عُذرا قاسم عثمان

Quote: الأخ الصديق الدكتور / احمد القرشي إسمح لي في البدء أن أتقدم بحار العزاء للإبن ناصر قاسم عثمان والأسرة المكلومة ولمدينة الأبيض الغراء ولكردفان قاطبة على رحيل قافية هي في رقة دعاش كردفان ونعومة رمل دروبها ونصاعة ضوء قمرهاالمدهش. وعلى الرغم من أن الموت حق ، إلا إن خبر رحيل الصديق العزيز قاسم عثمان أضاف إلى أوجاع الغربة عندي وجعاآخر. عرفت الراحل العزيز في النصف الثاني للسبعينات.. حكى لي عن قفشاته قبل ذلك الصديقان عبدالقادر سالم وعبد الرحمن عبدالله . وحين التقينا لم يكن أي منا غريبا على الآخر. طلبت منه في أكثر من لقاء أن يحدثني عن بعض الطرائف مما حكي لي عبدالقادر وعبدالرحمن. كان يضحك ضحكته التي تخرج من جوفه حتي لكأنه يسمع هو نفسه بالطرفة التي هو بطلها لأول مرة..ثم يحكي لي بطيب خاطر ما حدث. وأحيانا يضيف ما حذفه مقص الرقيب إن كان الذي شرب المقلب أحد الفنانين الكبيرين. إن شاعرية قاسم عثمان لا تحتاج أن نزكيها ولكن شعره وحياته يتطلبان التوثيق ، وقد بدأت كعهدك يا احمد القرشي بما شغلك في عمرك الباكر - أعني التوثيق للنغم السوداني .. فأفردت هذا البوست مشكورا لصديقنا الراحل ، قاسم عثمان بريمة تغشى قبره شآبيب الرحمة. أجمل ما في شعر قاسم عثمان أنه أخذ من مفردة الحقيبة التي تتلمذ على فحولها، إضافة إلى الصورة الشعرية أيضا، فقد تتلمذ على يد شاعر الجمال حدباي وجلس إلى محمد على الأمي وسيد عبد العزيز وحميدة ابو عشر وقرأ شعره في حضرتهم. بل إن علاقته بحدباي وسيد عبدالعزيز كانت قد تخطت حيز التلمذة إلى الزمالة رغم فارق العمر. تعتبر مدينة الأبيض في الستينات والسبعينات من القرن الماضي واحدة من أبرز حواضر الثقافة والفن في السودان.. جمعت كل إثنيات وثقافات الوطن في تعايش اجتماعي خلاق. كان من الطبيعي أن تطوف بك أقدامك أحياءها منتقلا في لياليها العامرة من حفل يكتظ بالطرب الشعبي الكردفاني الخالص إلى آخر تصدح فيه حنجرة عبدالفتاح أو صديق رفاعة بالحقيبة إلى ثالث تحييه كوكبة من نجوم التطريب الحديث للفن الكردفاني : عبدالقادر سالم ‘ البلوم عبدالرحمن عبدالله ، ابراهيم موسى أبا ، صديق عباس ، عبدالله الكردفاني ، ام بلينة السنوسي ، حمودة وآخرون. وكان مجلس العملاق محمد عوض الكريم القرشي آنذاك يغص بالندوات التي جمعت فأوعت. وسط هذا الزخم كان لابد لقرائح الشعراء أن ترفد الناس أروع القوافي..فكان قاسم عثمان أحد فرسان تلك الفترة. أعجبتني مداخلات بعض الإخوة الأعزاء ، وخاصة ما يتعلق بالمعارضة والمجادعة بين الشعراء أيامها. كان الشاعر حدباي أكثر من يشعل المعركة برمياته الشهيرة مثل (بص المدرسة) والتي ناشد فيها الشعراء وهو بالأحرى يستغيث: بص المدرسة البصيت لو بصة عابر ومن داخلو انطلق سهما يولول هادر حش حشاي ما خلا لي ضلعا جابر كيفنو الخلاص يا شعرا فيكم خابر؟ وقد خف إليه تلميذه وجليسه قاسم كما أوضح الدكتور القرشي أعلاه ، لكن كعادة قاسم في خفة الظل والمرح أوصى حدباي أن عليه أن يختبيء خلف نظارته السميكة إن مر إلى جواره ذاك البص المشهود. وبهذه المناسبة فقد لقي البص شهرة عارمة في المدينة حتى إنه صار متنازعا بين كلية معلمات الأبيض ومدرسة الأبيض الثانوية بنات.. حيث صارت طالبات كل منهما تدعي ملكية ذلك البص ..وطبعا لم يفصح حدباي عن جهة البص !! كما إن تلك القصيدة أضافت لزمرة الشعراء شاعرا مجيدا هو الشاعر عبدالقادر منعم منصور (ناظر قبيلة حمر حاليا) والذي هاجر إليه حدباي بعدئذ في (أم قرنا شاك ) ليعمل في دونكيها ويقيم هو والشرتاي (آنذاك ) عبدالقادر منعم منصور ويتزاملا أكثر من ثلاث سنوات ، يقول عبدالقادر كانت احلى سنوات عمره. والسبب هو قصيدة حدباي عن بص المدرسة وقد بعث بالرمية لعبدالقادر منعم طالبا منه المجاراة..ثم رد عبدالقادر بقوله: عم حدباي بجيبك مع إني لست بخابر وتجربتي القليلة أنا بيها راضي وصابر حذار من النظر في كل بصا عابر واجتر ذكريات ماض الحقيبة الغابر إلى أن يختم مداعبا: ولو إنت حدباي شاعر الحقيبة النادر وأستاذ الغرام الديمة فيهو محاضر ماك قادر ترضى بالقليل ماك قادر فكيف يعمل إبنك الشرتاي عبدالقادر؟ في مثل هذه الأجواء عاش قاسم عثمان بريمة..فتي كردفان وشاعرها ورئيس فرقة فنونها وزينة مجالسها. وفي مثل هذه الأجواء أخذ وأعطى بلا من أو سلوى. كنت تراه في جلبابه وعمامته والمركوب، أنيقا دون مغالاة..وتزوره في محله (مجزرة) مؤتزرا المريلة ، يعمل دون كلل..فتعجب كيف أن لهذا الشخص الجميل أن يحمل كل أولئك في قلبه العامر بالحب. عاشت ذكراك إلى الأبد أيها الصديق وعشت حيا وميتا يا شاعر الطبيعة والجمال قاسم عثمان بريمة.