شبه جزيرة الغياب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 02:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الشاعر اسامة الخواض(osama elkhawad)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-16-2006, 07:53 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20473

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شبه جزيرة الغياب (Re: osama elkhawad)

    أدناه مقال عن "جماليات المكان"
    جماليات المكان في شعر محمد عدنان قيطاز ((حماة نموذجاً)) ـــ د.عبد الفتاح محمّد- سورية
    مقدمة:
    يلاحظ الدارس لنتاج الشاعر محمد عدنان قيطاز أنّ للمكان عامة، ولحماةَ خاصة حضوراً طيباً فيه، تجلى ذلك في دواوينه الأربعة دون استثناء، وهي: "اللهب الأخضر" و"في ملكوت الحب" و"أسفار ابن أيوب" و"وجهك المستبد" وتفسير هذا الحضور الطيب هو أن الشاعر يألف الأمكنة التي يحيا فيها أو يزورها، ويرتبط معها بكل وشائج القربى، ويحرص على إبراز عناصر الجمال فيها.
    والحق أن الشاعر استطاع أن يجعل من نفسه، وهي ذات مبدعة شاعرة، طاقةً تتفاعل مع المكان، وتتحد به، وتحبه، وتقدسه، وتحس جمالياته، وتتذوقها، ومن ثم تصوغ ذلك كله إبداعاً مترفاً، يعتقد أنه سوف يرن في أذن الزمان.
    وأدنى تأمل في أعماله الشعرية يدل على أن حماة، وهي بلد الشاعر، تسكن في عينيه، وقلبه، ووجدانه، وأحاسيسه، ورؤاه، فحماةُ:
    بلدٌ طغى فيه الجمالُ مُعْربِدا
    مُتحلِّلاً حيناً وحيناً مُحْرِما(1)

    وحماه هي دارةُ الجمال، يقول:
    لكَ في دارةِ الجمالِ أغاريدُ
    فُتونٍ كذائعِ الطيبِ نَشْرا(2)

    وإذا كانت حماة جمالاً معربداً، ودارة جمال لدى الشاعر فإن السبيل إلى تجلية هذا الجمال لا يخلو من مغامرة ورهان لأسبابٍ كثيرة، منها:
    1 ـ أن العناصر المكانية يتم تقديمها من خلال جعل المتلقي يستعيد تجربة المكان الأليف، والذكريات المستعادة ليست معطيات ذاتَ أبعاد هندسية، وإنما هي مصاغة بخيال المتلقي، وأحلام يقظته(3).
    2 ـ أنّ الخيال الشعري المبدع تكون فيه وظيفتا الواقع واللاواقع متعاونتين، فالخيال يمنح إضافاتٍ حقيقية لقيم الواقع.
    3 ـ أنّ الخيال مبدع صورة، والصورة الشعرية بروز مفاجئ على سطح النفس، وكل ما تحتاجه الصورة ومضة من الروح، لذلك كان الشعر روح تَفْتَتِحُ شكلاً(4). من ههنا كان الفن إثراء لخصوبة الحياة، وكان الحديث عن ثروة الوجود المتخيل.
    4 ـ أن الشعراء يعاونوننا في اكتشاف الفرح الذي في داخلنا عند مشاهدة الأشياء، فنستطيع أن نرى في أشياء مألوفة للغاية امتداداً لمكاننا الحميم(5).
    5 ـ أن الشاعر قد يغوص بعمق أكثر حتى يجعل المكان قيمة كقيمة الإلفة، والمكان الشعري لكونه قد تمّ التعبير عنه، فإنه يصبح له خصائص تكبيريه، ويصبح له امتداد.
    لهذا كله، ولأمور أخرى يغدو الحديث عن جماليات المكان مغامرة، ورهاناً أرجو ألا أكون خاسراً فيهما
    الجمال لغة واصطلاحاً:
    الجمال لغةً هو الحسن، وهو مصدر فِعْلُه جَمُلَ، ويعتقد أن أصله الحسيَّ من الجميل، وهو دَكُ الشحم المذاب، يُراد به أن ماء السِّمن يجري في وجهه(6). ويقع الجمال على الصور والمعاني، ويكون في الفعل والخَلْق(7).
    والجمال في اصطلاح أهل الفلسفة صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضى(. وعلم الجمال أحد فروع الفلسفة، ويبحث في الجمال ومقاييسه، ونظرياته، وفي الذوق الفني، وتقويم الأعمال الفنية(9) ، وقد وردت مفردة الجمال في قوله تعالى: ولكم فيها جمالٌ حين تُريحون وحين تَسْرحون(10)، وهي بمعنى البهاء والحسن. وورد في الخبر:
    "أنّ اللهَ جميل يحب الجمال"، أي حسن الأفعال، كامل الصفات(11) ، وقد ذكر المعريّ أن الجمال الإنساني زائل، ومآله كمآل نقيضه، يقول:
    فلا يُعجب بصورته جميل
    فإنّ القُبحَ يُطوى كالجمال(12)

    وإذا كان الخيال ينتج جمالاً، فإن أهل الفلسفة يفرقون بين جمال الخيال الشكلي، وجمال الخيال المادي، ويذكرون أن الخيال الشكلي يخلق كلَّ الجمالِ غير الضروري، من مثل الأزهار، وأن الخيال الشكلي في داخل الفعل الإنساني يكون مغرماً بالطرافة، والجمال الفاتن، والتنوع، والمفاجأة في الأحداث... في حين يهدف الخيالُ المادي إلى إنتاج ما هو بدائي وخالد في الوجود من الجمال، إنه يفرز بذوراً وفي تلك البذور يكمن الشكل بعمق في المادة(13).
    جماليات المكان عند شاعرنا:
    ما كان لي أن ألج إلى البحث في جماليات المكان عند شاعرنا من غير تلك المقدمة التي تشير إلى كثرة قضايا الموضوع وعمقها وخفائها وتشعبها، وصعوبة الإحاطة بها.. فإدراك جمال المكان مرتهن بالتقرب من الذات المبدعة الشاعرة الحالمة اليقظة، الخيالية الواقعية، الفرحة الحزينة، الراضية الغاضبة، الذاهلة المتفكرة، الأليفة الوحشية...
    ومرتهن بإدراك الوسائل التي اعتمدها الشاعر في جعل المكان يسكن في عبير الكلمة، وجناح الخيال..، ومرتهن بقدرة المتلقي على تذوق العمل الفني، والتفاعل معه، والتأثير به.
    ولعل أبرز ما يواجهنا عند الحديث عن الذات الشاعرة المبدعة هو أن إدراك جمال المكان يتطلب منها يقظةً على درجة من الحدة والقوة، والحقّ أن الخيال يزيد حدةَ حواسنا، كما أنّ اليقظة الخيالية تهيئ انتباهنا للاستجابات الفورية(14).
    وشاعرنا يعي هذه الحقيقة، ها هو يعلن أنه أعمل حواسه سمعاً وبصراً وتذوقاُ بطاقة جعلته ينماز من الآخرين في إدراك بعض خصائص المكان، يقول:
    إني سمعتُ بها.. إني رأيتُ بها
    ما لا ترون.. وما صاد كمن وردا(15)

    ومع أن الشاعر يُعْملُ حواسه بطاقتها القصوى، فإنه يعلن أن عينيه لا تلبيان حاجة نفسه في النهل من جمال المكان، يقول:
    عينايَ ما ارتوتا من سحر آيته
    يا ليتَ لي ألفَ عينٍ ترصد البلدا(16)

    وإذا كانت الحواس يعتريها ما يجعلها ساهية أو لاهية أو معرضة أو غافلة، فإنّ الشاعر يشحذ النفس، ويدعوها إلى التنبيه واليقظة كي تقوم بمهمتها وقت الحاجة، يقول:
    قلتُ لما نزل العاصي أَفِقْ
    أيّها القلبُ فهذا وَطَريْ(17)

    وهو إذ يوقظ حواسه وينبهها، إنما يفعل ذلك ليجعل من نفسه عواطف وقيماً على النحو الذي يريد، فلا نستغرب وقتها من أن نراه ينشد:
    أنا كلي حبٌّ... كلي وَفَاءٌ
    ومن الحبِّ لاهِبٌ ودُخان(1

    ولا ننكر عليه أن يرى في تراب الوطن وحجارته شفاء يُطلب وحيلةً تُصان، يقول:
    أني لأستافُ الترابَ تعلةً
    وأُقَبِّلُ الحصباءَ دُرَّ مَحَارِها(19)

    وهو إذا يتعهد على كبر نفسَه بالتنبه واليقظة لا ينسى أن المدينة صاغته طفلاً ذا مواصفات خاصة، يقول:
    درجتُ فوق رباها
    طفلاً غريرَ السماتِ
    طلقَ الجبين مُدِلاً
    على المُدلِّ العاتي(20)

    وواضح أنه يتخير (الربى) دون (الوادي) لأنّ (الربى) تناسب تساميه وافتخاره بنفسه. ثم إنّ المدينة رَعَتْه، وَنَمتْهُ، يقول:
    حتى استطالتْ غُصوني
    وأَيْنَعَتْ ثمراتي(21)

    وأسرته حباً وعشقاً:
    أسرتني أمُّ النواعير
    وما زلْتُ مولعاً بإساري(22)

    وبعد، فحديثي عن جماليات المكان عند شاعرنا ينقسم إلى أقسام ثلاثة هي:
    أ ـ وسائل الشاعر في إظهار جماليات المكان على صعيد المضمون.
    ب ـ وسائل الشاعر في إظهار جماليات المكان على صعيد الشكل.
    ج ـ جماليات الناعورة، نموذج تطبيقي.
    أ ـ وسائله على صعيد المضمون:
    يمكن أن نقول باطمئنان: إن الشاعر في سعيه لإظهار جمال المكان على صعيد المضمون أو المحتوى اعتمد وسائل كثيرة متنوعة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على غنى في الأدوات، وقوة في معمارية القصيدة، وعمق في التأثير، وللتدليل على هذا نعرض للوسائل التالية:
    1 ـ جمالية الإلفة.
    2 ـ استعادة سمات المكان.
    3 ـ القدرة على التأليف بين عناصر الجمال.
    4 ـ المكان المفتوح.
    5 ـ تكثيف الزمان.
    6 ـ جمالية الحركة.
    7 ـ الإفادة من الموروث.
    8 ـ جماليات أخرى.
    وفيما يلي بيان القول في هذه الوسائل:
    1 ـ جمالية الإلفة:
    يعتمد الشاعر في إظهاره لجماليات المكان على تقديم مشاهدَ عنوانُها الإلفة، الإلفة بين الإنسان والإنسان الذي يشاركه سُكْنى المكان، وبين الإنسان من جهة، والمكان من جهة ثانية، ومن المشاهد التي يتجلى فيها هذا الأمر واضحاً قول الشاعر:
    ولكم سرينا والضفافُ سواهرُ
    والنهر يجري طائعاً سَلْسالا
    نمضي إلى حَرَمِ الجمالِ وظِلِّهِ
    فنريحُ أشجاناً هناك ثِقالا
    ونشاركُ الأنسامَ بعضَ حديثها
    ونسامرُ الناعورةَ المكسالا

    ونعودُ نحتضنُ المفاتنَ والرؤى
    لنصوغَ منها للورى أمثالا(23)

    إنني لأعتقد أن هذا النص نموذج طيب لقدرة الشاعر على إظهار جمال الإلفة، أما إلفة الإنسان للإنسان، فدليله شيوع ضمائر الجموع في النص (سرينا، نمضي، نشارك، نسامر، نعود، نصوغ)، ولا ريب في أن اجتماع الأخدان والأصحاب يجعل الإلفة ذات وقع أشدَّ، لأنّ المرء يُطَمئِن رغبته في الاجتماع، والإنسان اجتماعي بطبعه.
    وأما إلفة الإنسان للمكان فقد دلت عليها إشارات الشاعر من أنه وصحبَهُ ذاقوا جمال المكان عبر غير حاسة فهم سروا، وسهروا وسَمَروا، وشاهدوا، وتحدثوا، واحتضنوا، وصاغوا.. وهنا يغدوا الإحساس بإلفة المكان جَمْعيّاً مما يجعلها ذات طعم بيِّن، يعززها تفاعل معظم حواس الإنسان مع المكان.
    وأما إلفة المكان للإنسان، وهي تحتاج إلى تقنية أشدّ لإبرازها، فما أعتقده أن الشاعر كان موفقاً إلى حد بعيد فيها، ذلك أن عناصر المكان قد أطلت برأسها، وهي تظهر إلفة فائقة نحو الشاعر وصحبه، فالضفاف سواهر، ويقظتها جميلة، والنهر استبدل بعصيانه طاعةً ورقةً، والأنسام تُغري بالتحدث، والناعورة مسامرة محببة، والمفاتن طوع البنان. ومكانٌ هذه عناصره، وهذه يقظته، وهذه استجاباته له أكبر الأثر في تطهير الإنسان من السأم والمَلالة، لتحلّ الهناءة والراحة في النفوس والأبدان، وحُق للشاعر أن يقول:
    نمضي إلى حرم الجمالِ وظلّه
    فنريحُ أشجاناً هناكَ ثِقالا

    ومكان هذه صفاته يحرّض على الإبداع والخَلْق مما يجعل الشاعر يقول:
    ونعودُ نحتضنُ المفاتنَ والرؤى
    لنصوغَ منها للورى أمثالا

    وهكذا نرى أن النص يمور بالإلفة، ومعلوم أن كلَّ مناطق الإلفة موسومة بالجاذبية، ووجودها هو الوجود الهني(24) ، وتلك الجاذبية هي التي تجعل المتلقي يتوقف عن قراءة المكان لأنه يرى أمكنته التي يألفها هو، وإذا كان الشاعر قد أضفى صفات إنسانية على المكان، فإن ذلك يحدث على الفور عندما تكون العناصر المكانية الموصوفة مكاناً للفرح والإلفة، مكاناً يستقطب الإلفة ويكثفها، ويدافع عنها.
    خلاصة القول: إن الشاعر جعل عناصر المكان تمتلك صفة الإلفة مثلنا، وعبرنا، ولأجلنا.
    2 ـ استعادة سمات المكان:
    إنّ العناصر المكانية قد تُقَدَّمُ من خلال جعل المتلقي يستعيد تجربة المكان الأليف(25) ، ذلك أن سمات المكان قد تبلغ حداً من البساطة والتجذر العميق في اللاوعي، وهذا التجذر يجعلها تستعاد بمجرد ذكرها، أكثر مما تستعاد من خلال الوصف الدقيق لها ومن النصوص التي اعتمد فيها الشاعر هذه التقنية قوله مخاطباً رفيقاً له، ومستعيداً ذكرياتٍ طيبةً تتجلى فيها سماتُ المكان على نحو بيّن:
    أبا موسى أتذكرُ يوم كُنَّا
    بلا وزنٍ وقافيةٍ نُغَنِّي
    وبابُ النهر ملعبُنا كأنّا
    ببابِ النهر في جناتِ عَدْنِ
    وعاصي الحبِّ يخطر مطمئناً
    على نَهْجِ الوفا حُلوَ التثني
    تطارحُنا النواعيرُ الشوادي
    فَتَشْرَقُ بالسرور وبالتمني
    ونبحُ تارةً ونلوذ أخرى
    بظلِّ معاطفِ الشجرِ الأغنِّ(26)

    فهذا النص ينطوي على أمور كثيرة، منها:
    أنّ كلمة (أتذكر) هي نافذة لاستعادة ذاكرة زمان ومكان، أما الزمان فهو أيام الصبا الأولى، وأما المكان فهو منطقة جميلة تسمّى "بابَ النهر"، حيث كان الشاعر ورفاقه يجدون ما يسرُّ العين، ويلذ النفس، ويبهج الخاطر، وكلّ عناصر المكان تسهم في ذلك، فباب النهر ملعب، واللعب حاجة في تلك السن، والنهر مسبح، والنواعير شوادٍ، والنهر محبٌّ مطمئن، وفيٌّ آمن.
    ـ ومنها أن الشاعر يُعنى بما يحققه المكان من سمات متجذرة، كاللعب والغناء والأمان والاطمئنان والراحة والسرور والهناء، أكثر مما يحرص على الوصف الدقيق له، بعبارة أخرى إنه يحرص على إبراز جماليات المكان المتجذرة فهو مكان ماتع، آمن يحقق الراحة، ويؤمن المأوى الظليل الحاني.
    ـ ومنها أن زمان الذكرى ومكانها كانا يشهدان ولادة مشاعر الحب في نفوس هؤلاء الفتية، دليل ذلك أن الشاعر أضفى هذه المشاعر على عناصر المكان، ولاسيما في قوله:
    وعاصي الحبِّ يخطرُ مطمئناً
    وقوله:
    تطارحُنا النواعيرُ الشوادي
    وقد تسللت هاتان المفردتان الدالتان على (الحب) و(الغرام) إلى ساحة الشعور لتعلن ميلاد هذه العواطف في نفوس هؤلاء الفتية.
    3 ـ القدرة على التأليف بين عناصر الجمال:
    ومما يتوسل به الشاعر إلى إظهار جمال المكان تأليفه بين عناصر متعددة للمكان، ووصفه لها وصفاً يتجه إلى الجمال فيها، من ذلك مقطع من قصيدة يذكر فيها أن حماة بلد عيشه طيب، ومجالس سمره حلوة، وعاصيه ساحر، ونواعيره مطربة، وأنواره زاهية، وأزهاره مبصرة، ومعاطيره جارية، وطيوره مستبشرة، يقول:
    ويطيب الزمان في ظلها الهاني
    وتحلو مجالسُ السُّمارِ
    يالَسحرِ العاصي ورَجْعِ سواقيه
    وزهو الضياء والبدرُ سارِ
    والأزاهيرُ كالعيون روانٍ
    والمعاطيرُ كالشموس جوارِ
    وطيورُ الضفاف ترقُصُ بشراً
    من هزارٍ شادٍ وغيرِ هزار
    أسرتني حماةُ أمُّ النواعير
    وما زلتُ مولعاً بإساري(27)

    ما يلاحظه الدارس لهذا النص أن الشاعر لم يؤلف بين عناصر كثيرة من عناصر المكان المادية فحسب، بل إنه أبرزها على نحو بدت فيه مشحونةً بطاقة عالية من (شِحْنات) الجمال، واستعان لذلك بمفردات وثيقةِ الصلة بالجمال منها الأفعال (يطيب، تحلو، ترقص)، والفعلان (يطيب، وتحلو) جاءا بصيغة المضارع، ومعلوم أن هذه الصيغة تدل على التجدد والاستمرار، وقد جعل (الزمان) يجد في ظل المكان ما يجعله طيباً، وإذا طاب المكان، وطاب الزمان فذلك غاية المنى.
    وأما الفعل (ترقص) فهو لا يدل على الحركة فحسب، بل يدل أيضاً على الاتساق، والتوافق مع الإيقاع، فكذلك هي حال الرقص. ويُلاحظ أن الشاعر نقل الإحساس بالجمال إلى طيور المكان (وطيور الضفاف ترقص بشراً)، وفي هذا ما يعزز إحساس المتلقي بالجمال.
    وللأسماء الواردة في النص إسهام في توليد الشِحنة الجمالية تلك، منها ما نجده في كلمة (الهاني) من قوله:
    ويَطيبُ الزمان في ظلها الهاني
    فهذا الاسم في هذا السياق يدل على الثبات بمعنى أن الهناءة دائمة متجذرة، وفوق هذا نجد أن النص حامل للمفردات التي تنتمي إلى خيال الطمأنينة يدخل في ذلك حتى كلمةُ (الأسر) فهو أَسْر مختلف فالشاعر راض به، بل راغب فيه. ولا ريب في أن هذا الخيالَ سيبعث إحساساً بالهدوء والراحة في الجسد والنفس.
    وإذا كان الشاعر قد مال إلى استخدام صيغ الجموع في هذا النص، من مثل (مجالس السمار) و(الأزاهير) و(العيون) و(المعاطير) و(الشموس) و(طيور الضفاف) فإن هذا الاستخدام يكاد يكون ظاهرةً أسلوبية لها أثرها في إثراء النص جمالياً، ومع أنه لا توجد في مجرتنا إلا شمسٌ واحدةٌ، فإن الشاعر جاء بكلمة (الشموس) مجموعةً في صفة (النساء المعاطير) ليعزز في نفس المتلقي الإحساس بالجمال من جهة، ولتتناسبَ مع صيغ الجموع التي شاعت في النص.
    ولأن الشاعر مؤمن بأن جمال المعنى ينبغي أن يشاكله جمال في الألفاظ، أدركنا حرصه على تقديم معانيه بألفاظ متناسقة متآخية متقابلة، ويتجلى ذلك على نحو صارخ في قوله:
    والأزاهيرُ كالعيونِ روانٍ
    والمعاطيرُ كالشموسِ جوارِ

    وأدنى تأمل يدل على ما بين الشطرين من إيقاع متقارب، وبنى متوازنة قُدِّرت تقديراً.
    وما كان جمال الشكل على حساب جمال المعنى، بل إنّ المعاني الموحية ليست بخافية، كما هي الحال في كلمة "روان" من قوله:
    والأزاهيرُ كالعيونِ روانٍ
    فيقظة الأزاهير. وإبصارها:، كل ذلك يُحيل إلى جمال متجذر، ويذكّر بقول أهل الفلسفة: "كلُّ ما يضيء يَرَى" وقولهم: "اللؤلؤة الكبيرة ترى"، ويذكر بيقظة المصباح(2. وللأزاهير صلة باللون الأبيض، فقد جاءت من الزُّهرة، هي نَوْرُ كلِّ نبات، وخصَّ بعضهم به الأبيض(29).
    4 ـ جمال المكان المفتوح:
    ومما يتوسل به الشاعر إلى إظهار جمال المكان تقديمه المكان الذي يحبه وكأنه يتجه إلى جميع الأماكن دون صعوبة، ويتحرك نحو أزمنة أخرى وعلى مختلف مستويات الحلم والذاكرة، كالمكان الذي وصفه بقوله:
    يا نازلين بقلبي روضةً أنفاً
    بالسحر والشعر ضمختم حواشيها(30)

    وجمال المكان يصلح لكي يتزودَ منه الشاعر في ترحاله، يقول:
    حملتُ من جنة العاصي ومن بردى
    شوقَ المحبِّ فهل وفّى بما وعدا(31)

    5 ـ تكثيف الزمان:
    وثمة مواضعُ من شعر الشاعر توحي بأنّ المكان يحوي الزمان مكثفاً، وهذه هي وظيفة المكان(32)، وقد تبدى هذا التكثيف في وصفه للناعورة، يقول:
    بنتَ الزمانِ وأنتِ آية صُنْعِهِ
    مَنْ ذا الذي أغراكِ بالدوران(33)

    ويتبدى هذا التكثيف في وصفه لليالي العاصي، يقول:
    وليالي العاصي حِسانٌ قِصارٌ
    كُلُّ لذاتِهِ بلا أَعْمَارِ(34)

    6 ـ جمالية الحركة:
    إذا كان المكان الحيُّ ليس ساكناً في حقيقته، إنه يدمج الحركةَ من خلال الوسائل التي يسير الإنسان بها نحو المكان، فإننا نلمح آثار هذه الوسيلة في نتاج الشاعر، من ذلك قوله:
    أطيارُ عاصيها تُصَفِّقُ للضُّحى
    ومياهُ عاصيها تَهُزُّ الأَنْجُما(35)

    وقوله:
    وفوقَ القلعةِ العصماءِ طارتْ
    عذارى لا تكدرُها الشكوك(36)

    ولا ريبَ في أن الأفعال (تصفِّق) و(تهزُّ) و(طارتْ) تجعل المكانَ يمورُ بالحركة،
    والفعل (طارت) المسند إلى (العذارى) يتناسب مع سُموِّ القلعة، وهذه الحركة لا تزيل عن المكان صفتي الأَمْنِ والحماية، بقرينة وجود كلمة "العصماء" التي توحي بالأمن والحماية.
    7 ـ الإفادة من الموروث جمالياً:
    ومما توسل به الشاعر إلى إظهار جمال المكان الإفادة من الموروث، هاهو يفيد من وصف النعيم المقيم من اليوم الآخر في وصف الناعورة فيستعير مفرداتٍ موحيةً، يقول على لسان الناعورة:
    وأنا التي تسقي الربوعَ دموعُها
    فأعيدُها مسحورةَ الألوان
    حَفِلتْ بأنواع الثمار جنانُكم
    من كلِّ فاكهةٍ بها زوجان(37)

    ومن هذا قوله:
    الحُور والولدانُ حولكِ رُتَّعٌ
    والطيرُ فوقَك دائمُ الطيران(3

    ففي قوله: "الحور والولدان" و"منِ،ْ كل فاكهة زوجانِ" ظلال من وصف جناتِ النعيم أضفاها الشاعر على مشهده في موضوع وصفه.
    8 ـ وسائل أخرى:
    إنّ المتتبع لنتاج الشاعر يجد أنه يسلك سبلاً كثيرة لإضفاء الجمال على المكان، من ذلك إضفاؤه جمال السمو، كقوله:
    يا بلادي وأنتِ شمخةُ عزٍّ
    سَكِرَتْ من رحيقها الألوانُ(39)

    وجمالَ المجد والشرف، كقوله:
    لنا.. لحماةَ للشعرِ المُدمّى
    سماءُ المجدِ والشرفُ الأبيدُ(40)

    وجمالَ المقدس، كقوله:
    جناتُ وادينا مُنىً لشجٍ
    ومياه عاصينا طِلًى لصد
    والحسنُ ألوانٌ وأعجبُهُ
    ما كان صنعَ الواحد الصمدِ(41)

    وجمال اللحن، كقوله:
    وحنيني إليكِ ترنيمة القلب
    وشعري تسبيحةٌ أو أذانُ(42)

    وجمالَ الحضارات والمروءات، كقوله في بلاده:
    الحضارات وهجُها وهُداها
    والمروءاتُ ظلُّها الفَيْنانُ(43)

    وجمالَ المرأة، كقوله:
    في باب نهرِك كم نَهَدْتُ لكي أرى
    زمر الحسان أقارباً وأباعادا
    وعلى الشريعةِ حيثُ تزدحم الخطى
    كم أبصرتْ عيناي ظبياً شاردا(44)

    وبعد، كانت تلك إشارات عجلى أردتُ التدليلَ على غنى الوسائل التي أفاد منها الشاعر على صعيد المضمون لإظهار جمال المكان وجعله أليفاً، حانياً، حياً، آمناً، هادئاً.. وبهذا وبغيره يعيد الشاعر.. اعتباراً جديداً إلى القصيدة العمودية المتمَكنة الواثقة في وقت واحد(45).
    ب ـ على صعد الشكل:
    وللشاعر وسائله على صعيد الشكل لإبراز جمال المكان، يأتي هذا من الإطلاع الواسع الواعي على الموروث اللغوي والبلاغي، وتحسس دقائق العربية، وتخير الصيغ الموحية التي تناسب المقام، ولعل مما يسهم في الكشف عن ذلك، الوقوف على وسائله التالية:
    1 ـ استخدامه للجموع.
    2 ـ استخدامه للاسم والفعل.
    3 ـ الإفادة من القيمة الصوتية.
    4 ـ إكساب المفردة قيمة تعبيرية منزاحة.
    5 ـ الإفادة من علم البديع.
    1 ـ استخدامه للمجموع:
    سبقت الإشارة إلى أن الشاعر يكثر من استخدام الجموع في مشاهد الجمال، وأن ذلك يشكل ظاهرة أسلوبية، وحسبنا في هذا المقام أن نقف على بيت له يصف مدينته، ومعالمها، يقول فيه:
    رَفارِفُ عبقرياتٌ حِسانٌ
    مؤنقةٌ كما شاءَ المليكُ(46)

    فقد تكون الشطر الأول من ثلاث صفات جاء بها الشاعر مجموعة، هي: رفارف: جمع رفيف، وهو الشجر الناعم المسترسل، أو النبات الذي يهتز خضرةً وتلألؤاً.
    وحسان: جمع حسن، أو حسناء.
    وعبقريات: جمع عبقرية، وهي تنسب إلى كلّ شيء تعجبوا من حذقه، أو جودة صنعه(47) ، ما أودّ قوله هو أن هذه الصفات وثيقة الصلة بالجمال، ومَجِيْئها مجموعة يوحي بأن الجمال أكبر.
    2 ـ استخدامه للاسم والفعل:
    إنّ غنى الحصيلة اللغوية لدى شاعرنا تجعله يصطفي من محفوظاته ما يلبي حاجته التعبيرية، وتوافق مع المقام، هاهو يتخير اسماً ليصف مكاناً أثيراً، فيقول:
    ولي في بابِ نهركِ مُسْترادٌ(4
    فالاسم (مستراد) تم اختياره بعناية واضحة ليدل على المكان الذي يطلب لنفاسته(49) ، وليدلَّ على أن هذه الصفة ثابتة فيه متجذرة، فكذلك هي الحال عند التعبير بالاسم.
    كذلك فإنّ غنى حصيلته اللغوية تجعله يتخير الفعل الموحي المعبر، كما في قوله:
    وفي واديك تصطفق الأماني(50)
    فقد جاء الفعل (تصطفق) ليدل على أن الأمانيَّ صارخة حيّة كثيرة موارة بالحركة، كل هذا دلّ عليه الفعل ببنيته المزيدة، وإيقاع أصواته الصاخب، ولا سيما الصاد والطاء فهما صوتان مستعليان مفخمان، وجاء الفعل بصيغة المضارع ليدلَّ على تجدد الحدث.
    3 ـ استخدامه الصيغ الصرفية المناسبة:
    إذا كانت اللغة العربية من اللغات الغنية بصيغها الصرفية، فإنّ هذا الغنى يؤثر إيجابياً في غنى الدلالات وتنوعها، ولا ريب في أن الأديب الذي يدرك هذا الغنى، ويسعى إلى امتلاكه، والإفادة منه هو أقدر على التعبير ممن أعرض عنه، ومَنْ يطلع على نتاج شاعرنا يجد أنّ له القدح المعلى في هذا المضمار، هاهو يريد أن يعلن انتماءه للمدينة، وأنه من مريديها يهوى ما تهوى، ويرغب عما ترغب عنه، فنهجها في الحسن أخذاً وتركاً هو نهجه، فيقول:
    وإني وَفق مَذْهَبِها أخيذٌ
    وإني وَفْقَ مذهبها تَرُوكُ(51)

    فهذا البيت يدلّ على أن الشاعر يدري ما القيمةُ التعبيرية في (أخيذ) و(تروك)، فعلم الصرف يذكر أن هاتين الصيغتين تدلان على الكثرة والمبالغة في الحدث، وذلك بتحويل صيغة الفاعل، فـ (أخيذ) من (آخِذ) و(تروك)، (تارِك)، وعلى هذا فإن الشاعر اختار الصيغة الصرفية التي تحمل (شحنة) تلبي حاجته التعبيرية في الكشف عن عميق انتمائه إلى مذاهب المدينة في الحسن والجمال.
    4 ـ الإفادة من القيمة الصوتية:
    إن القيمة الصوتية لها إسهامها الطيب في نقل الإحساس بالشيء إلى المتلقي، وشاعرنا يفيد من القيمة الصوتية في نقل ما يريد، من ذلك مثلاً أنه يستخدم مفردة غير تقليدية في وصف صوت النواعير، يقول:
    وللنواعير صوتٌ
    مُعرْبِدٌ في الجهاتِ
    مخلّدٌ سرمديٌّ
    إلى مماتِ المماتِ(52)

    فكلمة "معربد" توحي بشدة الصوت، وتمكنه وانتشاره، وصوتُ الناعورة أقرب ما يكون إلى هذه الحال عند اشتداد تدفق النهر، فيثقُلُ حملُها، وتزداد مغالبتُها للماء، وما من شك في أن حروف كلمة "معربد" فيها محاكاة ليست قليلة لصوت الناعورة، ولاسيما أن حروفَ الكلمة كلَّها جاءت مجهورة.
    5 ـ إكساب المفردة قيمة تعبيرية منزاحة:
    قد نجد الشاعر يستخدم المفردة في سياق يكسبها قيمة تعبيرية منزاحة، ويفيد من ذلك في إظهار جمال المكان، ففي قصيدة "وجهُك المستبد" المهداة إلى حماةَ نجد أن الشاعر يستخدم "المستبدَّ" في صفة الوجه، وأكثر ما ترد هذه المفردة في سياقها سلبية انطلاقاً من مدلولها المعجمي، يُقال: استبدَّ بالأمرَ إذا انفرد به دون غيره. غير أن الشاعر يفرّغ هذه المفردة من مدلولها السلبي، ويطلقها في سياق يكسبها انزياحاً واضحاً، فوجه حماةَ مستبدٌّ جمالاً، بدليل أنه يستدعي صوراً جميلة في مخيلة الشاعر، كما في قوله:
    يذكرني وجهُكِ المستبدُّ هزيعاً من الليل
    سمحاً أنيقاً(53)
    ويستدعي صورة القمر الذي يوصف به الوجه الجميل عادة:
    يذكرني وجهُكِ المستبدُّ القَمَرْ(54)
    ويستدعي العزيز من عناصر الزينة:
    ومن أجل عينيكَ يا وجهها المستبدَّ
    سأعبرُ نهرَ المجرهْ
    وأقطف نجماً جميلا(55)
    6 ـ الإفادة من علم البديع:
    ويفيد شاعرنا من إتقانه لعلم البديع في إظهار جمال المكان، فهو مولع بما يسمى بالمزاوجة، أو تجنيس التصريف، كما في قوله:
    وعندَ الجسر كم مَغْنى ومَجْنى
    يُهَدْهِدُني مشجرُةُ الشبيكُ(56)

    فَجَمْعُهُ بين (مَغْنَى ومَجْنى) هو من المزاوجة.
    ومن استخدامه لتجنيس التماثل قوله في وصف الناعورة:
    ولِمَ الأنينُ.. وأنتِ في وادي حَمَا
    محفوفةٌ بالرَّوْح والريحان(57)

    فجمعه بين "الروح والريحان" هو من تجنيس التماثل.
    وإني لأعتقد أن تتبع ما جاء من علم البديع في شعر شاعرنا يحتاج إلى بحث مستقل، لكنّ أقلَّ ما يقال: إنّ الإفادة من الزخرفات اللغوية كالطباق والجناس والتقابل كانت إفادة غنى واقتدار نتج عنها قصائد "متعمقة في معماريتها الفنية الأخاذة"(5.
    جماليات الناعورة:
    ما أعتقد أنّ دارساً لجمال المكان في شعر محمد عدنان قيطاز يمكن أن يتجاهل الحديث عن النواعير لأنها عنده ليست عنصراً يهب المكان جمالاً فحسب، بل إنها عنده أكثر من ذلك بكثير.
    صحيح أن القارئ لشعره يجد قواسم مشتركة بين الناعورة بوصفها واقعاً منظوراً، وبينها بوصفها مقروءاً متخيلاً، لكن الصحيح أيضاً أنّ الشاعر في وصفه لناعورته نجده قد أضفى عليها من ذاته المبدعة ما يجعلها تسكن شغاف قلبه، أو تخالط وميض أحداقه، وتتحد بالعميق من أحلامه، وتعزف على أوتار أفراحه وأحزانه، وتنطق بالمستور من رغائبه، وتشدو وإياه لحناً خالداً.
    نواعير الشاعر تطير في عبير الكلمة، وتحيا في صهوات الأزمنة، وتنتقل في فضاءات الأمكنة، ويعتريها ما يعتري النفس الإنسانية فقد نراها ضاحكة باكية، فرحة حزينة، غريبة مستوحشة، متماسكة مشتتة، معطرة مُسْكِرة، حانية هانية، خاشعة خاضعة، ساهرة مسامرة، نادبة مستبشرة، منشدةً مطربة..
    إنه الشعر يخلق من حلم المنام حلم يقظة، والشاعر حالم بالكلمات، ونحن نحتاج إلى كثير من الأحلام، وحين يعيد الحالم بناء العالم من شيء ويحوله إلى شيء سحريِّ عبر عنايته به، فإننا نقتنع بأنّ كل شيء في حياة الشاعر مادة للخلق(59).
    وأول ما يمكن الحديث عنه هو أن الناعورة تنتمي إلى الدائرة، وهذا الشكل متجذر في الوجود، وفي كلام أهل الفلسفة ما يدل على هذا التجذر؛ يقول كارل ياسبرز: "كل وجود يبدو في ذاته مدوراً"(60) ، وقيل لجوبو سكوي: "إنّ الحياة جميلة، فقال: لا، الحياة مدورة"(61).
    ويبدو أن الشكل الدائري له تأثير معين في الإنسان، ذلك أن "صورة الاستدارة الكاملة تساعدنا على التماس، وتسمح لنا أن نضفي مزاجاًُ مبدئياً على ذواتنا، وأن نؤكد وجودنا بحميمية في الداخل، لأن الوجود حين تعاش تجربته من الداخل ويصبح خالياً من الملامح الخارجية يكون مدوراً"(62).
    والحق أن صورة الناعورة بوصفها دائرة لم تغب عن ذهن الشاعر، فهو يُعنى بدائريتها ودورانها في بضعة مواضع من شعره، من ذلك قوله في قصيدة: "مناجاة" وهي من وحي ناعورة العاصي بنت الدهور، ومطربة العصور على حَدّ تعبير الشاعر:
    لي دورةٌ عندكَ يا دائرهْ
    ما أشبه الشاعرَ بالشاعرهْ(63)

    ويقول في موضع آخر:
    كم ذا تدور وتلغو
    مشبوبةَ الزفراتِ(64)

    وهو حين يبحث عن هدية يقدمها لوجه مدينته المستبد جمالاً، نجده يتحدث عن ناعورة ذاتِ أبعادٍ كونية عجيبة، يقول:
    ومِنْ أجلِ عينيكَ يا وجهَها المستبدَّ
    أنصبُ ناعورةً في فضاء الزمانْ
    أدور.. تدورْ
    ويشدد كلانا نشيدَ العصور(65)
    فهذا يدل على أن الناعورة الدائرة حاضرة في ذهن الشاعر، لكن دائريتها ودورانها ليسا منفصلين عن ذات الشاعر، بل إنه يذكر أنّ دورانه قبل دورانها، وإذا علمنا هذا أدركنا أن الناعورة في نتاج شاعرنا ليست شكلاً خارجياً، بل هي شكل داخلي بثت فيه النفس المبدعة الشاعرة ما يجعله حياً، ولمّا كان الأمر كذلك، فلا بد من أن تكون مولدات الاستدارة في النفس أشدَّ، ولا غرابة عندها أن يكون التماسك على أشدّه وتكون المبدئيةُ بينةً، وتكون الحميمية ظاهرة، وهذه خصال يعرفها في الشاعر أهله وأصحابه وأصدقاؤه.
    وعندما تعيش الناعورة في داخله، وتصبح جزءاً منه، فلا نستغرب حين نَرَاهُ يأمرها فتطيع، هاهو يدعوها كي تستقبل ضيفاً عزيزاً جاء حماة زائراً فيقول:
    وانشري عطرَك في مقدمه
    يا نو اعيرُ وغني واسحري
    واسكبي شدوَكِ لحناً خالداً
    إنه يُسْكِرُ مَنْ لم يَسْكِر(66)

    إنّ ما في نفس الشاعر من استعداد لاستقبال الضيف الزائر، ومن سعي لإكرامه غاية الإكرام، ومن حرص على إظهار الجمال في عطر مسفوح، وصوت طروب، وسحر آخاذ، وشدو خالد، وسكر حلال.. كل ذلك فاضت به نفس الشاعر، فملأ منه خزانات ناعورته التي يدعوها ويدرك أنها تستجيب، كيف لا تستجيب والشاعر في غير موضع يخبرنا عن توحد صوفي بينه وبينها، يقول:
    كأنما قلبُك قلبي.. أنا
    ومقلتي مقلتُك الساهرهْ(67)

    ويقول أيضاً:
    إني قبستُ غنائي
    منها ورَجْعَ شكاتي
    فقلبها هو قلبي
    وماؤها عَبَراتي
    مستوحشان كلانا
    في غربة وشتات(6

    ويبدو أن الأيام كانت تنمي هذا التوحد بدليل أنه لم يستعمل (كأنَّ) في الموضع الثاني، عندما قرر أن قلبها هو قلبه، وأن الغناء واحد، والعبرات واحدة، والمشاعر كذلك.
    والشاعر في حديثه عن الناعورة يُعنى بصوتها، والأصوات تمنح لوناً للفراغ(69) ، كقوله:
    تتملى الأسماعُ نغمتَها البكرَ
    ولا تشتكي ملالاً ووقرا(70)

    وفي مواضع كثرة من شعره يرى في صوتها غناءً خالداً، وشدواً آسراً، ويرى فيه ـ وهذا هو المهم ـ غناءه وشدوه، ومنها قوله:
    شعري صداها سلافٌ
    مسكيةُ النفحات
    تلألأ النورُ فيه
    وسال من مشكاتي
    باقٍ على الدهر زاهٍ
    على شفاه الرواة(71)

    إنها الناعورة الداخلية التي ذاق الشاعر لذة طعمها، وانتشى بضوع عبيرها، وأبصر لألاءَ نورها، وسمع رجع قوافيها..
    صحيح أن الشاعر في أيام شبابه كان يشعر بأن الناعورة تخفي أسراراً كثيرة ما استطاع أن يفكَّ طلاسمها، وفي إشارة إلى ذلك يقول:
    في حنايا ضلوعها ألفُ سرٍّ
    غير أني ما اسطعت أكشف سرا(72)

    لكن الصحيح أيضاً انه في قصائدَ تاليةٍ يذكر أنه يعرف ناعورته حقَّ المعرفة، ومعرفته لا تقتصر على الظاهر منها، بل وعلى ما خفي من تكوينها وأسرارها، وأكثر ما بدا ذلك في قصيدته: "بنت الزمان"، والقصيدة مقطعان حواريان، في الأول منهما، وهو على لسان الشاعر يُطلق أسئلة تشير إلى كونيتها فهي بنت الزمان، وإلى تماسكها فهي آية.. ومنه قوله:
    بنتَ الزمان.. وأنتِ آية صنعه
    من ذا الذي أغراكِ بالدوران؟
    .. ولِمَ الأنينُ.. وأنت في وادي حما
    محفوفةٌ بالروح والريحان؟
    .. فعلامَ تذرين الدموع.. وأنتِ مِنْ
    ريبِ الزمان وصرفه بأمان؟(73)

    وفي المقطع الثاني، وهو على لسان الناعورة، تجيب عما أُثير من أسئلة..
    فأما الدموع فهي ليست دموع حزن، بل إنها دموع خير تخالط الأرض والنبات فيكون الجمال، وتكون النعمى:
    وأنا التي تسقي الربوعَ دموعُها
    فأعيدُها مسحورةَ الألوان
    حَفِلت بأنواع الثمار جنانكم
    من كل فاكهةٍ بها زوجان(74)

    وأما الأنين، فهو ليس كأنين البشر، إنه غناء يولد الهدوء والطمأنينة في روع الأطفال، فقد ألفوا صوتها، واعتادوا أن يناموا على إيقاعه:
    غنيتُ في الليلِ الطويلِ فنام مِنْ
    طَرَبٍ وليدكمو على ألحاني(75)

    وفوق هذا فهي أم رؤوم:
    أنا أمكم أوليكمو من نعمتي
    وأُعلُّ ظامئكم بحلو لباني(76)

    وهي أيضاً عين ساهرة، وحارس يقظ يهب الأمان:
    وسهرتُ أرعاكم، وأحرس ظلكم
    وأردّ عنكم طارقَ الحدثان(77)

    أية ناعورة هذه التي اجتمع إليها ما اجتمع، فكانت أذناً مصغية، ولساناً فصيحاً، وعيناً ساهرة، وحارساً يقظاً، تبعث الحياة، وتهب الألوان سحرها، والثمار ينعها.. إنها في نتاج الشاعر تفرض وجودها وكأنها شخص إنساني، ومعلوم أن إضفاء صفات إنسانية على الناعورة يحدث على الفور حين تكون الناعورة مكاناً يستقطب الألفة ويكثفها ويدافع عنها، ولعل هذا ما دعا الشاعر إلى قوله:
    مَنْ قال إنَّ الصادحات جوامدٌ
    لم تختلج قلباً ولم تنطق فما

    مِن عهد آدمَ لم تزلْ أنغامها
    تشجي خلياً أو تسامر مغرما(7

    وأكثر ما تتبدى الناعورة في نتاج الشاعر أنثى، وفي قصيدة (بنت الزمان) نجد أنوثة صارخة، دليل ذلك أن الشاعر أكثر من مخاطبة الناعورة بالضمائر الدالة على المؤنث في نحو: "أنت آية صنعه" و(أغراكِ) و(حولكِ) و(تذرين الدموع)، ومن المواضع التي أضفى الشاعر على الناعورة أنوثة الجمال قوله:
    "ونسامر الناعورة المكسالا"(79).
    (فالمكسال) صفة لصيقة بالمترفات من النساء، جاء في لسان العرب: "والمكسالُ والكسول التي لا تكاد تبرح مجلسها، وهو مدح لها مثل نؤوم الضحى"(80).
    وثمة صفات للناعورة في نتاج شاعرنا تنماز فيها من البشر، فهي تملك قوى خارقة، وفي إشارة إلى ذلك يقال:
    لستُ أدري أتلكَ جنيةُ الليل
    استحالت خنساءَ تندب صخرا(81)

    وهي مُعَلِّمةٌ من نوع خاص:
    سَلْ "دهشة" الوادي وسلْ أخواتها
    مَنْ علَّم الأطيارَ أن تترنما(82)

    وهي لا تعرف للنوم طعماً:
    لو تستطيع سباتاً
    لأغرقت في السبات(83)

    ولأنها كذلك فإنها تؤدي مهمتين، الأولى أن عملها يستغرق الوقت كله نهاره وليله. والثانية أن الناعورة عنوان على يقظة المكان بل هي حارسة يقظة، وحركتها الدائمة دليل يقظتها، وتكتسب اليقظة أهمية خاصة ليلاً، وهو وقت ترقد فيه الأجسام، وتغفو فيه العيون وتندر فيه حركة الناس، وتزداد فيه الوحشة. وقد أشار الشاعر إلى المقلة الساهرة، وهو يشاركها في ذلك، عندما قال:
    كأنما قلبُك قلبي.. أنا
    ومقلتي مقلتُكِ الساهرهْ(84)

    وعندما قال على لسان الناعورة:
    وسَهِرْتُ أرعاكم وأحرس ظلكم
    وأردُّ عنكم طارقَ الحدثانِ(85)

    هنا يبرز دور جديد للناعورة الأنثى، وهي أن تكون حارسة مدافعة، وعهدنا أن توكل هذه المهمة إلى الذكر.
    هذه الناعورة اليقظة الساهرة، الشادية، النادبة، الواهبة، بنتُ العصور.. قد تبدو على هيئة مَنْ عُمِّرَ ونُكِّسَ في الخلق أحياناً، فهي:
    تبكي وتضحك والعيون شواخصٌ
    ويدُ الزمانِ تقدُّمها الأعظما(86)

    خاتمة:
    كانت تلك دراسة في نتاج الشاعر محمد عدنان قيطاز، وقد عُنيتُ بالحديث عن صعوبة تجلية جمال المكان، وعن تعريف الجمال لغةً واصطلاحاً، وبوسائل الشاعر في إظهار جمال المكان على صعيدي الشكل والمضمون، ووقفت وقفة مطولة عند أبرز عناصر المكان، وهي النواعير وأبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة هي:
    1 ـ إنّ الشاعر يألف الأمكنة التي يحيا بها، أو التي يزورها، ويرتبط معها بكل وشائج القربى.
    2 ـ لمدينة حماة بوصفها مكاناً حضور طيب في نتاج شاعرنا، فقد تحسس جمالات المكان، وتذوقها، ومن ثمَّ صاغ ذلك إبداعاً أصيلاً مترافاً.
    3 ـ كانت وسائل الشاعر إلى إظهار جمال المكان كثيرةً، غنيةً، متنوعةً، وقد انعكس ذلك إيجابياً على معمارية القصيدة، وفنيتها، ومعانيها، ولغتها.
    4 ـ قدّم الشاعر العناصر المكانية مصاغةً بخياله وأحلام يقظته، وتعاونت في ذلك وظيفتا الواقع، واللاواقع، فكان الحديث عن ثروة الوجود المتخيل.
    5- عُني- الشاعر- بإظهار- الجمال الظاهراتي للمكان، كما عُني بالجمال الكامن المتجذر في عناصر المكان، من مثل الإلفة، والهناءة، والراحة، واليقظة، والمأوى... فكان شعره بحق إثراءً لخصوبة الحياة.
    ***
    مصادر البحث ومراجعه:
    1 ـ القرآن الكريم.
    2 ـ أسفار ابن أيوب، شعر، محمد عدنان قيطاز، منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1998م.
    3 ـ جماليات المكان، غاستون بلاشور، ترجمة غالب هلسا، بيروت 1984م.
    4 ـ في ملكوت الحبّ، شعر، محمد عدنان قيطاز، منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق 1984م.
    5 ـ لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت (دون تاريخ).
    6 ـ اللهب الأخضر، شعر، محمد عدنان قيطاز ـ حماة 1978م.
    7 ـ المعجم الكبير، مجمع اللغة العربية بالقاهرة ـ القاهرة 1980 وما بعدها.
    8 ـ مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق: 2002م.
    9 ـ وجهك المستبد، شعر، محمد عدنان قيطاز، منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1999م.
    **
    الهوامش
    (1) اللهب الأخضر 19.
    (2) اللهب الأخضر 103.
    (3) جماليات المكان 21.
    (4) جماليات المكان 21.
    (5) جماليات المكان 182.
    (6) مقاييس اللغة (1/481) (جمل).
    (7) اللسان (جمل).
    ( المعجم الكبير (4/540) (جمل).
    (9) المعجم الكبير (4/541) (جمل).
    (10) سورة النحل: 6.
    (11) اللسان (جمل).
    (12) انظر: المعجم الكبير 4/540 (جمل).
    (13) جماليات المكان: 14.
    (14) جماليات المكان 98.
    (15) وجهك المستبد 101.
    (16) وجهك المستبد: 100.
    (17) أسفار ابن أيوب: 19.
    (1 أسفار ابن أيوب: 11.
    (19) وجهك المستبد: 6.
    (20) وجهك المستبد: 6.
    (21) أسفار ابن أيوب: 43.
    (22) في ملكوت الحب (55 ـ 56).
    (23) جماليات المكان: 7.
    (24) جماليات المكان الأليف: 7.
    (25) أسفار ابن أيوب (53 ـ 54).
    (26) وجهك المستبد: 6.
    (27) انظر: جماليات المكان: (5.
    (2 اللسان: (زهر).
    (29) وجهك المستبد: 102.
    (30) وجهك المستبد: 102.
    (31) جماليات المكان: 39.
    (32) وجهك المستبد: 59.
    (33) أسفار أيوب: 40.
    (34) اللهب الأخضر: 17.
    (35) وجهك المستبد: 60.
    (36) وجهك المستبد: 60.
    (37) وجهك المستبد: 59.
    (3 أسفار ابن أيوب: 18.
    (39) أسفار ابن أيوب: 82.
    (40) أسفار ابن أيوب: 76.
    (41) أسفار ابن أيوب: 18.
    (42) أسفار ابن أيوب: 18.
    (43) اللهب الأخضر: 65.
    (44) انظر: صفحة الغلاف الأخيرة من ديوان (وجهك المستبد).
    (45) وجهك المستبد: 57.
    (46) اللسان (عبقري).
    (47) وجهك المستبد: 56.
    (4 اللسن (رود).
    (49) وجهك المستبد: 55.
    (50) وجهك المستبد: 57.
    (51) وجهك المستبد: 7.
    (52) وجهك المستبد: 47.
    (53) وجهك المستبد: 47.
    (54) وجهك المستبد: 49.
    (55) وجهك المستبد: 56.
    (56) وجهك المستبد: 59.
    (57) وجهك المستبد (صفحة الغلاف الأخير).
    (5 جماليات المكان 84.
    (59) جماليات المكان: 84.
    (60) جماليات المكان: 207.
    (61) جماليات المكان: 207.
    (62) جماليات المكان: 209.
    (63) جماليات المكان: 209.
    (64) وجهك المستبد: 7.
    (65) وجهك المستبد: 49.
    (66) وجهك المستبد: 98.
    (67) اللهب الأخضر: 129.
    (6 وجهك المستبد: 7.
    (69) جماليات المكان 65.
    (70) اللهب الأخضر: 105.
    (71) وجهك المستبد: 7.
    (72) اللهب الأخضر: 105.
    (73) وجهك المستبد: 59.
    (74) وجهك المستبد: 60.
    (75) وجهك المستبد: 60.
    (76) وجهك المستبد.
    (77) وجهك المستبد: 60.
    (7 اللهب الأخضر (18 ـ 19).
    (79) في ملكوت الحب: 56.
    (80) اللسان (كسل).
    (81) اللهب الأخضر: 105.
    (82) اللهب الأخضر: 18.
    (83) وجهك المستبد: 7.
    (84) اللهب الأخضر: 128.
    (85) وجهك المستبد: 60.
    (86) اللهب الأخضر: 18.

    http://www.awu-dam.org/mokifadaby/409/mokf409-006.htm[/B]
                  

العنوان الكاتب Date
شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-08-06, 00:34 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب حاتم الياس07-08-06, 03:09 AM
    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-08-06, 04:15 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب Emad Abdulla07-08-06, 05:10 PM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-08-06, 06:20 PM
  Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-09-06, 02:45 AM
    Re: شبه جزيرة الغياب newbie07-09-06, 02:51 AM
      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 05:17 PM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 06:43 PM
          Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 09:05 PM
            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 09:23 PM
              Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 09:50 PM
                Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-09-06, 10:42 PM
                  Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-11-06, 04:34 AM
                    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-11-06, 01:34 PM
                      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-11-06, 10:57 PM
                        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-14-06, 01:13 AM
                          Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-15-06, 01:26 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب Adil Osman07-14-06, 03:21 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-14-06, 01:01 PM
  Re: شبه جزيرة الغياب خضر الطيب07-14-06, 01:15 PM
    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-14-06, 03:58 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-14-06, 11:33 PM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-15-06, 01:39 AM
          Re: شبه جزيرة الغياب AnwarKing07-15-06, 01:46 AM
            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-15-06, 02:47 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب عبدالله الشقليني07-15-06, 10:03 AM
    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-15-06, 01:00 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 01:40 AM
  Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-16-06, 04:28 AM
    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 06:33 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 07:53 PM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 09:49 PM
          Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 10:23 PM
            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-16-06, 10:47 PM
      Re: شبه جزيرة الغياب أبوذر بابكر07-17-06, 00:08 AM
        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 00:16 AM
          Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:16 PM
            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:35 PM
              Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:41 PM
                Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:47 PM
                  Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 01:58 PM
                    Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 04:14 PM
                      Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-17-06, 04:26 PM
                        Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-18-06, 01:22 AM
                          Re: شبه جزيرة الغياب Amin Mahmoud Zorba07-18-06, 11:00 AM
                            Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-18-06, 11:02 PM
                              Re: شبه جزيرة الغياب osama elkhawad07-20-06, 01:52 AM
                                جماليات المكان "السنّاري" من خلال مفهوم العودة عند محمد عبدالحي osama elkhawad07-20-06, 10:58 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de