|
Re: مجنون الكتابة الجنن الكتابة وجننا ابراهيم كوجان 3 (Re: Kabar)
|
Quote: و بمنتهي الأنانية اقول: دكتور ابراهيم كوجان من الذين اقرأهم لنفسي فقط..!!!! |
منتهى الأنانية التي تُحمد لصاحبها! فدعني يا صديقي كبر أحدثك قليلاً عن الجراح الأديب كوجاننا هذا، لتعرف أنك لست وحدك من حظى وتفاخر بأنانيته. ولربما كنت أشاركك فيها بحكم (التكو) الذي فرضه علينا هذا الرجل المفعم بعلمه الغزير وأدبه الأنيق وثقافته المتزايدة.. فهو لم يقتنع بعد بأنه عالم يَعلَم ويُعلِمنا وبأننا نتعلم من فيض علمه.
سأعود بك لسبعينيات القرن الماضي، ولتلك الأيام الخالدات التي جمعتني بذلك الفتى (حينها) إبراهيم حسن بمنزل آلـ الخليفة بالعباسية، أمدرمان. جمعنا ذلك الظلام وتلك العتمة التي فرضت علينا لإتقطاع مستمر للتيار الكهربائي. لفت إذني إليه بصوته المتميز بـ (لجنة) صوتية خفيفة عند نطقه لبعض الحروف، أحسست معها بثقة متناهية عنده من خلال حكيه. وكان حكيه لنا، ونحن مجموعة من الشباب والشابات ممن جمعهم ليلٌ خميسيٌ مظلم ليتسامروا، كالشهب في عتمة الليل. قص لنا من قصصه المعبرة بطريقة تصويرية أنستنا الظلام وذهاب التيار الذي أضاع منا مشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل.
سألت عنه فأتتني إجابة أحدهم بأنه قريبنا.. فتقربت إليه ونعمت بقربه وقرابته لي.
ذهبت لزيارته في كلية الطب، ونلت ود أصدقائه وزملائه وأساتذته. كشف لي عن عبقريته وتعدد مواهبه.. ولكني إكتشفت فيه لطفاً وأدباً جماً وحب عميق للكون وكائناته. إستفيطه صديقاً، فكان نعم الصديق الصدوق. وإستأمنته سر حبي، فما بخل عليّ بالنصح. قطع من وقته الكثير ليعطينا له.. تارة تحت الشموع وتارة بضوء الفانوس عند إنقطاع الكهرباء ونحن نعد لأداء إمتحان الشهادة. غادرت بعدها البلاد لأعود بعد الإنتفاضة وأجده أضحى طبيباً مناوباً يعد عدته للتخصص الطبي. وبعد إنقلاب الجبهة غادرت البلاد مرة أخري وإنقطعت عني أخباره، وإن علمت مؤخراً بأنه هاجر إلى عاصمة الضباب.
وفي صيف العام الماضي كنت في ورشة تدريبية بجبال الروكي العاتية والشاهقة الإرتفاع.. وأزكر أنني دخلت لذلك الكوخ الذي كان مقراً للورشة متأخراً في نهار إحدى الأيام وأنا أعاني من حساسية طفحت بجلدي لعوامل تغيير المناخ. جلست بمكاني المعهود مقابلاً لذلك الشخص (الصامت) والذي حضر بعد عدة أيام من بداية الورشة. أحسست بأنني أعرفه أو ربما شدتني لهيئته علامات الثقة البائنة على محياه وحسن إستناطه.
توجهت إليه في فترة الإستراحة وأردت أن أتعرف عليه. تقدم نحوي وعانقني عناق حاراً وأنا أقف مشدوهاً بين يديه التي قصت ظهري! وأثناء عناقه الحار هذا، ووجهي معاكس لوجهه، قلت لنفسي: إذاً هو عرفني.. ولكن من هذا الشخص؟
مرت ثوان من الصمت، حسبتها دهراً، ونحن في عناق حميم وأنا أجهل شخصية من كان معانقاً لي. نطق كلمة واحدة وهي: "معقول؟" التي إمتزجت بنفس تلك (اللجنة) التي دأبت على سماعها قبل ربع قرن عند أحد أصدقائي.. فكان لها تأثير عليّ لا أستطيع وصفه. لقد أعادتني لـ 24 عاماً بالتحديد للوراء، ولآخر لقاء جمعنا!
إنتفضت بعد سماعها من عناقي له.. ورددتها: "معقول؟" وواجهته: "معقولة يا أبراهيم؟". أجابني: "معقولة يا محمد.. معقولة ونص!".
عاودنا عناقنا الذي إمتزج بدموع سالت ولفتنا أنظار جميع من حضر والذين عرفوا بعدها بأسباب حميته. وعدنا للورشة وقضينا يومان من الحديث المتواصل ومعرفة الأخبار وإستعادت الذكريات، رغم المشغوليات وكثافة البرنامج. وتفارقنا على أمل اللقاء مرة أخرى.. تراني أتوق لها حتى الآن.
لقد زاد علمه وسطع إسمه كأحد أشطر جراحي القلب في بريطانيا. فأبراهيم (حفظه الله) يتمتع بسرعة بديهة وقوة ملاحظة وفراسة وذاكرة جهنمية أهلت أنامله التي أبرعت عند حملها للمشرط أو القلم أو الفرشاة. وهو يتميز بقدرته على السرد والوصف والتصوير البلاغي أو المجسد. ولربما وجد لنفسه يوماً ما متسعاً من الوقت للكتابه والرسم على الأوراق ولزيادة إبداعه وتوثيقه للعالمين.
جزيل شكري وتقديري للدكتورة نجاة محمود لإتاحتها لنا هذة الفرصة النادرة لنوفي الصديق الخلوق الدكتور إبراهيم حسن، قليلاً من حقه علينا... فحقه ممهور عندنا بحروف من ذهب نقي وخالص.
الدم فعلاً بـ (يحن) يا دكتور!
|
|
|
|
|
|
|
|
|