من يجرأ على التأمل العقلاني في ما آل إليه الحال في حزب الامة والاتحادي الديموقراطي والمؤتمر الشعبي، لا شك سيصاب بالدوار السياسي. والدوار السياسي مثل دوار البحر، يعتاد عليه الإنسان بالمعايشة حتى لا يعود يحس به.
هذه حالنا مع هذه القيادات المحنطة لهذه الأحزاب.
هي حقيقة محنطة. تصور كم رئيس مرّ على حزب المحافظين البريطاني أو حزب العمال أو حتى الحزب الشيوعي الصيني، في نفس الفترة التي ظل فيها الصادق المهدي رئيسا دائما لحزب الأمة والميرغني رئيسا ابديا للاتحادي الديموقراطي.
تغير المناخ السياسي العالمي وتغير المناخ السياسي العربي وتغير المناخ السياسي الأفريقي وتغير المناخ السياسي السوداني، وبالكامل وعبر عدة مراحل، ولا تزال هذه الشخصيات المحنطة باقية لا تعترف بالزمن.
بالطبع فإن احد العوامل الرئيسية في تحنيط واستدامة هذه القيادات، هو الانقلابات العسكرية التي مافتئت قواتنا المسلحة الباسلة تنفحنا بها كل ثلاث سنوات. وأثناء الحكم العسكري تجد هذه القيادات حجة قوية ضد المناداة بتجديد القيادة. نحن في محنة كبرى، محنة اغتيال الديموقراطية، وأنتم تنادون بتغيير القيادة. هذه خيانة وعمل لصالح أعداء اليدموقراطية و(الناس في شنو والحسانية في شنو) ... الخ.
وتكررت الانقلابات حتى صارت هي القاعدة وصارت الحياة الحزبية التعددية هي ما يشذ عن القاعدة. فخلال 52 عاما، هي عمر جمهورية السودان، نجد أن حكم العسكر قد دام 6 +16 +23 = 45 عاما.
إذن لو انتظرنا زوال حكم العسكر، فإن هذه القيادات لن تتغير ابدا.
وهنا تبين مصلحة خفية لهذه القيادات المحنطة في دوام فقدان الديموقراطية. فهم على القيادة ما ظل العسكر على السلطة.
وهنا نجد تفسيرا للمواقف المحيرة لهذه القيادات من حكم المؤتمر الوطني. فهم يناوشونه بالقدر الذي يبقيهم قيادات (معارضة). ويمدونه سرا بأسباب البقاء لدرجة تقديم خلفائهم من ابنائهم للعمل مع المؤتمر الوطني.
ومن هنا تتضح ضرورة زوال هذه القيادات المحنطة من أجل استعادة الديموقراطية والحريات العامة والخروج من النفق المظلم.
وأزاء هذا الواقع لبسيط الواضح، يتعين على القوى الحية في هذه الاحزاب التقليدية أن تتخلص من هذه القيادات "وتريحها على جنبها تماما كما نفعل مع الموتي"، كما قال العبقري الراحل، الخاتم عدلان عن هيجل وماركس وانجلز.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة