|
Re: القاص والمسرحي «محمد عز الدين» لـ «ثقافة الأضواء» (Re: Alsadig Alraady)
|
نص قصصي : لمحات من سيرة عبد المحمود الأفندي محمد عز الدين محمد انبلاج: قال المتنبي : أن اوحشتك المعالي فإنها دار غربة او آنستك المخازي فإنها لك نسبة وان عرفت مُرادي تكشفت عنك كربة وان جهلت مُرادي فإنه بك أشبه «عبد المحمود الافندي» سار نحو تلك الهاوية العميقة، ظل متأرجحاً بآماله العريضة وافكاره، يحسب للطريق المفتوح الف حساب.. مرت بذاكرته احلام الطفولة المبكرة «كان يافعاً وهميماً» يقود اطفال الحارة بجرأة ماكرة للعب معهم بكرة القدم ويهزم بهم أنداده الصغار من الأحياء القريبة، وثم يذهب معهم في أيام العطلات للسباحة في نهاية النزعة التي تعبر الحي وتسمى «بالدوران». وعندما يأتي الليل يجتر الأحداث التي توالت تباعاً - يبتسم بين الفينة والأخرى، وهو مستغرق في نومه العميق، «كانت دائماً احلامه غريبة وهو يتململ في فراشه» ويتثاءب مرات ومرات، نذكر في تلك الليلة كلاب الحي التي نبحت فيه وطاردته حتى اخرجته من بطن أمه خائفاً وحافياً، وكيف اصبح كلباً قوياً يقود كلاب الحي بجسارة كلابية للعب معهم ببقايا العظام القديمة، وعندما ينتصف النهار يرقد مع المجموعة بكل هدوء في احدى الاوحال التي تسربت من خطوط المياه العتيقة. عصراً يقودهم للأحياء الراقية حيث «فضلات البيرقر ومعلبات سمك التونة والخبز الجاف للأفران الآلية». وفي الليل يناصبهم العداء ويطردهم من دائرته المغلقة - ويرقد في مكانه المألوف بالقرب من الباب الخارجي، وفي باطن عقله يستمريء ذكرى الامس «ويحلم بقطيع من الأرانب البرية تسير امامه وخلفه» وفي نفسه اوهام قديمة «تكفيه غزالة واحدة، سمراء اللون يمتلكها وحده» ولكن هذه الكلاب اللعينة لن تتركه يستمتع بهذا الانتصار!! «فكيف يستقيم الأمر مع هذه الكلاب الخائنة التي لا تفهم معنى الشرف، والعهود المبرمة بينهم»؟ وقف في مكانه حائراً عندما لمح قطيع من الذئاب البشرية تزحف نحوه هى تعرفه جيداً عندما كان كلباً عقوراً يهدد أمنهم ويشتت شملهم ، التفت يميناً وشمالاً كشف الطريق الذي اراد ان يفلت منه، ويبتعد من هذه المآذق التي اطبقت عليه. قال بنفس متوجس «فضيحة كبرى ما فعله بلسانه وبطنه ووعيه عندما اراد مسح هذه الكائنات الضعيفة حتى تتساوى عنده أمور الحياة والموت مرة اخرى». انفتاح: كانت الآنسة «فكرة» خلفية تاريخية في حياة «عبد المحمود الافندي» قادته بابتسامتها وحسن بهائها وصدق مقصدها الى فضائها الخارجي، بينها وبينه مساحة من الوعي المستنير والتوادد الحميم. «حينها تذكر غزالة الحي التي غازلها ثم احبها وابتنى لها كوخاً من القش ورحل عنها». لها ما كسبت ولكن ليس عليها ما تخشاه او تسطيبه من هذه الكلاب التي سكنت بمحاذاة افكارها وقدرها المجهول. انفراج: كان «عبد الساوي» كلباً محبوباً وقنوعاً يرضى بالقليل المتواضع ويساهم بوعيه الكلابي في تبسيط بعض التعقيدات وتفكيك بعض الأمور المتشابكة، ولذا رشحته بعض الكلاب ان يكون اميناً عاماً في رفع معنويات المقهورين والمنكوبات من جراء أمطار العزلة التي فرضت احباطاتها عليهم وهو لازال مخضراً ويانعاً تحتضنه الابتسامات المريبة من كل الاتجاهات. انتصار: «عبد المحمود الافندي» تتقاطع عنده كل الخطوط ولا يرضى ان يذرف الدمع السخي على هذه الكلاب المريضة التي انحازت لهذه الضروريات المستحيلة، وكان يقول في سره «تباً لهذه الوحوش الضارية التي تسكن بحيلتها هذه القلوب المستضعفة حتى تنال ما يشبع غرورها ويطفيء نيرانها المشتعلة وراء ابتساماتها الخبيثة». والآنسة «فكرة» في قمة التفرد والتمرد ولا تشبه اخلاقها او سلوكها اقنعتهم الفضفاضة - يزورها «عبد المحمود الافندي» في أحايين متفرقة، وكان يقول لها في صمته «انتي لي انشودة الحب للفجر الجميل». وكانت تقول له بشفافيتها المعهودة «انت لي في الصحو شمساً لا تغيب». هكذا يتمدد ويتجدد غزل الصمت بعيون محجوبة عن اشاعة تفاصيل ما يدور في هذا الموقف الحذر! انعتاق: تباينت مكامن القوة والضعف والالفة والخوف والرؤيا الظلامية لهذه الكائنات المجهولة التي تسير بخطوات مسرعة خلف الكلبة «نكره» «وهى معلوم امرها ومجهول قصدها»، تسير امامهم بخيلاء واستعلاء حتى منتصف الطريق، وتجهلهم في النصف المتبقي. وعبد الشكور يفهم لغة السيدات بحاسة انفه الشمامة، «يعي جيداً ما عطرها، وما معنى تلك النظرة العفوية، وكيف يخدرها بفلسفته المدرسية، ومتى يرمي شباكه حولها!!! انعطاف: أما بقية كلاب الحي الحمقاء أمثال «فرعون» و«بابوس» و«كشة» وصديقتهم «نكره» لم يرضوا بهذه الاهانة التي عصفت بأصدقائهم الجدد، فتفرقوا اذناباً ميتة، وجذوراً منبتة، واعادوا سيرة «عبد المحمود الأفندي» لمكانها الطبيعي والطليعي، فقاسمته «فكرة» حيزه الزماني والمكاني قبل ان يكون كلباً عقوراً بما يكفي. أما «عبد الساوي» طار خلف السحب الغائمة وارتوى من قطرات القناعة والتجارب المستسهلة عنده، وأكد لأصدقائه القدامى انه كلب جدير بالاحترام وحريص على قدرته الكلبية في عودة الكلاب الى احراشها والبقية الى تاريخها التليد. «فعادت الاذناب الى من يستحقها، والجذور لمن هم في اصالتها». وتواً صحي عبد المحمود الافندي من غفوته ولم يجد رفاقه حوله، فنام مرة اخرى طابعاً على وجهه ابتسامة صفراء. WWW.ALADDWAA.COM
|
|
|
|
|
|
|
|
|