سلام لبشاشا في الأعالي!

Quote: كن مع بشاشا .. فأنت لا تشبه العرب !! إذا افترضنا صحة ما ذهبت اليه .. فهي إذن دعوة لأستشعر النقص في نفسي وأحس بالدونية في ذاتي وأعتبر نفسي عبداً .. بهذا المنطق الذي يصنف الناس إلى سادة وعبيد .. عرب وزرقة .. بيض وسود .. دعوة إلى أن أشحن نفسي بالحقد والكراهية والبغضاء لنصف بني وطني .. وأن أعلن العداء على أهلي وجيراني الذين عايشتهم طيلة عمري .. وأن أعلن الحرب على أصدقاء الطفولة والشباب والرجولة .. وأن أعلن العداء على تاريخ طويل من التعاون والتعايش والسلام .. إنها دعوة لكل "الما عرب" ليضموا صفوفهم ويشحذوا هممهم ويشهروا أسلحتهم ليعلنوا الحرب على العرب بمفهوم أنهم السادة وأنتم العبيد .. وأنهم المستعمرين والمستعبدين والمسترقين وأحفاد الاستعمار.. لا لشئ ملموس سوى أنهم عرب !!!!!!!!! هل هناك عنصرية أكثر من ذلك ؟ أنا يا سيدي لا أحس في نفسي نقصاً .. ولا أري في ذاتي عيباً .. ولا أعتبر نفسي من العبيد .. فالعبودية إحساس بالنقص والدونية وتقاصر الذات .. هذه المفاهيم (مفاهيم السادة والعبيد) لا يؤسس لها ويقننها ويمنحها الديمومة والاستمرار إلا من يحسون بها ويتوهمونها .. فبقاء هذه المفاهيم في مخيلاتهم هو ما يمنحها الوجود والاستمرارية .. عليهم أولاً محاربة هذه العقد والتخلص منها في دواخلهم والتصالح مع أنفسهم .. عندئذ يجردون من يدعونهم بها من كل تميز وادعاء . ذلك هو المعنى الحقيقي للحرية .. أي أن تكون متصالحاً مع نفسك .. وان تشعر شعوراً تاماً بأنك كامل الأهلية والإنسانية .. وأن تطهِّر نفسك من المشاعر السلبية .. مشاعر الحقد والكراهية والعداء .. نعم ذلك هو المعنى الحقيقي للحرية . هناك احد السادة والقادة البيض الذي مارسوا العنصرية والسيادة والتفرقة الحقيقية في جنوب أفريقيا قال إن أكثر ما يعجبني في السيد نلسون مانديلا هو الشعور الذاتي والحقيقي بأنه إنسان حر كامل الإنسانية .. غير منقوص الكرامة . مرة أخرى أقول إنها دعوة للكراهية والحقد والعداء وإعلان للحرب .. بهذا المنطق لماذا لم يواصل مانديلا ورفاقه في المؤتمر الأفريقي الحرب على البيض ؟ لماذا لم يواصلوا الموت وسيل الدماء حتى يقضوا على كل البيض ويطردونهم من جنوب أفريقيا ؟ أليسوا هم من استرقوهم واستعبدوهم وأذلوهم وأذاقوهم الويل والعذاب؟ بهذا المنطق لينتفض السود في أمريكا ويعلنوا الحرب على كل من هو أبيض .. أليسوا هم من حملوهم في رحلة "الجذور" المهينة إلى أمريكا واستعبدوهم وعاملوهم كالبهائم ؟ بهذا المنطق لينهض كل السود في أوربا وآسيا ويمضوا في حرب لا نهاية لها على هذا العنصر الأبيض البغيض .. وليشمر الجنوبيون وأهل دارفور وجبال النوبة في حرب لا هوادة فيها لهدف واحد هو القضاء على العرب؟ ليشحنوا أنفسهم وأجيالهم بالكراهية والحقد من أجل معركة الكرامة .. معركة القضاء على العنصر العربي .. إذن فلتكن حرب كونية !!! هذه لعمري أفكار شيطانية وشذوذ عن روح الإنسانية وانحراف عن معاني الحياة وقيم الوجود. ولنتساءل أيضاً هل كان الدكتور جون قرنق في مانفستو الحركة الشعبية وأدبياتها .. هل كان ينادي بالحرب على مطلق الشمال وعلى العرب جميعاً ؟ هل كان يشعر بأنه عبد يحارب السادة ؟ هل كان جهوياً ؟ بالتأكيد لم يكن قرنق عنصرياً هدفه القضاء على العنصر العربي ولم يكن جهوياً همّه أهل الجنوب فقط .. بل كان إنسانا حراً وسودانياً أصيلاً معافى الضمير والأخلاق.. بل سمَّى حركته الحركة الشعبية لتحرير السودان .. كل السودان .. تحريراً من المفاهيم البالية .. مفاهيم العنصرية والجهوية والتف حوله عدد مقدًّر من أبناء الشمال .. وكان بطلاً في الحرب وفي السلام . أما محدثي الذين يدعوني لأكون عبداً وأنضم إلى حاشية بشاشا وزمرته .. فأقول له إن بشاشا أسوأ من يقتدي به و"قد ضلَّ من كانت العميان تهديه" .. إن بشاشا آفة من الآفات التي ابتلى الله بها هذا السودان المنكوب .. بشاشا رجل يسعى لزرع الفتن والكراهية بين أبناء الوطن الواحد .. بشاشا لا يملك أخلاق الأحرار ويخاطب الجوانب المظلمة في النفوس الضعيفة .. هذا الجلابي الذي يمارس الاستعلاء الملوَّن .. ولنتساءل ما هو المشروع الذي يطرحه بشاشا ؟ ماهي أهدافه؟ ما غاياته؟ وما هي وسائله؟ هذا البشاشا الذي يتحدث عن "الدواس الفكري" لا يعرف معنى النضال ولا يحمل فكراً ولا يملك عضلات الدواس .. لذا نراه سرعان ما يولي الأدبار . لم يخاطب أحد هنا الأخت الكريمة نور تاور بمثلما خاطبها به بشاشا .. ولا أعتقد أنها سمعت يوماً من يدعوها بألفاظ عنصرية بغيضة مثل ألفاظ بشاشا .. الكل هنا يحب الأخت نور ويحترمها ويعتبرها واحدة من بنات السودان المخلصات لأنها تعرف الفارق بين العمالة والارتزاق .. بين القضية والاعتباط .. بين النضال والجهل .. بين الوطنية والأوهام الذاتية .. تعرف أن السياسة هي فن الممكن وتوازن الواقع .. وأن العقل هو الاستفادة من تجارب الماضي لاستثمار المستقبل .. لهذا انبرى للدفاع عنها الأوفياء ودافع عن قضيتها الشرفاء .. فالحق دوماً يجد من ينتصر له من أمثال الوطني الغيور الأخ عادل عبد العاطي الذي لم يدَّع بأنه أمير نوبي .. ولم يرفع ألوية الحرب العرقية .. ولم تحركه دوافع قبلية .. بل يعيش سودانياً .. قضيته كل أبناء السودان .. لم يرهن نفسه لأيديولجيا اليسار أو اليمين .. سائر مع الحق اينما يممت مراكبه ومهما تعثرت مسالكه وطالت دروبه . الإرتهان إيها السادة إلى رواسب الماضي .. هو إستسلام لقيود الجهل والعبودية .. وركون إلى مقابض النفس المنقوصة .. وهذه لم تكن يوماً من عزائم الأحرار وأصحاب الهمم العالية . من هنا نقول كن حراً ليراك الناس حراً .. ولا تكن عبداً فيراك الناس عبداً . وحري بنا أن نعلن الحرب والنضال من أجل حقوقنا المدنية والسياسية .. من أجل العدل والحرية والمساواة .. من أجل دولة الدستور والمؤسسية .. من أجل دولـة الديمقراطية والمواطنة على أساس الحقـوق والواجبات وليس من أجل حرب عبثية تحركها أوهام ومعايب ذاتية . ومن نافلة القول أيضاً نقول إن الطاقات المهدرة في الصراعات العرقية وإثارة النعرات العنصرية والدعوة لإعلان الكراهية على كل ما هو عربي أولى بها قضايا البسطاء من أهلنا الذين لا يعرفون حقداً ولا عنصرية أو جهوية .. إن الجهود الضائعة في محاربة ما يسمى بالجلابة والمشاريع الوهمية قمين بها أن توجه من أجل التنمية في الأطراف والهوامش .. من أجل محاربة الجهل والفقر والمرض .. من أجل محاربة الدكتاتورية السياسية والمشاريع الفردية .. فمن يرد خيراً بالسودان وأهله في الهوامش فليعمل من أجل السلام لا الحرب .. من أجل الوحدة لا التفرقة .. من أجل التماسك الإجتماعي لا التعارك الإجتماعي .. من يرد بالسودان خيراً فليناضل من أجل المساواة السياسية والعدالة الإجتماعية والتوازن في الإقتصاد والتنمية . أما الذين تحركهم الأحقاد وروح التشفي .. الذين يسعون بالفتنة .. دعاة الحرب العبثية وصراع الأوهام .. فهؤلاء لا يرجون للسودان وأهله خيراً ولا يرعون لله ولا لأنفسهم وقارا.