|
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد (Re: تراث)
|
(2) وصلت موقف الباصات ودلني بعض الناس على الشركة ذات العربات الجديدة والممتازة (إنها كالطائرة) قال أحدهم، فذهبت إليها، وعندما سالت عن تذكرة علمت أن التذاكر (خلصت) فقد بيعت جميعها فانتابني ضيق من حظي العاثر.. فتذاكر هذه الشركة تحجز قبل يوم أو يومين من السفر.. اتجه بصري نحو نداءات بعض (كماسرة) الباصات الأخرى الأقل جدة وجودة، وحين هممت بالذهاب إليها لأركب في واحد منها (فأنا لا أرغب في التأخير وحنيني إلى عطبره صار مارداً يأخذ بتلابيب نفسي) جاء فتىً مسرعاً طالباً إعادة تذكرة له أو لأحد أقاربه أو أصدقائه فانفرجت أسارير (البياع) ونادى عليَ منبهاً (خلاص فرجت أدفع له قيمتها).. ارتاحت أعماقي وقلت في نفسي أي حظ هذا الذي نزل عليَ من السماء لعل الله قدر لهفتي وحنيني فاستجاب لدعائي بتسهيل أمري.. لعل حياة الناس في هذا البلد قد تحولت إلى حالات دائمة من الحرمان والمشقة، وما تجد شيئاً بسيطاً ما كان يتصور فيه حرمان أو مشقة حتى يشعر المرء بسعادة غامرة.. كنت محظوظاً حين وجدت مقعداً في منتصف هذا البص الجديد الممتاز، وأخذت مكاني حيث رقم التذكرة.. المقاعد وثيرة ومريحة، تصطف على طول البص في خطين متوازين، كل خط منهما يتكون من عدة مقاعد يتلاصق فيها كل مقعدين معاً من الأمام حتى مؤخرة البص حيث يوجد صف أخير عرضي من ستة مقاعد.. والمسافة بين كل مقعدين معقولة حيث تأخذ الأرجل راحتها سواء بالتمديد أو بالوضع على (شيالات) في أسفل كل مقعد أمامي لرفع الرجلين بطريقة مريحة.. كما إن المقعد كمقعد الطائرة يمكن أن تتراجع قائمته إلى الخلف لتساعد على النوم والاسترخاء ذلك فضلاً عن طاولة صغيرة في المقعد الأمامي تساعد على تناول الوجبات أو الكتابة.. وضع مماثل للطائرة تماماً.. هذا إلى جانب تلفزيون في أعلى مقدمة البص وفي وسطه.. شعرت براحة بالغة. لابد أنها ستكون رحلة بلا متاعب خاصة عندما تأكدت أن حقائبي الثلاث قد وضعت في مكان الحقائب الجانبي للبص بشكل مأمون ومحكم، أما الأكياس فقد أخذتها معي إلى داخــل البص ووضعتها في الرف الذي يعلو مقعدي تماماً فانتعشت نفسي.. أخذت أرقب الركاب فرداً فرداً.. من كان موجوداً قبل حضوري ومن جاء بعد أن أخذت مكاني في البص.. امرأة مترهلة في الخمسين من عمرها تدخل من باب البص الأمامي وفي يدها (بقجه) من الملابس وهي تتصبب عرقاً في هذا الصباح الباكر وفي ملامحها حزن غامض وتدعو الله في حركة طلوعها درجة البص وهي تعلو من الأرض إلى داخله، وحتى جلست في مقعدها وهي تخطو ببطء على جانبها لضيق المدخل والممر مقارنة بجسمها.. رجل بعمامة كبيرة متسخة بعض الشيء يجلس على المقعد الأول الأمامي وقد استدار إلى الوراء يتفحص في الركاب الجالس منهم والداخل أو الخارج كأنه يبحث عن شخص تاه عنه.. في نظراته فضول أبله.. ساق ملفوفة ممتلئة وقدم لها كعب مستدير في تناسق، عليها نقش حناء أبنوسية اللون، رسمت على بشرة قمحية فاتحة السمرة لامرأة انحسر ثوبها عن هذه الساق المتوردة دون أن تأخذ بالها بما تحدثه ساقها في نفوس الرجال مهما بلغت من وقار، فأحيا هذا المنظر في ذاتي ذكرى قديمة تداعت من أعماق الأعماق كنت قد ظننت أنها قد تلاشت ضمن أشياء كثيرة جميلة طواها النسيان فإذا هي ذات جذوة متقدة في تلافيف اللاوعي تهب قوية كالإعصار، فانجذبت إلى ذلك الماضي أعايشه بأحاسيس متضاربة بحلوها ومرها وقد أنعشت ذاكرتي فتمنيت أن تبقى هذه الساق كما هي حتى نهاية الرحلة.. شدني صياح في الخارج لا تفهم منه شيئاً لكنه يأخذك لمتابعته وانتهى بامرأة تبكي وتندب حظها وشاب يهدد باستدعاء البوليس وآخر يدفع عنه ذلك الشاب ويخلص ثيابه منه ثم ينطلق فارداً رجليه للريح فيجري خلفه من تطوع في شهامة للنجدة فانتبه من في البص إلى أن السائق قد أخذ مقعده وأعلن عن بدء تحرك البص في ساعته المحددة.. وعندما أعدت نظري بحثاً عن الساق المتوردة لم أجدها لأن صاحبتها قد عدلت من جلستها عندما عادت إلى مقعدها حينما كانت تتابع ما كان يجري من معركة في الخارج، فشعرت كأن الماضي الذي عاد إلي في تلك اللحظة قد تلاشى وذاب كما الحلم..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:35 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:37 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:39 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:41 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:43 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:44 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:46 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:48 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:49 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:51 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:53 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:54 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:56 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:57 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:59 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:01 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:02 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:03 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:05 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:06 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:09 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:11 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:12 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:13 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:15 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:17 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:19 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:21 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:23 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:24 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:25 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:26 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:28 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:31 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-24-05, 03:09 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 03-18-05, 12:26 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | Amin Elsayed | 02-24-05, 04:23 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | Tumadir | 02-25-05, 06:35 AM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | AlRa7mabi | 02-25-05, 09:16 AM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | adel alsaed | 02-28-05, 02:11 AM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 03-18-05, 01:06 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 03-22-05, 03:01 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | صلاح الدين عبدالله محمد | 03-23-05, 03:20 AM |
|
|
|