|
صعاليك بوادي السودان وهمباتة جزيرة العرب..بين محمد السني والأمين كاكوم
|
الهمبتة أو الصعلكة, ظاهرة قديمة في بوادي السودان, وهي أقدم في جزيرة العرب, فقد مارسها نفرٌ من مُهمَّشي المجتمع الجاهلي, وقد أضفى بعضهم على تلك الصفة السالبة(الصعلكة) قِيماً أكسبتها بُعداً إيجابياً, جعلها جديرة باهتمام الباحثين عن جذورها وأسبابها وأدبياتها. عُرِف الصعاليك في زمانهم بأنهم أنماط مختلفة من البشر, تُميِّز بينهم سلوكياتهم, فمنهم الدنيء , ومنهم الفارس الشهم., والنموذج الأول يمثله الفاتكين وقُطاع الطرق, أما النموذج الثاني فيمثله الذين ما استهدفوا إلا الغني البخيل, فغنموا عنوةً ما أمسكه عنهم من مال فائض عن حاجته.. وفي ذلك المعنى يقول أحد أولئك الصعاليك مُصوراً غارته على أحد البخلاء:
وعَيّابةٍ للجودِ لم يدرِ إنني....بِإنهابِ مالِ الباخِلينَ مُوكَّلُ غَدوتُ على مااحتازهُ فَحويتهُ.... وغادرتُهُ ذا حيرةٍ يتململُ
وكما جاء في أخبارِهِم, فالنذِل والشهم يتساويانِ في كونهم صعاليك, ولكن يُفرق بينهم فعل الشرِّ وفِعل الخير, ويسهُل بذلك تصنيفهم: فمجموعة(الخُلعاء) هم من خلعتهم قبائلهم لكثرة ما ألحقوا بها من صفات زميمة تُسيء لسمعتها بين القبائل. من أمثال حاجِز الأزدي, وقيس بن الحدّادية.... ومجموعة أبناء الحبشيات ممن نبذهم آباؤهم ولم يُلحقوهم بهم, لكون امهاتهم من طبقة أقل, بِحسب تصنيفات ذلك المجتمع التمييزي, ومنهم السليك بن السِلكة, وتأبَّط شراً, والشنفرى, وهم من سُمّوا بأغرِبة العرب. أما المجموعة الثالثة فيتزعمها عروة بن الورد الذي اتَّصف بالنُبل في صعلكتِهِ, فقد كان والده من أشراف عبس. وعروة لم تنبذه القبيلة ولكن هو الذي نبذها, فكان يهتم بالفقراء, ويرى أن مُترفي القبيلة قد أهملوا فقراءها, ومن هنا كانت نغمتِهِ عليهم. وعندما لامتهُ زوجته بنت الحسب والنسب على معاداته القبيلة وحُنقِهِ عليها, أجابها قائلاً:
أقِلِّي عليَّ اللومَ يا بنت مُنذِرٍ....ونامِي وإن لم تشتهي النوم فاسهري ذريني ونفسي أم حسـان إنني...... بها قبل أن أملُكَ البيعَ مُشتري أحاديثُ تبقى والفتى غيرُ خالدٍ.....إذا هو أمسى هامَهُ فوقَ صُيَّرِ تُجاوِبُ أحجارُ الكِناسِ وتشتكي......إلى كُلِّ معروفٍ رأتهُ مُنكَّرِ
يُرجِع المتابعين والمهتمين بدراسة تلك الظاهرة أسبابها إلى الفقر والنبذ والتهميش الذي كانت تمارسه القبيلة على فئة محدَّدة من أبنائها سبق ان تطرقنا لمواصفاتهم, كذلك للتمرد الذي يقوم به أولئك الأبناء على نمط حياة القبيلة وسلوكياتها الإجتماعية التمييزيَّة. فالشنفرة لا يغير إلا على قبيلته لأنها نبذته, ويعلن نواياه بالإقتصاص منها. ولقد آمنت مجموعة من الصعاليك بالصِدام والقِتال لأخذ حق غيرها وسلبه, للخروج من حالة الفقر والذُّل, حتى وإن أودى ذلك الفعل بصاحبه للهلاك, فقد مات معظم أولئك المصادمون قتلاً في غاراتهم, مثل الشنفرى والسليك بن السِلكة وتأبط شراً وغيرهم.
(عدل بواسطة محمد فضل الله المكى on 01-28-2013, 05:11 AM) (عدل بواسطة محمد فضل الله المكى on 01-28-2013, 05:13 AM)
|
|
|
|
|
|