اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-13-2024, 12:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-01-2013, 10:13 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    مَا بَالُ هذا المُجْتَرِئ علَى أَشْراطِ العَوْلَمَة ..!
    (فِي مَدْحِ الجُّنُونِ بِمَا يُشْبِهُ ذَمِّهِ) ..

    بقلم/ كمال الجزولي
    الخميس, 28 شباط/فبراير 2013 19:30


    إن جاز لنا استخدام مصطلحات الهندسة، لقلنا إننا نخطئ حين لا نحفل في تحليلاتنا وتكوين وجهات نظرنا، إلا بمداخل الزَّوايا "المنفرجة" للقضايا، مع أن الزوايا "الحادَّة" التي تتمثَّل، عادة، في مواقف تقدح زناد الأسوة الحسنة، قد تكون، في أحيان كثيرة، أجلَّ أثراً، وأكبرَ خطراً، مما يستوجب التَّنويه بها كأفضل مداخل لهموم مجتمعاتنا. ومن أكثر القضايا إثارة، الآن، لاهتمام الصَّحافة والرأي العام السُّودانيين، قضيَّة "مستشفى ابن عوف" التي عادت للانفجار، بعد إن عكست، قبل زهاء العقد، نموذجاً معياريَّاً لموقف المثقَّف المهني في السُّودان، وفي كلِّ البلدان الفقيرة، تعالياً على الأثرة، ومغالبة لشحِّ النَّفس، وبذلاً لأجل الشَّعب والوطن بلا منٍّ ولا أذى. وإذ نعود لما كتبنا وكتب الكثيرون عنه، أوان ذاك، فإنما يدفعنا "جزاء سنمار" الذي يتعَّرض له، هذه الأيَّام، للأسف.


    (1)
    لم أتشرَّف بمعرفته شخصيَّاً، بل لم أرَه في حياتي، وحتى عندما تناقل الإعلام، عام 2002م، أن رئيس الجُّمهوريَّة منحه أرفع الأوسمة، وأمر بإطلاق اسمه على المستشفى "الحكومي" الوحيد المخصَّص للأطفال، لم أصدِّق، ردحاً طويلاً من الزَّمن، أنه، للغرابة، سلخ سنوات عزيزة من عمره في تشييده، كما أن وسواساً سياسيَّاً حالَ، أصلاً، دون أن أعير الأمر كبير اهتمام لكثرة ما مُنِحَتْ أوسمة، وأطلِقتْ أسماء!
    مع ذلك، ورغم أن أمره لم يستوقفني، البتة، إلا عندما تفجَّرت حكاية إبعاده الغريبة عن مستشفاه، مطلع سبتمبر 2004م، فإنني، بعد أن توفَّر لديَّ من سيرته ما استيقنت من صحَّته، أجزم بأنه يستحقُّ كلَّ ما جرى ويجري له، جزاء أصوليَّته المهنيَّة القاسية، ومسطرته الأخلاقيَّة الصَّارمة، الكفيلة بإحراجنا، نحن معاشر المثقَّفين المهنيين "الوطنيين"، وإدخالنا في أظافرنا من الكسوف! ودرءاً لشبهة المغالاة في هذا القول، أدعوكم لأن تسمعوا قصَّته، وتحكموا بأنفسكم.


    تخرَّج الرَّجل بدرجة الامتياز في كليَّة الطب بجامعة الخرطوم، منتصف ستِّينات القرن المنصرم، وما أدراك ما تلك السِّتِّينات، بل ما أدراك ما خريجو جامعة الخرطوم، وقتها، وما خريجو كلية طبِّها بالذات، مِمَّن كنَّا قلنا في مناسبة سبقت إنهم، لشدَّة تميُّزهم، كان اسم مهنتهم يُطلق على الثِّياب النِّسائيَّة تنعُّماً: "ضُلع الدَّكاترة"، وعلى الشَّاي الجَّيِّد تحبُّباً: "دم الدكاترة"، ولا يتمُّ لمغنِّية تطريب إلا بالثَّناء، جهرة، عليهم: "الدكاترة ولادة الهنا"!


    لكنه بدلاً من أن يسلك الطريق "القويم" لأي طبيب يريد أن يتخصَّص في بريطانيا، مثلاً، فيكبِّد الدَّولة نفقاته، فعل ذلك على نفقة أهله .. فتأمَّلوا! والأنكى أنه، ما كاد يفرغ من التخصُّص في طبِّ الأطفال، حتى حزم حقائبه، راكلاً "الفرصة" التي أتيحت له، باكراً، بالعمل هناك، وعاد، منذ أوائل السَّبعينات، إلى بلده الذي سار وصفه، على ألسنة كثير من متعلميه، بـ "الحفرة"، تضجُّراً! وعندما سأله "العقلاء" عن سبب تلك "الحماقة"، أجاب ببساطة: حبُّ الوطن، والتَّشوق لعلاج أطفاله، وتدريب كوادره الطبِّيَّة الشَّابَّة! وحقاً .. الجُّنون فنون، ومن الحبِّ ما قتل!


    تعب، بطبيعة الحال، تعباً شديداً كي لا ينقطع عن التَّرقي، مع "كدح الحبِّ" هذا، في مدارج العلم، طوال العقود الأربعة الماضية، حتى نال زمالة الكليَّتين الملكيَّتين البريطانيَّتين للباطنيَّة، ولطبِّ الأطفال. وتخيَّلوا .. لو لم يكن هذا الطاؤوس العالمثالثي المُفتري قد "تهوَّر"، ورفض ما عرضه عليه، قبل أكثر من أربعين سنة، أبناء "السَّلف الصَّالح"، حسب ما كان ربائب الاستعمار يطلقون على الإدارة البريطانيَّة، لكان الآن، على الأقل، مستشاراً بوزارة صحَّتهم! وفكروا بأنفسكم ماذا تعني، في هذا الزَّمن الأغبر، وظيفة المستشار بوزارة الصِّحَّة البريطانيَّة!


    وليت الأمر وقف عند ذلك الحد! فلكأنه كشَّاف مسلط على حال الإنتلجينسيا في هذه المنطقة من العالم، إذا به، بدل أن ينصـرف لتأسـيس مستشـفاه الخاص، مثله مثل سـائر مـن حـباهم الله بسطة الرِّزق في بلادنا الفقيرة، ولو كان فعل لما جرؤ أحـد على سؤاله عن ثلث الثلاثة، فإنه جعل هاجسه الأوَّل والأخير، منذ عودته، ليس فقط أن يشيِّد للأطفال، بماله الخاص وعرق جبينه الشخصي، مستشفى "حكوميَّاً!" على أرض يملكها هو، ويقدَّر ثمنها بالمليارات، بل وأن ينتزع لهـم فيه حـقَّ العـلاج المجَّـاني .. كمان! فهل، بربِّكم، هذا كلام؟! هل من العقل أن يحفر إنسان في الصَّخر، بأظافره العارية، لأجل أن يوفِّر العلاج المجانيَّ لأطفال فقراء السُّودان، غير عابئ لا بهيبة البنك الدَّولي، ولا بوصفات صندوق النَّقد الدَّولي، ولا بشروط منظمَّة التِّجارة العالميَّة، ودون أن يعمل أدنى حساب لـ "وكلاء" هذه المؤسَّسات في مفاصل الدَّولة، مِمَّن لا تروقهم، في العادة، مثل هذه التَّصرُّفات؟! أفما كان خليقاً به، لو كان لديه ناصح مخلص أمين، أن يكتفي بالمشي جنب الحائط، يعيش حياته في هدوء، ويربِّي عياله في صمت، وينأى بنفسه عن مواطن "الشُّبُّهات"، ويبعد، عموماً، عن الشَّرِّ ويغنِّى له! لكن لمن تقول، والمقتولة لا تسمع الصَّائحة؟!

    (2)
    حجبوا عنه المُعينات، ووقفوا يتفرَّجون، واثقين من أن "الفشل" حليفه الوحيد، ومآله الحتمي، مهما عافر أو دافر! لكنه مضى، بعناد عجيب، يستثمر علاقاته الدَّاخليَّة والخارجيَّة، كفارس أسطوري طالع من قلب أحجيَّة سحيقة! ولو كان لدى أولئك عُشر معشار علاقاته تلك "لأحسنوا" استثمارها في ما "يفيد" و"يجدي"! سوى أن هذا العاشق المجنون "بدَّدها" كلها في جلب المال ليصرفه على مشروع "حكومي!"، فضلاً عما صرف من جيبه، ومن جيوب أهله، وأصدقائه، بل وطال مهرجان الإنفاق هذا حتَّى مرتَّبه الشَّهري على مدى سنوات طوال .. فتخيَّلوا! أليس هذا هو "الغاوي" الذي "ينقِّط" بطاقيَّته، كما في المثل الشَّعبي؟!


    وكل هذا كوم، وحكاية شغله اليدوي كوم آخر! فليس نادراً ما كان زملاؤه وتلاميذه وأصدقاؤه "يضبطونه" منغمساً في أعمال البناء بيديه، وفى أعمال النِّجارة بيديه، وفى أعمال الحِّدادة بيديه، فيُحرجون، ويُضطرَّون للتَّشمير عن أكمامهم لمعاونته! طبيب .. اختصاصي، يعمل عمل البنَّائين والعتَّالين وعمَّال اليوميَّة، لا لبناء بيته الخاص حتى، وإنما لبناء مؤسَّسة "حكوميَّة"؟! بالله عليكم إن لم يكن هذا هو "الجُّنون" بعينه، فما يكون "الجُّنون" إذن؟!

    (3)
    عام 2002م نظر سدنة سياسات "التَّحرير الاقتصادي"، فأصابتهم الرَّعدة لمَّا رأوا مستشفى "حكوميَّاً" للأطفال يتخلـق بسعة ستُّمائة سرير، رغم كلِّ العوائق التي وضعوها في طريقه، ورأوا المسئول عنه ما زال راكباً رأسه، يصرُّ على مجانيَّة خدماته في كلِّ مراحلها، ابتداءً من الكشف، وحتى صرف الدَّواء نفسه!
    ساعتها كان لا بدَّ من عمل حاسم يوقف تلك "المهزلة"! فاستصدروا قراراً بنقله للعمل بموقع آخر قبل أيَّام من حفل الافتتاح! لكنهم سرعان ما تبيَّنوا، على ما يبدو، أن تنفيذ ذلك القرار كان غير ممكن عمليَّاً، بعد أن وافق رئيس الجُّمهوريَّة، بالفعل، على تشريف الحفل! ثم أصبح التَّنفيذ مستحيلاً تماماً بعد أن أمر الرَّئيس بتقليد الرَّجل وساماً رفيعاً، بل وتسمية الصَّرح "الحكومي" نفسه باسمه! ورغم الغموض الذي يحيط بتلك الواقعة، إلا أنها اقتضتهم، على أية حال، الانحناء أمام العاصفة ريثما تمر، ليعودوا بعد عامين، ويسلموه، مع نهاية أغسطس 2004م، قرار عزله من إدارة مستشفى بناه بيديه، ويحمل .. اسمه!

    (4)
    إدخال العِصِي في الدَّواليب لم يتوقف، قط، لا خلال ذينك العامين، ولا بعدهما. فكله إلا مجانيَّة العلاج! هل "العولمة" هذر؟! وهل منظمة التِّجارة العالميَّة لعب؟! وهل لأولئك "الأفنديّة" عمل غير التأكُّد من استيفاء شروط هذه المنظمة، وأهمِّها أن تنفض الدَّولة يدها، نهائيَّاً، من أيِّ نشاط إنتاجي أو خدمي، بما في ذلك الصَّحَّة، وأن تفكَّ أيَّ قيد عن "سياسة التَّحرير"، ما يعنى إطلاق مارد "اقتصاد السُّوق" من عقاله، مدعوماً بأحابيل "التكيُّف الهيكلي"، و"الانكماش الاقتصادي"، وما إلى ذلك من وصفات البنك والصُّندوق والمنظمة، أو قل "الغول" الجَّديد الذي يراد له أن يلتهم الدَّولة الوطنيَّة، ويحلَّ محلها، ويقوم مقامها؟! ويللا .. بَلا أطفال بَلا لمَّة!


    تلك هي العناوين الرَّئيسة لاستراتيجيَّة الرَّأسمالية العالميَّة لما بعد الحرب الباردة؛ فمَن يسمح، إذن، بأن ينكث غزلها طبيب حالم لم يجد نفسه محتاجاً لأن يكون شيوعيَّاً، أو اشتراكيَّاً، أو حتى إسلاميَّاً مِمَّن يؤمنون بأن العدالة الاجتماعيَّة هي جوهر هذا الدِّين الثَّوري، كي يأنس في نفسه الكفاءة للمنافحة عن مجَّانيَّة العلاج؟! لقد أخضع السُّودان لهذه الوصفات حتى تدحرج حجم إنفاقه الحكومي على قطاع الصَّحَّة إلى ما لا يتجاوز 0,08% من إجمالي ناتجه القومى خلال السنوات 1998م ـ 2000م، أي في وقت إطلاق مشروع المستشفى (تقرير الحكومة البريطانيَّة عن الأوضاع في السُّودان لسنة 2001م ، ص 83)؛ أمَّا في الميزانيَّة الحاليَّة فقد فاق الصَّرف على الأمن والدِّفاع والقطاع السَّيادي ميزانية الصَّحَّة والتَّعليم، مجتمعين، بأكثر من 1000% (!) أفلا يعنى ذلك أن الرَّجل يَسبَح عكس التَّيَّار؟! ألم أقل لكم إنه يستحقُّ، برأسه النَّاشف هذا، كلَّ ما جرى له .. وأكثر؟!


    لم تُصدِّق وزارة الماليَّة للمستشفى، إلا عام 2004م، بالميزانيَّة المطلوبة للتشغيل منذ عام 2002م، والتي لم تتجاوز مبلغ 462 مليون جنيه "حوالي 180 ألف دولار فقط، وقتها"! وقد قيِّد التَّصديق بأقساط متباعدة، بعد أن "انقضم" منه مبلغ 62 مليون جنيه،بلا منطق واضح، وبعد أن حفيت قدما الرَّجل في السَّعي بين الإدارات والأقسام (الرأي العـام؛ 3 نوفمبر 2004م). أمَّا الطاقم الذي كان طلبه لقسم العناية المكثَّفة فلم يُبتَّ في شأنه (المصدر)؛ وأمَّا الاختصاصي الذي كان طلبه لقسم حديثي الولادة فلم يتم تعيينه إلا يوم إعفائه (المصدر)؛ وأما السيسترات البالغ عددهن 65، واللاتي تم تعيينهن بشقِّ الأنفس، بعد مماطلات طويلة، وبعد أن دفع الرَّجل مبلغ 5 مليون جنيه من جيبه الخاص كحوافز ومصروفات للجنة المعاينة، وأحضر بنفسه خياطاً خصَّص له غرفة مجاورة للجنة، لإعداد الزِّي الرَّسمي فوراً لمن يقع عليها الاختيار، فقد سُحبن "بطريقة غريبة"، بعد مرور أقلِّ من أسبوع على تعيينهن (المصدر). ولم يستطع لا وزير الصَّحَّة ولا وزير الماليَّة مواجهة تلك الحقائق الصَّريحة، أو إعطاء تفسير مقنع لتلك التَّصرُّفات المريبة!

    (5)
    حكاية "مستشفى جعفر بن عوف" حكاية جدَّ عجيبة، فقد ظلَّ، منذ افتتاحه عام 2002م، يمثِّل جزيرة العلاج المجَّاني الوحيدة في قلب محيط هادر من الخصخصة والخدمات الصِّحِّيَّة مدفوعة الأجر! وكان، قبل إقالة مؤسِّسه وبانيه د. جعفر بن عوف من إدارته عام 2004م، يضمُّ 16 تخصُّصاً، مع كلِّ المعينات التَّشخيصيَّة والمعمليَّة والعلاجيَّة، ومخزناً للأدوية المجَّانيَّة التي تكفي لمدَّة عام، وخمساً وستِّين حاضنة أطفال، وستَّ غرف عمليَّات، ووحدتين للتَّكييف والأوكسجين المركزيين، وثلاثة مصاعد عاملة "لم يبق منها غير واحد"؛ وقد أسهم في تخفيض نسبة وفياَّت الأطفال من 30% إلى أقلِّ من 1%.


    مع ذلك انقلبت وزارة الصَّحَّة الولائيَّة، خلال الأيَّام الماضية، تخليه من الأطفال المرضى، وسط صراخهم، وعويل ذويهم، وتُعمل معاولها فيه هدماً، بحجج واهية يصعب هضمها! فحتى لو صدَّقنا، جدلاً، حجَّتها في أن نقل الخدمات الطبِّيَّة إلى الأطراف هدفه الوصول إلى المواطنين في أماكن سكنهم، أفما كان الأكثر عدالة، إذن، الإبقاء على هذه الخدمات وسط العاصمة على مسافة واحدة من جميع هؤلاء المواطنين، طالما أن الحكومة عاجزة عن تشييد ما يكفي من المرافق الخدميَّة الطبِّيَّة قريباً من أماكن سكنهم؟! ثم ما هي حجَّتها في الرَّبط بين نقل الخدمات الطبِّيَّة إلى أماكن سكن المواطنين وبين إلغاء مجانية العلاج التي كان يوفرها مستشفى ابن عوف؟! بل ما هي حجَّتها في استثناء المستشفيات "الخاصة" من هذا النقل، والإبقاء عليها وحدها في وسط العاصمة، بما في ذلك مستشفى السَّيِّد وزير الصَّحَّة نفسه؟!
    د. ابن عوف يمثِّل، قولاً واحداً، النَّموذج الفريد الذي يصعد، عن جدارة، إلى مستوى الهمِّ "العام"، فيسـتحقُّ، في زمن العقلاء القتلة هذا، أن نخلع "عمائمنا" تبجيلاً .. لجنونه النَّبيل!


    ------------------

    سباق "المواثيق".. ضوء في آخر النفق ..

    بقلم: خالد التيجاني النور
    الخميس, 28 شباط/فبراير 2013 19:33

    [email protected]

    حكى سياسي ضليع أن ممثلي "الإسلاميين" في قيادة الجبهة الوطنية السودانية المعارضة لنظام نميري منتصف السبعينيات كانوا يجهدون أنفسهم في إحكام صياغة مواثيق مغلظة تؤكد على الوجهة الإسلامية وتطبيق أحكام الشريعة في نظام الحكم الذي كانت تحالف المعارضة ينوي إقامته عند نجاح مساعيه لإسقاط نظام النميري، وكان زعيماً بارزاً في الجبهة الوطنية يسارع دائماً على التوقيع على أي ميثاق يتضمن النصوص أعلاه دون تردد، ولما كان زملاؤه المقربون يحتجون على صنيعه وينعون عليه الخضوع لأجندة "الإسلاميين"، كان يرد عليهم قائلاً دعونا من ذلك فهو مجرد حبر على ورق، هل تظنون أن أحداً سيحفل بما هو منصوص فيها عندما نحقق غرضنا، دعونا ننجز مهمتنا الأساسية أولاً إسقاط النظام، وبعدها لكل حادثة حديث.


    تكشف تلك القصة الواقعية عن مثال نموذجي للعقلية الانتهازية التي اتسم بها غالب ممارسات الطبقة السياسية السودانية التي عرقلت نشوء مشروع وطني راكز وأصابته في مقتل بغلبة التكتيكي على الاستراتيجي في نهج ممارستها للعمل السياسي، ولذلك تجدها مولعة بإبرام المواثيق والعهود لتحقيق أغراض مرحلية محددة في أوقات وظروف سياسية بعينها، لكنها لم تثبت أبداً أنها كانت جدية في إلتزامها بما تتعهد به من اتفاقات.
    ولذلك لا يبدو مستغرباً في العرف السائد وليس فريداً ولا نسيج وحده ممارسة الاستهانة بالعهود والمواثيق والتمادي في نقضها، في نعي شهير لمولانا أبيل ألير لهذا المسلك، وهو داء قديم متمكن من عقلية الطبقة السياسية السودانية، لا يكاد ينجو منه أحد منذ بواكير انشغالها بالصراع على السلطة بلا رصيد من أجندة مصالح وطنية عليا تتسامى فوق المصالح الحزبية الضيقة.


    وما تقسيم السودان بعد نحو ستة عقود من الاستقلال إلا إحدى الثمرات المرة لأول تنكر للطبقة السياسية لعهدها للجنوبيين عشية الاستقلال بتحقيق مطلبهم المًلح بالفدرالية، التي كان قصر النظر السياسي وغياب الرؤية المبصرة يصورها حينها كفراً بواحاً وسبيلاً سالكاً للانفصال، وهو ما تحقق فعلاً في عهد الحكم الحالي الذي جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري بزعم عريض, الحفاظ على وحدة البلاد في وجه تمرد زاحف أواخر الثمانينيات فإذا هو يسلم بتقسيم البلاد على مائدة التفاوض في نصر بلا حرب لدعاة الوطنية الجنوبية وضغوط الانفصاليين الشماليين، وليحقق "النظام الإسلامي" الحاكم بنفسه "المؤامرة" التي كان يتهم الاستعمار والغرب بتدبيرها لفصل الجنوب وتفتيت وحدة البلاد. وهو ما يقود لسؤال بدهي طالما أن قادة الحكم مقتنعون بهذا الاتهام الذي لا يزالون يرددونه في المنابر العامة، فلماذا إذن رضوا بأن يكونوا هم أنفسهم أداة تنفيذ المؤامرة المزعومة؟!


    وما كانت الانقلابات العسكرية في ظاهرها، المدنية الحزبية في جوهرها لأول أمرها، التي تحكمت في البلاد لنحو خمس عقود وعرقلت استقرارها ونهوضها، إلا ثمرة أخرى لتنكر بعض النخب السياسية لعهود دستورية تواثقوا عليها لتأسيس نظام ديمقراطي يكفل الحرية والتبادل السلمي للحكم، ولكن استعجالها للوصول إلى السلطة أو لمجرد السعي لتصفية حسابات بسبب صراعات مريرة قادها للتنكر لتعهداتها لتتحول لاحقاً هي نفسها إلى ضحية لتآمرها وبأيدي من قادتهم إلى السلطة بليل.


    وهكذا جرى توقيع العديد من المواثيق بين الأطراف السياسية السودانية، التي يؤكد التنكُّر لها في كل مرة سوء الظن في رشد النخبة السياسية، كان من أشهرها ميثاق الدفاع عن الديمقراطية الذي تواثقت عليه القوى السياسية عقب انتفاضة أبريل لمنع عودة الحكم العسكري بعد التجربة المريرة لنظامي عبود ونميري، وفي ظل صمت لم يخلو من تواطؤ وشماتة بعض دعاة الديمقراطية اليوم تمكن النظام العسكري الثالث من مفاصل السلطة ليلبث فيها إلى يوم الناس هذا.


    وجاء ميثاق أسمرا في أعقاب مؤتمر القضايا المصيرية منتصف تسعينيات القرن الماضي جامعاً قوى المعارضة الرئيسية في مواجهة الحكم الإنقاذي، وما لبث إلا قليلاً حتى تسللت قواه الرئيسية لواذاً متحللة من عهودها لبعضه البعض، لتنخرط في مفاوضات جزئية مع "المؤتمر الوطني" لتنجب العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تفاوتت حظوظ موقعيها في الاغتراف من كعكة السلطة والثروة، ولكن قادت كلها في نهاية الأمر إلى نتيجة واحدة إضفاء المزيد من التعقيد على الأزمة الوطنية التي تفاقمت في عصر ما بعد التقسيم، التي تنذر بالمزيد من التشرذم والتمزق في بلد لا تنقصه الأزمات المستفحلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
    أما الحكم الإنقاذي فقد فات "الكبار والقدرو" في تفننه في إبرام المواثيق والاتفاقات مع معارضيه، والتي لا تعني له إلا وسيلة لـ "يقطع بها فَرَقة"، ثم السعي من أول يوم في التفلُّت من التزاماتها في لهاث لا ينتهي من أجل الاحتفاظ بالسلطة وبأي ثمن، لا يحمل هماً ولا يعبأ بالتبعات على الوطن، حتى إنه يستحق بجدارة الدخول في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بكثرة الاتفاقيات السياسية الموقعة في حالة إدمان تفاوض مستدام لم يسبقه عليها أحد من العالمين.


    بهذه الخلفية التي تثبت خلو الذاكرة والممارسة الفعلية للطبقة السياسية السودانية على امتداد طيفها من رصيد أخلاقي في احترام المواثيق والعهود يشفع لها في أن تكون محطَّ آمال وطنية حائرة في سبل الخروج من المأزق الوطني الراهن، يثور تساؤل كبير حول جدوى "المواثيق" التي تغرق الساحة السياسة السودانية حالياً، وإلى أي مدًى ستكون جدية وصالحة وتملك القدرة على انتشال السودان من محنته الحالية إذ ليس هناك ما يثبت أن النخب السياسية المتصارعة نسيت شيئاً أو تعلمت شيئاً من سيرتها المنكرة في التنكُّر للعهود والمواثيق حتى بعد أن وصل حال البلاد إلى شفا الانهيار والتشرذم.


    ففي الساحة تدور حرب سياسية ضروس بين ثلاثة مواثيق، "الفجر الجديد" لجماعات المعارضة المدنية والثورية، و"الفجر الإسلامي" لجماعات إسلامية خارجة من تحت عباءة "الحكم الإنقاذي"، و"الدستور الجديد" الداعي له حزب المؤتمر الوطني الحاكم، تتسابق للتأثير على مجريات الوضع السياسي الراهن وخلق النظام السياسي السوداني الجديد الآخذ في التشكل بعد انتهاء عصر الدولة السودانية الموحدة التي خلفت الاستعمار بتقسيم البلاد وفصل الجنوب، وتنذر بالمزيد من التفتيت لما تبقى منها في ظل استمرار النزاع المسلح في "هلال التمرد" الممتد من دارفور، مروراً بحدود الجنوب الجديد، وحتى النيل الأزرق شرقاً. مع غياب أفق لتسوية سلمية شاملة.
    من المهم الإشارة هنا إلى أن هذه "المواثيق" الثلاث تشكل لافتات لتوازنات القوى وفق المعطيات الراهنة، وتشير إلى التوجهات العامة وتكتيكات الأطراف السياسية المنضوية تحتها بأكثر مما تعبر حقيقة عن تضامن صارم شديد الإلتزام بتعهداتها، ولذلك تصح قراءتها في خانة قدرتها على تحريك الفعل السياسي، في ما تبقى نصوصها خاضعة للفهم بمنطق التكتيك المرحلي ولا تعني بالضرورة أنها تعبر بدقة عن الالتزام المستقبلي بتعهداتها.


    ولذلك فإن "ميثاق الفجر الجديد" نال قصب السبق في إثبات قدرته على كسر حالة الجمود وملء الفراغ الناجم عن غياب مبادرة فعالة تشغل الساحة السياسية بأجندة البحث عن مخارج من المأزق الراهن. ولعله لم يدر بخلد قادة الحركات الثورية والمعارضة المدنية وهم يوقعون في العاصمة الأوغندية كمبالا في السادس من يناير الماضي على هذا الميثاق على عجل، وبلا تدابير محكمة مما أوقعه تحت دائرة النقد من بعض مؤيديه، بأنه سيجد كل هذا الصيت الذائع.
    وفي الحق فإن أصحاب "الفجر الجديد" مدينون بالشكر الجزيل لخصومهم في "المؤتمر الوطني" الذين قادوا بالنيابة عنهم حملة علاقات عامة ناجحة غاية في التوفيق لأغراض المعارضين، وفي دلالة بالغة على خلو جراب الحزب الحاكم من حس سياسي محنك، فقد نقل هجوم قادة الحكم الضاري هذا الميثاق من حدث كان من الممكن أن يظل معزولاً في ضواحي كمبالا تتداوله المواقع الإسفيرية، إلى حدث سياسي حاضر بقوة في قلب العاصمة الخرطوم ليصبح الشغل الشاغل للساحة الوطنية والمحرك للأجندة الوطنية.



    والسؤال المطروح لماذا تكفل الحزب الحاكم بقيادة حملة العلاقات العامة الناجحة هذه لصالح "ميثاق الفجر الجديد" على الرغم من أن هدفه بالطبع هو مكافحته والقضاء عليه؟. هل أخطأ الهدف ام أخطأ الوسيلة والتصويب؟. من الواضح أن قادة المؤتمر الوطني رأوا في نصوص الميثاق في شأن علاقة الدين والدولة والتي تنص على "إقرار دستور وقوانين قائمة على فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استقلال الدين في السياسية"، فرصة لدمغ التحالف الجديد بـ"العلمانية"، وسانحة يمكن اهتبالها لكسب الرأي العام المحافظ إلى جانب الحزب الحاكم الذي تآكلت شعبيته بسبب الأزمات المتلاحقة لا سيما الاقتصادية الضاغطة بشدة على المواطنين، فضلاً عن تضعضع مشروعيته الإسلامية تحت ضربات الانقسامات والانتقادات الحادة التي يواجهها من الإصلاحيين في داخل صفوفه.
    كما وفرت دعوة "ميثاق الفجر الجديد" لإعادة هيكلة القوات التنظامية مجالاً لتعزيز مخاوف اهالي الوسط من تبعات سيطرة قوى الهامش مما هو راسخ في الصورة الذهنية الرائجة عن تحولات جذرية في تركيبة وتوازنات المعادلة الراهنة في البلاد والتي أفرزت صراع المركز والهامش بكل محمولاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.


    من الصعب التكهن بقياس مدى النجاح الذي لقيه خطاب "المؤتمر الوطني" في استثارة تعاطف الرأي العام النيلي، ولكن يجدر لفت النظر إلى أن حدة لغة خطاب قادته وتناقضها أحياناً، فضلاً عن لجوئه إلى إعادة تقديم نفسه كحارس للبوابة الإسلامية مع استدعاء شعارات يفضحها الواقع المعاش، قللت إلى درجة كبيرة درجة التجاوب مع الحملة المضادة، وتبدو المسألة في الوعي العام أقرب إلى جولة جديدة من الصراع على السلطة مع المعارضة أكثر من كونها فصلاً جديداً في صراع حقيقي على الوجود والهوية.
    ولعل أصحاب "ميثاق الفجر الجديد" مدينون أيضاً بالشكر الجزيل لجماعة ميثاق"الفجر الإسلامي" الذين أصابوا الحملة الحكومية ضدها في مقتل، ذلك أن ميثاق الخرطوم الذي يأتي رداً على ميثاق كمبالا، في سياق ثنائية الإسلامية مقابل العلمانية، إلا أنه في للواقع عزز إلى درجة كبيرة افتراضات ميثاق المعارضة، في شأن تشخيص الأوضاع المأزومة الراهنة التي تعيشها البلاد، ومع اختلاف المنطلقات إلا أن الميثاقَين توصلاً إلى نتيجة مشتركة فيما يختص بتحميل نظام المؤتمر الوطني لا غيره المسؤول عن إدخال البلاد في نفق مظلم.


    ومن يقرأ الانتقادات الحادة لحكم المؤتمر الوطني التي حفل بها "ميثاق الفجر الإسلامي" سيتعين عليه أن يفرك عينيه جيداً ليتأكد إن كان يقرأ في وثيقة "الفجر الجديد" أم ميثاق "الفجر الإسلامي"، وهي للمفارقة علامة إيجابية أن التناقض الحاد بين الطرفين في المنطلقات أفرز في نهاية الأمر أرضية مشتركة في تشخيص المأزق الراهن الذي تعيشه البلاد، مما هو محل إنكار مستميت من الحزب الحاكم. وهو ما يؤكد أن الحاجة الملحة للتغيير أصبحت مطلباً عاماً لا يمكن تفاديه، وإن بقي السؤال الكبير من يشكل ملامح المرحلة المقبلة؟، وهل يملك لطرف واحد أن يحدد خياراتها، أم أن الشعب صاحب المصلحة الحقيقية هو الذي يفرض في نهاية الأمر النظام السياسي الذي يتوق إليه بكل حرية.


    والمفارقة الأخرى أن الميثاق الإسلامي شنَّ هجوماً لاذعاً على المعارضة المدنية والمسلحة، لكنه أفسد في الوقت نفسه على "المؤتمر الوطني" الاستفادة من "الكرت الإسلامي" حيث نعى على النظام الحاكم أوراق اعتماده الإسلامية واعتبره يرفع شعارات من باب الأماني "ظلَّ يرفعها بلا سند من حقائق الواقع من تراجع مستمر وتدحرج بالبلاد نحو الهاوية"، ورماه بكل مثلبة من النفاق واقتراف الفساد إلى تكريس القبلية، قبل أن تصنف جماعة "الميثاق الإسلامي" نفسها هي الأخرى معارضة تسعى لخلافة النظام الراهن عند سقوطه لتحقيق ما تصبو إليه من "حكم إسلامي خالص".


    من الواضح أن "المؤتمر الوطني" الذي أجهده إدمان اللعب على تناقضات الآخرين يجد نفسه أخيراً محاصراً بين قطبي رحى، وقد انقلب السحر على الساحر، ولم يعد في جرابه حيل جديدة يستخدمها لتخفيف حدة عزلته غير المجيدة، التي ازدادت بفعل التمرد عليه حتى من قِبَل أقرب وأخلص مؤيديه، ولم يعد من سبيل إلى المزيد من الهروب إلى الأمام بترحيل الأزمات وتأجيل حلها في انتظار معجزة ما.


    فقد كشف الحراك الذي أحدثه ميثاق "الفجر الجديد", على علاته الكثيرة, أن الحزب الحاكم لا يملك أية مبادرة للخروج من النفق الذي أدخل فيه البلاد بعد ربع قرن من الحكم المطلق، وأن التعامل بردود الفعل لم يعد ذا جدوى، وأن التخويف من أجندة المعارضة لم تعد كافية لحشد التأييد، وأن استخدام حجة كتابة دستور جديد للبلاد لا تصلح في حد ذاتها كمبادرة سياسية لتخليص البلاد من أزمتها في غياب إرادة سياسية مدركة ومستعدة لدفع استحقاقات ذلك. وفي غياب توافق وطني واسع على تعاقد على الأسس الجديدة لبناء دولة سودانية جديدة من بين الركام الحالي.
    نقلاً عن صحيفة إيلاف السودانية
    الاربعاء 27 فبراير 2013


    ------------------------


    موقع الميدان | موقع الحزب | اتصلوا بنا يوسف حسين: تهديدات الرئيس بمنع الأحزاب من العمل لا تخيف المعارضة خبير حقوق الإنسان : هناك مؤشرات لدخول عناصر من القاعدة إلى دارفور مؤتمر الحزب الشيوعي الفرنسي يعلن تضامنه مع الشعب السودانى تصريح صحفي من الناطق الرسمي مصرع وجرح العشرات في تجدد الإشتباكات القبلية المسلحة في شمال دارفور جهاز الأمن يمنع مؤتمر صحفي بالخرطوم تجدد أحداث العنف الطلابي بجامعة أمدرمان الأهلية بيان نقابة أطباء السودان الميدانفعالياتملفاتالوثائقالانتخاباتجرائم الانقاذفكر وثقافةما كتب عناعن الحزبعن الميدانفيديوEnglishUpdated On Feb 27th, 2013

    قراءة في المشهد السياسي:


    الدين والسياسة…(5)

    الشفيع خضر

    .ولا يمكن قبول أن تستأسد فئة بإسم الدين لتعطي قدسية لمشيئتها ورؤاها السياسية حتى تفرضها على الآخرين


    · أثبتت التجربة أن الإسلاميين وهم في منصة الحكم لا يملكون مشروعا حقيقيا يخاطب القضايا الحياتية للمواطن

    كيف نرى، نحن في السودان، العلاقة بين الدين والسياسة؟. في الإجابة على هذا السؤال، ناقشنا في المقال السابق نقطتين: في الأولى، حاولنا تتبعالجذور التاريخية لنشأة علاقة الدين بالدولة، مستندين إلى بحث للبروفسر محمد إبراهيم خليل، وجهرنا بدعمنا لوجهة نظره التي تنفي أزلية وحتمية وقدسية العلاقة بين الدين والدولة. وفي النقطة الثانية، أكدنا على قناعتنا بأن ليس كل من يدعو إلى الربط الوثيق بين الدين والسياسة، يقع ضمن دائرة المتهمين بإستغلال الدين لتحقيق مآربهم السياسية الخاصة. ونواصل مناقشة بقية النقاط المتعلقة بإجابتنا على السؤال أعلاه:

    3- دائما ما يتجنى أنصار الإسلام السياسي على دعاة فصل الدين عن السياسة، فيتهمونهم بأنهم يدعون للإلحاد وطرد الدين من المجتمع، وأنهم يسعون إلى نشر الموبقات وفتح الأنادي والبارات وبيوت الدعارة، بل ويتم تصويرهم وكأنهم يسعون لوضع موانع في طريق أداء مناسك العبادة، أو أنهم ينادون بإستبدال دفن الجنازة بحرقها!! وبالمقابل، وفي مواجة ذلك يرفع أنصار الخيار الإسلامي شعارات من نوع (لا ولاء لغير الله)، و (الإسلام هو الحل). ونحن نقول: نعم، لا ولاء لغير الله، وهل يمكن لأي مؤمن عاقل أن يقول غير ذلك؟. نعم لا يمكن طرد الدين من الحياة أو المجتمع، ولكن أيضا لا يمكن تسييس الإسلام لصالح الأجندة والمطامح الشخصية للباحثين عن السلطة بأي ثمن بإدعاءات عريضة بإسم “الإسلام”. ولا يمكن قبول أن تستأسد فئة بإسم الدين لتعطي قدسية لمشيئتها ورؤاها السياسية حتى تفرضها على الآخرين. وفي الحقيقة نحن نفهم شعار (لا ولاء لغير الله) بأنه يعني رفض السلطة المطلقة، ورفض حكم الفرد مقابل سلطة المؤسسات الجماعية، ورفض قمع الآخر بإسم الله، ورفض تمكين البعض من ذوي الحظوة، ورفض إنفراد القيادة بالرأي مقابل تشجيع المبادرة الشعبية وتأسيس المؤسسات الجماهيرية الوسيطة التي تساهم في ردم الهوة بين القاعدة والقيادة. ولا يمكن رفع شعار لا ولاء لغير الله ردا على مطالبات الجماهير بحقوقهم. فالجماهير ستحس بالقيمة الحقيقية لهذا الشعار، عندما يكون هم الحاكم هو إعطاء كل ذي حق حقه، وعندما تعلو قيم الشفافية والمحاسية، وعندما تتجسد العلاقة المباشرة بين هذه الجماهير ومؤسساتها المنتخبة دون تزوير أو تلاعب. أما بالنسبة لشعار “الإسلام هو الحل”، فقد أثبتت التجربة أن الإسلاميين، وهم في منصة الحكم، لا يملكون مشروعا حقيقيا يخاطب القضايا الحياتية للمواطن. أنظر إلى تجربة الانقاذ، حيث شهد السودان سن القوانين التي تنص وتنفذ بصرامة، حد الحكم بالاعدام، كما في قضية النقد الاجنبي، ثم تلغى بعد أيام، كما شهد الاتفاقات التي تبرم ثم تنقض بعد ساعات، وشهد التدهور المريع في مرافق حيوية كانت تعمل بكفاءة إلى حد ما، مثل السكة حديد…، والآن، وبعد مرور سبع سنوات على فرض قانون مشروع الجزيرة (2005)، والذي ساهم بشكل فعال في إنهيار المشروع، يتبارى قادة الإنقاذ، وبرنة أسف زائفة، في الحديث عن ضرورة إعادة النظر في هذا القانون، وضرورة تقصي الحقائق حول أسباب إنهار المشروع…، وكل ذلك تم بإسم “الاسلام هو الحل”.

    4- الذين يحكمون بإسم الدين، وأنصارهم من تيارات الإسلام السياسي، يحاولون طمس وإخفاء جوهر الصراع السياسي والإجتماعي في البلد، ويصورونه وكأنه صراع بين الإسلاميين ودعاة الدولة الدينية من جانب، والعلمانيين ودعاة الدولة المدنية من جانب آخر. لكنهم بالتأكيد سيجدون صعوبة بالغة، وفق تصويرهم هذا، في تفسير حرب المسلمين في دارفور، وفي تفسير مطالبات وإحتجاجات أهل السدود واصحاب الاراضى فى مشروع الجزيرة، بل سيعجزون تماما في تفسير المفاصلة الكبرى التي أدت إلى الإنقسام إلى المؤتمرين الشعبي والوطني! وبالتأكيد من مصلحة دعاة الدولة الدينية إظهار الصراع السياسي على أنه صراع بينهم وبين دعاة فصل الدين عن الدولة. لكنه في الحقيقة، أو كما نراه نحن، هو صراع بين قلة تدير البلاد وفق رؤاها ومصالحها، ولا تريد ان يشاركها الاخرون فى صناعة المصير الوطنى، مستخدمة الدين سلاحا لإخراس الآخرين ولإخضاع البشر والموارد المادية لصالح أجندتها، وبين مجموعة تريد المشاركة العادلة في السلطة والتوزيع العادل للموارد المادية، وتؤسس لدولة المؤسسات وحقوق الإنسان، والتي لا كبير فيها على القانون، مستخدمة فصل الدين عن السياسة كأداة وصمام أمان حتى لا يستغل الدين في تمرير وتبرير الظلم والعسف.

    5- أعتقد من الخطأ إختزال مفهوم الدولة المدنية في مجرد شعار فصل الدين عن السياسة، أو التعامل مع المفهوم وكأنه عقيدة ضد الدين. لكن، أيضا من الخطأ إعتبار فصل الدين عن السياسة، ضمانا كافيا لسيادة وكفالة الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والعيش الكريم. فقد شهد التاريخ تجارب علمانية قدمت أسواء أنواع الديكتاتوريات والأنظمة المعادية لحقوق البشر، بما في ذلك حق الحياة، مثل ألمانيا النازية وروسيا الستالينية وعدد كبير من أنظمة العالم النامي. والدولة المدنية لا تقوم على معادة الدين، بل ترتكز على مبادئ لتنظيم المجتمع، يأتي في مقدمتها إحلال مفهوم الفرد المواطن محل مفهوم الرعية، وتسييد مبدأ الإعتراف المتبادل مع الآخر، وإعتبار أن السلطة تنبع من الشعب وليس من سلطة “الحق الإلهي”، وأن العلاقة بين الإنسان وربه هي علاقة فردية ومباشرة لا تحتاج إلى وسيط أو رقيب، وهي ضد التكفير ومع ضمان إستقلال الإرادة وحرية البحث والتفكير والإجتهاد في كل المسائل، بما فيها المسائل الدينية. ومفهوم الدولة المدنية ليس مفهوما مستوردا من الغرب، بل له جذوره الضاربة في عمق الفكر العربي الإسلامي وفي تاريخ مجتمعاتنا، حيث أن رجال الإصلاح الديني، الذين شكلوا جزءا من الإنتلجنسيا التنويرية الحديثة، كانوا قد لعبوا دورا بارزا في إشاعة مبادئها، حتى وإن لم يستصحبوا المصطلح. وبعد ثورة يناير المصرية، وفي خضم الصراع المحتدم بين تيارا الإسلام السياسي والتيار المدني، أصدر الأزهر الشريف وثيقة تاريخية هامة بينت أن مبادئ الدولة المدنية العصرية لا تتعارض مع الحفاظ على القيم الروحية والإنسانية والتراث الثقافي، بل تحمي المبادئ الإسلامية التي استقرت في وعي الأمة وضمير العلماء والمفكرين من التعرض للإغفال والتشويه أو الغلوّ وسوء التفسير من قبل التيارات التي ترفع شعارات دينية أوطائفية أو أيدلوجية متطرفة.

    6- ما هو الهم الرئيس عند المواطن البسيط؟ هل هو توفير العيش الكريم، أم مصدر التشريع في الدستور؟ وإذا كان هذا المواطن يعاني من شظف العيش ومن المرض والظلم وموت الأطفال، وفي نفس الوقت يرى الآخرين يرفلون في نعيم لم يخطر بذهنه أبدا، هل سيكون راضيا مسلما بقدره لمجرد النص في الدستور على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وأن الدولة إسلامية؟ هل ما يهمه هو شكل الحياة وانماط المعيشة اليومى والقضايا المجتمعية، أم الجدل والصراع حول إسلامية أو مدنية أو علمانية الدولة؟…، أسئلة تحمل في طياتها إجاباتها الواضحة والبسيطة.

    7- أخيرا، نحن نطرح مفهوم النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي، أو الدولة المدنية، بإعتباره الأقرب لواقعنا من مصطلح “النظام العلماني” ذو الدلالات الأكثر ارتباطا بالتجربة الأوروبية، وبإعتباره يعبر عن تمايز طريق شعب السودان نحو الدولة الديمقراطية الحديثة عن طريق شعوب ومجتمعات أوروبا. وحتى لا نختزل أو نبتزل مفهوم العلمانية، فن الممكن تناوله في مقال ومقام آخرين. أما في هذا المقام وهذا المقال، وبالإستناد إلى خلفية الواقع الموضوعي لبلادنا، فنود إقتراح أن تستند الديمقراطية السياسية السودانية في علاقتها بالدين على مبادئ النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي، والتي نعتقد أنها من الممكن أن تلبي أشواق أصحاب الخيار الاسلامي، وطموحات دعاة الدولة المدنية. ومن ضمن هذه المبادئ:
    - الأساس هو المساواة في المواطنة، مع كفالة حرية العقيدة وحرية الضمير.

    - الشعب مصدر السلطات والحكم يستمد شرعيته من الدستور، مع التقيد الصارم بمبدأ التداول السلمي الديمقراطي للسلطة، ومبدأ الفصل بين السلطات.

    - الإلتزام بقواعد الحكم الرشيد، وبمبادئ الشفافية والمحاسبة.

    - المشاركة العادلة في للسلطة، والتوزيع العادل للموارد والثروة، مع الإلتزام الصارم بتوفير الحياة الكريمة للمواطن.

    - 1- ضمان الحقوق والحريات الأساسية السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وضمان حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وإعتبارها جزءاً لا يتجزأ من القوانين السودانية، ويبطل أي قانون يصدر مخالفاً لها، ويعتبر غير دستوري. 2- سيادة حكم القانون واستقلال القضاء. ويكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا على حق المواطنة واحترام المعتقدات وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة، ويبطل أي قانون يصدر مخالفا لذلك ويعتبر غير دستوري. 3- كفالة حرية البحث العلمي والفلسفي وحق الاجتهاد الديني. وأعتقد، وفق هذه المبادئ، يمكن أن تتسع الاجتهادات لكي تشمل مصادر التشريع الدين والعرف مع عطاء الفكر الإنساني وسوابق القضاء السوداني.

                  

العنوان الكاتب Date
اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-20-13, 10:12 AM
  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-20-13, 10:51 AM
    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-21-13, 06:56 AM
      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-22-13, 05:46 AM
        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-22-13, 06:28 AM
          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل جعفر محي الدين01-22-13, 06:56 AM
            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-24-13, 07:59 PM
              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-26-13, 09:52 PM
                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-28-13, 08:54 PM
                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-31-13, 10:06 PM
                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-02-13, 12:29 PM
                      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-03-13, 07:57 PM
                        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-06-13, 08:55 PM
                          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-06-13, 09:45 PM
                            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-08-13, 12:40 PM
                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-08-13, 08:26 PM
                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-09-13, 09:28 AM
                                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-10-13, 09:02 PM
      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-11-13, 08:36 AM
        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-14-13, 04:38 PM
          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-14-13, 10:10 PM
            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-17-13, 05:01 AM
              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-18-13, 10:18 AM
                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-20-13, 08:11 AM
                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-20-13, 08:48 PM
                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-21-13, 08:27 PM
                      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-23-13, 12:13 PM
                        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-25-13, 07:26 PM
                          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-26-13, 07:25 PM
                            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-28-13, 11:16 AM
                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-01-13, 10:13 PM
                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-05-13, 09:36 AM
                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-06-13, 07:07 AM
                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-18-13, 05:35 AM
                                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-25-13, 09:16 AM
                                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-31-13, 11:20 AM
                                      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-03-13, 06:24 AM
                                        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-08-13, 06:36 AM
                                          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-10-13, 08:58 AM
                                            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-13-13, 10:11 AM
                                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-14-13, 04:56 AM
                                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-16-13, 05:09 AM
                                                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-22-13, 11:12 AM
                                                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك05-07-13, 09:19 AM
                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل عبدالله الشقليني05-07-13, 03:32 PM
                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك05-20-13, 05:41 AM
                                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك05-27-13, 07:39 AM
                                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك05-30-13, 11:00 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de