|
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر (Re: محمد التجاني عمر قش)
|
عرفت الراحل عن كثب عندما كلفني الإخوة في رابطة الإعلاميين السوادنيين بالعاصمة السعودية، الرياض، بتنظيم لقاء معه في منتدى الرابطة الدوري؛ ولذلك أتيحت لي فرصة الالتقاء معه في جلسات كانت أشبه ما تكون بالمحاضرات الأدبية؛ فقد كان يتدفق علماً، ويصف الأحداث كأنه يراها رأي العين، على الرغم من تقدم سنه، وهذا يعني قوة ذاكرته وحفظه ووعيه التام لما سمع من معاصريه الذين التقى بهم في دروب الحياة؛ خاصة إذا علمنا أنه قد عمل بوظائف مختلفة منها التعليم في بخت الرضا، والمعهد الفني، كما عمل في فرع التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة،وخاض غمار السياسة والعمل العام منذ فجر الاستقلال وكان من المشاركين في هبة أكتوبر عام 1964،ويقال إنه كان ضمن التيار الإسلامي في المرحلة الثانوية، وله علاقات بكثير من التيارات الفكرية الأخرى، والتقى بكبار الشخصيات الوطنية على رأسهم الزعيم إسماعيل الأزهري، وغيره من الرموز الوطنية، من أمثال سر الختم الخليفة،وقادة الفكر والسياسة والأدب. إلا أن صديق مدثر، على ما يبدو، لم يترك لانتمائه الفكري فرصة التأثير على إنتاجه الشعري سلباً أو إيجاباً، بل كان ينطلق من أحاسيسه الخاصة ويعتمد على قريحته الشعرية الفذة، وهذه نقطة تضاف إلى رصيد شارعنا الكبير وعبقريته. ومع دعوته الصريحة لمشاركة المرأة في الحياة العامة، إلا انه لم يتحدث عن تحريرها بنفس المفهوم الذي دعا إليه كثير من معاصريه من الأدباء، والمفكرين، والشعراء، والكتاب، في كثير من بقاع الدنيا، وفي عالمنا العربي على وجه الخصوص. بدأت قريحة الشعر عند صديق مدثر في وقت مبكر من عمره منذ العشرينات، ولكن قصيدته المشهورة "فتاة الوطن" التي يقول فيها: أنتِ نور ومنار في الطريق أنتِ في الدنيا لنا نعم الرفيق استكان الناس للنوم العميق فاقتدي شعباً غداً سوف يفيق هي التي أبرزت تلك الموهبة الفذة في مجال الشعر والإبداع عموما،ً وقد شدا بها عميد الفن الأستاذ أحمد المصطفى، ويكفي أن تلك القصيدة قد كانت السبب في قيام إتحاد المرأة السودانية، وهنأه عليها السيد إسماعيل الأزهري، وطلبت حاجة كاشف بدري من الحضور الاستماع لتلك الأغنية وقوفاً عندما قدمت لأول مرة. ومنذ تلك اللحظة طفق صديق مدثر يصول ويجول في عالم الشعر فكتب في مجالات وأغراض شتى منها الشعر العاطفي والحب، والشعر الوطني أو السياسي، والدفاع عن كرامة الإنسان، ورثى كثيراً من أصدقائه ومعارفه الذين رحلوا عن دنياه، وهذا لعمري إحساس نبيل امتاز به هذا الشاعر الوفي. سألت الأستاذ صديق مدثر عن العلاقة بين قصيدتيه (ضنين الوعد، والحبيب العائد) وكأنّ السؤال قد أثار قي نفسه لواعج الذكرى فتبسم وتهللت أساريره وقال: يا ابني إنّ ملهمتها واحدة، ولكني عندما كتبت ضنين الوعد وعرضتها على الأستاذ كرف قال لي:( لقد بدأت من القمة، فماذا تراك قائل بعدها؟) وحق لكرف أن يقول ذلك فهذه قصيدة متفردة في الشعر؛ ودعونا نتأمل بعض أبياتها: أنا إن شئت فمن أعماق قلبي أرسل الألحان شلالاً رويّا وأبث الليل أسرار الهوى وأصوغ الصبح ذوبا بابليّا لا تقل إني بعيد في الثرى فخيال الشعر يرتاد الثريّا كان بالأمس لقانا عابراً كان وهما كان رمزاً عبقريا كان لولا أنني أبصرته و تبينت ارتعاشاً في يديّا بعض أحلامي التي أنسجها في خيالي وأناجيها مليّا ومما يلاحظ على هذه القصيدة أن حرف الروي فيها هو " الياء" وقيل إن هذا نداء يدل على ضعف وانكسار يتناسب وحالة الشاعر العاطفية، ولعل هذا ما نجده عند شعراء كثر قالوا الشعر في موقف ضعف مثل الشاعر الجاهلي عبد يغوث بن وقاص الحارثي الذي وقع أسيراً في إحدى معاركه مع قبيلة تَيْم فقال ـ في قصيدة ـ يطلب منهم إطلاق سراحه : ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا فما لكما في اللوم نفعٌ ولا ليا ألم تعلما أن الملامة نفعها قليل وما لومي أخي من شماليا ومثل هذا نجده عند مالك بن الريب التميمي كما أشرنا وهو يرثي نفسه. وحرف الياء هنا مشبع بالفتح الممدود مما يعطي مجالاً لمد الصوت حنيناً، واستغاثةً، وأملاً، وبكاءً ورجاءً، وكل هذه تدل على الضعف الجائز حسب الحالة التي تلم بالشاعر. ونلاحظ ذات الشئ عند مجنون ليلى، قيس بن الملوح حيث يقول في قصيدة طويلة: خَليلَيَّ لَيلى قُرَّةُ العَينِ فَاِطلُبا إِلى قُرَّةِ العَينَينِ تَشفى سَقامِيا خَليلَيَّ لا وَاللَهِ لا أَملِكُ البُكا إِذا عَلَمٌ مِن آلِ لَيلى بَدا لِيا ولم يسلم من ذلك الانكسار العاطفي الذي تمليه على الشاعر حالة الوله والهيام حتى محمود عباس العقاد فيقول: ألا من لنا في كل يوم بفرقة تجدد ليلات الوداع كما هيا ليال يبيح الدل فيها زمامه ويرخص فيها الشوق ما كان غاليا وبعد أن غنى الأستاذ الكابلي "ضنين الوعد" ووجدت قبولاً ورواجاً واسعاً، طلب محمد وردي من صديق مدثر أن يكتب له أغنية فجاءت " الحبيب العائد" التي يقول فيها: عاد الحبيب فعادت روحي وعاد شبابي يا شوق مالك ؟ دعني أما كفاك عذابي؟ لقد شربت دموعي أما سئمت شرابي؟ عاد الحبيب فأهدى لكل قلب سلاما أهدى العيون بريقاً أهدى الثغور ابتساما فكيف ينسى فؤاداً أهدى إليه الغراما وكيف ينسى محباً أمسى يذوب هياما وهذه لعمري كلمات تفيض أملاً وفرحة وتفاؤلاً، وعاطفة جياشة تنم عن صدق المشاعر والحب،مع شيء من العتاب والاعتراف،وتعبير عن فرحة خجولة، وهل يفرح العاشق بشيء أكثر من عودة الحبيب إليه ولقياه؟وستظل هذه القصيدة واحدة من أروع ما قيل في الشعر الغنائي السوداني، بيد إنها لا تضاهي ضنين الوعد فتلك، بشهادة كرف، قمة لا يدانيها شعر غيرها.في القصيدة السابقة ضن الحبيب بالوعد فكانت الشكوى والبكاء، وهنا عاد الحبيب فكانت الفرحة الممزوجة بالأمل والرجاء. ولو لم يكتب صديق مدثر إلا "ضنين الوعد و"الحبيب العائد" و"فتاة الوطن" لضمنت له مكانة مرموقة بين فحول الشعراء، ناهيك عن تجربته الشعرية التي أمتدت لأكثر من نصف قرن
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-30-13, 11:05 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | علي الكرار هاشم | 03-30-13, 11:27 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | Mandingoo | 03-30-13, 12:13 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-30-13, 02:26 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-30-13, 02:08 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-30-13, 02:34 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | mustafa mudathir | 03-30-13, 05:27 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | Dr. Salah Albashier | 03-30-13, 07:57 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد عوض السيد | 03-30-13, 08:11 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 08:06 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 08:01 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 07:55 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 10:29 AM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | محمد التجاني عمر قش | 03-31-13, 12:23 PM |
Re: عبقري الشعر السوداني ___ صديق مدثر | mustafa mudathir | 03-31-13, 08:30 PM |
|
|
|