|
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش (Re: محمد امين مبروك)
|
مَن ذا الذي يَا عِز لا يتغيرُ ...! كتب : محمد الأمين علي المبروك (1) واطلت شمس الصباح على أمبَادِر ، وسرت النسائم الفجرية فأنعشت نفوسنا وأنست أجسامنا فتًر الرحلة الطويلة ، كان صبحاً بهيجاً ، وفاض علينا نهر من الكرم الاصيل ، الاثيل. ونحرت الابل على شرف الاميرة القادمة من البحر . كان رجل حزب الامة القوي (ود درب الناقة ) ومسانده الشاب (عماد ) ، كانا كأم العروس ليلة زفافها ، قائمان على أمر الضيوف وراحتهم ، لا يتركان شاردة ولا واردة ...يتأكدان من راحة الجميع . وأذكر في تلك اللحظات ، تحت غبش الفجر صورة غائمة في ذهني . إذ كان ثمة رجل يتحرك بحذر هنا وهناك بين الضيوف ، ويتحدث بصوت هامس دائماً ثم يغيب ، حتى إذا نسينا أمره عاد لظهوره الغامض .. قيل في تفسير ذلك ان الناس هنا يخشون من ردة فعل النظارة والسلطة معاً في حال أظهروا تأييدهم لمرشح الدائرة عن حزب الامة أو حتى أبدو ترحيبا بمقدم الاميرة . سيكون هذا مفهوماً إذا وضعنا في الإعتبار ان مرشح الحكومة هو عبداللهِ ود الإعيسر .. من بيت قيادة الكواهلة . (2) على ان الإحتفاء الفطري الذي أظهره الناس العاديين ، غمار الشعب ، غطى على ظلال الحرج .. فلم يحس الناس بالغياب البائن لآل الاعيسر .. أهل الصولة والجولة في هذه البقعة ، وهم كانوا أنصار حزب الامة التاريخيين منذ حقبة دولة المهدية الثانية . وحين نشأت الاحزاب مطلع خمسينات القرن السابق ، شكلوا جزيرة لحزب الامة وسط امواج الاتحاديين الديمقراطيين ، الذين تمتعوا زماناً طويلاً بنصرة كبرى قبائل المنطقة وهي قبيلة الكبابيش .. إنما كان ذلك دهرا تولى (فهل يا بثين يعود !) .. رب قائل أن غالب كواهلة كردفان قد خلعوا الجبة الانصارية لمًا لم تتسع لأحلامهم المشروعة ورموا بأسهمهم لصالح الزمن الانقاذي الجديد.. وهكذا بدأ ان الزمان دار دورته ، وان شمس حزب الامة في امبادر قد آلت للمغيب . وربما شهدت الاميرة نفسها شفق المغيب القاني فبكت! وتظاهر أخرون بالبكاء أو تباكوا ، فلم نعد نتبين شيئاً .. على رأي الأستاذ إذا سَالَت دِمُوعٍ فِي خِدُودٍ تبيَنَ مَنْ بَكَى .. مِمَنْ تَبَاكَى (3) نعم تغير الناس.. غيرتهم الغِير .. ومَنْ ذَا الذِي يَا عِزُ لا يَتَغيرُ؟! ورب مراقب يقول بأن الكبابيش تخلوا عن الإتحادي الديمقراطي كما تخلى عنهم وصرف وجهه عن مشاكلهم حين حاصرتهم نوائب الدهر .. ومن ثم توجه بعض ابناؤهم المتعلمين تلقاء الاسلاميين ، ولكنهم صاروا وسطهم – رغم الإنتماء المبكر والجهاد الطويل – كاليتامى في موائد اللئام .لا يدعونهم لموائدهم الدسمة إلا لماما . إياك أعني (حسناً) و(العبيد) . ولكن لا يفرحًن الإنقاذيون بذلك كثيرا وننصحهم ألا ينخدعوا بالبروق الخٌلب..فما على السطح الان مما راه القابضين على السلطة في الخرطوم نصرا ونصرة لهم هناك ماهو في جوهره سوى محض إنتماء زائف ،ومجرد تقية يتقنها ثعالب الصحراء ..مجرد رأس جبل الجليد.. فحقائق التاريخ والجيوبولتيكا تقول بأن هؤلاء القوم ..القابعين في بادية كردفان ، الغارزين بيرق الحياة وسط العدم ، الواردين المناهل الأواجن ، النازلين بالمنازل التي لا يطرقها أحد سواهم ..هؤلاء القوم إنما يتحينون موعداً مع التاريخ ،متى ضربه لهم ، وجدهم أهبة الوقت زماناً ومكاناً ... (4) على انه لا يذهبن عقلك – أيها القارئ الكريم –بأن ما حدثتك عنه من ترحاب حذر قد منع الناس من الاحتفاء بالحضور البهي القادم الى أمبادر ذلك الصباح، حيث شهد سوقها القديم ،العتيد ندوة صباحية لم يشهدها من قبل وما بين حديث الانتخابات والغناء العذب .. ظللت روح الوزير الراحل الدكتور فضل الله على فضل اللة (مُكَسَر) ، نائب الدائرة في الديمقراطية الثالثة ، ظللت كغمامة وسط الحضور .. وكان المتحدثون جميعهم لا يجدون حُسنْ إستهلال إلا بذكر عطائه المميز وأياديه التي سلفت للمنطقة واهلها الكرام .. وقدم الريح محمود الدكتورة مريم واصفاً إياها (بالصوت الانصاري المجلجل) وقد اعتاد على ذلك في كل الندوات اللاحقة في سودري وتنه وبقية المحطات الحزينة .وكانت كذلك . تحدثت حديث العارفين ببواطن الامور والمهمومين بأذمة الوطن الجريح .. فلم تترك لأهل الانقاذ صفحة ينومون عليها وما (طلعَتَهُم قوزاً أخدر ) كما يقول اهل البادية لمن اقذع القول للاخر .. ولسوف تحتاج تلك الاجواء المشحونة بالاعاصير لغيمة تُهطِل رزاز الفرح وقد كان .. فقد شدت فتيات (صالون الابداع) وغنيًن كما لم يغنن من قبل .. وتبادل معهن ذلك الفتى الحميس (مكي) الغناء فأشعل الحماس وتداخل الناس وبشروا لبعضهم (ابشر بالخير .. ابشر بالخير يا انسان ) المدفع رزم ..في كرري الضَحى ..حاشا ما جرو .. وكان المقام مناسبا تماما لكي تصدح الفتيات المبدعات بالاغنية الخالدة ( الليلة والليلة .. دار اُمبادر يا حليلا .. بريد زولي ) ساد بين الحضور احساس طاغي .. ليس من السهل وصفه ..سالت مشاعر الناس كما يسيل وادي المِلك ايام الخريف.. كان ثمة مزيج متماسك من الفقد والاعتزاز قد اخذ مكانه بين الناس . ولا ادري ان كان الدفق العاطفي الذي غيم سماء تلك اللحظات هو ما جعل دموع الاميرة مريم تفيض .. ام تراه أثر فيها ما أحسته من تغير بعض الناس وتحولهم عن حزبهم العريق .. اياً كان الامر ..فقد كان للموقف نفسه فعل السحر بين الناس في هاتيك الربوع ..وظلت كلمات الدكتورة ، حديث البادية لزمن طويل . (4) الاغنية الإلياذة .. ماذا يقول الجرس ؟ وبماذا تفصح الموسيقى المصاحبة ؟ وماذا تقول كلمات الاغنية .. هذه الاغنية ..الليلة والليلة ..دار أُمبادر يا حليلا .. التي عُرِفَت بها المدينة .. واضحت ثيمة تشير إليها ويُستَدل بها عليها ..وتبدأ هكذا بصوت فتاة تغني لمحبوبها : بَسمَع لِي صوت كوراك .. غرب الجبال ديلاك .. زولِي الفَزيت* مالَك .. خليت شريك ليمك .. ( كنت مذ أيام الطفولة تهفو نفسي لرؤية أُمبَادر .. فقط لأعرف وجهة هذا الزول السَرَب سَربَ ، وإلى أين توجه بعد أن ختَ الجبال غَربَا ..وتخيلته بمنطق الجغرافيا وقد توجه شرقها .. ولكن أي شرق لأمبادر وهي محاطة بالجبال من كافة جوانبها؟ .." يا إلهي (ماكندو) محاطة بالمياه من كل النواحي" هكذا هتف أركاديو بونديا ، بطل رواية "مائة عام من العزلة " لغابريال غارسيا ماركيز .. فبماذا تراني أهتف وكذا هذه المدينة تعوم وسط الجبال .. ؟ هنا أدركتنا مساحة هذا المقال .. نسكت عن الكلام المباح .. نعود في الحلقة القادمة .. عن الأغنية والقمري وتلك الرحلة في حضن هاتيك الربوع أحدثكم. * قولها فَزيت ..تعني هربت ..وهذا من العتاب أو اللوم . (ما لايمنكم) قالها زميلنا في الجامعة فيصل ، من عرب شندي ، لإحدى فتيات امدرمان وقد إتصلت تسأل عن حالنا وتعتذر عن تقصيرها وكنا هاربين من شغب إفتعلناه في الجامعة ايام الطلب . بالطبع لم تفهم ماذا يعني فقمنا عليه أجمعنا تقريعاً . محمد
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 04-04-12, 01:22 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 04-04-12, 01:26 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 04-04-12, 01:29 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 04-05-12, 01:11 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | عادل نجيلة | 04-05-12, 02:09 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | الكباشى البكرى | 04-05-12, 06:34 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | فيصل محمد خليل | 04-05-12, 06:55 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | فيصل محمد خليل | 04-05-12, 07:01 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | Ahmed al Qurashi | 04-05-12, 09:15 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 04-13-12, 11:09 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | طارق جبريل | 04-13-12, 11:54 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | munswor almophtah | 04-14-12, 02:50 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | munswor almophtah | 04-14-12, 02:53 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | munswor almophtah | 04-14-12, 02:57 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | الصادق خليفة | 04-14-12, 08:57 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | ود الخليفه | 04-14-12, 10:31 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 06-04-12, 12:25 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 06-10-12, 02:24 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 06-10-12, 02:45 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 06-11-12, 05:57 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 06-12-12, 10:08 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | مدثر صديق | 06-13-12, 07:26 AM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 06-13-12, 03:18 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 06-16-12, 03:45 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 06-17-12, 06:30 PM |
Re: رحلة في اعماق بادية الكبابيش | محمد امين مبروك | 06-18-12, 11:53 AM |
|
|
|