طالعتنا الاخبار بالغاء القبض على بعض مهربي السلاح الى دارفور من الاسرائيليين ، وان هذا القبض قد تم في الاردن ، وجاء التصريح على لسان وزيرة الثقافة الناطقة الرسمية باسم الحكومة الاردنية .. وبالتالي ان الشك في حقيقة القبض على اشخاص متهمين بهذا العمل غير وارد .. وحتى الآن لم يصدر نفي او تأكيد من قبل الجهات المعنيّة بتسلم هذا السلاح والقتال به .. واعتقد ان الحركات المسلحة وهي تخاطب الرأي العام السوداني وتسعى لان تكون حركة سياسية على المدى البعيد مدركة لمعنى هذه التهمة وتأثيرها في وجدان الجماهير السودانية التي تربت على اساس الكراهية المطلقة لاسرائيل كدولة قائمة واليهود كدين .. وهنا تضع المخابرات العربية مستقبل الحركات المسلحة في دارفور في محك ، ففي حالة الوصول الى سلام مع النظام القائم تصبح مهمة تحول الحركات الى العمل السياسي مجروحة بتهمة العمالة لأسرائيل والتعاون معها .. هذه التهمة نفسها نسجت من قبل للحركة الشعبية والتي جاء على لسان رئيسها الدكتور جون قرنق ( اننا لا علاقة لنا بأسرائيل ولا نتلقى السلاح منها ، ورفض الخوض في القضية الفلسطينية مبررا ان رأيه لا يخدم القضية في شيئ ) وهو رد دبلوماسي خرج به قرنق من ورطة التهم الجاهزة ، رغم ان استعانة قرنق باسرائيل او الجن الاحمر ليست جريمة فقرنق لم يقل يوما انه عربي ، وليس رافعا الوية دولة دينية مسيحية كانت ام اسلامية ، لكنه يعرف الشعب السوداني وويراهن على مستقبل سياسي لحركته وبرنامجها ولذلك اختار الرد الذي لا يعيق هذا المستقبل .. اما حركات دارفور فقد لا ينكر اي احد مدى العنف الذي ووجهت به من قبل النظام ، ولكن مهما حدث من عنف فلم تكن الحركات تتوقع اقل مما حدث والا انها تكون قد دخلت بحسابات غير واقعية لا لطبيعة السلطة التي تقاتلها ولا لطبيعة مجتمع دارفور ولذلك ليس امام الحركات التي تتخذ من دارفور مسرحا لها اي مبرر للتعامل مع اسرائيل كدولة في مسائل تخص السلاح هذا من ناحية مبدئية ففي قتال الحركات موقف واضح من مظالم الدولة ومن التهميش وبعد افرازات الحرب برزت مسألة التصفية العرقية وكلهذا يجعل الحركات ابعد ما تكون عن اسرائيل التي تمارس ذات الافعال تجاه شعب اعزل ، وحتى وان رأت الحركات انه لاتهمها القضية الفلسطينية لانها قضية عربية فيجب ان تهمها انها ترفع ذات الشعارات التي يرفعها الفلسطيني وهو يواجه الدبابات الاسرائيلية وطائرات الاباتشي ، وبالتالي هنالك وحدة الموقف ، ولدينا في ثوار جنوب افريقيا وعلى رأسهم مانديلا مثالا عندما وقف مع الفلسطينيين داعما لقضيتهم مثلما وقفوا معه في الوقت الذي كانت اسرائيل تساند حكومة الفصل العنصري في جنوب افريقيا . لا يمكن لاي حركة ثورية ان تتجاهل التاريخ حين تمد علاقة مع اي جهة كانت وبالتالي امام الحركات المعنية اسئلة من جماهير الشعب السوداني تتطلب ايضاح ، في ظل وضع اعلامي يميل لصالح النظام والدول التي تسانده .. اما اذا كان هذا حقيقة فستخسر الحركات موقفها السياسي على الاقل امام الرأي العام وربما ليس امام عضويتها او ضحايا العنف في دارفور فهؤلاء لم يعد يهمهم ان تدعمهم اسرائيل او السعودية ، فالنسبة للضحية لا يهم من يأتي لانقاذه لكن الامر بالنسبة للسياسيين الذين طرحوا قضية دارفور تهم وربما لا تهم حركة العدالة والمساواة في شيئ فقادة هذه الحركة اياديهم ملوثة بدماء شعبهم قبل ان تتلوث بالسلاح الاسرئيلي ، وليس لديهم مستقبل سياسي يخسرونه فأذا هدأت طبول الحرب وعاد الناس ليمارسوا حياة سياسية سلمية لا اعتقد انهم سيكونوا بذات الصوت الحالي ، لكن بالنسبة لحركة تحرير السودان وغيرها من الحركات الأخرى ربما حسبنا ان عمرها السياسي لن ينتهي بأنتهاء الازمة الراهنة بل ستساهم في بناء هذا الدمار وهذا يتطلب سجلا نظيفا على الاقل فيما يخص التعامل في مسألة السلاح والتدريبات العسكرية ، فأسرائيل ليس لها مصالح واضحة في السودان كما السودان ليس منطقة اهتمامها لانه بعيد عن الصراع العربي الاسرائيلي جغرافيا وسياسيا ، فلماذا تساهم في حرب دارفور ؟؟ هذا السؤال اجابته ليست عندي بل عند من اخذ السلاح وتدرب هناك ، ما هو المقابل ؟ هنالك فرق بين التعامل مع المنظمات اليهودية التي لا علاقة لها بالصهيونية كمشروع ، وهذه المنظمات ساهمت وبشكل واضح في دعم قضية دارفور وهي التي نسقت المسيرات الكبرى في كل عواصم العالم ، وربما لها مصالحها فليس هنالك من يقف مع قضية سياسية اذا كان لا يجنى مصلحة سياسية في المقابل ، اللهم الا نشطاء حقوق الانسان الذين حملوا هم الغير بلا كلل ، ودور هذه المنظمات اليهودية واضح في الاغاثات وفي تحريك ضمير العالم للمأساة ، لكن طالما المسألة جابت دعم بالسلاح فعليى الناس ان يبحثوا في هذه المسألة ، فمن يدعم بالسلاح بالتأكيد له مصلحة تتجاوز حدود العمل الانساني . واسرائيل لا تسعى لتغيير السلطة في السودان كما ان ذلك حسب اعتقادي ليس من مصلحتها فنظام الخرطوم يمثل الوجه المطابق لوجه اسرائيل ، وما يمارسه نظام الخرطوم يعطي صورة سيئة للدولة الدينية الاسلامية وتقدم نموزج يمكن استغلاله في الصراع العربي الاسرائيلي ايضا طالما اصر حكام الخرطوم ان دولتهم عربية مية المية وهي عاصمة للثقافة العربية . في ظل اوضاع كهذه سيجد حسب اعتقادي قادة الحركات نفسهم في خانتين اما خانة الدفاع الصريح ونكران ما يقال ، وهذه اثباتها سيكون مهمة اردنية ، او يعترفوا انهم تلقوا تدريبات عسكرية وسلاح من اسرائيل وعليهم تبرير ذلك للشعب السوداني .. وفي الحالتين السكوت ليس حلا لهذه المسألة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة