شبه جزيرة الغياب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 09:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الشاعر اسامة الخواض(osama elkhawad)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-18-2006, 01:22 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20472

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شبه جزيرة الغياب (Re: osama elkhawad)



    الجبل والرمل والشجر والماء أبرز عناصرها
    مفردات المكان لدى شعراء من الإمارات
    تحوّلات الأمكنة الجاذبة والسوريالية ايقظت خيال الشعراء


    إن أي مقاربة للمكان في الأدب والفن، هي مقاربة لمجموعة من العلاقات التي تربط هذا الفن بالمكان الذي يتناوله ربطاً وجودياً وعضوياً، وهي مقاربة لتفاصيل هذه العلاقات ومفرداتها وما ينجم عنها من تحولات في طرفي العلاقة، في الإنسان وفي المكان، وتأثير كل منهما في الآخر وتأثره به، سلباً وإيجاباً. ولعل هذه العلاقات قد درست في الأدب العالمي على نحو يكشف عن عمقها وعمق تأثيراتها، لكنها في الأدب العربي لا تزال أرضاً بكراً لم يطرقها بذلك العمق سوى قلة قليلة من النقاد والمفكرين العرب. وربما كانت المقدمة التي كتبها غالب هلسا ليقدم بها لترجمته لكتاب غاستون باشلار “جماليات المكان”، هي الأشهر في هذا المجال، مع أنها كانت مجرد مقدمة لكتاب مترجم، إذ بعدها بدأ النقاد العرب ينتبهون إلى أهمية المكان في الأدب.
    والمكان في الشعر غيره في الأدب والفنون الأخرى، غيره في الرواية مثلاً حيث المكان واقعي غالباً، بينما لا يمكن للبحر في الشعر أن يكون هو البحر في الرواية، ففي حين تعتمد الرواية والنثر عموماً على السرد الوصفي والتذكر، يقوم الشعر بتفعيل طاقة التخييل لتحويل عملية التذكر إلى مزيج من الذكريات المتخيلة أو التخيلات المتذكرة، هذا المزج الذي سينتج لنا مادة من الصور والغرائب التي تحيل إلى الواقع لكنها لا تقوله ولا تعيد نسخه وتصويره، مادة روحانية ونورانية وأثيرية شفيفة بدلاً من تلك المادة الصلبة التي نجدها في الكتابة النثرية. وما قيل عن صور البحر ينطبق على البيت والجبل والشجرة والصحراء وسواها من العناصر التي تجسد المكان في صورة من الصور.
    هذه القراءة الأولية لنماذج من الشعر الجديد في الإمارات، هي محاولة لاستقراء صور من المكان المحلي وعناصره كما تبدو في النماذج المقروءة، وهي محاولة كانت تحتاج لمزيد من الوقت والجهد لتكون أعمق، لكن القراءات الصحافية تظل تراوح بين الجدية والعمق من جهة، وبين السرعة التي يتطلبها العمل للخروج بنتائج أولية مهما كان الموضوع المطروح. الأمر الذي يجعل من أي قراءة موسعة ومعمقة مشروعاً مؤجلاً.

    عمر شبانة

    نقرأ في هذه الوقفة ما تيسر بين أيدينا من مجموعات شعرية، قراءة تستند إلى نماذج سبق وقمنا بمعاينتها كتجارب شعرية، كما هي الحال مع تجربة كل من عبدالعزيز جاسم وصالحة غابش وأحمد العسم، وإلى الذهاب نحو نماذج أخرى جديدة، مسلطين النظر خصوصاً على المكان وعناصره لدى كل شاعر من الشعراء الذين قرأناهم، نقرأ المكان في صوره المختلفة والمكان في تحولاته، كما نقرأ الإنسان في هذا المكان، لتكتمل دائرة العلاقة بين المكان والإنسان عبر الزمان. فالمكان كما يبدو لنا هنا ليس جغرافية يمر بها الإنسان مرور الكرام، بل هو ما يصنعه الإنسان وما تفعله الطبيعة عبر زمن محدد أو زمن مفتوح، وهو فعل التأثيث الذي يقوم به الإنسان تجاه هذا المكان أو ذاك، في هذا الزمن أو ذاك. الأمر الذي يتضح من خلال تناول المكان عبر أجيال متتالية وأزمنة متعاقبة والتحولات التي طرأت عليه.
    هذه إذاً قراءة أفقية في صور المكان في قصائد لكل من عبدالعزيز جاسم، صالحة غابش، أحمد العسم، خالد البدور، أحمد راشد ثاني، ثاني السويدي، إبراهيم الملا، خلود المعلا، وهدى الزرعوني. وهي قراءة لا تدعي الإلمام بكل ما كتب هؤلاء، بل بما تيسر من كتاباتهم، أو بنماذج منها، فالدراسة الشاملة والمعمقة تتطلب وقتاً وجهداً آخرين، لكننا هنا نمهد المشهد لمثل هذه الدراسة.
    المطلع على عوالم عبدالعزيز جاسم، وخصوصاً صور المكان عنده، يجد خصوصية المكان المتعين في البحر ومفرداته الكثيرة . فالبحر في شعره شديد الحضور ومتعدده، ما بين بحر واقعي مرفوع بدرجة من التخييل وبحر فانتازي بأبعاد فلسفية ووجودية عميقة. فهو في كل أحواله ليس بحراً عادياً، وليس البحر الذي نعرف. لذا سنحاول التعرف الى ملامح هذا البحر ومعالمه الأساسية، ربما من خلال صورة هنا وأخرى هناك، أو عبر الإيحاءات والإحالات التي تمنحنا إياها القصيدة، كما تبدو أولاً في مجموعته “لا لزوم لي”، وثانياً في قصيدة مطولة بعنوان “ديك العدم”، وكما يبدو ثالثاً في كتابه “مجهول البحر ومعلومه”.
    وبقدر ما يذهب الشعر إلى الراهن والحقيقي، يذهب نحو الماضي والذاكرة، فيترك الشاعر لأصابعه أن “تلعب، ببطء، في أحواض الطفولة/ ومياه السديم”. لتبدو الطفولة أحد ينابيع شاعرية الشاعر، بل هي بحر بأحواض متعددة ذات أبعاد تتصل بالعالم العلوي.. العالم الذي يبدو في قصائد أخرى مشتملاً على مواقع الشياطين كما يشتمل على الأخاديد السحيقة.
    هي رحلة ساحرة في عالم مسحور. فعالم البحر كما صورته لنا الأدبيات القديمة عالم يحتشد بالأساطير والحكايات. عالم نطل عليه لنقرأ أسئلة كائن معذب بمأساة البشر والطير والحجر. أسئلة الفتى الذي ولد في حضن البحر وتربى على ركبتيه.. فكان البحر والده وصديقه وبيته الواسع. نقرأ:
    من أسكنكِ صدفة المنفى
    هياكل الدينصورات
    من أجلسك أنت والغربة وسلة الجروح
    على مقعد واحد
    وسط السفينة التي تبحر بي
    ثم ما هذا النزال الوحشي
    في عروق البحيرة
    هي بعض أسئلة البحار أو ابن البحر الذي يعرفه ويألفه، ومع ذلك فهو يبقى في حال صراع وتواؤم، انسجام واختلاف. يقف على الحافة ليسأل أسئلة البحر التي هي من أسئلة الوجود والجوهر لا من أسئلة المعيش واليومي. أسئلة عن كيفية اجتياز تلاطمات البحر والوصول إلى الضفاف الأخرى والبعيدة؟ وأسئلة عن الوسيلة التي تجعل ابن البحر يطفو على الماء ولا يغرق؟ وعن سبل الوصول وكيفية معرفة الاتجاهات وتمييز الاتجاه الصحيح للإبحار..الخ. (مجهول البحر ومعلومه، رموز البحر وأبجدياته).
    بيت البحار سفينته

    وفي البحر مساكن ومعابر لبيوت الخشب، البيوت المبحرة في محيطات ومجاهل بعيدة. يكتب بودلير عن حركة السفينة “الفكرة الشعرية التي تشع من عملية الحركة داخل خطوط، هي فرضية أولية لكائن شاسع وهائل، معقد، لكنه منسجم الإيقاع. حيوان ذو عبقرية يعاني ويتنهد كل التنهيدات. وكل طموح إنساني” .
    ويعلق باشلار على الاتساع والواسع بالقول: إن كل واسع “يجسد ميلاً نحو ما هو رائع.. لو أننا أحصينا مختلف الاستعمالات البودليرية لهذه الكلمة، فسوف نجد أن استعمالها الموضوعي نادر، في حين تكثر الاستعمالات التي تضفي على هذه الكلمة أصداء أليفة”.
    إن مجرد الربط بين البيت والسفينة، يحيلنا في الشعر إلى الألفة التي يشعر بها البحار تجاه سفينته، وهي الألفة نفسها التي تقوم بين البيت وساكنه. والبحر يمكن أن يكون مدينة لها حاراتها وشوارعها وربما أزقتها وكل ما يمكن ألا تقوم المدينة من دونه، وحارات البحر قد تكون الأكثر شراسة وقسوة حين يرتادها الفتى المشاكس، ابن الساحل المولود على ظهر سفينة قادمة من البعيد، أو مسافرة نحو الأبعد. والولد المشاكس قد يبيع أي شيء للمسافرين كما لسكان المدينة:
    “أغطس، كضرس الأبدية، في المياه العميقة
    وحيداً مع شعلتي، كنت أرود حارات البحر
    وأبيع ضوئي للأسماك وعظام الغرقى
    وكنت أقف على الصواري المرجانية مشتملاً بعلتي
    وأخطب فيهم بعيوني”
    ونذهب مع عبدالعزيز جاسم صوب بيته، البيت الذي ليس سوى ذكرى بيت متخيل، بيت يأتي من الذاكرة وتصوغ المخيلة شكله ليراه الشاعر “مائلاً عند حدبة الشط/ ناصعاً مثل شبهة”، ونتنقل معه في جوار البيت البحري، فنرى القاع، قاع المدينة ربما أو قاع العالم، القاع الذي “وحده يدرك قيمة السقوط”، كما نرى “أن البئر الثلجية سريره الأوحد”، ونسمعه يتمنى “لو أن بدائيين يطاردونه في الأحراش/ لو أنه يمر في الأسواق سائقاً عربة مليئة بالإهانات”. ونمضي معه فنجد الينابيع في حال يشبه “المطهر” الذي يلج فيه الفيلسوف الأبكم كما يراه الشاعر في قوله “أتقرفص كمارق أصغى للعذريين كثيراً لكنه أدرك بعد انقلاب خلايا النحل أن العفاف قد جهر به فيلسوف أبكم رآه في صالة.. ينزع جلده بشراسة ويلج في الينبوع كالحبّار”.
    أما بيت الشاعر وغرفته، فيتخذان صوراً موحشة على عكس البيت عند كثير من الشعراء، لذا فهو لا يسمي مكان سكنه بيتاً بل مسكناً “عندما أفتح غرفتي كرجل مصاب بالسل - أشاهد: صرة من أسنان منبوذين ماتوا وهم يجرجرون قارة مائلة من شعرها، ورغيفاً يمر النمل عنه بعيدا/ حين أعود إلى مسكني من دون هدف، يغمرني الإحباط وينفلت من صلبي القيظ. أرى حصاناً جريحاً في حظيرة بلا سقف”.
    حتى الأرض نفسها تأخذ لدى عبدالعزيز صورة “مكان لإجراء قداس دموي”، وهو تعبير عن وعي وجودي رافض للكون يتسرب شعرياً في قصيدته، ويتكرر في صور متعددة، لكن منبتها هو هذا الموقف الوجودي. ومن الذاكرة تحضر صورة الفتى يرى “في رأس الوادي: عصابة من الصبية قد حفروا طويلاً تحت معبدمعتم/ فهوى بأكمله في أخدود سحيق وسمعوا ارتطامه”، أو صورته يرى رأس صاحبه “مرميّاً عند قارب مهشم”، في ما يحيل إلى عالم البحر والبحارة.
    هذه هي أبرز ملامح المكان في تجربة عبدالعزيز، وهي ملامح مكان قاس وغير أليف وغير قابل للتآلف معه، ما يبرر ذهاب الشاعر لكتابة كتابه عن معلوم البحر ومجهوله، ليقول لنا إن هذا العالم الذي هو عالمه شديد القسوة، ولخبر بأن الوجود غير طبيعي ومخرب وبائس. وبأن أمكنة الطفولة لم تكن حميمة ولا دافئة، وذكرياتها هي ذكريات البؤس والعنف..الخ.
    أمكنة الداخل والخارج

    يحتفي الشاعر خالد البدور بالمكان على نحو مختلف، سواء على صعيد استدعاء المكان الآخر، الغريب، أو الأجنبي والأوروبي، أو على مستوى تناول المكان المحلي وتفاصيله. ولعل ظاهرة الكتابة عن المكان الآخر تبرز في شعر الخليج عموماً والشعر في الإمارات لتظهر مدى عشق الشعراء للسفر، وعشق التجوال في المدن البعيدة كحال شعرية وثقافية، وليس كحالة سياحية. ومن أبرز ما يواجهنا في مجموعة خالد البدور الأخيرة “شتاء”، في ما يخص صور تلك الأمكنة هو كتابة التفاصيل الصغيرة لتلك الأمكنة، يقول في قصيدة “أحجار” التي كتبت بعد رحلة أمريكية:
    أعرف أنك تفكرين في الأحجار
    تلك التي جمعتِها
    من مجرى النهر البارد
    في (تينيسي)
    والتي عليك تركها خلفك عند الرحيل
    فالأحجار ليست سوى وسيلة لاستدعاء المكان، النهر البارد الذي يظل ذكرى عزيزة في رحلة الشاعر. وهو من الأمكنة التي تحضر في سياق ما يدعى بأدب الرحلات، وعلى نحو مختلف تحضر إشبيلية عبر مئذنة تحيل إلى حنين ما، الحنين لتاريخ كانت إشبيلية فيه ترتبط بحضارة الشاعر.
    المكان المحلي يحضر في قصائد البدور في صور وأشكال عدة، أبرزها ما تأتي به الذكريات ويمتزج بالمتخيل. يحضر أكثر ما يحضر البيت بتفاصيله وشرفاته وأبوابه، وهو غالباً بيت لعاشقين وعلاقات، ونادراً ما يأتي من الطفولة وعالمها مثلاً “أزداد حنيناً كلما توقفت بشرفتي الطيور../ كلما تساقطت السنوات من نافذتنا/ تغدين عذبة/ كشاطئ صيفي”. ما يحيل إلى علاقة بالطفولة لا تنتج حنيناً أو تشوقاً رومانسياً، بل نظرة دائمة إلى المستقبل، فها هو يستحضر صورة من صور الذاكرة الطفولية ربما، لأن هذه الصورة صارت نادرة في واقع البلاد اليوم، حيث يحضر “بدو مجهولون” ونقرأ: قبل أن تتسلق الشمس جدران البيوت الطينية/ عاد بدو مجهولون/ بعدما باعوا اللبن والعسل/ في سوق المدينة/ كي يستريحوا في أحلامي/ الباحة الرملية مستلقية في الضباب/ وضفائر النخلة / تتأرجح متناومة/ منصتة/ لصوت تدفق الماء/ بجوف البئر”.
    ويحضر الماضي متداخلاً مع الراهن، والقديم متمازجاً مع الجديد يأتي “صوت هاون القهوة” متداخلاً مع “التلفزيون”، ويسترجع الشاعر ما يقارب القرن حين يبدأ الجد “موسم إبحاره”، وحيث “الرجال يشدون كل الحبال/ فتنحني الصارية/ وتملأ الريح ذاك الشراع/ عويل بحارة لم يعودوا/ وجوههم تنظر إلي من وراء السنين/ وأنا أجهل أسماءهم”. وتحضر صور بالأبيض والأسود “لرجال السواحل السمر”. وتحضر صراعات الإنسان بين القرية والمدينة، فهذا هو الشاعر يرى كيف “تعود قوارب الصيد من البحر/ نحو الخليج/ يسمعها فيرفع بصره/ وحين تمر/ يتمزق ضوء المدينة/ على صفحة الماء”، والذي يتمزق هنا ليس ضوء المدينة، بل ذات الشخص التي تتوزع بين ماض لم يمض وراهن لا يتواءم معه، ويغترب فيه. فهنا ثمة نمط حياة يغترب فيه الإنسان عن أقرب الناس إليه، هنا “بناية غريبة/ في شارع جديد/ وبقربي جيران لا أعرفهم/ يتوقف المصعد في الدور الأول/ ثم يواصل صعوده/ وأهبط”.
    كما يلتفت الشاعر إلى كائنات الطبيعة، فيقيم حواراً معها عبر حضورها المميز، فنرى قرب ماء البحر الكائنات التي تأخذ مكانها تحت الرمال نرى “القواقع تتقلب في لذة/ والحلزون حاملاً بيته فوق ظهره/ يصارع كي يصل البحر”. ونرى في باحة البيت “النخلة الأقدم من الأسلاف/ النخلة الحكيمة/ ما زالت تصعد”، ولكن أين هو ذلك البيت اليوم؟ كما تحضر عناصر أخرى من الطبيعة تتمثل في الأمواج والعواصف، ففي “منزل معتزل/ قرب الساحل/ يندفع الموج هازاً الأركان/ تحت فضاء أسود/ حيث العواصف تعوي/ في شقوق الجدار”.
    الأمكنة الجاذبة والطاردة

    بالانتقال إلى الشاعرة صالحة غابش، نرى أن قصيدتها تُظهر مدى غناها بالأمكنة، وهي في الغالب الأمكنة المغلقة والضيقة والمحصورة بين الجدران والحواجز ووراء السواتر. أمكنة تبدو انعكاسات لرغبة عالية في الابتعاد والاعتكاف والاعتزال. ومن المعروف أن الأمكنة المغلقة هي تعبير عن مثل هذه الرغبة. ويستطيع قارئ قصائد صالحة أن يجد التمثيلات المتعددة لرغبتها في الهروب من العالم الذي فقد براءته.
    مقهى المهزومين، ردهات المدن المعزولة، هضاب الرؤية، خريطة المتاه، سواحل الفراغ، المغاصات، أحراش الشتاء، أمواج الألق، كثبان الصحراء، بيوت مهجورة، غابة قلقة، مدينة تعيش البحر، زجاجة القصيدة الخانقة، عرش العفة، حدائق، منابر، ظلال الشجر، القرية، القدس، النوافذ المغلقة.. بلاط المتاهة/ القصر، اللؤلؤ المتمحور في امرأة/ شارقيّتها حلم يتمهل في أعين العابرين.. ارتجاف تحت نوافذ قصر/ تزوره حمى الهزيمة.. حافة الخوف.. الخ، هذه هي بعض عوالم قصيدة صالحة غابش وأمكنتها، منذ بداياتها في مجموعتها الأولى “بانتظار الشمس” (1992)، و”المرايا ليست هي” (1997)، حتى “الآن عرفت” (1999)، وصولاً إلى آخر قصيدة في مجموعتها الرابعة “بمن يا بثين تلوذين؟” (2002).
    وتنقسم العوالم/ الأمكنة الخاصة هنا قسمين رئيسين: عوالم الأمكنة الأليفة والحميمة، وهذه في الغالب تنتمي إلى قيم ومبادئ وأفكار سامية كما أنها تعبر عن هذه المبادئ والقيم والأفكار، فهي أمكنة الطفولة والبراءة، وليس بالضرورة طفولة الشاعرة، بل ربما طفولة العالم نفسه. وثمة عوالم تنتمي إلى مجموعة الأمكنة المرفوضة والنابذة والطاردة، وهي الأمكنة التي تجسد التحولات السالبة وتعبر عنها
    ليس حولي غير أكواخ الرمالِ
    وقفارات رحيل وزيارات الليالي
    وعيون خلف أحراش الشتاء
    كل درب في رحاها لقرى الدفء يضيع
    لم يباغتني النسيم
    رافعاً وجهي إلى بيت النجوم
    فأراك
    نستفتح بالغابات وما تنطوي عليه وما يدل عليها. وأول ما يقودنا إلى الغابة استعارة الأحراش للشتاء في قولها “عيون خلف أحراش الشتاء” التي تعبر فيها الشاعرة عن علاقة خاصة بالسماء وخالقها. وحيث تغيب الأشياء كلها في لحظة ولا يبقى سوى وجهه تعالى. ولكن لا شيء يحسم مستوى الرمزية في هذا النص الذي يحيل إلى الله، أو القوة العظمى المتخفية في ذات الخالق:
    غابتي
    لك هيأت أشجارها
    وعصافيرها
    ومسافات ماء تسير بمجهول أقدامها..
    وتمتزج في قصائد الشاعرة صور الكثبان العطشى بمشاهد الحقول النائمة والمواسم المختبئات وراء التلال، وتحضر من الذاكرة المتأرجحة رائحة الشتاء والموقد والمهرة والسائس والبيوت المهجورة سوى من الغبار، وتفوح رائحة الطين في الحقول البعيدة. وتحضر ذكريات دهشة السفر البحري وحلم الأزرق المفتوح على المجهول عمقاً واتساعاً، لتنتهي الرؤى عند المقولة الكبرى في سياق الغربة.
    وفي الرحلة من بيت النجوم، إلى بيت النوارس، حتى بيت الشِعر الذي تبنيه الشاعرة “ليسكنه الفقراء”، وصولاً إلى البيت الذي “تسكنه شاعرتان توّهتهما قليلاً أرجوحة الذاكرة القديمة”، وليس انتهاء بتلك البيوت المهجورة إلا من الغبار. ثمة الكثير من الصور التي تحيل إلى بيوت أليفة مرغوبة ومشتهاة، بيوت ربما كانت هي الفردوس المفقود الذي تهجس به شاعرة تشتهي أن تختلي بنجومها ونوارسها وصلوات عشقها العلويّ النقيّ المتعفف عن الدنيوي.
    هناك أمكنة أخرى تحضر في شعر صالحة، ولكنها ليست على القدر نفسه من الحضور الذي تمتلكه الأمكنة السالفة الذكر. ف”الفضاء” مكان من الأمكنة التي تمتلك حضوراً ما في القصيدة، وهو ليس الفضاء المخصص للطيور الطليقة، بل هو فضاء الشاعرة و”بطلة” قصيدتها. فضاء عرفته القصيدة وعاينت ملامحه وأبعاده كي تحيلنا إلى سفر ما، حتى لو كان سفراً “في غابتك القلقة”. حيث الغابة فضاء نفسي ومعنوي ينفتح على دلالات عدة كما ذكرت.
    وتبرز “الخيمة” كمكان آخر، نقيض البيت في أشياء وشبيهته في أمور أيضاً، وهي تحضر في صور متعددة من الماضي المبتعد بقسوة، وتجيء بدلالات كثيرة، وتمنح ظلالاً مختلطة للأشياء:
    من أين جئت؟
    كيف مزقت يداك “خيمتي”؟
    فالخيمة الممزقة ليست أقل من صورة من صور الذات التي سكنت هذه الخيمة، وشكلت الخيمة جزءاً من ذكرياتها، وهي شوق إلى ماض لم يمضِ تماماً، بل هو عالق في الذات وأعماقها، هذه الذات التي ترفض المدينة والعصر وتتشوق لخيمتها. تقول امرأة القصيدة: لعلني أنظم فوق خيمتي التي استبحتها
    ستائر الرجز وموقدي المحفوف بالشتاء ينتظر
    ان تنحني خطوتاك عن مسار القافلة
    يا حادي الرحيل
    ما زلت قرب موقد الشتاء انتظر.
    الوعي بطبيعة المكان

    * أحمد العسم شاعر يكتب، كما يقول ثاني السويدي، “عن الصباحات الهادئة المطلة على بحر جلفار تحتم عليه دائماً أن يذهب إلى الآخرين بقلبه، رمّال جلفار يغير شكل الماء بعكس ما هو غالب في الطبيعة”. وللعسم علاقة حميمة كما يبدو بهذا المكان، علاقة هي أساس من الأسس التي تقوم عليها شعرية قصيدة العسم، وهي أساس قائم على وعي حاد بطبيعة المكان وما ينتجه من أنماط الحياة والعلاقات بين البشر، لذا يتقدم الحقل ليكون سيد الأمكنة في القصيدة، فيما تبدو الأمكنة الأخرى أقل حضوراً. وليست شدة الحضور هذه مرتبطة بتكرار رسم العلاقة، بل بطريقة رسمها، وبالمشاعر التي تفيض عند ذكر هذا المكان أو ذاك. فعندما يذكر الشاعر الحقل والحياة فيه نشعر بفيض من العاطفة الشديدة الارتباط به. نشعر بمدى السعادة التي يشعر بها الشاعر/ الإنسان وهو يرسم هذه العلاقة الدافئة والحنون.
    وحين نقول الحقل، فهذا يحيل إلى الريف وما ينبثق منه من كائنات وعلاقات، فثمة همس الأشجار، وأحلام العصافير والجداول وبئر الماء والمساءات المشتعلة بدفء الحياة. وهذه عناصر تحتفي بها قصائد العسم وعباراته، فهو يطل من شرفة يقول عنها إنها تشبه نافذة القلب، وإذا كان القلب يفتح نافذته برحمة، فإن الشاعر لا يكتفي بوصف انفتاح القلب بالرحمة، بل يضيف إلى ذلك وصف الرحمة بأنها دافئة، مؤكداً هذه الصفة، لأن الرحمة والدفء لصيقان، ولأن العالم بات يفتقد إلى أي منهما:
    لا أدري
    يا حبيبي يا صغير
    كيف أتمم باقي الأسئلة
    وأنت تحدثني عن البيت
    وفنائه المطرز
    بتفاصيل الذكريات
    عن الغرف
    كيف استحمت
    وارتدت حلة التأثيث
    وثمة علاقة ساخنة بالبحر. وإذا كان البحر قد أخذ جد أحمد، لكنه يحب البحر، ويذكر أنه حين صدرت مجموعته الشعرية ذهب إلى البحر ورمى له نسخته بين الأمواج، وقال له: “اقرأني يا بحر، ودع أسماكك وحيتانك تتعرف إلي”، وهو أيضاً حين تضيق به الحال يذهب إلى البحر ويبكي متأملاً في أفقه البعيد وأسراره اللانهائية، فيشعر بطمأنينة تغمر جسده وروحه. وكان يرافق والده لاصطياد السمك من مركز المنار.
    تحولات الأمكنة والبشر

    تجربة الشاعر أحمد راشد ثاني كما تبدو في مجموعته الأخيرة “جلوس الصباح على البحر” تحتفي بالمكان على نحو مختلف عن تجارب الشعراء الآخرين، وربما كان لاهتماماته وكتاباته في مجال الأدب الشعبي والشفاهي دور في تطعيم قصيدته بعوالم شعبية، ليس مجرد تطعيم تلصيقي، بل إنه عالمه الذي يتحرك فيه حياتياً وشعرياً كما سنرى. فهو يغرف من عالم البؤس سواء أكان في القرية أم في المدينة، في البحر أم في الصحراء. يقول الشاعر ناظراً إلى التحولات التي أصابت العالم من حوله:
    اركض
    ولا تنظر وراءك
    فالسواحل لم تعد مثل التي بالأمس

    http://www.mafhoum.com/press7/202C36.htm[/B]
                  

العنوان الكاتب Date
شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-08-06, 00:34 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب حاتم الياس07-08-06, 03:09 AM
    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-08-06, 04:15 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب Emad Abdulla07-08-06, 05:10 PM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-08-06, 06:20 PM
  Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-09-06, 02:45 AM
    Re: شبه جزيرة الغياب newbie07-09-06, 02:51 AM
      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 05:17 PM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 06:43 PM
          Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 09:05 PM
            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 09:23 PM
              Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 09:50 PM
                Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 10:42 PM
                  Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-11-06, 04:34 AM
                    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-11-06, 01:34 PM
                      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-11-06, 10:57 PM
                        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-14-06, 01:13 AM
                          Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-15-06, 01:26 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب Adil Osman07-14-06, 03:21 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-14-06, 01:01 PM
  Re: شبه جزيرة الغياب خضر الطيب07-14-06, 01:15 PM
    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-14-06, 03:58 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-14-06, 11:33 PM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-15-06, 01:39 AM
          Re: شبه جزيرة الغياب AnwarKing07-15-06, 01:46 AM
            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-15-06, 02:47 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب عبدالله الشقليني07-15-06, 10:03 AM
    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-15-06, 01:00 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 01:40 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-16-06, 04:28 AM
    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 06:33 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 07:53 PM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 09:49 PM
          Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 10:23 PM
            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 10:47 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-17-06, 00:08 AM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 00:16 AM
          Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:16 PM
            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:35 PM
              Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:41 PM
                Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:47 PM
                  Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:58 PM
                    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 04:14 PM
                      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 04:26 PM
                        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-18-06, 01:22 AM
                          Re: شبه جزيرة الغياب Amin Mahmoud Zorba07-18-06, 11:00 AM
                            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-18-06, 11:02 PM
                              Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-20-06, 01:52 AM
                                جماليات المكان "السنّاري" من خلال مفهوم العودة عند محمد عبدالحي osama elkhawad07-20-06, 10:58 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de