اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-13-2024, 00:11 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-11-2013, 08:36 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    الكُرَةُ في مَلْعَبِ الرَّئيس: تفكُّك الدَّولة السُّودانية: السِّيناريو الأكثر تَرجيحاً


    02-11-2013 09:50 AM
    د. الواثق كمير


    مقدمة
    1. تظل الأزمات السياسية المتلاحقة هي السمة الرئيس والمميِّزة للفترة الانتقالية منذ انطلاقها في يوليو 2005، في أعقاب إبرام اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان ممثلة في حزب المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية لتحرير السودان في يناير 2005. فمنذ نهاية الفترة الانتقالية وانفصال الجنوب، تشهد البلاد مآزق مستمرَّة ومتتابعة على نطاقٍ غير مسبوق، ومناخ سياسي محتقن ومتوتر. فالآن هناك استقطاب “رأسي” حاد وملحوظ بين الحكومة من جهة، والمعارضة السلمية والمسلحة، على حدٍ سواء، وبعض منظمات المجتمع المدني والتكتلات الشبابية، من جهة أخرى. أيضاً، هناك الانشقاقات والانقسامات “الأفقية” داخل الأحزاب السياسية، بما فيها الحزب الحاكم والحركة الإسلامية، والتي ويا للمفارقة، أتت بالحزب إلى سُدَّة الحُكم، والحركات المسلحة، وتواتر معلومات عن تذمُّرٍ وتمَلمُلٍ داخل القوات المسلحة، مع تنامي الولاء القبلي والعرقي، وظهور الجهاديين والجماعات الإسلامية المتطرِّفة وتصاعُد نشاطاتهم العنيفة والمرعبة. ويتجلى هذا الاستقطاب السياسي الحاد في النزاع المسلح وتدهور الوضع الأمني في دارفور بوتيرة متسارعة، والحرب الدائرة في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق، وتردِّي الأوضاع الاقتصادية وتفشي الفساد، والعلاقة المتوترة مع الجنوب، وشبح الحرب يلوح في الأفق بين السُّودانَيْن، وفوق ذلك كله، كيفيَّة التعامُل مع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة.

    2. حقيقة، هذا الوصف للواقع الماثل أمامنا لا تخطئه عين، بل يلحظه ويراه المراقب، ولا تستقيم معه أي مكابرة أو عنادٍ أو إنكار. فلا حديث يدور في مجالس أُنس المواطنين العاديين سوى هذا المشهد السياسي المحتقن، ومآلات وسيناريوهات المستقبل، وما تحمله الأيام في جوفها من شكوكٍ وتخوُّفات! في ضوء هذه التطوُّرات الخطيرة، فإن المرء لا يملك إلاَّ التفكير في ثلاثة سيناريوهات للتغيير المتوقع والمنتظر.

    السيناريو الأول: الإبقاء على الوضع الراهن

    1.1 أن يستمرَّ الوضع الراهن، ولو بتغييرات بسيطة وسطحية في الشُخُوص والمواقع وبعض السياسات، استجابة لنداءات الإصلاح من داخل الحزب الحاكم والحركة الإسلامية وتهدئة عضويتها الساخطة، دون مساسٍ جوهري ببنية السلطة وتركيبة الحُكم. بالطبع، هذا السيناريو مرهونٌ بقدرة الحزب الحاكم على أن يظل ممسكاً بمفاصل السلطة، ومهيمنا على مؤسسات الدولة، وعلى سيطرته في التحكم والمناورة لاستقطاب بعض القوى السياسية لجانبه والمحافظة على شبكة الولاء patronage القبلي والإثني، بما في ذلك الجيش، واستمراره في اختراق وتقسيم المعارضين له، سواء في الأحزاب السياسية أو الحركات الحاملة للسلاح. فقد يلجأ المؤتمر الوطني إلى استخدام ترسانته الذاخرة بالتكتيكات للوقيعة بين المعارضة المسلحة والسياسية، في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة حملتها العسكرية ضد الحركات المسلحة، من خلال الاستفادة من حرص المجتمع الدولي على تفادي الانهيار العنيف لنظام الحكم، بل والدولة نفسها، أو اندلاع حربٍ جديدة بين السُّودان وجنوب السُّودان. كما يُعوِّل الحزب الحاكم على الموقف الداعم من الصين وروسيا في مجلس الأمن الدولي. ومع ذلك، فقد يرضخ النظام أيضاً لبعض الضغوط والمطالب من المجتمع الدولي، مع الاستفادة من قرار الاتحاد الأفريقي بشأن تضامُن الدول الأفريقية مع السُّودان، وامتناعها عن التعاون مع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة. ويبدو أن الهدف النهائي للمؤتمر الوطني يكمُنُ في كسب الوقت حتى يحين موعد الانتخابات العامة المقرَّر إجراؤها بنهاية عام 2014، مما يضع الأحزاب السياسية في مواجهة الأمر الواقع، وما من شأنه أن يزيد من ضعف وانقسام القوى المعارضة. من ناحية أخرى، فإن قيادة الحزب الحاكم تعتقد بأن المجتمع الدولي سيدعم، ويثنى على النظام لتنظيم الانتخابات كآلية مقبولة للتداول السلمي للسلطة.

    1.2 ومع ذلك، تشير العديد من المؤشرات إلى صعوبة، إن لم يكن استحالة استدامة هذا الوضع. فلن تكن المشاركة في هذه الانتخابات مقبولة للقوى السياسية المعارضة في ظلِّ إصرار المؤتمر الوطني على الانفراد بالسلطة والهيمنة التامة على مؤسسات الدولة، بينما لا تزال القوانين المقيدة لحرية التنظيم والتعبير والتواصل مع القواعد والجماهير سارية المفعول. وهكذا، سيكون هذا السيناريو قصير الأجل، أياً كان الوقت الذي يستغرقه. وحتى مُنَظِّري الحزب الحاكم يعترفون بأن «نظام الحزب الواحد غير قابل للاستدامة، وأنَّ وجود المُعارضة في النظام السياسي يمثل كابحاً للطُّغيان، يوفِّر البديل للحكومة» (أمين حسن عمر، قناة السودان الرسمية، برنامج مساء الخميس، 10/01/2013). فلقد نبه رئيس مجمع الفقه الإسلامى، الدكتورعصام أحمد البشير، إلى أنه ليس بمقدور أي حزب أو كيان أو جماعة الاستفراد بالحكم عندما قال:" لا يوجد حزب أو جماعة لديها شيك على بياض" (حفل تدشين كتاب "الربيع العربى..ثورات لم تكتمل"، قاعة الصداقة، 31/1/2013).

    1.3 ببساطة، فإن هذا السيناريو لا يؤدي، بأي حالٍ من الأحوال، إلى التحوُّل الديمقراطي، كما لا يُعَدُّ أو يُشكِّل مخرجاً آمناً من الأزمة الوطنية المستفحلة والمتفاقمة في البلاد.

    1.4 فلا يمكن للمؤتمر الوطني، في ظلِّ ما يعانيه من تصدُّعات، أن يستمر في القتال في عدة جبهات، تتزايد يوماً بعد يوم، وأن يُبحر ضد الرياح، ويعمل عكس كل التوقعات. لا شكَّ أن تدهور الوضع الاقتصادي وتراجُع إيرادات الدولة تقيِّد قدرة الحزب في الحفاظ على شبكة الولاء والرعاية واسعة النطاق، على المستويات السياسية والعرقية والقبلية والعسكرية والأمنية، والتي يعتد بها في مواجهة خصومه. أيضاً، لا يمكن للنظام أن يستمر في التعويل على التردُّد الملحوظ للمجتمع الدولي في دعم هدف المعارضة المدنية والعسكرية المُعلن لإسقاط النظام. فالمجتمع الدولي دوماً له أهداف متحرِّكة بحسب الوضع السياسي المتغيِّر على الأرض.

    1.5 من ناحية أخرى، يبدو كما لو أن المؤتمر الوطني يُصِرُّ بعنادٍ على احتكار سلطة الدولة وعلى الاستبعاد الكامل والإقصاء للقوى السياسية الأخرى، بذريعة شرعيَّة الترتيبات الدستوريَّة القائمة على اتفاقية السلام الشامل ونتائج الانتخابات العامة في أبريل 2010 ، في حين تتمترس المعارضة السياسية والمسلحة، إزاء هذا العناد، في موقفها الذي يهدف إلى قلب نظام الحكم. أكد “ميثاق الفجر الجديد”، الذي وُقِّع مؤخراً بين الجبهة الثورية السودانية وقوى الإجماع الوطني، على اللجوء إلى الوسائل السياسية والعسكرية، على حدٍ سواء، لتحقيق هذا الهدف. حقيقة، هذه لعبة صفريَّة يمكن أن تصل إلى نقطة اللاعودة، ولا يوجد فيها طرفٌ منتصر، بل خاسرٌ وحيد هو الوطن، ويمكن أن تتحوَّل هذه الأوضاع إلى سيناريو ثانٍ أكثر خطورة:

    السيناريو الثاني: تفكك الدولة

    2.1 يفترض هذا السيناريو تصاعُد العمل المسلَّح، في شكل حرب العصابات، أو الزحف على مركز السلطة، بهدف ممارسة ضغوط متواصلة، جنباً إلى جنبٍ مع جهود المعارضة السلمية، التي تقوم بها بقية القوى السياسية السودانية، من أجل إسقاط النظام في الخرطوم. ومع ذلك، لا يمكن للنضال المسلح أن يحقق هدفه المتمثل في الإطاحة بالنظام بدون دعمٍ سياسيٍ من كل القوى السياسية العازمة على التغيير، بما في ذلك الإسلاميين بمختلف أطيافهم. يفترض إسقاط النظام، من واقع التجربة السُّودانية في 1964 و1985، توافُق وإجماع كل القوى السياسيَّة. في كلا التجربتين، بارك الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة الانتفاضة الشعبيَّة، بينما كان “الإسلاميون”، بمختلف أطيافهم، من ضمن القوى والجموع التي خرجت للشوارع، مندِّدة بالنظام العسكري ومنادية بسقوطه، ولو في مراحل مختلفة من عملية الثورة. ففي عام 1995، عندما تمَّ التوقيع على إعلان أسمرا للقضايا المصيريَّة، توحَّدت تقريباً كل القوى السياسيَّة السُّودانية في الدعوة إلى “اقتلاع” النظام من خلال تكامُل الوسائل السياسية والعسكرية. في المقابل، حالياً نجد أن هذه القوى، ضعيفة ومنقسمة على نفسها كما ينبئ حالها، إما أضحت جزءً من الحكومة، أو تدعم بفتور سافر أي محاولة لإحداث تغيير جذري.

    2.2 على الصعيد العسكري، بالرغم من قرار بعض الشخصيات المعارضة للانضمام إلى الجبهة الثورية السُّودانية، لا يبدو أنه قد أتى بقيمة مضافة، أو غيَّر صورة الجبهة في أعيُن كثير من الناس، إذ لا يزال يُنظَرُ إليها كمنبر حصري للمُهمَّشين على أساسٍ عرقي وإثني، أي أنه يعبِّر عن “متلازمة الجنوب الجديد”. في حين تدعو الجبهة كل القوى السياسيَّة السُّودانية للانضمام إلى صفوفها، و“رفض مسار التسوية السياسيَّة الجزئيَّة مع نظام حزب المؤتمر الوطني، واعتماد نهج شاملٍ لتغيير النظام في مركز السلطة بالخرطوم”. ولكن، في ظِلِّ الوضع السياسي الراهن، لا يوجد توافُقٍ في الآراء بين القوى السياسيَّة السُّودانية على هدف “إسقاط النظام” من خلال العمل المسلَّح، من جهة، وافتقار الجبهة الثوريَّة لوضوح الرؤية والنهج بشأن التعامُل والتحاوُر مع هذه القوى في ضوء الاختلاف في الرأي حول طرق التغيير، من جهة أخرى. وبغضِّ النظر عن إعلان الجبهة الثوريَّة التزامها بتكامُل النضال المسلَّح مع العمل السياسي والمدني، إلا أنه منذ أيام التجمُّع الوطني الديمقراطي، ظلَّ هذا التكامُل مجرَّد شعار وهدف بعيد المنال. كما أنه يفتقر إلى المنهجيَّة الواقعيَّة، أو آليَّة للتنفيذ على أرض الواقع. فالجبهة لم تكشف النقاب عن أي إستراتيجيَّة واضحة في هذا الصدد.

    2.3 فباستثناء التصريحات المعمَّمة عن ضرورة التعامُل مع القوى السياسيَّة المعارضة، لم يتم تحديد آليات بعينها لهذا الغرض، أو تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن. فعلى الرغم من أن التوقيع المتعجِّل على “ميثاق الفجر الجديد” بين الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطني يمثل خطوة متقدِّمة نحو الاتفاق على برنامج سياسي مشترك للمعارضة، إلاَّ أن هذه الخطوة فشلت في تقديم الدعم السياسي اللازم للعمل المسلح، والذي سبق أن وفَّرته معظم القوى السياسية، تحت مظلة التجمُّع الوطني الديمقراطي، للجيش الشعبي لتحرير السودان، والمقاومة المسلحة بشكل عام، في التسعينات من القرن المنصرم، ممثلاً في: 1) التوصل إلى توافق في الآراء بشأن آليات إسقاط النظام، 2) تحديد العملية التي من خلالها سيتم تسليم السلطة للقوى الموقعة على الميثاق، و3) تفصيل هيكل تنظيمي، كخطوة لازمة وضرورية لمتابعة تنفيذ مقرَّرات الميثاق. وعلاوة على ذلك، فمباشرة بعد حفل التوقيع على الميثاق، أعلنت الهيئة العامة لتحالف قوى الإجماع الوطني، والأطراف المكوِّنة للتحالف، كلٌ على حده، تحفُّظها و/أو اعتراضها على بعض البنود والقضايا الأساسية المُضمَّنة في الميثاق، داعية إلى المراجعة الشاملة والتدقيق في الوثيقة. وتشمل هذه المواضيع: العلاقة بين الدين والدولة، وهياكل الحكم المقترحة، واستبدال القوات المسلحة السودانية بجيش جديد. في الواقع، استغرق التجمُّع الوطني الديمقراطي سنوات عديدة لعقد مؤتمر أسمرا التاريخي حول قضايا السُّودان المصيريَّة، والتوافق الكامل على مقرَّراته، مع الاتفاق على هيكل تنظيمي، بما في ذلك القوات المشتركة.

    2.4 مع ذلك، فإن عدم الوضوح في تحديد هدف “إسقاط النظام”، في ظلِّ تصاعُد العمل المسلَّح ودق طبول الحرب بين الشمال والجنوب، مع غياب التوافُق بين، والرؤية المشتركة للقوى السياسية المعارضة، يحمل مؤشرات تنذر بتفتت السُّودان. فلا توجد بالبلاد مؤسسة واحدة شرعية ومتماسكة، ربما باستثناء القوَّات المسلحة السُّودانية، (على الرغم من المحاولات المستمرَّة للجبهة الإسلامية والمؤتمر الوطني لتسييسها وأدلجتها وطمس هويتها الوطنيَّة)، بمقدورها إدارة عملية انتقالٍ سلمي للسُلطة. في الواقع، لا يمكن أن نتجاهل أو نقلل من شأن الدور الفعال والمحوري للجيش السوداني في الانتفاضتين الشعبيتين في 1964 و1985. وربما، أثبت الإعلان الرسمي عن محاولتين انقلابيتين، خلال الربع الأخير من العام المنصرم، أن القوات المسلحة، خلافاً لاعتقاد بعض الأوساط، لا تزال على درجة عالية من الحس الوطني وتستجيب لدعوات الإصلاح السياسي، وإن جاءت من الإسلاميين أنفسهم، بما في ذلك تعزيز الديمقراطية وإصلاحات جذرية في بنية النظام السياسي، وإعادة تعريف العلاقة بين الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة، ومكافحة الفساد، ومشاركة جميع القوى السياسية في عملية شفافة وتوافقية لصياغة الدستور، تنتهي بتنظيم انتخابات حرَّة ونزيهة.

    2.5 وفي حين لا يشكِّك أحد في أن الظلم والتهميش يُبرِّر ويُضفي الشرعيَّة على اللجوء إلى الكفاح المسلَّح، فإن الحرب مكلفة بشرياً ومادياً، وليست بفعلٍ للتبجُّح أو الاستعراض. إن إخضاع وإضعاف الجيش، إما عن طريق التعدِّي على سلطاته من قبل الجهاز الأمني للنظام، أو أي قوات موازية أخرى، التي قد تُفضي إلى مواجهات دامية، أو من خلال المواجهات والصدامات المستمرَّة مع الحركات المسلحة في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق ودارفور، مما يشكل وصفة جاهزة لتفكُّك الدولة. وستقود مثل هذه الأفعال في نهاية الأمر إلى انهيار سلطة الحكومة المركزية عن طريق تقييد قدرتها على فرض الأمن، مما سيؤدي إلى فقدان السيطرة على الأراضي السودانية، و/أو احتكار الاستخدام المشروع للقوة، مما يجعلها عاجزة عن إعادة إنتاج الظروف الضرورية لوجودها هي نفسها.

    2.6 وبعبارة أخرى، فإن ضعف مؤسسات الدولة السُّودانية، والتكوين السياسي المعقد للبلاد، وغياب الثقل الموازن المُوحَّد لهيمنة المؤتمر الوطني على المركز، والافتقار إلى وحدة القضيَّة والهدف والأساليب بين القوى السياسيَّة، وما نشهده من استقطاب سياسي بين مختلف المتصارعين على السلطة، يجعل الخط الفاصل بين سقوط النظام وتفكك الدولة رفيعاً جداً. وهكذا، في ظلِّ هذه الظروف، يمكن لسقوط النظام، وما قد ينجُم عنه من فراغٍ في السلطة، أن يقود حتماً إلى صراع دامٍ على السلطة من قِبَلِ التنظيمات المسلحة المتعدِّدة من أجل السيطرة على الخرطوم، وأجزاء أخرى من البلاد، واحتمال مواجهة أي احتجاجات شعبية بقمع مُفرِط يقابله عنفٌ مضاد، وهو ما سيكون من المستحيل كبحه أو التحكُّم فيه. وفى ظلِّ تضعضع السلطة المركزية في الخرطوم، فإن الدول المجاورة، والتي تعاني من مشاكل سياسية ونزيف داخلي، قد لا تتوانى من التدخل واحتلال المناطق المتنازع عليها في الحدود المشتركة والواقعة في متناول أيديهم، أو التحالف مع أحد أو بعض الفصائل الداخلية المتصارعة على السلطة لخدمه الأهداف الخاصة لهذه الدول. أما إيران، وبعض الحكومات الإسلامية الأحرى المتعاطفة في المنطقة، ستتقدم الصفوف لمؤازرة ودعم النظام لتفادي سقوطه.

    2.7 يبدو أن هذا هو السيناريو الأكثر احتمالاً، لا سيَّما في ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية التي شهدتها في البلاد خلال العقدين الماضيين. فقد أسفرت هذه التطورات عن نزوحٍ غير مسبوق للعاصمة القومية، أفرز مجتمعين متباينين، مجتمع الأغنياء (الذين يملكون كل شيء)، ومجتمع الفقراء (الذين لا يملكون شيئاً)، مع تآكُلٍ مستمر في الطبقة الوسطى، مما سيشعل الغضب الشعبي، الملتهب أصلا، وينذر بانقسام حاد قد يفضى إلى قتالٍ أهلي وفوضى عارمة. وهكذا، فإن التهميش والمظالم المتجسِّدة في العلاقة بين المركز والمناطق “المُهمَّشة” يجب أن لا تلهينا عن الغُبن الاقتصادي والاجتماعي للفقراء والمستضعفين في المركز نفسه، مما يهدِّد بنسف السلام الاجتماعي.


    السيناريو الثالث: التسوية السياسية الشاملة

    3.1 هذا هو السيناريو الوحيد الذي من شأنه أن ينقذ البلاد من الانزلاق إلى الفوضى، ويحول دون انهيار الدولة، ويحافظ على وحدة أراضي السودان. ويُفترضُ أن يتم التحوُّل الديمقراطي سلمياً بتوافُق كل القوى السياسية، بالطبع بما في ذلك المؤتمر الوطني، وقوى التغيير الآخرين خاصة الشباب (نساء ورجال)، دون إقصاء أو استثناء، على مشروع للتغيير يفضي إلى الانتقال من هيمنة الحزب الواحد إلى التعددية السياسية نحو بناء دولة المواطنة السودانية التى تحترم التنوع. ويشكل هذا التحول هدفاً رئيساً لاتفاقية السلام، والذي فشل الشريكان في الحُكم، خاصة المؤتمر الوطني، وبقية القوى السياسية، في تحقيقه خلال الفترة الانتقالية.

    3.2 "سؤال المليون دولار" هو: كيف يتم تنفيذ هذا الانتقال السلمي والتوصل لتسوية سياسية شاملة؟ وإن كنتُ أزعم بأن هذا هو السيناريو الأكثر تفضيلاً لمعظم القوى السياسية وأطياف واسعة من السودانيين، بما في ذلك الحركات المسلَّحة، وبعض من قوى المعارضة، بل والمجتمعين الإقليمي والدولي، إلا أن الكثير من المُشكِّكين يعتقدون بقوة أن الأولوية ينبغي أن تتجه إلى الإطاحة بالنظام. ويرى هؤلاء أن النظام لا يمكن تحسينه، بل لا بد من إزالة سياساته ومؤسساته وشخوصه نهائياً كشرطٍ مُسبق لأية محاولة إصلاح حقيقي. فمن هذا المنظور، فإنه لا يمكن تحقيق التحول الديمقراطي، بأي حالٍ من الأحوال، طالما ظلَّ المؤتمر الوطني يحتكر السلطة ويسيطر بالكامل على مؤسسات الدولة ويقمع حرية التنظيم والتعبير. ومع ذلك، يتعيَّن علينا هنا أن نعترف بأن نجاح هذا السيناريو يتوقف على قدرة الحزب الحاكم لتغيير سياساته ومواقفه، إما نتيجة لحراك وديناميات داخلية في صفوفه أو بفعل العمل المعارض، أو استجابة لضغوطً خارجية. فإن النظام منهكٌ، لتعرُّضه فعلياً لضغوط على جبهات متعدِّدة على الأصعدة العسكريَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، بينما ينتابه قلق متزايد حول احتمالات الانتفاضة الشعبيَّة، على شاكلة الربيع العربي، وهو احتمالٌ لم يعُد تُنكره حتى بعض القيادات البارزة في الحزب الحاكم، ولا سيَّما في ضوء الأزمة الاقتصاديَّة المتصاعدة. وهكذا، يتعرَّض النظام لضغوط متزايدة من القواعد الشعبية للحزب، بل وفي صفوف الحركة الإسلامية، التي جاءت به إلى السلطة، وكذلك من قوى المعارضة السياسيَّة، بالإضافة إلى المجتمع الإقليمي والدولي.

    3.3 ولذلك، فإن الانتقال السلمي لن يتحقق إلا إذا اعترف الحزب الحاكم بعُمق الأزمة وأنه من المستحيل بمكان، في ظلِّ هذا الاستقطاب والمناخ السياسي المحتقن، أن يواجه ويعالج التحديات الجسام لــ"سُودان ما بعد الانفصال" بمفرده ولوحده، أو حتى مع حلفائه. إن المؤتمر الوطني مطالبٌ بأن يُقِرَّ بكينونة القوى السياسية والمدنية السودانية، وصعود قوى جديدة في مناطق النزاع المسلح (دارفور وجنوب كُردُفان والنيل الأزرق) وقواعدها الاجتماعية، وبدورها وضرورة مشاركتها في إيجاد الحلول لمشكلاتنا القومية.

    3.4 في أعقاب مذكرة ادِّعاء المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة في 14 يوليو 2008 (قبل صدور أمر التوقيف في مارس 2009)، كتبتُ سلسلة من المقالات بعنوان “طلقة في الظلام” نُشرت في ثلاث حلقات متزامنة في عددٍ من الصحف اليومية السودانية (الرأي العام، الأحداث، الصحافة) وبعض المواقع الإلكترونية (سودانايل، سودان تريبيون، نيو سودان فيجن، سودانيز أون لاين) خلال شهر أكتوبر2008. كانت الأطروحة الرئيسية لهذه المقالات، وأقتبس: «الإدعاء في حق الرئيس، ناهيك عن اعتقاله، إن ذهب إلى نهاياته المنطقية سيشعل فتيل الصراع على السلطة، حتى في داخل المؤتمر الوطني. وفي ظلِّ كثرة القوى المتطلعة إلى السلطة، وتعدُّد الفصائل المسلحة، واحتدام النزاع في دارفور، وتحفُّز القوى الإقليمية والدولية، ثم غياب البديل المتفق عليه للرئاسة، ينفتح الباب واسعاً، وتتشكل وصفة جاهزة لانهيار الدولة السودانية. فمِمَّا لاشك فيه أن تداعيات إدعاء المحكمة الجنائية الدولية في حق رأس الدولة، مهما يكون رأينا في شخصه أو حزبه، ستعصف بأي فرصة للانتقال السلمي إلى الحُكم الديمقراطي التعدُّدي وتعرِّض البلاد لمصير مجهول قد يفضى بالانزلاق إلى هاوية فوضى شاملة وحرب أهلية مدمِّرة. خلافاً لادِّعاء الحقوقيين والمُشكِّكين من السياسيين، بأن الاتهام الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية سوف ينقل السودان إلى مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً، وستكون فرص السلام أكبر، ينبغي علينا أولاً أن نضمن ونطمئن على بقاء السودان متماسكاً قبل التكهُّن بمستقبله». (الأحداث، 20/10/2008).
    3.5 على هذه الخلفية، ونظراً للمساندة واسعة النطاق والمؤازرة غير المسبوقة التي حظي بها رئيس الجمهورية، داخلياً وإقليمياً وعالمياً، في مواجهة مذكرة إدعاء المحكمة الجنائيَّة، دعوتُ للوقوف خلف الرئيس البشير، مقترحاً دعم ترشيحه للرئاسة من قِبَل جميع القوى السياسية على أساس برنامج وطني توافقي يضع “الوطن فوق الحزب”. سيكون هذا البرنامج بمثابة المانيفستو الانتخابي للرئيس، وهدفه الأساسي أن يقوم الرئيس بإكمال مهمة الانتقال السلمية للديمقراطية والتعدُّدية السياسية. ذلك، خاصة وأن ليس هناك من حزب سياسي آخر قد حسم أمر تقديم مرشحه للرئاسة في ذلك الوقت المبكر. ومن ناحية أخرى، فقد نوَّهتُ إلى أنه من البديهي أن الاتفاق على هذا الترتيب لا علاقة له، على الإطلاق، بالتحالفات الانتخابية لهذه القوى والتي تتنافس على أساس البرامج الحزبية، للفوز بمقاعد الهيئة (الهيئات) التشريعية، والمناصب التنفيذية الولائيَّة.

    3.6 ومع ذلك، اقترحتُ أن موافقة القوى السياسية على دعم الرئيس في الانتخابات لابد أن يقابلها الرئيس بالمثل من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير والخطوات الحاسمة، وهي: 1) إعادة تشكيل حكومة “الوحدة الوطنية” من خلال استيعاب القوى السياسية التي لديها الثقل السياسي والاجتماعي وتتمتع قواعد شعبية، و2) الاتفاق السياسي على برنامج وطني يجمع كل القوى السياسية، جنباً إلى جنب مع شريكي الحُكم، بهدف تمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرَّة ونزيهة، مع الرصد والإشراف على تنفيذ الاستحقاقات المتبقية لإنفاذ التحوُّل الديمقراطي، والتوصُّل إلى تسوية سياسية عادلة للنزاع في دارفور. هذا هو النهج الصحيح والملائم لمعالجة جذور أزمتنا الوطنية. سيجد الالتزام بهذا البرنامج التأييد والمساندة داخلياً وإقليمياً، كما سيُجبِرُ المجتمع الدولي على مراجعة حساباته، فتنجلي الأزمة مع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة. وقد استَنَدَت أطروحتي على العوامل الآتية:

    ‌أ- لابد من إدراك أن مسالة العدالة ليست بأمر قانوني بحت، إنما هي قضية لها مسوِّغاتها ودوافعها السياسيَّة، وهذا بالضبط ما حدا بالموقعين على النظام الأساسي للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة إدخال المادة (16) التي تمنح الحق لمجلس الأمن في تعطيل إجراءات الإدعاء أو تجميد المحاكمة لمدة عام قابل للتجديد إن تناقضت مع متطلبات تحقيق السلام ومقتضيات إشاعة الاستقرار. ولا حاجة للتأكيد بأن مجلس الأمن يعمل وفقاً لأجندة سياسية لضمان إرساء قواعد السلم والأمن الدوليين، كما يتبع لمنظمة الأمم المتحدة، والتي في جوهرها تمثل تجمعاً سياسياً عالمياً.

    ‌ب- موضوع العدالة الجنائية والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب لم يغب عن أجندة التفاوض في نيفاشا، بل تواضعت أطراف النزاع على تقديم السلام والاستقرار ومعالجة أمر العدالة في إطار أشمل للمصالحة الوطنية وتضميد الجراح.
    ‌ج- من ناحية أخرى، فإن هناك النشطاء الحقوقيين مِمَّن يؤمنون بأولوية، ووجوب وضرورة تحقيق العدالة أولاً، دون مراعاة أو اعتبار لما قد ينجُمُ عن ذلك من عواقب وخيمة وفوضى عارمة. لو كان الأمر كذلك لتمسَّكت الحركة الشعبية بإنزال العدالة قبل وقف حرب طويلة الأمد ارتُكبت خلالها الفظائع وانتُهكت حقوق الأبرياء، ولما صافح الزعيم الراحل، د. جون قرنق، ووضع يده في يد الرئيس. وفي الواقع، فقد أعلنت الحركة الشعبية تضامُنها الكامل مع الرئيس بعد صدور مذكرة ادِّعاء المحكمة الجنائيَّة، بل ترأس سلفا كير، الذي خلف جون قرنق في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، اللجنة العليا التي شكَّلها الرئيس بنفسه لمعالجة الأزمة التي خلفها قرار المحكمة. كما قال مالك عقار، نائب رئيس الحركة الشعبية للسيد الرئيس عند مخاطبته جماهير ولاية النيل الأزرق بمناسبة الاحتفال بوضع حجر الأساس لمشروع تعلية خزان الروصيرص في 14 أغسطس 2008: «إن الاستهداف موجودٌ ولكن أقول إن مذكرة أوكامبو هي “بلبصة ساكت”». وزاد مؤكداً وقوفه خلف رئيس الجمهورية: «وإنت السيد الرئيس، زول كبير وبالتالي لا تلتفت “للبلبصات”. كلنا خلفك من أجل التنمية، وسر ونحن وراك».

    ‌د- وحتى بعد تفاقُم الحرب في دارفور وتدهوُر الظروف الإنسانية، بكل ما صاحبها من تضخيمٍ إعلامي لم تحظ به حرب الجنوب التي كانت أشد شراسة وأكثر وحشية، لم تتصدَّر العدالة الجنائيَّة أجندة القوى السياسية المعارضة، إلا بعد صدور إدعاء المحكمة الجنائية الدولية، بل كان الاهتمام منصباً على كيفية حلِّ النزاع سلمياً، والتوصُّل إلى تسوية سياسية مرضية.

    ‌ه- ظلَّت مصداقية المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، ولم تزل، موضوعاً مثيراً للجدل، تختلف حوله آراء الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، حتى وسط الدول الأعضاء في كل العالم، بما في ذلك الدول الغربية والولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، فإن معظم دول العالم الثالث، وفى أفريقيا بالذات، حتى إن كانت من المصادقين على النظام الأساسي للمحكمة، تطعن في عدالة المحكمة بسبب الانتقائية، وازدواجية المعايير، والخضوع لدوافع سياسية. وقد تمَّ التعبير عن هذه الشكوك بصوتٍ عالٍ في الاجتماع الأخير (الثالث والستون) للجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر 2008. وهكذا، اصطفت الأغلبية الساحقة من البلدان الأفريقية والدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بحزم خلف البشير في إدانة مذكرة الادِّعاء. وفي 3 يوليو 2009، أصدر الاتحاد الأفريقي قراراً قضى بعدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، مطالباً مجلس الأمن الدولي بتأجيل العملية التي بدأتها المحكمة وفقاً لأحكام المادة 16 من نظام روما الأساسي. ومع ذلك، لا بد من التأكيد على أن تفعيل عملية التأجيل هذه، بدوره، يدعو إلى إجراء إصلاحات قضائية وإنشاء آليات العدالة الانتقالية والمصالحة التي تؤدي إلى ثقافة المساءلة، وتنفيذ التدابير القانونية والقضائية لوضع حد للإفلات من العقاب في جميع مناطق النزاع المسلح.

    الكرة الآن في ملعب الرئيس

    1. بعد أربع سنوات من نشر سلسلة مقالاتي، في أكتوبر 2008، أعادت مجموعة الأزمات الدولية(ICG) أطروحتي إلى الحياة، في أحدث تقريرٍ لها عن السُّودان، بعنوان: “إصلاح أساسي أم المزيد من الحروب؟”، في 29 نوفمبر 2012. ويشدِّد التقرير على أن النزاع المُزمن في السُّودان لا يزال مستمراً، مدفوعاً بتركيز السلطة والموارد في المركز. وهكذا، فإن النظام في الخرطوم يواجه أزمة عميقة وتحديات متعدِّدة تهدِّد وجوده، واستقرار السُّودان بشكل عام. ومع أن الكثيرين يأملون في انقلاب عسكري أو انتفاضة شعبية قد تجبر البشير والمؤتمر الوطني للتنحِّي عن الحكم، إلا أن هناك خطر كبير في أن يفضي أي من الاحتمالين إلى مزيدٍ من العنف. ووفقاً لمجموعة الأزمات، فإن الحل يكمُنُ في حكومة انتقالية أكثر شمولاً، وذات مصداقيَّة، بمشاركة المؤتمر الوطني، وحوار وطني هادف حول دستور جديد، وخارطة طريق لتغيير دائم في كيفية حُكم السُّودان. فإذا اتخذ النظام خطواتٍ ملموسة من أجل عملية انتقالية ذات مصداقيَّة، فإنه يمكن لمجلس الأمن أن يطلب من المحكمة الجنائية الدولية إرجاء محاكمة البشير لمدة عام، قابل للتجديد، بموجب المادة (16) من نظام روما الأساسي، على أن لا يكون هناك التزامٌ بالتجديد إن تراجع البشير عن تعهُّده بالإيفاء بمستحقات عملية الانتقال.

    2. بطبيعة الحال، فلقد تدفقت الكثير من المياه تحت الجسر خلال هذه السنوات الأربع، من حيث التطوُّرات الجديدة والمتغيِّرات التي ظهرت في هذه الأثناء. وتشمل هذه التطوُّرات: انفصال الجنوب، وتكوين دولته المستقلة، واندلاع الحرب في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق، وتصاعد العُنف في دارفور، وتزايد التوتر مع جنوب السُّودان، والاحتكاكات المرصودة، والصراع على السلطة داخل الحزب الحاكم نفسه. لذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ما تزال الأفكار التي أوردتها في أطروحتي صالحة وقابلة للتطبيق بعد انقضاء هذه المدة؟! أم أن هذه المتغيِّرات الجديدة جعلتها عديمة الجدوى ومنتهية الصلاحية؟!
    3. من جانبي، أنا أميل إلى الاعتقاد بأن اقتراحي ما زال ضرورياً، وأن هذه التطورات الجديدة تجعله أكثر أهمية مما كان عليه قبل أربع سنوات مضت. أثبت التطوُّر التاريخي لنظام “الإنقاذ” أن الرئيس هو الشخص الوحيد الذي يحظى بموافقة وقبول جميع الفصائل في المؤتمر الوطني، والحركة الإسلامية التابعة له. وعلى الرغم من الفهم بأن الرئيس هو الوحيد الذي يمتلك القدرة للحفاظ على الحزب والحركة الإسلامية معا، إلا أن هناك بعض الذين يعتبرونه عبئاً، خاصة في أعقاب مذكرة اعتقال المحكمة الجنائية الدولية. مع ذلك، فإن الأسماء المطروحة والمتداولة كبديل للرئيس لا يبدو أنها تتمتع بقاعدة يعتد بها داخل المؤتمر الوطنى أو تأييد من قبل القوات المسلحة لحشد وتعبئة الناس حول أى منها. وهكذا، يظل الرئيس رمزاٌ القوات المسلحة والقائد الأعلى للجيش، وكذلك يتسنَّم مقاليد السلطة بشكل كامل، ويسيطر على، ويدير بمهارة، عملية الصراع المحتدم على السلطة بين الأجنحة المتنافسة داخل المؤتمر الوطني. وقد تجلى ذلك من خلال الصراع الملحوظ على خلافة الرئيس في السلطة (الذي سبق أن أعلن عن عدم نيته للترشُّح لفترة رئاسية قادمة)، والذي طفا على السطح في أعقاب الإعلان الرسمي عن الحالة الصحية للرئيس والعمليات الجراحية التي أجراها خلال الربع الأخير من العام المنصرم. وعلاوة على ذلك، فقد أصبح الآن رئيس الهيئة القيادية العليا للحركة الإسلامية السودانية، إلى جانب رئاسته للحزب الحاكم.

    4. بهذه المواصفات، فعلى الرئيس أن يخلع جلباب الحزب الضيق ويتوشَّح بعباءة كل السُّودان/الوطن بتبنيه لبرنامج لا يلبي رغبات ناخبيه فحسب، بل يتعداها ليستجيب لمطالب القوى السياسية، والتي في أصلها استحقاقات دستورية قائمة على اتفاقيات مع هذه القوى ذاتها، وبذلك يُرضي الرئيس مواطنيه من كافة الاتجاهات، ويحافظ على مكتسبات كل الشعب السوداني وتطلعاته لسلامٍ دائمٍ ولحياة آمنة وكريمة. وها هو الرئيس نفسه، في مخاطبته للشعب السوداني في أعقاب فوزه في الانتخابات، يؤكد أن: «شكرنا في هذا اليوم يشمل كل الذين وقفوا معنا وأيَّدونا من قطاعات الشعب كافة، وكذلك يشمل من لم يُؤيِّدونا، ولكن لا يخصم عدم تأييدهم لنا من مواطنتهم شيئاً، فرئيس الجمهورية يمارس سلطاته كرئيسٍ للجميع، وهو مسئولٌ عنهم، هذه حقيقة أؤكدها والتزامٌ أعلنه. يدينا وعقولنا مفتوحة لكل القوى العاملة في إطار الدستور، بالتواصُل والتحاوُر والتشاوُر لتأسيس شراكة وطنية نواجه بها التحديات». وبدورها، تستدعي هذه الاستجابة لطموحات كل المواطنين اتخاذ الخطوات العملية اللازمة لترجمة كلماته إلى أفعال ملموسة.

    5. إن الرئيس، بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، لم يعُد مجرَّد رئيس للجمهورية، يمارس صلاحياته وسلطاته العادية، بل إنه المسئول الأوَّل عن أهم عملية انتقال سياسي وتحوُّل دستوري بعد استقلال البلاد في 1956. وبهذه الصفة، وكضامنٍ أوَّل لسلامة الترتيبات الدستوريَّة التي قامت على اتفاقية السلام، فهو أيضا المسئول الأول عن إبعاد شبح تقسيم وتشظي البلاد، والحفاظ على سلامة ما تبقى من السُّودان القديم. فهناك كثيرون يعتقدون خطأ بأن اتفاقية السلام تُعنَى فقط بإنهاء الحرب بين الشمال والجنوب، غافلين عن أن للاتفاقية هدفان توأم، هما: 1) وقف الحرب وتحقيق السلام، و2) التحوُّل الديمقراطي. فحين أنه من الصحيح أن الفترة الانتقالية قد انتهت رسمياً بعد استقلال جنوب السُّودان، إلاَّ أن عدد من القضايا العالقة وترتيبات ما بعد الانفصال لا تزال قيد المفاوضات. وهكذا، فإن بنود كل من اتفاقية السلام الشامل واتفاق القاهرة، بين المؤتمر الوطني والتجمُّع الوطني الديمقراطي، فيما يتعلق بالتحوُّل الديمقراطي لا يزال يتعيَّن تنفيذها. وبهذا الفهم، فإن قضايا الاتفاقية العالقة لا تقتصر على النزاع في المناطق الانتقالية الثلاث )جنوب كُردُفان، النيل الأزرق، وأبيي(، بل إن الانتقال إلى الديمقراطية هو في حدِّ ذاته أحد القضايا العالقة الهامة.

    6. لذلك، ما زال لدى الرئيس البشير فرصة ذهبية في لعب دور تاريخي حاسم، الأمر الذي سيحوِّله إلى بطلٌ قومي وزعيمٌ سياسي، يقود من خلاله عملية توافُقٍ سياسي على برنامج وطني يستجيب للتحديات الجسام التي تكتنف الأزمة الوطنية الماثلة، وعلى آليات تنفيذه. فلدى الرئيس صلاحيات دستوريَّة واسعة تتيح له تطوير حزمة من الإجراءات والتدابير اللازمة التي من شأنها أن تجنب تدهور الأزمة والانحدار نحو السيناريو الثاني. تشمل هذه الخطوات:
    ‌أ- تكريس وتخصيص الفترة المتبقية من ولايته لقيادة عملية إنجاز المهام التي لم تكتمل في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، والمنصوص عليها في الدستور القومي الانتقالي، وذلك بهدف ضمان الانتقال السلمي إلى نظام ديمقراطي تعددي.
    ‌ب- ابتدار، والشُّروع في، حوار صريح ومباشر وجاد مع جميع القوى السياسية في المعارضة من أجل التوصُّل إلى توافُقٍ وطني واتفاق سياسي على العناصر الأساسية لبرنامج “قومي” يُفضي التنفيذ الأمين له إلى مقابلة التحديات التي تواجه البلاد في هذا الظرف الحرج والدقيق من تاريخها الحديث.

    ‌ج- توسيع قاعدة الحكم من خلال تشكيل “حكومة مشاركة” حقيقية، على المستويين الاتحادي والولائي، وذلك بتمثيل القوى التي لها ثقلٌ سياسي وقاعدة شعبية لدعم تنفيذ هذا البرنامج، بغضِّ النظر عن مشاركتهم في الانتخابات الماضية أو مقاطعتهم لها، في هذه الظروف الاستثنائية.

    ‌د- تحديد أولويات برنامج الحكومة، وعلى رأسها: مخاطبة ومعالجة القضايا العالقة وقضايا ما بعد الانفصال، واستكمال المتطلبات المتبقية من إنفاذ عملية التحوُّل الديمقراطي، من خلال تنفيذ جميع البنود ذات الصلة من اتفاقية السلام الشامل، واتفاق القاهرة. وهذه تشمل، وقف الحرب في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق، حلَّ قضية أبيي بطريقة من شأنها الحفاظ على تلك المنطقة كجسرٍ للتمازج بين الشمال والجنوب ونموذجاً للتعايُش السلمي، وإنهاء الحرب والنزاع المسلَّح في دارفور، جنوب كُردُفان، والنيل الأزرق، بالنزوع إلى منهج شامل يتجاوز الحلول الجزئية بما يحقق العدالة والسلام الدائم، وإرساء مبدأ الشفافية والمساءلة والعدالة الانتقالية وعدم الافلات من العقاب والمحاسبة علي اقتراف الجرائم الجسيمة وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الانسان.
    ‌ه- البدء في صياغة آليات ووسائل المصالحة الوطنية الشاملة، وتضميد الجراح في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق المتأثرة بالحرب.

    و- الشروع في مراجعة دستوريَّة شاملة في سياق عملية تتسم بالتوافُق والشمول والشفافيَّة والمشاركة الواسعة لكل القوى السياسيَّة والمدنيَّة، بغضِّ النظر عن الشكل الذي تتخذه هذه العملية، وذلك بهدف معالجة، والتوصُّل إلى توافُق الآراء بشأن كل القضايا الخلافيَّة الوطنيَّة.

    ‌ز- تمهيد الطريق والتوصُّل إلى توافقٍ في الآراء مع جميع القوى السياسية المتنافسة على الشروط اللازمة والتشريعات الضروريَّة لتهيئة المناخ وتسوية أرضيَّة الملعب لإجراء انتخاباتٍ حُرَّة ونزيهة بما يرضي هذه القوى، بما في ذلك تشكيل هيئة ذات مصداقيَّة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها.

    7. وبالمثل، فإن قوى الجبهة الثورية وأحزاب المعارضة السياسية عليهم أن يظهروا للشعب السودانى، فى المقام الأول، وللمؤتمر الوطني بأنهم جادون في الدخول في حوار واسع مع جميع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمشاركة في حكومة ذات قاعدة عريضة. الكثير من السودانيين، حتى بين أولئك الأكثر ليبرالية وممن نالوا حظا أكبر من التعليم، لا يرون كيف يمكن لهذه القوى أن تساعد فى تحريك الأوضاع الراهنة إلى الأمام، خاصة إذا كانت هناك فرصة حقيقية لحوار وطني يؤدي إلى الإنتقال والتحول السلمى. إن ميثاق "الفجر الجديد" يعطي الأولوية للوسائل المدنية والديمقراطية للتغيير. ومع ذلك، يتعين على الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطنى الشروع في جهود علنية وملموسة توصل من خلالها رسالة إلى الشعب السوداني مفادها أنهم، في المقام الأول، يقفون مع التغيير السلمي والتسوية السياسية الشاملة. لاشك، أن مثل هذه الجهود تعزز عملية التوافق الوطني، ويمكن أن تشمل: أ) إنشاء لجنة رسمية من قبل هذه القوى تعهد إليها مهمة التواصل والحوار مع المؤتمر الوطني وبقية القوى السياسبة حول العناصر الأساسية للتوافق الوطنى، ب) إبتدار حملة إعلامية، من جاب هذه القوى، في جميع أنحاء البلاد لتوصيل أي من الرسائل التى تفيد باستعدادهم للمضي قدما في تنفيذ التسوية المقترحة، وج) إجراء مبادرة تهدف بوجه خاص إلى حوار الشباب-الشباب، عبر أحزابهم السياسة المختلفة، خاصة بعد أن أصبحت السياسة فى الحركة الطلابية فى الجامعات تتسم بالعنف المفرط والأذى المتبادل.

    8. أنا مدركٌ لأن ما طرحته من اقتراح سيرفع حواجب أعيُنٍ كثيرة، وقد يبدو مُرُّ المذاق لبعض الأطراف، وشاقٌ على نفس البعض الآخر، إلا أنه يهدف إلى وضع حلٍ سلمي للأزمة الوطنية المحتدمة، وبالتالي تجنُّب انهيار الدولة السودانية، وإحباط الحلول المفروضة من الخارج. وبالمثل، لستُ بحاجة لأن أؤكد بأن اقتراحي يتوقف على اعتراف الرئيس، وكذلك المؤتمر الوطني، بأن نطاق وحجم الأزمة السودانية والمخاطر التي تهدِّد وجود الدولة نفسها، أكبر بكثير من كل تجاربهم السابقة، مما يجعل اللجوء إلى المقاربات المعتادة والوصفات الجاهزة مجرَّد ممارسة عقيمة. إن التحديات التي تجابه البلاد حالياً أضخم بكثير من قدرة أي حزبٍ أو تنظيمٍ على معالجتها بمفرده.


    خاتمة
    1. للمفارقة، تجئ احتفالات السُّودان هذه الأيام بذكرى الاستقلال السابعة والخمسين، من الحكم الاستعماري، والبلاد منقسمة على نفسها من كل النواحي، رأسياً وأفقياً. فإلى جانب هشاشة مؤسسات الدولة، يُشكِّل هذا الانقسام الوصفة المثالية لتفكُّك الدولة. فنحن نفتقر إلى رؤية مستقبليَّة واضحة وقيادة توافُقيَّة ملهمة، وهما عاملان أساسيان من بين العوامل الحاسمة والمطلوبة لتحجيم ولَجْمِ النزاعات المسلحة المتفاقمة، والانقسامات السياسية العميقة، والانبعاث المقلق للنزعات العرقيَّة والإثنيَّة والقبليَّة، وبالتالي الحفاظ على تماسُك ما تبقى من البلاد، وتجنُّب تفكُّك الدولة. حدث ذلك في الصومال، من بين حالاتٍ أخرى، وربما يحدُث في السُّودان. ففي الواقع، لم يُفلح التجانُس الإثني واللغوي والديني في إنقاذ الصومال من التمزُّق وفشل الدولة. فالحكمة التقليديَّة القائلة بأن السُّودانيين في مأمنٍ من، وبمنأى عن مثل هذا السيناريو المُرعب، بحُجَّة تفرُّد تركيبته الاجتماعية وخصوصيَّة ثقافته وقيمه السائدة، لا تصمُدُ في وجه الواقع الماثل. فلا يمكن للموروثات الاجتماعيَّة والثقافيَّة أن تمنع العُنف والصراع المنفلت على السُّلطة بدون، على الأقل، وجود قواسم مشتركة بين القوى الرئيسيَّة ومنبرٌ سياسيٌ مُوحَّد، أو توفُّر الحكمة لدى القيادات والطبقة السياسيَّة السودانية ككل. في الواقع، لم يتحقق الانتقال السلمي في أي بلد بالعالم في غياب قيادة حكيمة وبصيرة.

    2. لا يمكن أن نتصوَّر أن إسقاط النظام والتغيير السياسي سيتم، هذه المرَّة، بالطريقة التقليديَّة من خلال نقل السلطة بواسطة القوات المسلحة، كما حدث في 1964 و1985، أو في الثورتين التونسية والمصرية في 2011. وبطبيعة الحال، هذا لا يستبعد انتفاضة شعبية أخرى، ولو بشكلٍ مختلف، وبتكلفة بشريَّة وماديَّة باهظة. ومع ذلك، فلدى الرئيس البشير فرصة تاريخيَّة، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السُّودان، لاتخاذ قراراتٍ جريئة لإنقاذ البلاد من الانزلاق إلى الهاوية، وتحويل نفسه إلى بطل قومي، مع استعادة المصداقيَّة المفقودة للمؤتمر الوطني. فعلى الرغم من أن جنوب السُّودان قد انفصل في عهد الرئيس، قد يجد له التاريخ العُذر، خاصة أن الانفصال كان استجابة لطموحات وتطلعات الجنوبيين في عملية شفافة ونزيهة بدرجة كبيرة، وبأغلبيَّة ساحقة في الاستفتاء على تقرير المصير. ولكن، إن أخذ السيناريو الثاني مجراه، فسيُسجِّل التاريخ أن السُّودان تمزَّق وتفتَّت تحت قيادة ورعاية الرئيس البشير.

    3. وأخيرا، من المهم أن نفهم أن رسم هذه السيناريوهات، خاصة السيناريو الثالث، لا يهف إلى تقديم وصفات جاهزة لا تقبل الجدل لمآلات التغيير السياسي فى السودان. بل، إن الغرض من هذا التمرين هو المساعدة على تجاوز المأزق الحالي وتحريك الجمود في الوضع السياسي الراهن، وخلق راي عام يضغط في وجهة المساومة التاريخية، من خلال إثارة النقاش وإثراء الحوار حول الطرق الواقعية والعملية لتحقيق الإنتقال السلمي والتسوية السياسية الشاملة. وهكذا، فقد إكتفت جميع القوى السياسية، بما فيها الحزب الحاكم والمعارضة السياسية والحركات المسلحة، بالإدلاء ببيانات عامة ومعممة تؤكد على تفضيلهم لخيار الحل السياسي السلمى. ومع ذلك، فإن إضفاء قدر من المصداقية على هذه التصريحات، تستوجب على هذه القوى التقدم بمقترحات واقعية وملموسة للإجابة على "سؤال مليون دولار": كيف يتحقق هذا الإنتقال السلمى؟ ولا تمثل مساهمتى هذه سوى مجرد محاولة نحو الإجابة على هذا السؤال.


    تورونتو- كندا
    [email protected]


    --------------------

    المسألة السودانية: فشل البناء الوطني وتجربة الإسلام السياسي


    02-11-2013 09:49 AM
    ياسر عرمان

    ورقة مقدمة بمعهد مونتيري للدراسات الدولية
    بدعوة من منظمة Global Majority "غلوبال ماجوريتي"
    • ياسر عرمان

    الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان
    سكرتير الشؤون الخارجية للجبهة الثورية السودانية
    1 فبراير 2013

    موجز الأفكار المقدمة في الورقة:

    • ما هي المسألة الشمالية والمسألة السودانية؟
    • لماذا يعتبر السودان دولة فاشلة؟
    • الأزمة الإنسانية: المساعدات الإنسانية قبل الحل السياسي: الأولوية لإنقاذ الأرواح الآن
    • الإسلام السياسي عاملٌ مهددٌ للوحدة الإفريقية
    • الفجر الجديد: الطريق نحو المضي قدماً
    • الوحدة السودانية: وحدة بين دولتين مستقلتين
    • خاتمة

    بدايةً، أود أن أعرب عن عميق شكري وتقديري للجالية السودانية، وللناشطين السودانيين في ولاية كاليفورنيا. والشكر والتقدير موصولان أيضا لمعهد مونتيري للدراسات الدولية، ولمنظمة Global Majority "غلوبال ماجوريتي" وللسادة الأجلاء نيكولاس، ومايكل، وحمدان الذين جعلوا هذه الفعالية ممكنة اليوم، للتأمل والتفكير في إحدى المسائل الإفريقية الأهم ألا وهي المسألة السودانية، التي هي في جوهرها مسألة تواجه وتثير تحديات عصيبة أمام جميع الدول الإفريقية لكونها تتمثل في تحديات البناء الوطني والتشكل القومي.

    وسأشدد على وجه الخصوص-خلال العرض الذي أقدمه اليوم- على تجربة الإسلام السياسي في السودان، بما تمخضت عنه من نتائج مريرة مؤلمة تجسدت في الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفوق ذلك، انفصال جنوب السودان. وبالنظر إلى تزايد نشاط حركة الإسلام السياسي في إفريقيا، فإنه يتعين الأخذ بتجربة الإسلام السياسي في السودان على محمل الجد..كل الجد من قبل القارة بأسرها وجميع الإفريقيين بالضرورة.

    لنبدأ عرضنا هذا بتقديم تعريف موجز للمسألة السودنية من وجهة نظرنا نحن في الحركة الشعبية لتحرير السودان.

    فما هي المسألة الشمالية و المسألة السودانية؟

    • كثيرا ما يُنظر إلى السودان استنادا إلى تقسيمات وثنائيات نمطية بعينها مثل: الشمال-الجنوب، مسلمون-مسيحيون، عرب-أفارقة..إلى آخره. غير أن هذه الثنائيات والتقسيمات النمطية لا تعدو عن كونها ابتسارا وتبسيطا مخلين للمسألة السودانية. و الأن ، وقد أصبح شمال السودان كيانا قائما بذاته له خصائصه في التنوع العرقي والديني واللغوي والثقافي القائمة بذاتها عقب انفصال جنوب السودان. ولذا يجب النظر إلى هذا الكيان الذي يجسد المسألة السودانية التي نعنيها.
    • إن المسألة الشمالية هي أزمة ناشئة عن غياب مشروع شامل لبناء الأمة منفتح على الجميع، علاوة على غياب عملية سديدة للتشكيل الوطني قوامها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فضلا عن حفظ التوازن بين المركز والأقاليم. ويتشكل "السودان الجديد" الذي نصبو إليه عند تحقيق هذين الهدفين الرئيسيين: مشروع البناء الوطني وعملية التشكل القومي على نحو مغاير تماما لما هو قائم الآن.
    • ذلك أن المشروع الوطني الراهن يقوم على معايير في غاية الضيق والمحدودية، لطالما أدت إلى تهميش وإقصاء أغلبية السودانيين على أسس دينية وثقافية وعرقية واقتصادية وسياسية، علاوة على ممارسات الإقصاء والتهميش القائمة على أساس النوع.
    • ولا يتمخض التعاضد المستمر بين سياسات التهميش ونظام الحكم الشمولي الديكتاتوري إلا عن مزيد من استمرار الحروب وعدم الاستقرار.
    • ولئن اختار الجنوبيون الانفصال وإقامة دولتهم المستقلة، فإن ذلك مردّه في الأساس إلى عدم الاعتراف بالتنوع الديني والعرقي والثقافي من جهة، وسوء إدارته من جهة أخرى، علاوةً على انعدام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
    • وعليه فقد نشأ جنوب سياسي جغرافي جديد تماما في شمال السودان نفسه. وبات واضحا بعد انفصال الجنوب التقليدي أنه لا يمكن للسودان أن يظل بلا "جنوب" جغرافي جديد، تمارس عليه ذات السياسات التي أدت إلى انقسام الجنوب التقليدي.
    • وبات واضحا بالقدر ذاته أن الجنوب التقليدي لم يكن مجرد كيان جغرافي فحسب، بل هو رقعة ذات بعد إنساني في المقام الأول. وخاض ذاك الجنوب كفاحا طويلا ومريرا من أجل الاعتراف بالتنوع والعدالة الاجتماعية. والآن، يستمر الكفاح نفسه من أجل نيل الحقوق ذاتها في الجنوب الجديد الناشئ حديثا في شمال السودان.
    • ويجدر القول أن الجنوب الجديد في شمال السودان تقطن في ربوعه وعلى امتداد أراضيه مجموعات عرقية متنوعة- عربية وغير عربية على حد سواء. فقبائل الرزيقات والمسيرية وغيرهما في غرب السودان، والرشايدة وغيرهم في شرق السودان، بما في ذلك طيف عريض واسع من التكوينات العرقية هي جميعا جزءا لا يتجزا من جنوب السودان الجديد. وكذلك النساء وفقراء المدن وغيرهم من القوى المهمشة.
    • لقد أدت سياسات المؤتمر الوطني الحاكم إلى اندلاع حرب شاملة في جنوب السودان الجديد، من دارفور وحتى منطقة النيل الأزرق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقة ما بين السودان وجمهورية جنوب السودان التي استقلت حديثا تتسم بالتوترات ولا تزال تعيقها الكثير من المسائل العالقة.
    • وبالتالي، فإنه لا سبيل إلى وجود دولتين تتوفر لهما مقومات البقاء وتتمتعان بعلاقات استراتيجية في جمهورية جنوب السودان وجمهورية السودان إلا بإحداث التحول السياسي اللازم في الخرطوم، وعندما تتقاسم كلتاهما قيما ديمقراطية مشتركة. وكما نعلم، فقلّما تندلع الحروب ين دولتين ديمقراطيتين. وفي المقابل، فإن الطموح إلى إيجاد علاقات طيبة وسلمية بين جوبا والخرطوم في ظل النظام الإجرامي الحاكم في الخرطوم، إنما هو أشبه بالأمل في إيجاد علاقات طيبة سلمية بين فرنسا وألمانيا في ظل نظام هتلر النازي.
    • ونتيجةً لتمسك قيادة المؤتمر الوطني بالإبقاء على ذات السياسات البالية التي أدت إلى انفصال الجنوب، وهي سياسات تقوم على الهيمنة وضيق الأفق والمعايير والإفلاس الأيديولوجي والكفر بالتنوع وعدم الاعتراف به-على النحو الذي كرسته خطاب عمر البشير، منها على سبيل المثال الخطاب الشهير الذي ألقاه في مدينة القضارف، وغيره من الخطابات التي أعقبت انفصال جنوب السودان، فقد وضعت تلك الخطب الأساس اللازم لشن حرب جديدة على جنوب كردفان و النيل الأزرق.
    • تأسيسا على السياسات المذكورة أعلاه، استهدف المؤتمر الوطني الحركة الشعبية بالشمال التي رأى فيها مهددا سياسا وعسكريا رئيسيا مرعبا لنظامه. وبالنتيجة، فقد شن النظام الحرب على جنوب كردفان/جبال النوبة والنيل الأزرق. وهي حرب أسفرت حتى الآن عن نزوح ما يربو على 900000 من النازحين المدنيين بمن فيهم أولئك اللاجئون الذين عبروا الحدود إلى داخل حدود إثيوبيا وجمهورية جنوب السودان.
    • حدث كل ذلك في وقت لم تحل فيه أزمة دارفور بعد، في حين لم تتمكن الحلول الجزئية التي تمخضت عنها مفاوضات الدوحة وأبوجا من التصدي للأسباب الجذرية للمشكلة. ذلك أن مرتكبي تلك الجرائم الشنعاء أنفسهم يمثلون طرفا أساسيا في تلك الحلول، في حين تقوم الحلول الجزئية المذكورة على مبدأ الإفلات من العقاب والمساءلة. وقد استلزم هذا الوضع توحيد إرادة وجهود الحركة الشعبية لتحرير السودان ومجموعة حركات التحرر السودانية التي تشكلت في دارفور، لتؤسسا معا الجبهة الثورية السودانية بصفتها ائتلافا أصبح قادرا الآن على جذب قوى المعارضة السودانية وحشد إرادتها على امتداد السودان كله من أجل تغيير النظام.
    • وبالنظر إلى التجارب التاريخية للانتفاضات الشعبية وحركات المقاومة المسلحة السابقة، فإنه لا يمكن إحداث أي تغيير جوهري في السودان إلا بإحداث تحول جوهري في الخرطوم. فسياسات الخرطوم هي التي أدت إلى تهميش وإقصاء غالبية السودانيين، ثم إن الخرطوم هي التي شنت الحرب على جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان ودارفور. وعليه، فلا سبيل إلى الوصول إلى حل مستدام لمشاكل السودان وأزماته إلا بإحداث التحول اللازم في المركز وليس في أطراف السودان وأقاليمه. والواقع أن جمهورية السودان الحالية لها تاريخ يعود إلى ثمانية آلاف عام، وكانت جزءا من حضارة وداي النيل العظيمة. ولطالما اتسم السودان بتنوع تاريخي متصل. ويتألف السودان مما يزيد على أربعمائة قبيلة ومجموعة عرقية، وينطق أهله بما يربو على ستين لغة متباينة. ولكي تحسن إدارة هذا التنوع التاريخي والمعاصر في آن، فإن السودان بحاجة ماسة إلى معالجة جديدة لجميع الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية تقوم على أساس المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وفصل الدين عن الدولة.
    • ويقتضي إحداث أي تحول جوهري في اقترانه بإحلال السلام المستدام في السودان بانتهاج نهج شامل ومفارق للحلول الجزئية. ونستدل على ذلك بأن نظام عمر البشير قد وقّع نحو 43 اتفاقية للسلام ولم يلتزم بتطبيقها جميعا إما جزئيا أو كليا، علاوة على تشديد قبضته على المركز وحراسته وتأمينه ضد إحداث أي تغيير فيه.
    • ومن المثير للاهتمام أن البشير وبعض أفراد طغمته باتوا مطلوبين للمثول أمام العدالة الدولية. وهذا يعني عمليا أن المجتمع الدولي مؤيد لتغيير النظام. وللمفارقة، فإن ممارسة المجتمع الدولي تنحو في الوقت ذاته إلى معارضة أي دعوة لتغيير النظام!
    • وتكمن المفارقة الأخرى في أن البشير لا يزال متهما من قبل المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، لا يزال المجتمع الدولي يعترف به ويواصل التعامل معه ونظامه في ذات الوقت الذي يشيح فيه بوجهه عن الممثلين الشرعيين لضحايا النظام، كما هو الحال مع ممثلي الجبهة الثورية السودانية. وقد آن الوقت لأن تعترف الهيئات الدولية بضحايا النظام وتتعامل مع ممثليهم الشرعيين.
    • ويقينا فإن من الأهمية بمكان أن أي نهج يرمي إلى التوصل إلى إحلال السلام الدائم في السودان سيقتضي بالضرورة عملية شعبية قوامها مشاركة الشعب، وليس مجرد التوصل إلى حل توفيقي بين اللاهثين وراء السلطة والجاه، وتسوية لا تتجاوز خدمة مصالح النخب السياسية وحدها. وسواء تعلق الأمر بعملية دستورية أم باتفاق سياسي، فإنه يجب أن تكون تلك العملية مشرعة الأبواب والنوافذ على الأحزاب السياسية قاطبةً، فضلا عن مشاركة منظمات المجتمع المدني.
    • وتقترح الحركة الشعبية فترة مؤقتة أو انتقالية توكل إليها مهمة عقد مؤتمر دستوري لجميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في السودان بهدف الإجابة عن السؤال الذي لم يزل دون إجابة منذ فجر الاستقلال في عام 1956: كيف يحكم السودان؟ قبل من يحكم السودان؟
    • وفي نهاية الأمر، فإنه ليس أمام الطغمة الحاكمة في الخرطوم سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن تقبل الطغمة التغيير أو أن يتم تغييرها. وقد اقترحنا نحن في الحركة الشعبية خلال اللقاءات والاجتماعات التي عقدناها الأسبوع الماضي في واشنطن وفي الأمم المتحدة في نيويورك أن منبري الدوحة وأديس أبابا-المعنيين بحل مسائل الحرب في السودان- لن يتسنى لهما تحقيق أهدافهما إلا بتوحيدهما في منبر واحد، وأن الآلية الرفيعة للاتحاد الأفريقي برئاسة ثامبو مبيكي عليها إيجاد حل دائم وشامل للمشكلة السودانية. ولهذا السبب فإننا ندعو إلى منبر واحد فقط. وفي حال مواصلة نظام الخرطوم تعنته ورفضه التوصل إلى تسوية سلمية شاملة، فإن الخيار الآخر المتاح هو أن يطيح الشعب السوداني بالنظام وينشئ على أنقاضه نظاما ديمقراطيا يقوم على حقوق المواطنة المتساوية.


    لماذا يعتبر السودان دولة فاشلة؟

    لقد أصبح السودان اليوم دولة فاشلة بكل المقاييس، تستنزف ما يزيد على نسبة 70% من ميزانيتها القومية في شن حرب ضد شعبها، في ذات الوقت الذي تخصص فيه أقل من نسبة 2% من الميزانية نفسها لخدمات الصحة والتعليم، علاوة على الاعتراف بها عالميا كونها من أكثر دول العالم فسادا. وقد بلغت نسبة المواطنين السودانيين الذي يعيشون تحت حد الفقر 98%. وبذلك فهي سيدة الفاشلين أجمعين بلا منازع. وفي سياق مسيرة الدولة الفاشلة هذه، فقد السودان ربع إجمالي سكانه مقترنا بخسارة ثلث رقعة أراضيه بسبب فصل جنوب السودان. ولا ريب أن استمرار السياسات نفسها يهدد ما تبقى من السودان حاضرا ومستقبلا. فقد واصلت حكومة السودان ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب بحق مواطنيها. وبالنتيجة فقد أصبح بعض كبار المسؤولين الحكوميين متهمين لدى المحكمة الجنائية الدولية، بمن فيهم الرئيس عمر البشير ووزير دفاعه. وعلاوة على ذلك، فقد خصمت الحرب الأهلية 38 عاما من سنوات استقلال السودان البالغة هذا العام 57 عاما، في حين ظلت سياسة الإفلات من العقاب وعدم المساءلة هي السياسة المتبعة. ولا غرو أن هنالك اليوم ما يزيد على 4 ملايين مواطن سوداني إما من النازحين أو اللاجئين أو المهاجرين أو من المقيمين في شتات المنافي.

    الأزمة الإنسانية: المساعدات الإنسانية قبل السياسة: الأولوية لإنقاذ الأرواح الآن

    عشية استقلال جنوب السودان مباشرة شن البشير الحرب على جبال النوبة ثم تجاهل لاحقا كافة النداءات التي وجهت إليه من قبل الآلية الرفيعة المستوى التابعة للاتحاد الإفريقي بقيادة رئيس جنوب أفريقيا الأسبق ثامبو مبيكي، والنداءت الموجهة إليه من قبل الجارة إثيوبيا والمجتمع الدولي. ومزق البشير اتفاق السلام المبرم في 28 يونيو 2011 الذي كان يهدف إلى إنهاء الحرب في جبال النوبة. بل وسّع البشير نطاق حربه إلى منطقة جنوب النيل الأزرق في ذات الوقت الذي واصل فيه حربه على دارفور. وفوق ذلك كله، فقد انتهج البشير سياسات وإجرات تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى كلتا منطقتي الحرب الجديدتين. وتمثل هاتان المنطقتان الآن أسوأ أزمة إنسانية في القارة الإفريقية. فقد أرغم الكثير من المدنيين على الفرار من بلدهم بصفة لاجئين أو نازحين داخليا مع حرمانهم من وصول المساعدات الإنسانية التي هم في أمسّ الحاجة إليها. وكما تعلمون فإن منع وصول المساعدات الإنسانية يعتبر جريمة حرب بموجب أحكام القانون الدولي. والأشد فظاعة أن عمليات القصف جوا وبرا لا تزال مستمرة ضد المدنيين.

    لقد وقّعت الحركة الشعبية على اتفاقين في 18 فبراير و4 أغسطس 2012 مع المجموعة الثلاثية- الاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة. غير أن نظام الخرطوم أحبط كلا الاتفاقين لأنه لا يزال يواصل سياسة التسويف وكسب الوقت نفسها إلى جانب منع وصول المساعدات الإنسانية باعتبار أن ذلك جزءا من استراتيجية الحرب التي يتبناها. وقد دعت الحركة الشعبية كلا من الآلية الإفريقية الرفيعة ورئيس مجموعة الإيقاد المكلفين بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2046 إلى وضع نهج جديد يهدف إلى منع الخرطوم من مواصلة سياسة التسويف وكسب الوقت والمضي في تنفيذ سياساتها العدوانية مثلما هو الحال في التعامل مع المجموعة الثلاثية. والحركة الشعبية على أتم الاستعداد لوقف العمليات العسكرية فورا بما يساعد على توفير ظروف مواتية لتوصيل المساعدات الإنسانية والوصول إلى حل شامل لمشاكل السودان، فضلا عن إنشاء منطقة آمنة خالية من العمل العسكري بين جمهوريتي السودان و جنوب السودان، لا سيما وأن الحركة الشعبية تسيطر على ما يزيد على نسبة 40 في المائة من الحدود الدولية بين البلدين.

    وفي الوقت ذاته، فإن الأوضاع آخذة بالتدهور في دارفور التي تشهد موجة جديدة من جرائم الحرب- على نحو ما حدث في مناطق هشابة وكتم وجبل مرة- حيث ترعى حكومة الخرطوم ارتكاب تلك الجرائم في حين تقف قوة حفظ السلام الإفريقية التي نشرت هناك مكتوفة الأيدي بسبب محدودية تفويضها، بالإضافة إلى حيل وألاعيب نظام الخرطوم التي لا حدّ لها. فتلك القوة لحفظ السلام نشرت في منطقة لا يوجد فيها سلام ليحفظ أصلا. أضف إلى ذلك، أن أصحاب المصلحة الحقيقيين والأطراف الرئيسية في النزاع ليسوا طرفا في العملية. والواقع أن اتفاق الدوحة –كما تراه الخرطوم- ليس سوى غطاء يستغله النظام الحاكم لارتكاب مزيد من جرائم الحرب. وفي هذا السياق، فإن الأزمة الإنسانية في الإقليم هي ملمح آخر من ملامح الدولة الفاشلة في الخرطوم، بالإضافة إلى استمرار الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء السودان. وبين هذا وذاك، فإن الانقسامات الداخلية قد شقت الحزب الحاكم من أعلى مستوياته القيادية إلى أدناها. وما الاتهامات وحملات الاعتقال التي طالت مؤخرا عددا من قادة المؤتمر الوطني سوى دليل قاطع على ذلك. ولذا نكرر القول أن الحل الجزئي لم يعد حلا ناجعا للمشكلة السودانية.

    الإسلام السياسي عاملٌ مهددٌ للوحدة الإفريقية

    تواجه إفريقيا اليوم تهديدا جديا وخطيرا لوحدتها من قبل الكثير من جماعات الإسلام السياسي. فقد تولى بعضها مقاليد الحكم سلفا في بعض الدول الإفريقية الهامة، من بينها السودان ومصر وتونس، بينما تضطلع بعض جماعات الإسلام السياسي بأدوار محورية في بلدان أخرى كالصومال وليبيا ومالي. يضاف إلى ذلك، أن جماعات الإسلام السياسي تنشط في بلدان أخرى وتعلن عن أجندتها على الملأ في كل من نيجيريا وكينيا وتنزانيا. وهناك دول أخرى مثل إثيوبيا وجنوب إفريقيا وملاوي تواصل فيها جماعات الإسلام السياسي العمل في الخفاء.

    لماذا تشكل جماعات الإسلام السياسي مهددا للوحدة الإفريقية؟

    بدايةً، يجب القول أن الإسلام عقيدة دينية تتسم بالتسامح خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياق الإفريقي. ومن المعروف تاريخيا أن الإسلام قد أسهم إسهاما بارزا ومقدّرا في توثيق الوشائج والصلات بين شعوب القارة في الكثير من بلدانها، ليسهم بذلك في تحقيق قدر عال من الوحدة الإفريقية نفسها. وعليه، فإن من الخطأ الفادح الخلط بين الإسلام بوصفه عقيدة للتسامح والتعايش السلمي بين المجتمعات والشعوب من جهة، والإسلام السياسي من جهة أخرى.

    فالإسلام السياسي ليس سوى أيديولوجية حزبية تتوسل الإسلام وتستغله لتحقيق مصالح دنيوية سياسية واقتصادية محضة. وخلافا لعقيدة الإسلام، فإن جماعات الإسلام السياسي لا تتسم بالتسامح مطلقا وتكفر بثقافة التنوع الديني والثقافي. وتبدي هذه الجماعات عداء لحقوق المرأة ولنظم الحكم الديمقراطي على الرغم من أن بعضها قد انتخب ديمقراطيا كما هو الحال في مصر وتونس. فهناك مؤشرات واضحة على أن تلك الجماعات تتجه أكثر فأكثر نحو الانقلاب على الديمقراطية وتبنّي نهج الحكم الشمولي بديلا عنها. وهي تتخذ في ذلك منحى مشابها لما حدث في الثورة الإيرانية التي صنعتها كافة شرائح وفئات الشعب الإيراني، غير أنها اُختطفت من قبل مجموعة عقائدية تمكنت في نهاية المطاف من إنشاء نظام ديكتاتوري قابض ومستحكم باسم الثورة الإيرانية.

    ولا ريب أن هناك صراعا عميقا في مصر وتونس بين مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية التي تمكنت من تحقيق الانتقاضة الشعبية وإحداث التغيير في كلا البلدين. ومع ذلك فقد كان الفوز بالسلطة من نصيب جماعات الإسلام السياسي لأنها أكثر تنظيما وظلت تواصل عملها في الخفاء منذ سنوات طويلة. والواقع أن تلك الجماعات تميل إلى اختطاف ثورات الشعوب والمضي بها في اتجاه معادٍ لتلك الشعوب ولأمانيها وتطلعاتها كما رأينا في التجارب آنفة الذكر.

    ومن هنا، فإننا بحاجة إلى التمييز بين الانتفاضات الشعبية وأهدافها المتمثلة في بناء الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية بديلا عن الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية، وجماعات الإسلام السياسي التي لا تختلف أجندتها الاجتماعية والسياسية عن أجندة الأنظمة السابقة التي أُطيح بها عبر انتفاضات شعبية.

    ولا يزال الوضع السياسي في مصر يكتسب أهمية بالغة بالنسبة للسودان وإفريقيا وللعالم العربي أيضا، نظرا إلى أن حركة الإسلام السياسي في مصر "الإخوان المسلمون" هي الحركة السياسية التي تحتل المرتبة الثانية مباشرة في القارة الإفريقية من حيث القِدَم إذ تاتي مباشرة بعد المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا الذي ناهز عمره الـ100 عام في حين يبلغ عمر تنظيم "الإخوان المسلمون" 85 عاما كونه تأسس في عام 1928. وهناك مؤشرات واضحة جدا على أن هذه الحركة ستمضي بمصر صوب نهج النظام الإيراني. ومن شأن ذلك أن يلقي بآثار وتداعيات سلبية بالغة على السودان والقارة الإفريقية بأسرها.

    ما هي أهمية تجربة الإسلام السياسي في السودان بالنسبة للقارة الإفريقية؟

    وتتلخص الإجابة عن السؤال في أن السودان، بما يتمتع من تنوع هائل إنما هو تجسيدٌ مصغّر للقارة الإفريقية. ثم إن السؤال الذي لا يزال يواجه السودان منذ نيل استقلاله في خمسينيات القرن الماضي، هو السؤال نفسه التي واجهته القارة الإفريقية ولا تزال تواجهه اليوم: كيف تبني دولة ديمقراطية حديثة في سياقٍ من التعدد الديني والثقافي؟ والإجابة المباشرة العملية والموجزة التي تقدمها جماعة الإسلام السياسي في السودان عن هذا السؤال تتلخص في تجاهل وإنكار تنوع المجتمع السوداني جملة وتفصيلا. فمنذ استيلاء الحركة الإسلامية على السلطة عبر انقلاب عسكري في يونيو 1989 عمدت إلى فرض رؤية تقوم على إلغاء التنوع وتسعى إلى أسلمة وتعريب المجموعات العرقية غير العربية، بل لم تتردد في إقصاء كل سوداني مسلم لا يشاطر الجماعة الإسلامية القابضة أيديولوجيتها السياسية. وفرضت الجماعة هذه مجموعة من البرامج الاجتماعية والسياسية التي أسفرت عن تهميش الغالبية العظمى من السودانيين، ونزعت عن النساء السودانيات أبسط الحقوق والحريات التي تقوم عليها إنسانيتهن. بل تبنت السياسات نفسها إزاء كل من يخالف النظام الحاكم ورؤاه الأحادية المستبدة. ولكي يتسنى للنظام فرض رؤاه الفاشية هذه فلم يكن له بدُّ من اتخاذ العنف وسيلة وسحق كل من يخالفه الرأي بقبضة من حديد، علما بأن من يخالف ذلك الطيش ليس سوى الغالبية العظمى من الشعب السوداني. ومن المنطقي أن تمخضت تلك الرؤية عن ارتكاب أشنع الجرائم في تاريخ السودان الحديث، من قبيل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وتفتيت وحدة البلاد ودفع الجنوبيين دفعا نحو الانفصال.

    وفوق ذلك، فإن للمؤتمر الوطني الحاكم- الذي يمثل جماعة الإسلام السياسي في السودان- علاقات عميقة وأنشطة مثيرة للقلق مع غالبية جماعات الإسلام السياسي في إفريقيا. وتخرّج الكثير من قادة هذه الجماعات وتلقوا تدريبهم على وسائل وأساليب عمل هذه الجماعات في جامعة إفريقيا العالمية في الخرطوم. وعلاوة على ذلك، فإن هناك علاقات متينة للغاية بين حكومتي السودان وإيران يشارك في سياقها السودان في حالات وأنشطة عديدة تتم خارج حدود السودان وتلحق أضرارا بالغة بمصالح السودان الوطنية، بما في ذلك تخريب العلاقات بين السودان والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إيران تعتبر شريكا في بناء مجمع الصناعات الحربية السودانية، علما بأن منتجات هذا المجمع وأسلحته تُصوّب في الأساس إلى صدور المواطنين المدنيين السودانيين في الأساس، غير أنها تشكل جزءا لا يتجزأ من استراتيجية حركة الإسلام السياسي في إفريقيا، التي جعلت من السودان منصة انطلاق حربية لإشعال نيران النزاعات الإقليمية في القارة الإفريقية والشرق الأوسط على حد سواء. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التنوع الديني والثقافي الذي تتسم به المجتمعات الإفريقية، فإن النتيجة التي ستسفر عنها تجربة الإسلام السياسي في السودان، ستكون هي نفسها في الدول الإفريقية الأخرى، بما فيها مصر. وعليه، فإن من الأهمية بمكان أن يأخذ المثقفون الأفارقة والحكومات الإفريقية، فضلا عن الحركات السياسية والاجتماعية الإفريقية تجربة الإسلام السياسي في السودان على محمل الجد، في إطار التصدي لتنامي نشاط حركة الإسلام السياسي في إفريقيا. وإلا فستكون الخسارة فادحة جدا كما هو الحال في كل من السودان ومالي.
    وينبغي أن تكون هذه المسألة في مقدمة المسائل التي يناقشها جميع المعنيين بمستقبل إفريقيا، إلى جانب المعنيين بمستقبل الإسلام بوصفه عقيدة دينية متسامحة.


    الفجر الجديد والمضي قُدُماً:

    لقد وقّعنا في الخامس من يناير 2013 وعقب انعقاد اجتماع تاريخي للجبهة الثورية السودانية، وقوى الإجماع الوطني، وممثلين لمؤسسات المجتمع المدني، ومشاركة بعض منظمات النساء والشباب على وثيقة "ميثاق الفجر الجديد" التي تقدم الإجابة عن السؤال الرئيسي من أجل توحيد قوى المعارضة السودانية، بما في ذلك الترتيبات المتعلقة بالمرحلة الانتقالية والآلية اللازمة لمشاركة جميع قوى المعارضة السودانية، وتعزيز قدرة الشعب السوداني على الإطاحة بالنظام الديكتاتوري القائم عبر انتفاضة شعبية سلمية، من شأنها أن تمهد الطريق أمام وضع حد للحروب وإقامة نظام ديمقراطي يستند إلى سيادة القانون وعلى أساس المساواة الكاملة في حقوق المواطنة. وعلى الرغم من التحفظات والملاحظات التي أبداها بعض الموقعين على الميثاق، فقد حظيت الوثيقة بتأييد واسع النطاق على مستوى القواعد الشعبية العريضة والناشطين السودانيين. فقد هز ميثاق الفجر الجديد أركان النظام، ووضع المعارضة السودانية في موقع سياسي متقدم. وقد أعربت جميع الأطراف الموقعة على الميثاق عن ضرورة أن يشارك الجميع وأن يعملوا معا على تحسين وتطوير الميثاق كي يكون قادرا على تلبية طموحات الشعب السوداني، ويتسنى له توحيد قوى المعارضة جميعا في منبر واحد. وسنواصل العمل على تحقيق هذا الهدف الذي نثق بإمكانية الوصول إليه قريبا.



    الوحدة السودانية .. وحدة بين دولتين مستقلتين:

    لا شك أن انفصال الجنوب يمثل خطأً إنسانيا فادحا يمكن جبره وتصحيحه عن طريق إيجاد شكل آخر للوحدة بين دولتين مستقلتين ذاتي سيادة. فقد آثر جنوب السودان إقامة دولته المستقلة بسبب غياب مشروع شامل لبناء الأمة، علاوة على غياب عملية سديدة للتشكيل الوطني تقوم على خصائص الواقع السوداني الموضوعي، وعلى التنوع التاريخي والمعاصر الذي يتسم به السودان.

    وتأسيسا على التزامنا بوحدة القارة الإفريقية وبتحقيق رؤية السودان الجديد، فإننا على إيمان عميق بإمكانية الوصول إلى وحدة بين السودان وجنوب السودان تقوم على الاحترام المتبادل لسيادة كل واحد منهما. وسنواصل العمل من أجل بلوغ هذا الهدف. فالاتحاد الأوروبي يقدم مثالا جيدا وملهما على إمكانية حفظ التوازن اللازم بين سيادة كل واحدة من الدول المستقلة الأعضاء فيه، جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الوحدة فيما بينها جميعا.

    الخاتمة:

    • لا تزال رؤية "السودان الجديد" سديدة فاعلة ولها من مكامن القوة والإلهام ما يمكنها من بناء دولة تتوفر لها مقومات البقاء وتستند إلى المواطنة والاعتراف بالتنوع وبقيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وفوق ذلك فهي رؤية قادرة على تحقيق السلام والمصالحة الوطنية على أساس العدالة. وعلى إثر انفصال جنوب السودان، لا يزال السودان بلدا زاخرا بالتنوع كما كان من قبل الانفصال. ويقينا فإن ما يجمع السودانيين جميعا إنما هي سودانويتهم بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية أو النوع أو الانتماء الجغرافي.
    • وقد تسنى لنا في العام الماضي توحيد فصائل المعارضة السياسية المسلحة وغيرها من قوى المعارضة الأخرى في إطار الجبهة الثورية السودانية. وفضلا عن ذلك، فإننا في غمار عملية سياسية تاريخية جديدة هي ميثاق الفجر الجديد الذي جمع معا بين ممثلي المجتمع المدني والأحزاب السياسية والشباب والنساء والنقابات والاتحادات المهنية. وهي عملية في غاية الأهمية والجدية، وينبغي مواصلة العمل على تحسين ميثاق الفجر الجديد وتطويره. ذلك أنه يمثل الطريق الوحيد الآن لتحقيق التحول الديمقراطي وإنهاء الحروب وبناء مستقبل مشترك لجميع السودانيين يقوم على الإجماع السوداني. وليس بوسعنا أن نغير الماضي، بطبيعة الحال، غير أن بوسعنا الاتفاق على اجندة للمستقبل لبناء سودان على أسس جديدة، لكي نكون جميعا أصحاب مصلحة مشتركة في ذلك المستقبل.
    • تشكل حركات الإسلام السياسي في القارة الإفريقية عاملا مزعزعا لاستقرار القارة، ومن المؤكد أنها ستلحق أضرارا بالغة بمجتمعات وبلدان القارة، بل بعقيدة الإسلام نفسها على نحو ما حدث في السودان الذي دفع ثمنا باهظا ليس أقله وحدته ومستقبله معا. وبالتالي، فإن من الأهمية بمكان أن تحظى القوى الديمقراطية في البلدان الإفريقية التي تشكل ثقلا موازيا ومناهضا لحركات الإسلام السياسي، بالتضامن والدعم اللازمين من جميع القوى المحبة للديمقراطية والسلام. ولا يزال السودان الآن شريكا فاعلا للكثير من حركات الإسلام السياسي في إفريقيا والشرق الأوسط. ومن شأن تحقيق التحول الديمقراطي في السودان أن يشكل إضافة إيجابية للقارة الإفريقية وللاستقرار العالمي عموما.
                  

العنوان الكاتب Date
اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-20-13, 10:12 AM
  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-20-13, 10:51 AM
    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-21-13, 06:56 AM
      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-22-13, 05:46 AM
        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-22-13, 06:28 AM
          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل جعفر محي الدين01-22-13, 06:56 AM
            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-24-13, 07:59 PM
              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-26-13, 09:52 PM
                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-28-13, 08:54 PM
                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك01-31-13, 10:06 PM
                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-02-13, 12:29 PM
                      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-03-13, 07:57 PM
                        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-06-13, 08:55 PM
                          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-06-13, 09:45 PM
                            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-08-13, 12:40 PM
                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-08-13, 08:26 PM
                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-09-13, 09:28 AM
                                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-10-13, 09:02 PM
      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-11-13, 08:36 AM
        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-14-13, 04:38 PM
          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-14-13, 10:10 PM
            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-17-13, 05:01 AM
              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-18-13, 10:18 AM
                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-20-13, 08:11 AM
                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-20-13, 08:48 PM
                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-21-13, 08:27 PM
                      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-23-13, 12:13 PM
                        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-25-13, 07:26 PM
                          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-26-13, 07:25 PM
                            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك02-28-13, 11:16 AM
                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-01-13, 10:13 PM
                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-05-13, 09:36 AM
                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-06-13, 07:07 AM
                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-18-13, 05:35 AM
                                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-25-13, 09:16 AM
                                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك03-31-13, 11:20 AM
                                      Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-03-13, 06:24 AM
                                        Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-08-13, 06:36 AM
                                          Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-10-13, 08:58 AM
                                            Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-13-13, 10:11 AM
                                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-14-13, 04:56 AM
                                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-16-13, 05:09 AM
                                                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك04-22-13, 11:12 AM
                                                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك05-07-13, 09:19 AM
                              Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل عبدالله الشقليني05-07-13, 03:32 PM
                                Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك05-20-13, 05:41 AM
                                  Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك05-27-13, 07:39 AM
                                    Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل الكيك05-30-13, 11:00 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de