|
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد (Re: تراث)
|
ذهبت إليه في الموعد فوجدته في انتظاري مهموماً قلقاً وقال بعد تحية متوترة (أنا قررت الرجوع لعطبره) نزلت عليَ عبارته كالصاعقة، قد أتخيل كل ما هو سيئ ومثير إلا قراره بالرجوع إلى عطبره وهو العاشق لكرة القدم ومجدها وثرائها وهو لم يحقق شيئاً من ذلك بعد في مرحلته الجديدة فاستفسرت مندهشاً (لمَ) قال وبصره يشخص نحو أم درمان كأنه يخترقها (الحياة هنا لم ترق لي.. مجتمع اللاعبين لم أندمج فيه حاولت ولكني لم أستطع هذا كل ما في الأمر) لا يزال ابن عوف قروياً في أعماقه.. لم تعرف روحه الحياة المعقـــدة بعد، المتداخلة المتشابكة التي لا تستقر على لونية واحدة ثابتة.. ربما عطبره تختلف عن العاصمة في نمط الحياة وسلوك الناس فلا تزال أحشاؤها تبقي قيماً من القرية هي التي جعلت ابن عوف يتعايش بسهولة فلم يعد راجعاً من حيث أتى.. قلت محاولاً تغيير رأيه (لازم تحاول مجاراة الناس هنا دون أن تتخلى عن مبادئك وقيمك.. عن أخلاقك وما تحس أنه الصحيح.. هنا مستقبل عظيم ينتظرك.. عليك بالصبر ومزيداً من الصبر) أشعرني كأنه لا يسمع كلامي ولا يريد أن يسمعه.. أعرف عناده وتصميمه على ما يقتنع به.. وكانت دهشتي الثانية عندما قال (أنا مسافر بكرة بالإكسبريس) وهب واقفاً مختصراً هذا اللقاء بهذه البساطة وعانقني مودعاً وحملني تحياته لأبناء عطبره في الجامعة وهم أصدقاؤه أيضاً.. وقلت له (سنحضر لوداعك في المحطة) ولكنه رفض متذرعاً بأن الوقت مبكر ولا داعي للإزعاج وشد على يدي وقال (نلتقي في عطبره إن شاء الله).. كان هذا آخر لقاء لي لابن عوف في الخرطوم إذ سافر حقيقة في اليوم التالي بالإكسبريس صباحاً إلى عطبره ولم يكن معه غير (هاند باك) متوسطة الحجم فيها بعض أشياؤه التي رأى أهمية أخذها معه.. وصل عطبره في الساعة الثانية بعد الظهر ولم يخبر أحدا من أهلها، ولهذا لم يكن أحد في استقباله في المحطة فانطلق بالتاكسي إلى بيتنا فكانت المفاجأة.. استقبلته والدتي وأخوتي بحفاوة بالغة.. وعندما جاء والدي من عمله ورآه لم يصدق نفسه فعانقه والدموع تسيل من عينيه بصدق وحنان لم يألفه ابن عوف عنده.. وحالة من الضعف غلبت عليه ففقد السيطرة على نفسه.. وكانت سعادة أبي غامرة حين علم أن ابن عوف جاء بطريقة نهائية لا رجعة فيها للعاصمة مرة أخرى.. لم تكن الفرحة برجوع ابن عوف في بيتنا وحده وإنما كانت في ناديه الذي تحول إلى مهرجان فرح بقدومه عندما دخل عليهم والكل لا يصدق ما يرى.. أصحيح أن يترك ابن عوف بريق العاصمة وزخمها والشهرة العظيمة التي تنتظره بهذه السهولة؟! لا أحد يصدق لولا أن ابن عوف يقف أمامهم بشحمه ولحمه.. وبسرعة انتقل الخبر إلى كل ركن في عطبره وأنديتها فامتلأ النادي بالزوار بين مصدق ومكذب.. ولكن ابن عوف قابلهم بابتسامته التي لا تخفاهم حقيقة ولا يرقى إليها الشك ففرحت المدينة بعودة الابن الذي فشلت العاصمة في اختطافه.. لكن عودة ابن عوف من هجرته للعاصمة تركت في أعماقه شيئاً لم يكن هو نفسه قادراً على إدراكه، إذ أخذ عشقه لكرة القدم يتناقص شيئاً فشيئاً.. ويتحول الاهتمام إلى إدمان القراءة والاطلاع واغتناء الكتب ثم المحاولات المتعثرة في الكتابة الفكرية والأدبية.. الملاحظ أن أندية عطبره الرياضية لم تكن قاصرة على الرياضة فحسب وإنما كانت أندية اجتماعية وثقافية أيضاً.. كل نادٍ من الأندية في عطبره تجد مكتوباً عليه في لوحة كبيرة أمام المدخل الرئيسي النادي كذا أو النادي كذا الاجتماعي الثقافي الرياضي ومن هذا المدخل وجد ابن عوف طريقه إلى حياة الثقافة في ناديه, وبدأ يشارك فيها بنشاط ملحوظ ساعد في ذلك ذكاء فطري، وطبيعة ميالة إلى الحياة الجادة، ونفس وثابة إلى العلم والمعرفة.. وصفه سكرتير الثقافة في النادي: بأنه نجم في كرة القدم سطع فأعطى النادي وهجاً من الانتصارات البارقة فلمع على قمة الأندية.. وأنه هلال بزغ في الجمعية الثقافية للنادي فأخذ عطاؤه يستدير اكتمالا حتى بات فينا بدراً منيراً.. حياة عطبره الاجتماعية بذرت في نفس ابن عوف شجرة الطموح إلى العلم والمكانة الاجتماعية الرفيعة التي تتجاوز الشهرة في كرة القدم.. فهذه الشهرة مهما كانت محدودة بزمن عمري معين في الإنسان وبعده يتوقف عطاؤه فيصبح ذكرى في نفوس الناس ثم يدركه النسيان وتدركه الفاقة والحاجة والعوز.. أما العلم والمعرفة وعلو الوظيفة والمكانة الاجتماعية الرفيعة فهي شيء أخر يلازم الإنسان كلما أستزاد وتبحر في العلم والمعرفة..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:35 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:37 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:39 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:41 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:43 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:44 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:46 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:48 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:49 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:51 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:53 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:54 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:56 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:57 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 12:59 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:01 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:02 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:03 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:05 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:06 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:09 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:11 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:12 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:13 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:15 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:17 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:19 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:21 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:23 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:24 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:25 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:26 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:28 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-22-05, 01:31 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 02-24-05, 03:09 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 03-18-05, 12:26 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | Amin Elsayed | 02-24-05, 04:23 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | Tumadir | 02-25-05, 06:35 AM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | AlRa7mabi | 02-25-05, 09:16 AM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | adel alsaed | 02-28-05, 02:11 AM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 03-18-05, 01:06 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | تراث | 03-22-05, 03:01 PM |
Re: عطـــــبرة رواية لسعيد | صلاح الدين عبدالله محمد | 03-23-05, 03:20 AM |
|
|
|