|
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد (Re: adil amin)
|
(12)
طال بنا الزمن منذ ذلك اللقاء في الخرطوم!! انقطعت الأخبار.. لا أدري، ماذا أسمي ما حدث؟! أرهقني التفكير والتحليل.. غابت عني النتائج.. غير ان الوطن أصبح هو الحاجز بيني وبينه.. لمست قيماً ومفاهيم جعلتني لا أتجاوز أو بالأحرى لا أنسى.. ربما هذا هو ما هداني إليه عقلي.. صديقي فقد القدرة على التمييز بين الأشياء.. لعله أصبح بوقاً ذا مصالح!!.. بعدت الشقة.. مع الوقت خفتْ وطأة الذكرى، واجتراراتها الحامضة.. سارت بي الأيام في دوامات الحياة المتقلبة.. طالت غربتي وطال غيابي.. وغطش النسيان ما تبقى في النفس من مرارات شخصية.. ولكن السودان كيف أنساه وهو ذاتي، هو وجودي الذي تؤكده سحنتي ولساني وتصرفاتي وتاريخي وانتمائي؟!.. إنه كرامتي التي تعلي قدري وشأني.. وكان يوم............!! بعد هذه المدة التي طالت، فاجأني الفحل بحضوره إلى شقتي في غرب لندن.. كانت واقعة مذهلة.. ما تصورتها، لأنني اعتقدت أنه مسح تاريخ علاقاتي وقفل تلك الصفحة إلى الأبد.. وعندما رأيته، وقفت للحظات متجمداً في مكاني، لا أصدق!!.. أهو الفحل، أم خُيّل لي؟!.. أما هو، فلم يدع لذهولي فرصة إشباع وامتلاء.. أخذني بحضنه القديم الودود، وبإحساسه الصادق الذي أعرف.. تكسرت في داخلي كل قلاع الجفاء والصدّ.. شعرت بضآلة نفسي..احتقرت حماقتي وتكبري.. مرّ بي شريط سريع لعلاقتنا.. ظل دوماً، يتجاوز هفواتي وسقطاتي.. فلماذا لا أتجاوز وأصبح مثله؟!.. لكن خلافي معه، وغضبي منه كانا مسألة وطن!!.. وطن؟! عجبي!!.. ماذا فعلت أنت للوطن؟!.. تركته ونجوتَ بجلدك!!.. حتى وأنت في مأمن من سطوة النظام، في بلد الحريات والديمقراطية الراسخة، كالمملكة المتحدة، لم تفعل له شيئاً تكشف فيه انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني!!.. كنت وما زلت، في وضع تستطيع أن تعمل فيه الكثير، من مداخل ثقافتك القانونية، ومكتب المحاماة الرفيع الذي تنتمي إليه.. أصبحت الدنيا قرية صغيرة.. وكان ولا يزال بإمكانك تجميع قانونيي السودان في بلاد المهجر، لفضح ما يجري في السودان من ممارسات غير قانونية.. حتى أحكام القضاء في السودان، يمكن دراستها وتحليلها وإبراز عوراتها وعوارها.. هو يستطيع أن يجادل الآن، بأنه يوظّف علمه وخبراته وجهده لحل مشكلة عاصفة كمشكلة دارفور.. ومن خلال مواقفه في السلطة، قد يبذل الكثير للتقليل من غلواء النظام وانحرافاته. وهذه محمدة، وليست مسبة.. عند التحليل الموضوعي، لن تصمد حجتك طويلاً!!.. لا!!!.. هذا تحليل انهزامي يدعو للخنوع.. هو لوّثه النظام.. أصبح جزءاً من قادته.. وعبقرية الشعب السوداني ستأتي بثورة نوعية مختلفة عن نتائج ثورات الربيع العربي.. ذلك شيء.. والشيء الآخر، إنه صديق عمرك.. ولم يعرف أهل السودان الخصومات الفاجرة!!.. علّمنا السلف هذه الوسطية الرفيعة.. السيد عبدالرحمن المهدي، أكرمَ وفد الشيوعيين السوفييت، الذي زار السودان، خوفاً من أنَّ شيوعيي السودان قد لا يقومون بواجب الضيافة، والندَّى السوداني.. غار على سمعة السودان وأهله، رغم بعد المشرقين بينه وبين من استضاف.. تجاوز خلفيته وإرثه الديني وخلافه السياسي لأنه يعلم أن هذه هي أخلاق الإسلام الحقة.. أعان بني وطنه لأنه يعلم تواضع حالهم المالي.. الأيام تعيد زمنها الجميل.. تجاوزنا ما حدث في الخرطوم في أخر لقاء لنا.. جاءني في إجازة ليقضي معي وقتاً طيباً، من عناء العمل ومشاقه.. قال لي صادقاً: صرتُ جزءاً من النظام.. لا فكاك لي منه.. أخلاقياً أصبحت لا أستطيع.. إقبلني على علاتي!!.. ولن أكون بخلاف ما صرت عليه!! لم أتركه.. قلتُ: - حينما يستنفدوا أغراضهم منك، ستُلفظ!! ربما هو يدرك هذه الحقيقة.. عقب: - ليس الآن على الأقل!! أمامهم وقت ممتد، ومشوار أطول لتلك النهاية!!.. أشفقت عليه: - اجلس هنا ولا ترجع.. وهذا أكرم!.. اعترض: - لا كرامة في الهروب!!.. لن أتجاوز قدري!! وعلى كلٍ، تقديرات الأشياء تتباين وتتفاوت من زمن لزمن.. ومن شخص لأخر.. أنا لم أضر أحداً.. ولم أسرق جهد أحد.. ولم أخبث في أحد.. ولم أعادِ أحداً.. ما أنا متأكد منه، أنهم سجنوني وعذبوني لاختلاف الرأي معهم.. ثم هم الذين جاءوا إليّ لقدراتي.. هم يعلمون جيداً أنني لست منهم.. ولم أزيّف حقيقتي.. أضاف ضاحكاً: - الدليل، قدوم إلسا إلى هنا، في أية ساعة من اليوم!!.. صعقني حديثه عن إلسا.. سألت: - ألا زالت علاقتك بها قائمة؟! أجاب بطرافته المالوفة: - أتظن أنها انقطعت؟! - طبعاً لأن فترة اختفائك كافية لقطع هذه العلاقة العرضية!! - من قال أنها عرضية؟! أنت تعرف هؤلاء الناس وإخلاصهم.. وبالذات الأنثى فيهم!!.. - كيف لم تيأس طوال تلك الفترة، ونحن يئسنا منك!! ضحك.. وقال: - هذا هو الفرق بين إخلاص وإخلاص.. قلبها الياسميني حدثها بأنها ستجدني يوماً.. وظلت على هذا العهد!! سألته مندهشاً: - هل أهل (الإسلام الاستوائي) الجدد يعرفون؟!.. لم يستغرب من سؤالي.. وغالباً ما توقعه: - قطعاً يعرفون.. وأنا أعلم أن الأمن يراقبني ويراقب غيري.. ثم كان هذا شرطي في التعاون معهم.. أن أعيش حياتي بطريقتي.. ربما قدروا فيّ هذا الوضوح وهذه الصراحة.. فأنا لست بحاجة للنفاق.. قلتُ لهم تقبلوني كما أنا، فقبلوا!! ثم أردف ضاحكاً: - تصور أني أعيد نفس (الفيلم) معك.. أن تقبلني كما أنا.. تخيل الزمن!! السجن حولني وأجبرني لأقايضهم، والسطلة حولتني وأجبرتني لأقايضك!!.. قلتُ ساخراً: - أصبحت مثلهم تملك الثروة، فلماذا لا تكون مثلهم في الزواج، ليكون عندك أكثرمن واحدة؟!!.. في عتاب: - كأنك لا تعرفني!!.. مؤسسة الزواج لا أطمئن لها.. بل أخافها، أتذكر صديقنا (عمسيب)، عندما طلب منه أهله الزواج، قال معترضاً وساخراً: معقول (أجيب) واحدة تشاركني في (ماهيتي)!! وقد صدق.. عاش حراً ومات حراً.. تذكرت ألمظ.. سألته عنها.. قال: - أخبرتني إلسا بأنها ماتت في حادث مروري مروّع، وهي تقود عربتها في الطريق من قريتها إلى أديس أبابا.. دهستها شاحنة نقل في مُنحنى يسمونه.. مُنحنى الموت!!.. حزنت عليها.. كانت جميلة ورائعة.. ولا زالت قولة ابن بطوطة الخالدة، التي ذكرها الفحل في شقة العجوزة، في ذلك الصباح، (تعشعش) في ذاكرتي.. جاءت إلسا بالفعل إلينا في غرب لندن.. فاتنة الطلعة والبهاء كما عهدتها في أخر لقاء قبل سنوات في (البيت الأبيض) بأملاك بحري.. لم تغيرها السنوات.. وإنما زادتها سحراً معتّقاً وجلالاً.. امتلأت قليلاً، ولكنها فارعة متماسكة كشجرة استوائية وفيرة الظلال.. ضحكتها الريانة تملؤنا براحة نفس لا تعرف الملل.. تضاعف حنيني لرفيقتها التي ماتت، عندما رأيتها.. تجسدت في الذاكرة لحظاتي الخاصة معها.. ماهذه الذكرى الطاغية التي تتداعى الآن، كأني لم أعرف النساء قبلها ولا بعدها؟!.. حنين يصادر الأنفاس، ويغمّ الفؤاد.. فاجأتنا إلسا وهي توجه خطابها للفحل: - ألم تصبح رئيساً للسودان بعد؟!!.. عبارة أخذتني من عالمي الباطني، وأعادتني لما يدور حولي.. كلماتها أبحرت بنا بعيداً، ومخرت عُباب السنوات ورست بنا في مرفأ أيام خلت.. عند فندق شبرد القاهرة وكلمات العرّافة الإنجليزية للفحل!!.. وما كدنا نستوعب، حتى انفجرنا في مرح صاخب وتعليقات مازحة..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 02-28-13, 09:07 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 02-28-13, 09:10 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | جورج بنيوتي | 02-28-13, 11:58 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-02-13, 10:25 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-02-13, 10:28 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-02-13, 10:29 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-02-13, 10:30 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-03-13, 11:32 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-03-13, 11:34 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-04-13, 10:42 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-04-13, 10:47 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-05-13, 10:25 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-05-13, 10:26 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-06-13, 11:23 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-06-13, 11:26 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-06-13, 11:28 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-06-13, 11:35 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-07-13, 10:00 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-07-13, 10:20 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-07-13, 10:54 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-08-13, 02:35 PM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-09-13, 11:48 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-10-13, 11:57 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-28-13, 10:30 AM |
Re: المكتبة السودانية :..رواية الفحل....الحسن محمد سعيد | adil amin | 03-31-13, 11:18 AM |
|
|
|