الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 11:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عمرعبد السلام(omer abdelsalam)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-06-2008, 07:38 PM

omer abdelsalam
<aomer abdelsalam
تاريخ التسجيل: 04-07-2006
مجموع المشاركات: 3478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى (Re: omer abdelsalam)

    مقال جديد للباحث المغربي عمر حيمري عن : العلاقة الزوجية
    *************************************************************
    العلاق الزوجية
    **********************
    بسم الله الرحمن الرحيم
    Quote:
    إن العديد من نوازل الشيخ عيسى بن علي العلمي المتعلقة بالعلاقة الزوجية في مغرب ما قبل الاستعمار تثبت أن هذه العلاقة هي علاقة قوة بين الرجل والمرأة، وليست علاقة عطف ومحبة، أو علاقة تخضع للعقل والمنطق، أو للشرع والدين، بل يبدو أن العلاقة الزوجية كان يحكمها قانون الغاب، قانون القوة.
    ويبدو لي أن العلاقة الزوجية كانت تتحدد انطلاقاً من عائلة الطرفين، بل من طرف قبيلتيهما، وهذا أمر طبيعي إذا أخذنا بعين الاعتبار العصبية، والنظام القبلي الذي كان متفشياً في مغرب ما قبل الاستعمار، فالقبيلة هي التي كانت أحياناً بل في كثير من الأحيان تقوم بالخطبة، وبتزويج أفراد جماعتها، فبعد جني المحصول من كل سنة تجتمع القبيلة، وتزوج من تشاء من الرجال حتى المتزوجين منهم، بمن تشاء من النساء بما فيهن الأرامل والمطلقات دون أن يكون هناك أي اعتراض أو تمرد، ولا يستطيع الرجل أن يزوج ابنه أو ابنته دون أن تعلم القبيلة أو دون أن يأخذ بمشورتها ورأيها، وإلا تخلت عنه القبيلة عند ساعة العسرة، خصوصاً وأن وضعية المرأة وقوتها تتحدد من خلال وضعية قبيلتها، فإن كانت قبيلتها ضعيفة - وهي المصدر الذي تستمد منه القوة - فعلاقتها مع زوجها تكون علاقة خضوع وقهر، وإذلال وعبودية، وهذا ما يؤكده الدكتور زهير حطب في قوله: {فمنزلة الزوجة في بيت زوجها تتوقف إلى حد بعيد على منزلة أهلها، وقوتهم بين القبائل، فإن قوتهم تنعكس نفوذاً لابنتهم بعد زواجها في محيط زوجها، أما ضعفهم فتحصده مهانة وانكسار، والزوج يعي ذلك، ويلمس نتائجه، فكثيرة هي الحروب والمشاكل التي بدأت بسبب سوء معاملة زوجة اعتبر أهلها ذلك إهانة لحقت بقبيلتهم تستوجب التأديب والمحو}(تطور بنى الأسرة العربية والجذور التاريخية والاجتماعية لقضاياها المعاصرة الطبعة الأولى بيروت 1976 ص 52).
    وقد حدثني أحد الشيوخ - رحمه الله - بما يعزز هذا الرأي فقال: {إن جده رفض أن يزوج ابنته لأحد القواد بحجة أنه مغلوب ومقهور من طرف القائد، ولا يريد أن يضيف إلى هذا الإذلال إذلال ابنته، ورغم تدخل أعضاء القبيلة لصالح تزويج القائد لا رغبة في مصاهرته ولكن خوفاً من بطشه [وحركته] عليهم، إلا أن الأب أصر على عدم مصاهرة القائد، فما كان من القبيلة إلا أن لجأت إلى الحيلة، فألبست المرأة لباساً رثاً وسخاً، وذروا على رأسها ووجهها الرماد، ثم ادعوا أنها حمقاء ومجنونة، فتراجع القائد عن الخطبة، ولولا نجاح هذه الحيلة لتعرضت القبيلة إلى غارة وإلى خطف للمرأة، فتزهق بسبب ذلك الأرواح، وتهتك الأعراض، ويلحق العار وأي عار بكل أفراد القبيلة، خاصة إذا عجزت عن إرجاع المختطفة، أو فشلت في الانتقام لها، إن هذه القصة تعزز بدون شك ما ذهبت إليه في أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي بالفعل علاقة قوة تتعدى الرجل والمرأة لتصل إلى القبيلة، وأن الزواج مهمة القبيلة، وهو منوط بها وليس متروكاً لأفرادها، والنازلة التالية تؤكد هذا الطرح (سئل سيدي عيسى الماسوي بن أحمد بن مهدي البطوي الفقيه المفتي عن رجل مثل بزوجته فقطع أنفها قطعاً يوجب كمال الدية، إن لم يكن قصاصاً على شروط المثلة في قصدها، وأقر بذلك إقراراً ليس فيه إشكال هل تطلق عليه إن طلبت الطلاق أم لا؟ وبنفس وقوع المثلة وقع عليه الطلاق؟ وهل لا يطلق عليه إلا السلطان؟ أو يكفي في ذلك مسدد نصبه الناس، أو جماعة المسلمين في عدم القاضي؟) فمن خلال هذه النازلة يبدو أن الرجل قوي، ويتمتع بحماية قبيلة قوية، فهو يعمد إلى زوجته، ويقطع أنفها قطعاً، ويتبين لنا من خلال السياق اللغوي، ومن خلال المفردات المستعملة في النازلة أن جذع الأنف لم يكن عرضاً أو خطئاً، وإنما كان متعمداً ومبيتاً، بل أن روح الانتقام تكاد أن تقفز من خلال الكلمات المستعملة في السؤال مثل [فقطع أنفها قطعاً][وأقر بذلك إقراراً]، فالزوج اعترف بجريمته اعتراف المفتخر المتباهي والمنتصر، ولم يبد أي أسف أو اعتذار، بل أن النازلة لم تذكر أي اعتراض للزوج على التهمة الموجهة إليه حتى على سبيل التبرير الكاذب، أو النكران الباطل، لأنه يعلم مسبقاً أنه لن يخضع للقصاص، ولا تطاله يد القضاء، فهو في حماية قوة ما، بل ويرفض حتى الطلاق، وفي تقديري أن الزوج علم أو أحس أن هناك من ينافسه في زوجته، وربما يكون أقوى منه، أو أحس منها نفوراً، فخاف أن تفلت أو تهرب منه وهو يريد أن يمسكها إضراراً، فلجأ إلى قطع أنفها إمعاناً في تشويهها حتى لا يطمع فيها أحد، وحتى يمنعها من الزواج من غيره، يبدو من النازلة أن الزوج يرفض التطليق وهو متشبث بزوجته على الرغم من التمثيل بها ليس حباً فيها بالطبع، وإنما رغبة في التنكيل بها، نستخلص هذه الفكرة من قول السائل (هل تطلق عليه إن طلبت الطلاق أم لا؟ وهل لا يطلق عليه إلا قاضي السلطان؟)، الغريب أن النازلة بما فيها الجواب لم يركز إلا على الطلاق، وأهمل القصاص، مع العلم أن النص القرآني صريح في هذا المضمار ((وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص))، وهنا يمكن أن نطرح عدة أسئلة حول أسباب تعطيل هذا الحد منها: لماذا أعطى صاحب النازلة الأولوية للدية على القصاص؟ ما هي الملابسات التي منعت الفقيه من الإفتاء بالقصاص؟ هل العرف عطل إقامة الحدود على المعتدين؟ هل السلطان والقاضي الذي يمثله كان ضعيفاً لا يقدر على تطبيق الشريعة؟ هل العصبية القبلية كانت تقف دون إقامة الحق؟ هل النظام كان نظاماً قبلياً يستمد تشريعاته وقوانينه من أعراف وتقاليد القبيلة وليس من الكتاب والسنة؟ وإذا كان كذلك فما هو دور القاضي الممثل للشريعة الإسلامية؟ ومتى كانت القبيلة تقبل بالخضوع للشريعة الإسلامية أو لقانون السلطان؟ يبدو من خلال الرسالة التي بعث بها العلمي إلى والي السلطان؛ والتي يستقيل فيها من القضاء، ويذهب مغاضباً إلى حيث لا يدري أحد - حتى أبناءه - أن السلطان كان ضعيفاً، ولم يكن قادراً على محاربة الفساد المنتشر بين القبائل، وأن الفوضى وخاصة منها المرتبطة بالمرأة والجنس كانت عامة، وأن قانون البقاء للأقوى وليس للأصلح كما يقول داروين هو الذي كان يسيطر على الحياة الاجتماعية، في ظل هذه الظروف الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية؛ ليس غريباً أن نجد العلاقة الزوجية هي الأخرى تخضع لمبدأ القوة، خصوصاً وأن نظام تعدد الزوجات يكفل للزوج الحرية الواسعة في تغيير الزوجة متى شاء، أو التزوج عليها متى شاء، أو حتى قطع أنفها أو عضو من أعضائها إذا أراد، كما رأينا في النازلة السابقة الذكر، كل ذلك ليثبت رجولته، وأنه السيد المطاع، إلى جانب هذا يجب أن لا ننسى الإماء، واللاتي كن بمثابة منجم جنسي بالنسبة للرجل، فهو يفرغ كل طاقته الجنسية عندهن، الشيء الذي يعزز موقفه داخل الأسرة على حساب موقف الزوجة.
    إن وضعية المرأة أصبحت مزرية بعد القرون الوسطى نظراً لغياب الفهم الصحيح للإسلام، وللتدهور الشامل الذي عرفه الإسلام، إذ حلت العادات والتقاليد المشوبة بالإسلام محل الإسلام الصحيح، ومورست في ظل هذه العادات أصناف الاضطهاد من سب وشتم وتحقير، إلى الضرب والتعذيب، إلى التفنن في التمثيل بجسد المرأة، كما يذكر أبو الفضل العقباني مثلاً في النازلة التالية (سئل أبو الفضل العقباني عمن أخذ ناراً فألقاها في فرج امرأته، فسجنه القاضي وأمره بطلاقها وهو في السجن، ثم الآن رغم ما فعله الزوج مثلة فتطلق عليه بذلك أو لا؟ ويكون النظر للحاكم)[نوازل العلمي ص 217]، قد يقول قائل: أن هذه النازلة مجرد قضية نظرية، أي مجرد فرضية مجردة بعيدة كل البعد عن الواقع، ولكني اعتقد أنها تمثل حقيقة واقعية، لأن السائل يذكر الحكم الصادر في حق الزوج والتعزير الذي تعرض له من طرف القاضي، ومما يؤكد هذا الرأي أن أهل البوادي إلى يومنا هذا غالباً ما يلجئون إلى الكي بالنار عندما يريدون أن يعاقبوا أبناءهم، أو عندما يريدون التعبير عن الندم والتوبة والإقلاع عن فعل ما، أو عادة سيئة ومشينة كعادة التدخين، فيكوون أيديهم بالنار حتى تبقى آثار الكي ماثلة أمام أعينهم، فيتذكرون في نفس الوقت نفسياً ولا شعورياً الآلام التي ترتبت عن الكي من جهة، والتوبة والعزم عن عدم الرجوع إلى العادة المراد تركها من جهة أخرى، وفي تقديري أن الزوج ما وضع النار في فرج زوجته إلا لاتهامه إياها بالزنا، فالكي هنا نوع من التواصل، ورمز مفاده أن الفرج الذي يزني لا بد من حرقه بالنار حتى لا يعود مرة ثانية، وحتى تتذكر الزوجة وبطريقة لا شعورية الآلام والعذاب المترتب عن الإحراق كلما فكرت في الزنا فترعوي.
    إن التراكمات الفكرية، والقهر الاجتماعي؛ كون لدى المرأة بما فيها امرأة القرن العشرين عقدة الشعور بالدونية، مع عدم القدرة على التخلص، أو التحرر منها، خصوصاً وأن النظرة الاضطهادية كانت دائماً تجد من يعززها عبر العصور من الأدباء والفقهاء، فهذا أبو العلاء المعري مثلاً يسجل في قصيدة له وضعية المرأة في تصور الفكر والأدب العربي فيقول:
    وإن تعطى الإناث فأي بأس *** تبين في وجوه مقسمات
    يلدن أعادي ويكن عاراً *** إذا أمسينا في المتهضمات
    فدفن والحوادث فاجعات *** لإحداهن إحدى المكرمات
    ودفن الغانيات لهن أوفى *** من الكلل المنيعة والخدور
    كتب الطعن والقتال علينا *** وعلى الغانيات جر الذيول
    [الدكتور زكي المحاسن أبو العلاء ناقد المجتمع دار المعارف لبنان 1963 ص30/31]، والخوارزمي عالم عصره يذهب أبعد مما ذهب إليه معاصره أبو العلاء المعري في رسالة تعزية له يقول فيها: (لولا ما ذكرته من سترها، ووقفت عليه من غرائب أمرها؛ لكنت إلى التهنئة أقرب من التعزية، فإن ستر العورات من الحسنات، ودفن البنات من المكرمات، ونحن في زمان إذا قدم أحدنا فيه الحرمة فقد استكمل النعمة، وإذا زفت كريمة إلى القبر فقد بلغ أنية الصهر)[د. زهير حطب مرجع سبق ذكره ص196]، ولا زال لحد الآن وفي مجتمعنا من يرفض التعزية في المرأة.
    هذه النظرة التحقيرية للمرأة تجاوزت الأدباء والعلماء وتعدتهم إلى الفقهاء ضمائر الأمة، وما لهم من مكانة وتأثير على نفسية الناس قديماً وحديثاً وفي كل العصور، فهذا الإمام الغزالي فقيه الأمة، ومجدد أمر دينه مثلاً يقول: "فإن كيدهن عظيم، وشرهن فاش، والغالب عليهن سوء الخلق، وركاكة العقل)[إحياء علوم الدين].
    ويقول أحد الحكماء معبراً عن النظرة الدونية للمرأة: "كل أسير يفك إلا أسير النساء فإنه غير مفكوك، وكل مالك يملك إلا مالك النساء فإنه مملوك، وما استرعين شيئاً قط إلا ضاع، ولا استؤمن على شيء إلا ذاع، ولا أطعن شراً قصرن عنه، ولا حوين خيراً فأبقين منه" فقيل له: "كيف تذمهن ولولاهن لم تكن أنت ولا أمثالك من الحكماء؟" فقال: "مثل المرأة مثل النخلة الكثيرة السلاء، لا يلامسها جسد إلا اشتكى، وحملها مع ذلك الرطب الطيب الخير"[د. زهير حطب مرجع سابق] لكن ما تجدر الإشارة إليه أن المرأة لم تكن دائماً العضو الأضعف في الأسرة أو المجتمع، فقد تقلدت أحياناً - وإن كانت قليلة - مكانة مرموقة في المجتمع، ولعبت دوراً قيادياً وسياسياً داخل المجتمع والأسرة قديماً وحديثاً.
    والمرأة البورجوازية اليوم تستمتع بنفوذ عال داخل الأسرة، ويبقى الرجل مجرد ذيل تابع لها، أما قديماً فقد كانت تستقي قوتها من قوة قبيلتها وشرف بيتها، وقد عبر عن هذا الدكتور زهير حطب بقوله: "إذا كانت الزوجة صاحبة منزلة عالية في بيتها شاورها الزوج في الأمور البيتية والمعيشية، وقدر لها رأيها، وغالباً ما كان يستجيب لرغباتها، وترك لها مجال الدخول في الحياة العامة، أما إذا كانت منزلتها وضيعة لم يكترث الزوج لشئنها أو رغبتها، وقل احترامه لها، إذ عاملها بقسوة مستعملاً السوط أحياناً لضربها"[د. زهير حطب مرجع سابق ص 53]، فالعلاقة إذن كما سبق أن ذكرت بين الرجل والمرأة هي علاقة قوة، وإن كانت هناك حدود لا تستطيع المرأة أن تتجاوزها في علاقتها مع زوجها إلا نادراً جداً، كمد يدها على زوجها وضربه، أو توجيه اللوم إليه، وإلا إذا تأكدت من انحلال رابطة الزوجية، وانتهاء العشرة الزوجية، فعند ذلك يمكن أن تحدث مثل هذه الأمور، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن وضعية المرأة هذه ليست قانوناً ثابتاً، ولا حتمية مطلقة، بل هي خاضعة للتغيير مع تغير الأزمان والمجتمعات، واختلاف الثقافة والتربية، وهذا ما أكدته كريمة الدسوقي في رسالة لها للماجستير إذ قالت: "تشير الدراسات الحديثة عن النساء إلى أن أوضاعهن وأدوارهن تختلف من عصر إلى عصر، ومن قطر إلى قطر، تبعاً لاختلافات الثقافة الفرعية أو الانتماءات الطبقية"[مجلة العلوم الاجتماعية عدد4 السنة 10 دسمبر1982]، وقريباً من هذا ذهبت مارجريت فن فقالت: "إن النظرة للمرأة في إطار الثقافة الاجتماعية ذات شقين، وأن هذه النظرة للنساء في إطار هذه الثقافة تعتمد على اعتبارهن هدفاً للجنس أو للخدمة، ونتيجة لهذه النظرة استقر التكوين الاجتماعي للمرأة على جعلها أسيرة لأمرين: أنها نموذج للجنس، ونموذج للخدمة"[كارلا مخلوف: الأحجبة المتغيرة: المرأة والتحديث في اليمن مراجعة إسحاق القطب مجلة العلوم الاجتماعية العدد4 السنة 9 ديسمبر 1981 ص 23].
    إن المجتمع الذي يمجد الذكورة ينتهي إلى سلسلة غير منقطعة من التمايزات لفائدة الذكر، كما ينتهي إلى شل حركة المرأة وفعاليتها، ويحملها على اعتناق قيم وأخلاقيات وممارسات اجتماعية هي من وضع الذكر وتصوره، ويفرض عليها احترامها، وبهذا تتحول إلى ذيل تابع للرجل لا غنى عنه، وأسمى ما يمكن أن تتطلع إليه هو خدمة الرجل من كنس وطبخ وغسل، كما نفهم ذلك من النازلة التالية: (وسئل أبو عبد الله القوري عما يفعله نساء البوادي وغيرهن من أنواع اللباس، وسائر الخدمة، إذا تشاحنوا في ذلك وتشاجروا فيه هل تجبر على ذلك أم لا؟ وهل لها نصيب حق أم لا؟ وهل يجب عليها الاشتراط على الزوج أو البينة أنها عملت ذلك لنفسها أو لا؟ [نوازل العلمي ص 187]، وقد صور لنا الدكتور زهير حطب هذه الوضعية في قوله: "وكيفية تحول المرأة إلى وجود تابع للرجل منع عنها الاختلاط، وحجبها عن الناس، وجعلها أسيرة الخباء أو البيت، ومنحها إدارته، أي القيام بكل أنواع أعمال الخدمة فيه من طهي، وكنس، ونظافة، وخياطة الثياب، وإصلاح الخيمة، وتربية الأطفال، والسهر على تعليمهم، واحتفظ لنفسه بالسيادة فيه"، وعلى هذا الأساس يكون مفروضاً على المرأة قديماً وحديثاً أن تقوم بعدة أدوار، فهي خادمة مجتمع أي عاملة خارج البيت، وربة بيت، وبعبارة أصح خادمة بيت، ومنجم للجنس يستعمل لإشباع حاجات الزوج الجنسية، فإن فشلت في التوفيق بين هذه الأدوار عرضت نفسها للنقد، والرفض من طرف المجتمع، ولذلك نجد كثيراً من الموظفات يهملن واجبهن الوظيفي على حساب واجبهن المنزلي والزوجي، أو العكس، وتعلق كريمة الدسوقي على هذه الوضعية التي تعيشها المرأة، وربما تكون كريمة الدسوقي أقرب من يشعر بهذا الاضطهاد، لأنها امرأة قبل أن تكون باحثة فتقول: "ولكن أن يفرض على المرأة أن تكون متعة، وربة بيت فقط، لكي تكتمل عناصر أنوثتها فهذا يعني تخليها عن حقها المشروع في أن تكون إنساناً حراً، أما المرأة التي تعيش من نتاجها وجهدها وتصبح حرة لكن تخليها عن دورها كأنثى إنما ينقص من قدرها كامرأة، فتقع حيرى بين الطلبين، وهل تبقى أنثى مستعبدة؟ أم تتحول إلى ذكر حر؟ وهل حقيقة كل الذكور أحرار؟ هذا هو الموقف المحير لدى امرأة العصر، ولكي تحل هذه المشكلة لا بد أن تحل مشكلة الإنسان ككل ذكراً كان أم أنثى"[كريمة الدسوقي رسالة الماجستير ص317].
    إن النوازل المتعلقة بالمرأة والجنس تكشف لنا مدى المعاناة التي كانت تشعر بها المرأة التقليدية - والتي ربما ما زالت تشعر بها المرأة المعاصرة -، ومدى الضغط الذي كان يمارس عليها من طرف مجتمع ذكوري في أساسه يعتبر المرأة أداة أو متاعاً ينتفع به ثم يرمى جانباً، فمتى أشبع الرجل منها نهمه الجنسي رمى بها إلى زاوية بيته أو خيمته، وأمرها بخدمته، مقنعاً إياها باستمرار بأنها كائن دوني ضعيف، لا قيمة له كسقط المتاع، وهذا ما أكده زهير حطب في قوله: "إن المرأة كانت أداة لهو الحياة وزينتها تستعمل لإشباع حاجات الرجل، عليها أن تكون دائماً بخدمته، وأن تلغي نفسها وتقبل بالواقع كما هو لأنها سيئة الخلق والطبع، وضعيفة العقل، مقصرة عن حمل المسؤولية، وهذا ما يجعل من اليسر التكهن بالمرتبة التي وضعت فيها المرأة، واكتشاف مكانتها الاجتماعية الوضيعة المحتقرة، وبقيت هذه الظاهرة سائدة حتى عهد قريب في أوساط الأسر، بل أن آثارها لا تزال حتى يومنا هذا"[د. زهير حطب ص 198]، فعلى صعيد الجنس يمكن القول: "إن المرأة تستغل أبشع استغلال في ظل مجتمع ذكوري يعتقد أن الجنس من حق الرجل وحده، وأن المرأة عليها أن تستجيب لغريزة الرجل، وتعمل على إشباعها حتى وإن كانت غير مستعدة لذلك، وإلا فهي ناشز، دون مراعاة ظروفها النفسية والصحية، وفي مقابل ذلك ليس لها أن تطالب بإشباع رغبتها الجنسية، ولا أن تتحدث عن هذا الحق الممنوع في عرف المجتمع، وهذه النازلة أحسن من يعبر عن هذه النظرة (وسئل ابن عرفة عمن راودته زوجته على المواقعة فقال: هو عليك حرام الليلة، ونوى بذلك الفعل لا تحريم الزوجة والفرج)[نوازل العلمي ص242]، فعلى الزوجة أن تكون في حالة استنفار لتلبية دعوة زوجها إلى الفراش، ولا يقبل منها اعتذار، بل على العكس من ذلك عليها أن تكون دائماً متزينة متبرجة تعمل جاهدة لجلب نظر زوجها إليها مثيرة فيه الشهوة الجنسية، يقول الإمام الغزالي: "تقدم حقه على حق نفسها، متنظفة في نفسها، مستعدة في الأحوال كلها للاستمتاع بها كيف يشاء"[إحياء علوم الدين ص 30] نفهم من كلمة يشاء الاستمتاع بالمرأة بدون قيد أو شرط، وكأنها ربو يكفي أن تضغط على أحد أزراره فيستجيب، ناسياً أن المرأة إنسانة لها مشاعر وعواطف، وأن الجنس كدافع بيولوجي له ارتباط وثيق بهذه المشاعر، وأن العملية الجنسية في حد ذاتها تتطلب المشاركة، ويعجبني تعليق د. زهير حطب فأنقله للاستشهاد: "أن تكون الزوجة مستعدة دائماً وبدون تقديم أية أعذار لتلبية نداء الجنس لدى زوجها، فإنها آلة يطلب من صاحبها أن تبقى موصلة بالتيار، مواسير مليئة بالزيوت تنتظر كبسة الزر لتنطلق بالاشتغال، وحق الزوج التمتع بها كيف يشاء، هو حق مكرس المهم هو مشيئته ورغباته وطرقه، وليس هناك أي حساب لوجود طرف آخر شريك، له ما للطرف الأول من رغبات وأحاسيس، ولا أي اعتبار آخر لطبيعة العملية الجنسية، وكونها تفترض ثنائية متبادلة"[د. زهير حطب ص 1970198].
    إن الزواج نفسه في مثل هذه المجتمعات لا يطلب إلا من أجل الجنس، وليس رغبة في المعاشرة الطيبة، أو التعاون على مشاكل الحياة، أو حتى إنجاب الأبناء الذين يعتبرون عنوان الرجولة، ونفهم هذا من تعبير العامة عن الزواج الذي يقول: [فلانة تحت فلان]، وهذا تعبير دقيق في تصوري عن العملية الجنسية وليس عن الزواج، والفقهاء الذين هم لسان حال المجتمع عندما أرادوا تعريف الزواج قالوا: (الزواج عقد يملك به الرجل بضع المرأة)، ولم يقولوا مثلاً: الزواج عقد شركة بين الرجل والمرأة يقتضي بموجبه التعاون على أمورهما الدنيوية والأخروية، فمن خلال تعريف الفقهاء للزواج لم يعد هناك شك في أن الشهوة الجنسية هي المقصودة أولاً وآخراً من الزواج، بشرط أن تكون قاصرة على الرجل وحده، لأنه هو الذي يملك بضع المرأة، وأستغرب كيف أن الفقهاء لم ينتبهوا أو أغفلوا أن القرآن الكريم عندما يتحدث عن الزواج يربطه بتبادل المودة والرحمة، وأن كل من الزوجين هو ستر للآخر لقوله - تعالى-: ((هن لباس لكم وأنتم لباس لهن))، وقوله: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)) فالخطاب في هذه الآيات موجه للمرأة والرجل على السواء، أما الفقهاء ومن ورائهم العامة فإنهم يتحدثون عن الرجل وكأنه المعني بأمر الزواج وحده مع العلم أن الزواج في نظرهم كما سبقت الإشارة ما هو إلا وسيلة لتحقيق النهم الجنسي، وهذا فياض بن نجيح يقول: "إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله"، وبعضهم يقول: "ذهب ثلث دينه"، وفي نوادر التفسير عن ابن عباس - رضي الله عنهما – ((ومن شر غاسق)) إذا وقب تعني قيام الذكر[إحياء علوم الدين ص30]، فلماذا لم يتحدث الفقهاء عن الجنس عند المرأة؟ ولماذا لم يقولوا مثلاً: أن المرأة إذا اشتهت الجنس فقدت دينها أو عقلها كله أو بعضه، وأن على الرجل أن يلبي رغبتها متى شاءت، وألا يمانع في ذلك، كما هو الأمر بالنسبة للنازلة السابقة الذكر "وهو عليك حرام الليلة".
    إن القرآن الكريم عندما تحدث عن الزنا ربطه بالمرأة والرجل معاً، وأمر بعقابهما معاً وبنفس العقوبة لاشتراكهما في المسؤولية، وفي المتعة التي حرمها فقال: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة))، ونلاحظ أن الآية الكريمة ذكرت الزانية قبل الزاني، وذلك في تقدير لامتلاك المرأة لمقدمات الزنا كالخضوع بالقول، والغزل والتبرج، والعري والإثارة، ولكن عندما تنوه الآية الكريمة بالعازفين عن فاحشة الزنا نجدها تشير إلى الرجال قبل النساء ((والحافظين فروجهم والحافظات))، قد نفهم من هذا أن المرأة أميل للجنس، وأن الرغبة الجنسية عندها لا تقل مما هي عند الرجل إن لم تكن أقوى عند بعضهن، ومع ذلك فإن الفقهاء ومن ورائهم العامة يصورون المرأة كمجرد وسيلة للجنس، وأن الرجل هو صاحب المبادرة، وأن دور المرأة يتوقف على الخدمة المادية والنفسية والجنسية للرجل، وهذه بعض الشواهد لفقهائنا أذكرها بتلخيص: يقول الإمام الغزالي: (... ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر، والملاعبة إراحة للقلب، وتقوية له على العبادة) ويقول أيضاً: (تفريغ القلب عن التدبير والتكفل بشغل الطبخ والكنس، والفرش وتنظيف الأواني، وتهيئة أسباب المعيشة، فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة لتعذر عليه العيش وحده)[إحياء علوم الدين ص30] أما أبو سليمان الدراني فيقول: (الزهد في كل شيء حتى في المرأة يتزوج الرجل العجوز إيثاراً للزهد في الدنيا)[إحياء علوم الدين ص45] ومع كل هذه الواجبات الثقيلة التي فرضها المجتمع على المرأة لم يعترف لها بأي جميل، بل أعطى عنها صورة مشوهة دعمها الفقهاء، فعلقت بأذهان الأجيال اللاحقة، وهذا ما أشار إليه الدكتور الديالمي عبد الصمد في قوله: "إن الذكورية لا تزال تقطن لا شعور المثقف نفسه"[محاضرة ألقاها لطلبة السلك الثالث بفاس بتاريخ 9/1988]، صحيح لقد صور الفقهاء والحكماء بما فيهم حكيم العامة سيدي عبد الرحمان المجدوب - المرأة تصويراً مشيناً - يقول الإمام الغزالي في وصفه للنساء: "فإن كيدهن عظيم، وشرهن فاش، والغالب عليهن سوء الخلق، وركاكة العقل"[إحياء علوم الدين ص45]، أما الإمام الشافعي - رحمه الله - فيقول: "ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك، وإن أهنتهم أكرموك: المرأة، والخادم، والنبطي"[الإحياء ص45]، وأوصى لقمان الحكيم ابنه فقال: "يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل المشيب، واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى الخير، وكن من خيارهن على حذر"[الإحياء ص45]، فهذه التراكمات من التفكير وخاصة الفقهي منه والذي قد يكون صادقاً لاسيما عندما يعم الفساد، وتنهار الأخلاق، ويغيب العدل، وتعم الفوضى في المجتمع؛ جعل الأجيال المتلاحقة لا تثق بالمرأة، ولا تطمئن إلى سلوكها، فحاصروها حصاراً شديداً، وأغلقوا دونها الأبواب، ومنعوها من التربية، لأن التربية والتعليم في تصورهم يمكنها من ممارسة شيطنتها، فكانت الطامة، وفي مقابل ذلك رضخت المرأة لمصيرها، وانصرفت للبحث عما يدعم وجودها بين ضرائرها وإماء زوجها؛ حتى يكون لها نصيب من قلبه ومن رضاه، فاهتمت بالتزين والتبرج، ولبس كل فاخر ونفيس لأنها مقتنعة لا شعورياً بأن قيمتها تقاس بمدى جاذبيتها للرجل، وهذا دور تقوم به وقد لا تكون مقتنعة به ولا مخلصة فيه، لكن إن هي فشلت في كسب بعلها نظراً للمزاحمات العديدة لجأت للسحر والشعوذة، أو إلى الخيانة الزوجية إن هي وجدت إلى ذلك سبيلاً ولو مع المحارم، كما تشير إلى ذلك النازلة التالي: (... وسئل سيدي يحيى السراج عن المرأة إذا خلت مع أخي زوجها أو عمه أو مملوكها خلوة يمكن معها الوطء هل عليها استبراء؟)[النوازل ص190]، يفهم من هذه النازلة أن المرأة في المجتمع المغربي التقليدي لم تكن تتورع عن الزنا حتى مع المحارم كأخي الزوج وعمه نظراً للرقابة الصارمة المضروبة عليها، والتي تحول بينها وبين لقاء الأجانب، ونظراً لانعدام الوازع الديني والخلقي لديها، وانشغال زوجها عنها بضرائرها، جعلها لا تتردد في إتيان الفاحشة، حتى وإن لم تجد أمامها غير المحارم.
    لقد صور لنا بوحديبة في كتابه (الجنس في الإسلام) وضعية المرأة الجنسية بين الرجل والأمة فقال: "إن الجارية تذهب إلى احتكار الأنوثة، والمجون، واللهو إلى كل ما يمت إلى الملذات الجسدية والروحية، وفي حين أن الزوجة تميل إلى الجدية، وهذا ما يفقدها أنوثتها وإغرائياتها"[نقلاً عن الديالمي محاضرة ألقاها لطلبة السلك الثالث 16/4/1988]، زيادة على هذا فإن المجتمع كان يشجع تعدد الزوجات، ويعتبره ضرورة ملحة بالنسبة للرجل، لا يمكن الاستغناء عنه، ويؤكد هذه النظرة حامد حشيشو في كتابه (أخبار ذات السوار)"... وليس أبلغ من ضرورة تعدد الزوجات، كفكرة عامة شائعة بين الناس في ذلك العهد من قول المغيرة بن شعبة وهو من علية القوم وقدوتهم: صاحب المرأة الواحدة إن حاضت حاض معها، وإن مرضت مرض، وصاحب الاثنتين بين حجرتين أيتهما أدركته أحرقته، وصاحب الثلاث في رستاق كل ليلة في قرية، وصاحب الأربعة عروس في كل ليلة}[أخبار ذات السوار ص53]، وقد وصل ببعض العائلات البورجوازية في المغرب التقليدي إلى فقد كل حس إنساني، فاتخذوا من المرأة دمية قدموها لأبنائهم ليتدربوا جنسياً معها يقول الدكتور الديالمي: "فحسب بعض الشهادات فقد تستطيع العائلات البورجوازية شراء أمهات لأبنائها لكي يدربوا جنسياً معها"[محاضرة يوم 16/4/88].
    إن ما يمكن أن ننتظره من المرأة في مثل هذا المجتمع، وفي مثل هذا الوضع المزري الذي تعيشه؛ هو مغامرات الخيانة، والاشتراك في المكائد النسائية، هذا غير الخبث والمكر والهروب مع العشيق، والعيش معه على السفاح، انتقاماً ممن حولها لشعورها بالاضطهاد، ومن هنا فإن علاقة الزوج بزوجته وأبنائه لا يمكنها إلا أن تكون علاقة صورية مهزوزة، مشوبة بالشك والقلق، يسيطر عليها عدم الثقة والخوف من الانتقام بطريقة ما، يقول د. زهير حطب واصفاً هذه العلاقة: {فعلاقات الزوج بالزوجة أو علاقته بأولاده هي علاقة شكلية مفرغة من كل محتوى وجداني لاضطراره لتوزيع وقته على اهتمامات واسعة، وأشخاص كثيرين، فالحجم الفضفاض الأسرة يقف حائلاً دون نشوء علاقات نوعية متخصصة}[مرجع سابق ص153]، فلا مكان للحب والعاطفة في هذه الأسرة، وكيف يمكن تصور ذلك في وسط مليء بالضرائر، والإخوة غير الأشقاء، والجو المشحون بالعداوة والكراهية، والتربص للانتقام من الآخر؟ ولله دره محمد قروي التونسي إذ لخص لنا هذه العلاقة الزوجية في قوله: "من منا نحن العرب يستطيع أن يزعم بأن عائلته أو البيئة التي عاش فيها أرادته وقبلته، واعترفت بذاتيته؟ لا أحد بكل تأكيد، إذ كيف يمكن للإنسان أن يكون محبوباً عندما ينحصر وجوده في كونه شيئاً مفيداً قد جرى إنتاجه من أجل استمرار العائلة، وضمان شيخوخة الوالدين، أو من أجل إرضاء كبرياء الأب الذي يثبت رجولته بكثرة أطفاله"[نقلاً عن هشام شرابي مقدمات لدراسة المجتمع العربي بيروت 1977 ص 30.
    إن العائلة بنية اجتماعية لا يمكن فصلها عن المحيط الاجتماعي الذي توجد فيه، ولا سبيل لدراستها دراسة علمية إلا من خلال التطور الذي يخضع له المجتمع عبر الزمن والمكان سواء كان هذا التطور اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً، لأن ذلك ينعكس على الأسرة، وعلى العلاقات السائدة فيها، فلكي نعرف مثلاً هل المرأة ما زالت تحمل تلك الصورة المصبوغة بالجنس التي تقدمها لنا الذاكرة الشعبية (بعض أقوال عبد الرحمان المجدوب مثلاً) ومن ورائها النوازل الفقهية، أم أنها أصبحت حرة تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل، وتحظى بنفس الاحترام الذي يحظى به الرجل؛ لابد من القيام بدراسة مقارنة امرأة ما قبل الاستعمار، وامرأة ما بعد الاستقلال، ولكن المشكلة الأساسية التي تعترضنا عند القيام بمثل هذه الدراسة هي مشكلة الوثائق، ومن ثم لا مفر لنا من استغلال الفقه استغلالاً ذكياً، خاصة وأن الفقه كان حاضراً في الزواج والطلاق، وفي تنظيم كل العلاقات الزوجية، ومن ثم فهو يعكس لنا الواقع الاجتماعي بل ويمثله أحسن تمثيل، يقول الدكتور الديالمي عبد الصمد: "... ولكن فيما يتعلق بالعالم الإسلامي فإن حقل الجنس غير مستقل عن الحديث الفقهي... "[محاضرة ألقاها لطلبة السلك الثالث بفاس يوم 13/2/88.
    يمكن أن نؤكد أن الكتابات الفقهية أو ذات الصبغة الفقهية ظلت حاضرة في المغرب التقليدي، والسؤال الذي نطرحه هو: إلى أي حد رافق التشريع الفقهي التطور الذي خضعت له المرأة والأسرة؟ وهل هذا التطور هو تطور فعلي أم مجرد تطور شكلي خاضع لمودة سرعان ما تتلاشى؟ إن التشريع المرتبط بمدونة الأسرة الحالية يبدو غير مستساغ ولا معترف به من طرف شريحة اجتماعية عريضة، لأنها ترى فيه إجحافاً للرجل من جهة، ولأنه من جهة أخرى لا يتمتع بالإلزامية الفقهية، لأنه لم يرد في صيغة فتاوى فقهية، أو نوازل فقهية، كما أنه يحمل الطابع السياسي، وكل ما هو سياسي أو يشتم منه رائحة السياسة فهو متهم عند المجتمع المغربي، ولذلك بدأ الناس يتحايلون على نصوصه، ويخضعونها لخدمة صالحهم، والفقهاء أنفسهم ظلوا مختلفين حول بعض قضايا المرأة وقد أعلنوا ذلك صراحة على منابر الجمعة، وحرضوا الناس للخروج في مظاهرات تندد بما يسمى قضية [إدماج المرأة في التنمية]، وإن كان بعضهم فضل عدم رفع صوته إما لخوف في نفسه، أو لجهل في علمه، أو لحاجة في نفسه.
    إن ما يجعلني أشك في جدية الدعوة إلى تحرير المرأة في عالمنا الإسلامي هو التراجع الملموس لجيل ما بعد الخمسينات والستينات، وحتى عند البعض من جيل السبعينات عما حققته المرأة بعد مرحلة الاستقلال مباشرة، ودعوته من جديد لرفض العمل والاختلاط، وذلك في اعتقادي لرفضه النموذج الغربي الذي لا يضع قيوداً ولا شروطاً لعمل المرأة واختلاطها، كما أصبحت بعض الأصوات بما فيها أصوات نسائية ترفع لتحث الرجل على تعدد الزوجات كأحد الحلول الناجعة لظاهرة العنوسة، تقول هيام دربك المصرية: "زوجة واحدة لا تكفي""كما خصصت بعض الجمعيات المدنية بالمشرق العربي جوائز مادية مهمة للمرأة الأولى التي تشجع زوجها على الزواج مرة ثانية"، وللقضاء على فاحشة الزنا التي أصبحت تهدد المجتمع بالأمراض الفتاكة وخاصة منها السيد، والتخلص من مشاكل الخادمات، وما تسببنه أحياناً من تدمير للأسرة، أو اختطاف الزوج من زوجته، وللقضاء على ظاهرة أطفال المفاتيح، وقد كتبت إحدى الباحثات تقول: "هناك أصوات كثيرة من النساء بل ومن الرجال أيضاً تنادي بالانتفاع بقدر الإمكان من نصف المجتمع الذي يتكون من المرأة، وعدم تعطيل الإنتاج في الوطن، وفتح أبواب العمل في مختلف الأعمال أمامهن، فهذه الأصوات مردود عليها بأنه حتى لو تعطل بعض إنتاج الدولة نتيجة عدم عمل المرأة فهو في سبيل تربية أجيال متمسكة بدينها ووطنها، وقيمها ولغتها، وتقاليدها العربية الإسلامية"[نقلاً عن سعيد إبراهيم: النظام الاجتماعي العربي الجديد بيروت مركز الدراسات الوحدة العربية 1982]، ويذكر الدكتور الديالمي أن المرأة المغربية إلى يومنا هذا عندما تريد أن تكتب عن الجنس فإنها تباشر ذلك باللغة الفرنسية، لأن الجنس بالنسبة للمثقفات المغربيات يشكل طابوا خطابياً، زيادة على هذا أرى أن اللغة الفرنسية هي اللغة التي تحمل الفكر الغربي التحرري، وهي لغة الأقلية من المثقفين الذين يؤمنون بالنموذج الغربي الذي يجب أن يقتدى به، لأنه رمز الحرية وطريقها، إذن فما زال المثقف المغربي لم يستطع أن يستوعب أنه بالفعل وقع تطور جدي في العلاقات الزوجية والأسرية، ولذلك فهو يرفض الكتابة عنها، فإلى أي مدى يستطيع الفقه المعاصر أن يستمر في مهمته التقليدية، وأن يساير البنية الفوقية لمجتمع القرن العشرين المغربي، خصوصاً في ظل دعوات تهميشية للفقه والفقهاء، والمطالبة بالارتباط بعولمة الأسرة في مقابل التخلي عن نظام الأسرة التقليدية؟

    ************
    عمر حيمري - وجدة - المغرب
                  

العنوان الكاتب Date
الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-01-08, 07:09 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-02-08, 06:06 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-04-08, 11:11 AM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-11-08, 10:57 AM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-12-08, 09:28 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-13-08, 06:30 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-17-08, 12:50 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-17-08, 12:54 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-19-08, 06:44 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-21-08, 09:47 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam05-26-08, 08:58 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam06-04-08, 08:22 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam06-06-08, 07:38 PM
  Re: الكاتب المغربي / عمر حميري ..يكتب للمنبر : ويبكي الرجال ..وأشياء اخرى omer abdelsalam06-15-08, 05:59 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de