دماء على حواف جبل تيقا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 06:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة يوسف ابراهيم عزت الماهري(ابنوس)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-09-2003, 11:34 PM

ابنوس
<aابنوس
تاريخ التسجيل: 04-19-2003
مجموع المشاركات: 1790

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دماء على حواف جبل تيقا

    بيضاء ، حتى يكاد لايبين من دمها سوى الذكرى ، ناصعة الى حد الفضيحة ) 1*
    التفت الثمامة حول صخرة اللنقيب الملساء ، هيات له مقعدا لم يجلس على اوثر منه منذ ان التحم بالفلاة ، وتفرق المراح امامه باتساع رمال البرنوقي ، تتوسطه الرقيت ببياضها الفاضح ، متفتحة مثل زهرة قضيم رشاشية ، يتداخل لونها مع اغصان شجيرات البشم ، لتشكل لوحة احلام اللنقيب يعد زريتها على اصابعه العشرة ، وهي ما زالت حقة ، لم ترفع ذيلها لفحل هائج ، اختارت بمل بياضها مكانا متطرفا لبياتها الليلي وفي نهارات الفلاة تندس بين شجرات البشم والمرخ ، كمن يدراي لونه من الوضوح ، ويفسر اللنقيب عزلتها الاختيارية ، بأنها لم تنسى ذاكرة الصعيد وانتمائها لبادية المهاويش ، ترى هل مازال الاصهب يشعر بالحنين لرمال البرنوقي ، وتلال دار الريح المحلانة ، ام انساه نوار الابنوس جدب الرمال ؟
    الصفقة التي ادخلت الرقيت الى مراح عبد الجبار ، لم تكن خاسرة ، لكن وقتها كان لا يلائم العمدة ولا يتوقع احد ان تتم المبادلة بهذه الطريقة العاجلة ، ظل العمدة طوال جلساته البليدة بين بيوته الثلاث ، يردد ان عبد الجبار استغل حفل تتويجه في السمسرة مع العربان ، لكن زوجته الصغرى تعلم ان العمدة اذا لم يكن مشغولا وقتها بلبس الكسوة الشرفية ، وترتيب اوضاع سلطته الجديدة لدخل منافسا في الصفقة ، وامرأته الكبرى تعرف ان ما يقلق العمدة كلما تعلقت نظراته بسنام الرقيت ، هو سبيبة ابنته التي رحلت مع الاصهب الى بلاد المهاويش البعيدة ، ولولا تنصيب العمدة لما وجد الاصهب تلك السبيبة ، ولما كسب رهان القبائل ، واثبت قدرته الفائقة في العدو ، مما اغرى العربان بالتناس على امتلاكه ، ودفع فيه المهاويش الحاشي الاشقر ، والبكرة البيضاء التي اقلقت مضاجع العمدة ، بعد ان فشل بعيره الباشندي في الوصول الى نهايات المسافة ، فقد كان منهكا من المسارات الطويلة ، في الدروب المعلقة في السماء .
    تلك الجائزة تمنى العمدة لو انها بقيت في رأس ابنته ، ولكن في ختام الرهان لفّها بيده على عنق الاصهب ، وحرضت المهاويش على دفع الرقيت التي لم يفك السرج من ظهرها بعد ، والبعير الاشقر الذي سمي فريد لغرابة لونه ، ربما لو راته بنت من المدن البعيدة لأسمته ( الفوشي ) ، لكنه ارغن كتراب الصحراء ، رحلت سبيبة بنت العمدة مع الاصهب الى ديار المهاويش عشاق الجمال الصهب ، وسبيب النساء ، سليلات المجد والنحاس ، تاركين العمدة اللمين ، يلقي بوزر بيعتهم على عبد الجبار ، متوقفا عند اسفه العميق ، بينما احلام اللنقيب تكسوا عراقيب الرقيت بزرية تمتد وتملأ الرمال حيرانا بيضاء ، صارت الرقيت وصفا مميزا لمسارات البادية في بطاح السافل الرملي ، وسرق بياضها بهاء جلسة العمدة الصباحية ، وعكرت مزاج الشاي الاخضر، الذي اختص به صباحاته الباهته ، بعد ان استوى على عرش القبيلة الهش ، وبدأ يمسد لحيته بكلمات لها رنة السلطة يلتقطها من طرف لسان الضابط الاداري ، عندما يلتقيه في اجتماع اخر العام ، يسلمه الضريبة ، ويتسلم منه السكر الذي لا يمحوا قرياف القبيلة المزمن ، لأن ما يصل منه البادية يكفي فقط لعام من الشاي الاخضر ، وطعام (لمديدة الحلبة) التي لا يعرف البدو طعمها ، لكن زوجتة الصغرى خبأت السر عن زوجاته الاخريات ، لتحتفظ بدفء ليلتها معه ، العمدة نفسة لم يحدث ولده البكر وولي عرشه ، بسر (مديدة الحلبة ) رغم تجاور خيمته مع خيمة زوجته الصغرى ، ربما يعتقد العمدة ان هذا سر بقاء العرش في يده .
    كل هذه المتعة ، لم تنسي العمدة اللمين ، نظرته الى الرقيت ، يهمس لنفسه برغبة امتلاكها ، ويحرض نفسه على مساومة عبد الجبار ، وهو يعرف ان سبيبة بنته رحلت مع الاصهب ولم تبق غير الرقيت علامة لحفل التنصيب ، وذكرى لسبيبة مقطوعة من جدائل الاميرة .
    آخر مواسم النشوق
    جاؤوا من اطراف الرمال ، ومن العتامير المجهولة ، حدائهم موحش وهم يحزمون النوق من الفجاج الجديبة ،نصبوا خيامهم على حواف الجبل الداكن ، وصعدوا الى البئر ، التي حفرها اله ما على قلب الجبل ، ونمت حولها اغصان القرقدان ، والقضيم ، وغطى البشم وجه الماء من التبخر ، خيام العمدة الثلاث تكورت تحت شجرة المرخ ، كصخور رجم بها الرب شياطين الصحراء ، وابتعدت المسافة بينه وبين عبد الجبار ، اللنقيب افتقد صخرته الثمامية ، وعاودت الرقيت ذاكرة اشجار الصعيد ، فتشبحت اغصان السّرح الشحيحة ، وارتاحت شفاهها من الرمل ، الذي التصقت به لاقتلاع نبات الرّبع المتمدد في التصاق مع الارض ، وربما هذا ما خلق العلاقة الحميمة بينها واللنقيب ، علاقة تشبه علاقة التمساح بعصفور يفلي اللحم من اسنانه ، ظل اللنقيب يمسح شفاهها بالقطران طوال مواسم النشوق ،و تجلى بياضها على صدر الجبل الداكن ، ووجدت في شجيراته انتماءا للفروع العالية ، لم يخفي اللنقيب في جلسته الضحوية ، زهوه المطلق بها ، وهو يتحدث مع الفاضل رفيق المغامرات الليلية حيث البيوت بلا اسوار ، والخيام بلا صوت، كانوا يذهبون في الليل الى البوادي المتناثرة غرب الجبل ، يقترب كل منهم بحذر ، متخذا وضع التوتر ، يلتقيان في اشارات مبهمة ، ويقتربان من بيت سافر سيده في رحلة مجهولة ، حيث كل خروج هنا مجهول الاتجاه ، ويقتسمان مع امرأة بلا ملامح ، لحظة ناقصة ومبلولة بالخوف ، والترقب . يعودان عندما يبين خيط الشرحان الابيض على قمة الجبل ، يتهامسان بالسر وبالوعد على كتمانه في مكان لا يكتم اسراره سوى الليل البهيم .
    لكنه في جلسه الضحوية هذه قال : ان الرقيت ستكون مربط سرّة ابنه البكر !! لم يساله الفاضل عن الام التي ربما لم تنجبها البوادي بعد ، استلقى اللنقيب على جنبه ، مطلقا احلامه للريح قاذفا بها في آذان الرعاة حوله ، قال : الرقيت هي سبيبة بنت العمدة التي ربطتنا بعربان المهاويش ، وهي من ستربطني بجدائل الاميرة ، وسكت . ضحك الفاضل وقال : ربما تربطك على جزع شجرة العمدة ، واقتسمت بقية الجلسة مع الفاضل ضحكته . تسائل اللنقيب : من هو العمدة هذا مطلق اليد ، يربط من يشاء على جزوع الاشجار ، ويقيده بحبل الوجج ، ويجلس منتشيا بالشاي الاخضر؟ قال انا العمدة وضرب صدره ، ضحك الرعيان ، وتسربوا نحوا فلاتهم
    تخيل حالته مكتوفا على جزع شجرة المرخ ، امام بيوت العمدة الثلاث ، وهي تنظر له من ثقب بالخيمة ، والعمدة يحرك مسبحته الفضيه ذات الخيط الحريري ، متوسطا مشائخة . من اعطى العمدة هيبته ؟ من قدم له المسبحة والشّال ؟ ومنحة سيور الحبال ليربط بها الناس على جزوع الاشجار اليابسة ؟؟ المسبحة هي التي لم يستطع اللنقيب معرفة سّرها ، ان الحكومة يمكن ان تعطي العمدة شالا ، وكسوة حريرية ، وسيفا مقوسا ، لكن ما دخلها بالمسبحة ؟ يكفي انها تعطيه سيور حبال الوجج التي تقيدنا ، ونكهة الشاي الاخضر ، لعن اللنقيب العمدة والمسبحة ، نظر نحو الثقب ، سمع صوتها هماسا :
    سيد الرقيت وفريد
    فارس وقلبوا حديد
    لو كان العمر بالايد
    اهديتوا ليكا اكيد
    لامس طول اللنقيب ذروة الجبل ، شعر بانه يحلق في فضاء ابعد آخر، القى نظرة الى قدميه ، رأى العمدة ، جرذا تافها ، يأكل عشب اخضر ، نقطة صغيرة في الرمل ، بأمكانه ان يدوسها مثل اي بعرة ، القتها الغوافل ، في رحلة نشوقها الابدي ، لكنه مشى واثق الخطوات نحوها وهو يقول باعلى صوته : انا لست العمدة انا سيد الرمل ، والجبال ، مركز دائرة هذا الفراغ ، وسيد الرقيت وفريد ، العمدة جرذا تحت قدمي في لحظتها تلك كانت شمسا ، وضياءا يشع من دكنة الحجر ، ومن صلصال الاحلام ، لمس اللنقيب نيرتها ، لفّت راسها وشمت رائحة يديه ، وجد على شفتها السفلي شوكة حسكنيت من بقيايا الرمل والدّرت الاخير ، افاق هابطا من ذروة اللحظة ، ضحك ، ودخل وسط المراح يراجع اعواد صرار النوق ، متخيلا عودته في المساء ، يسوق المراح نحو مرقده ، ويلتقيه اخوانه الصغار ، اطفال الرمل والحصى، الذين رسمت رياح قروة ، وهبوب السافل ، على وجوههم خرائط الفجيعة ، يغنون نشيد المتاهة ، يطوفون التلال مع النوق واحلام اليقظة الفقيرة
    ابلنا جن
    كسرن السن
    جملهن هدر
    كسّر الشدر
    يمدون له اناء الحليب ، ويعودون بفرحة تنتهي بضحكات العلاّلة ، استوى على صخرة داكنة ،وشرع يألف مواويل الرقيت وفريد ، ظهر له موكب ، عرف والده ، والعمدة ، وخلفهم حرس العمدة الشخصي ، وآخرين من ماسحي حذائه ، داهمته الاسئلة ما الذي يأتي بهذا الجرذ الى مراحنا؟؟
    انه لا يأتي الا للفصل في قضية تنتهي بربط رجل ما ، او مساومة في بيعة هو الكاسب فيها . وشعر برعشة خوف تسري في دمه ، هل تسربت خيالاته الى العمدة ؟ احتمال ان يكون له قدرة على ذلك ، كاد ان ينادي على الفاضل لولا ، ان وجود ابوه بين الركب طمأنه ، تدلى هابطا صخور الجبل ، لاحظ ان والده يحمل سلاحا غريب الشكل ، لا يشبه سلاح خفر العمدة ، ولا سلاح جده القديم ، انتحى به ابوه جانبا ، اخبره انه لم يستطع رد العمدة ووافق على عرضه بمقايضة الرقيت بهذه البندقية وقدمها لللنقيب كي يتأملها ، امسك بها اللنقيب دون ان يمعن النظر في سوادها ، ورفض البيعة قائلا لوالده : مهما كانت سطوة العمدة عليك ، لا تتركه يسرق احلامي .
    لكن عبد الجبار صعد نحو الرقيت وخلفه خدم العمدة ، قرنوا رأسها مع بعير العمدة ، وسلمه الرسن ، صرخات اللنقيب لم تجدي ، لعناته ضاعت في فراغ المكان ، ورددت صداها صخور الجبل الداكنة ، استعدل العمدة اللّّمين ركبته ، وقال : الله يخلف بأبرك منها يا عبد الجبار !!
    وتحرك موكبه ، ظل اللنقيب محنيا رأسه ، ويده تتلمس السلاح ، ادرك ان العمدة همباتي ، وتاجر سلاح اسود، ورفع حداءه ماديا الرقيت بكل اسمائها واسماء الاشجار والنباتات ، ركض خلفها ، لكنها خبت مبتعدة ، تحت وابل سيطان العمدة ،في تلك اللحظة التي ستذكرها البوادي في لياليها الكئيبة ، ارتكز اللنقيب ، عثر على صمام امان السلاح الغريب ، واطلق راصاصته الطائشة ، قفز العمدة ملتصقا مع الارض ، وتهيأ حرسه الشخصي للتصدي للرصاص، وسقطت الرقيت ، تحتها رأس بعير العمدة ، أطلقت زفرتها الاخيرة ، وسال دمها على حافة الجبل ...
    ...................................................................................................................
    1* بيت شعر كتبه لي على ظهر دفتري صديق اسمه هيثم ولا اعرف هل هو له ام لكاتب اخر
    * اللنقيب هو راعي صغير يسرح بمراح الابل وليس له كامل الاشراف عليه
    * جبل تيقا جبل في الصحراء الغربية

    عزت الماهري
    القاهرة 2002

    (عدل بواسطة ابنوس on 08-10-2003, 07:42 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
دماء على حواف جبل تيقا ابنوس08-09-03, 11:34 PM
  Re: دماء على حواف جبل تيقا هدهد08-10-03, 08:22 PM
    Re: دماء على حواف جبل تيقا شدو08-11-03, 09:43 AM
      Re: دماء على حواف جبل تيقا هدهد08-13-03, 11:26 AM
        Re: دماء على حواف جبل تيقا ابنوس08-14-03, 05:03 AM
          Re: دماء على حواف جبل تيقا ابنوس08-17-03, 02:34 AM
  Re: دماء على حواف جبل تيقا zumrawi08-17-03, 02:38 AM
  Re: دماء على حواف جبل تيقا ابنوس08-25-03, 07:36 AM
    Re: دماء على حواف جبل تيقا هدهد08-31-03, 00:16 AM
  Re: دماء على حواف جبل تيقا Husam Hilali08-31-03, 07:12 PM
    Re: دماء على حواف جبل تيقا ابنوس09-02-03, 04:46 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de