة بإمتلاكها لزمام المبادرة (إنسحاب وزرائها، لعب دور المعارض والحاكم معا في شراكة معقدة مع احزاب المعارضة الشمالية ولعبها على التناقضات، ثم حتى بعد الإنفصال: إغلاق آبار النفط، الهجوم على هجيليج).
    مابعد الإنفصال:
    نتيجة لكل هذا الذي اوقعت الحكومة نفسها فيه، لم تكن مفاجأة أن تأتي نتيجة استفتاء تقرير المصير لجنوب السودان لصالح الإنفصال أو الإستقلال كما باتوا يسمونه، وأن تواصل قيادة الدولة غفلتها في التجاوز عن حسم الامور العالقة قبل توقيع قانون الإستفتاء وقبل الإعتراف بنتيجة تقرير المصير وقبل الذهاب إلى الامم المتحدة، والتي تتلخص في قضايا الحدود وعلى رأسها منطقة أبيي، والمناطق الاخرى المختلف عليها "جودة، جبل المقينص، كاكا التجارية، كافي كنجي، حدود الهبانية مع دينكا ملوال في جنوب دارفور"، ومياه النيل، والجنسية، والبترول، والديون الخارجية. والتي تحولت إلى تعميد بالنار، فأحالت كل حمامات السلام التي أُطلقت في سماء جنوب السودان في ليلة الإنفصال إلى رماد تذروه الرياح.
    إن الأحداث الأخيرة كشفت بجلاء زيف ادعاءات السلام الخداعة فبعد ان كانت المعارك في نمولي وكايا وديم زبير أصبح القتال داخل أم درمان (بل والخنادق تحفر داخل القيادة العامة الخرطوم نفسها بعد هجوم خليل الأخير)، إضافة إلى ماجرته على البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، جراء تلاعب الحركة الشعبية بها ووضعها للخطوط و التحكم في المسارات التي نتخذها، بسياسات خفضت عملتنا الوطنية بحوالي 120% في أشهر معدودة (من اكتوبر 2010 وحتى ابريل 2012م)، بالإضافة إلى تفكك النسيج الإجتماعي، وما يحدث في المناطق الطرفية وتصعيد للصراع بين المركز والأطراف (جبال النوبة جنوب كردفان دارفور وربما الشرق)،
    ويبقي الأسوأ هو ما كشفت عنه أحداث هجليج مؤخرا، فقد كان المراقبون يعبرون عن قلقهم لمساعي حركة قرنق في تقسيم السودان إجتماعيا إلى "عرب وغير عرب"، إلا أن التطورات الأخيرة في هجيلج، قد كشفت أن الحركة يمكنها أن تحدث إختراقا أكبر من ذلك، وذلك ليس عبر تحييد قبائل عربية كبيرة مثل المسيرية والرزيقات، ولكن بتجنيدهم وتوظيفهم في حربها (وذلك بإيغار صدورهم على المركز من خلال تذكيرهم بالمظالم التي يوقعها المركز عليهم، وتصويره بأنه الهدف المشترك الواجب إزالته، لاحظ تراجع لفظ جلابة في ادبيات الحركة حاليا) وهذا من الخطورة بمكان حيث أنه سيعيد السودان إلى ما قبل اتفاقية البقط كما ذكرنا في مقدمة الكتاب.
    حصاد الهشيم:
    لقد جنى الناس اليوم الحنظل المر لذاك الغرس الذي وقع في نيفاشا في غفلة من المجتمع وصمت وتواطؤ مريب من قادة الأحزاب التي تسمي نفسها وطنية حتى العقلاء الذين شاركوا في هذه المهزلة التاريخية ولو بالصمت العاجز يتحملون نصيبا من وزر الجرم، من هؤلاء من رضي لنفسه الإبتزاز لكي يسكت – بإدعاء ظنين هو أن المرحلة لا تحتمل النقد- ومنهم من سكت لمصلحة ذاتية ومنهم كان يبحث عن "أية طريقة للفكاك من المؤتمر الوطني وقبضته القمعية" كما كانوا يروجون لذلك، متناسين أن المؤتمر الوطني إلى زوال، شأنه شأن البشر وأن هذا الوطن هو الباقي على مر التاريخ، وفي التاريخ سيذكرون بإعتبارهم أسهموا في هذا الخراب الكبير للبلاد، وقضت جنايتهم على مستقبل أجيال في رحم الغيب ستقوم بلعنهم صباح مساء كلما تقرأ سطرا في تاريخهم، ناهيك عن الحاضر الذي يحمل بين طياته شباباً، قاتلوا وذهبت تضحياتهم سدى، منهم من جاد بنفسه وتزين صورته جدران بيته، يتأملها اهله صباح مساء وهم يرون دماءه قد ذهبت هدرا، لا يجدون إجابات مقنعة تفسر لهم الحاضر، ولا يرون إنجازا واقعيا سياسي hأو إقتصاديا ثمرةً أو ثمناً لهذا الخذلان، ومنهم شباب فقدوا أطرافهم وأعضاء من أجسادهم، يقفون الآن وأسرهم على حافة الفقر، يتطلّعون بكل حسرة وندم، على سنين كانت في نضارة الزهر أنفقوها في طاعة قيادة اتضح أنها لم تكن تنظر إلى أبعد من أنفها، وغيرهم وغيرهم لا يملكون غير اللجوء الى علام الغيوب، الذين خرجوا في يوم من الأيام يبتغون وجهه صادقين له أن يجعل لهم من أمرهم مخرجا.
    لقد اوضح تعامل الحكومة مع قضية الجنوب أن قيادة الدولة المركزية تفتقر إلى رؤية شاملة، وهو ما اشرنا اليه في المقدمة، وقد فهم من حولها خطأ أنها لا يجدر التعامل معها إلا بالضغوط (سياسية عن طريق المجتمع الدولي، او عسكريا في الميدان ) وتلك هي الطريقة الوحيدة لتأخذ منها ما تريد بظنهم، وقد فهمت الحركة تجاوزا ومن ورائها حلفاؤها الإقليميون والدوليون هذه المسألة وعملوا على إستغلالها وإستثمارها إلى أبعد مدى ممكن، وهو ما وقع في التعامل مع الأطراف الأخرى من الوطن، وهو أفرز ما نعانيه الآن في جبال النوبة وجنوب كردفان ودارفور والشرق، الذي تجري محاولات مستميتة الي دفعه إلى حافة العنف، بإستغلال ضعف التنمية والفقر وغياب الرشد والوعي في مركز السلطة في الخرطوم (انظر قرار مجلس الامن الاخير 2046 ومهلة التسعين يوما والتي يصفها فقهاء القانون الدولي بانها ظاهرة فريدة في نسق العلاقات الدولية).
    الدعاية لقرنق وسط شباب الحزب
    في نهاية هذا الفصل لا بد من التطرق إلى قضية وان كانت معنوية وتبدو ثانوية ولكنها شديدة الإلتباس والإرتباط بما ذكرناه، فما أن دخلت الحكومة في معجنة التفاوض المشار اليها، إلا وأصبحت بعد ذلك العجلة تدور بها مع كل يوم وتتطاول الجولات التفاوضية، يصبح قرنق وأنصاره مادة إخبارية علي صدر الصحف في الخرطوم ونشرات الأخبار العالمية يترقبها المواطنون، بعد أن كانت آلة الدعاية والإعلام الرسمية والحزبية تصفه بأبشع التهم مثل "العمالة والإرتزاق".(12) كانت تلك الصور تخط بدماء الشباب، فمثلا برنامج في ساحات الفداء قدم ما يقارب العشرين شهيدا من مراسليه الحربيين (كما اعترفت بذلك( BBC) في المعارك الحربية، إضافة إلى عشرات الآلاف من الشباب من القوات المسلحة والشرطة والدفاع الشعبي، الذين سقطوا وهم يرون أنهم يدرأون عن بلادهم خطر هذا "المرتزق والعميل" كما كانت تقول لهم قيادتهم. لم تُقدّر القيادة السياسية أثر الإنتقال النفسي من الهزة المعنوية القوية التي يتعرض لها فلم تعمل على تخفيفها أو التقليل من آثارها، بل تركت الحبل على الغارب، لقد كان من المفهوم في ظل الإنكشاف الذي أحدثه الترابي وضغوط العالم أن يكون هناك ثمن لتوقف الحرب وتحقيق السلام، و ليس لذلك وسيلة أجدى من التفاوض وتقديم التنازلات، ولكن ان تأخذ التنازلات شكل الترويج لقرنق وتصويره بأنه مناضل وأنه وطني غيور، وأن بعض القيادات كانت تدعو له في السر بالهداية وغيرها من "الخطرفات" التي أصبح يُروج لها في الرأي العام في نظر هؤلاء الشباب، لم تُراع القيادة خطورة هذه الفترة الطويلة من التعبئة ضد قرنق وحركته، وبالتالي لم يكن يدور في خلدها أنها تحتاج إلى مجهود أكبر لعلاج نفسي يقوم على تفريغ هذه المعضلة وحلها، ولكن بتركها معلقة جعلها تتطور لتأكل من مصداقيتها وتقضم من مشروعية هذه القيادة، ليتحول الأمر في نهايته إلى أن يصبح أزمة ثقة بين القيادة وقواعدها، خاصة القواعد الحية (مثل الشباب والمجاهدين والطلاب) في العمل المدني أو وسط الجيش، وهو ما أشرنا اليه في الفصول الأخرى من هذا الكتاب. فالقيادة تعتقد أنها إذا قنعت بشئ فإن القواعد ستتبعها كجنود وكتل صماء، دون بذل الجهد الكافي لإقناع أو إدارة حوار أو إعمال نقاش وكما يقول الانجليز ( taken them for granted ). فلم تنظر إلى أسر الشهداء والجرحى الذين أقعدتهم الحرب أو شردت ذويهم، كيف كانوا ينظرون إلى البشير أو نائبه او وزرائه الذين جاءوا يبشرونهم بإستشهاد راعيهم أو ابنهم، فإذا به يتقاسم الضحكات ويطري بثناء على القاتل، الذي لم يعترف بجرمه أو يقل خيرًا في أحد، وأثبتت الأيام أنه كان يدس السم في الدسم، في غمرة تلك الاحتفالات والرقصات وضحكات القيادة الطروبة.

    • راجع المحبوب عبد السلام، الحركة الاسلامية دائرة الضوء وخيوط الظلام، فصل قضية الجنوب.
    • راجع ما أشرنا اليه في فصل القوات المسلحة من هذا الكتاب.
    • راجع عبد الوهاب الافندي مقال صحفي، القدس العربي، لندن، فبرابر2012م.
    • تشير بعض الروايات الى أن إقالة اللواء جورج كنغور جاءت بمقترح من ابيل الير لنائب أول الرئيس علي عثمان، بإيعاز أن الير قد يقبل الدخول في الحكومة ولكنه بعد فترة اعتذر وقام بترشيح موسس مشار.
    • كان هناك خلاف بين الوزير المسؤول عن السلام (مستشار الرئيس) مكي بلايل ووزير الدولة في المستشارية د.مطرف بسبب تواصل الاخير مع القيادة من خلفه، علي اثره قام الرئيس باقالتهم جميعا ومن ثم تعيين د.غازي بعد عدة أيام بطريقة مفاجئة، وربما كان لبلائه في مسألة المبادرة المصرية الليبية المشتركة هو ما جعل الرئيس يقوم بتكليفه.
    • علي عثمان وغازي عتباني تربط بينهما صلات اسرية وشخصية قوية فالإثنان متزوجان من بيت زعامة قبلية وانصارية كبير في النيل الابيض، يجمعهما مع د.الترابي وصادق المهدي.
    • كان نائب الرئيس يميل الى الموافقة و لم تكن لديه أية تحفظات، ولكن من الواضح ان التأثير الكبير الذي كان يمارسه عليه اثنان من أقرب مساعديه كان شديدا(د.عوض الجاز وزير الطاقة، ود.نافع علي نافع وزير الحكم الاتحادي وقتها، يرون أن مستشار السلام يجنح إلى التجاوز و لديه طموح زائد دون إرتكاز على قاعدة قوى حقيقية داخل الحزب، وأن اعجاب الرئيس به غير مبرر) راجع ايضا حوار علي الحاج المشار اليه، فيه بعض الاشارات إلى هذا، كذلك يقول علي الحاج ان إبعاد غازي عن الملف تم إستجابة لطلب غربي.
    • راجع لام اكول من داخل ثورة تحرير افريقية حيث يقول: إن الحركة تعمل وفق استراتيجية تقوم على الاعتراف والتفاوض مع ما تسميه (the Government of the day) أي حكومة الامر الواقع في الخرطوم.
    • راجع ابيل اليرSouthern Sudan: Too Many Agreements Dishonoured، والذي ترجمها بشير محمد سعيد بـ : جنوب السودان التمادي في نقض العهود والمواثيق.
    • من الطريف أن أحد قادة المليشيات علق لموظف شمالي يعمل في مستشارية السلام - وقتها – على إثر حوار دار بين الاثنين حاول فيها الموظف التقليل من آثار الاتفاق بقوله انتم اخواننا تقاسموننا كل شئ فكيف نتخلى عنكم، فرد القائد بلهجة جنوبية مريرة (هوي يا أحمد إنتو بيعتوا أخوانكم المسلمين وسلمتوهم للأمريكان( وفي القول كما لا يخفي إشارة إلى الإتهامات التي كان يزايد بها حزب الترابي في فترة الإنشقاق أن الحكومة سلمت الإسلاميين الذين إستجاروا بها من دول الجوار إلى أعدائهم.
    • راجع فصل أزمة القيادة في المؤتمر الوطني في هذا الكتاب.
    • بعد توقيع اتفاق ميشاكوس اصطحب د.غازي وفداً استشارياً شعبياً يضم شخصيات حزبية معارضة وممثلين للمجتمع المدني، وعند اجتماعهم بقرنق قال لهم في ختام اللقاء مداعباً)هأنتم التقيتم بي واستمعتم الى وجهة نظري هل ترون أنني قرد او أن أسناني بارزة في الخارج مثل الغوريلا) وضحك الجميع، وقد كانت تلك هي الصور التي يعرضها التلفزيون له في فترة الحرب وخاصة برنامج في ساحات الفداء ويطابق صورته مع القرد، ويبدو أن الصور إنحفرت حفراً عميقاً في دخيلته مما يدل على الأثر والإنطباع الشديد الذي تركته الدعاية الإعلامية حتى لدى قرنق نفسه.
                  

العنوان الكاتب Date
الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-08-13, 02:48 PM
  Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس محمد حامد جمعه04-08-13, 02:51 PM
    Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-08-13, 03:12 PM
      Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس عبدالله عثمان04-09-13, 06:27 AM
        Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:02 AM
          Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:04 AM
            Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:07 AM
              Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:48 AM
                Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:50 AM
                  Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-09-13, 07:52 AM
                    Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-10-13, 07:26 AM
                      Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس Mohamed Hamed Ahmed04-10-13, 08:05 AM
                        Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-10-13, 08:47 AM
                          Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-13-13, 10:23 AM
                            Re: الاسلاميون .. ازمة الرؤيا والقيادة للكاتب/ عبد الغني احمد ادريس مصعب عوض الكريم علي04-15-13, 10:00 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de