نجح حسين ملاسي في جعلهم يدورون في فلكه

Quote: ظاهرة مصطفى البطل والأغلبية الصامتة .. بقلم: محي الدين عبدالله زيادة الجمعة, 10 أيار/مايو 2013 06:14 لن يكون هناك بالقطع اجماع على موقع الكاتب الصحفي مصطفى عبد العزيز البطل في الساحة السودانية اليوم، ولكن المؤكد ألا خلاف حول كونه الكاتب الاكثر اثاره للجدل، مهما كانت اتجاهات هذا الجدل. وكثير من الخلاف الذي يدور حول هذه الشخصية منزعه الاول والاخير في رأيي هو أن اطراف كثيرة في المعارضة لا ترضى عنه، بل وتشعر بالحنق تجاهه، لأنها كانت تأمل في ان يلتزم مواقفها فيسخّر نفوذه الصحافي وقدراته في التأثير على الرأى العام الى جانبها ولمصلحتها. كما انه لا الحكومة ولا حزبها وانصارها راضيان عنه ايضا لأنه يوجه اليها سهامه الفاتكة من حين الى حين. وقد قيل عن الكاتب مصطفى البطل من قبل انه ينتمي الى مدرسة معارضة المعارضة التي أسسها في بداية التسعينات الدكتور عبدالله على ابراهيم. وان كانت كل المؤشرات تدل على أن الدكتور عبدالله هو الذي ينتمي الآن الى مدرسة مصطفى البطل باعتبار الأخير الحوار الذي بز شيخه ثم فاقه في اللمعان والتأثير والنفوذ الصحافي والسياسي. في اعتقادي ان المواقف الأساسية الاصلية التي عبرت عنها مقالات البطل في صحيفة الاحداث في مرحلتها الاولي وهي مواقف صلبة في معارضتها لنظام الانقاذ ومؤازرة المعارضة هي المواقف التي تعبر عن اللون السياسي الحقيقي لهذا الكاتب. اما التحول الذي أصاب قلمه وشوش على اتجاهاته في التعبير فلا أشك في انه نتيجة مباشرة للعدوان الانفعالي الذي وقع عليه من الفئات التي ابتدع لها هو نفسه مصطلح (مناضلي الكيبورد). ويمكن رصد هذا التحول تاريخيا عند مرحلة القرار الذي اتخذه بقبول دعوة الحكومة له لحضور احدي المؤتمرات التي عقدتها قبل سنوات قليلة في الخرطوم. وكان من رأى البطل ان الحوار مبدأ مقبول خاصة وانه يتم في زمن جلس فيه جون قرنق شخصيا داخل القصر الجمهوري نائبا لرئيس الجمهورية وشغل فيه اقطاب المعارضة بما فيها الحزب الشيوعي مناصب وزارية وبرلمانية في الحكومة القائمة. وقد كانت ردة فعل الكاتب على الحملة المنظمة ضده من مواقع المعارضة في الخارج على درجة من الصرامة والقسوة (ولم يكن ذلك مستغربا من كاتب معروف بأنه يتعامل أحيانا بعصبية شديدة مع النقد الموجه اليه)، ثم التواتر والاستمرارية بحيث لونت مواقفه العامة وغلبت عليها. واعتقد ان هذه واحدة من مسالب المعارضة وكوادرها في الخارج، الا وهو الاعتراك وافتعال الصراعات على نحو يؤدي الى حرف وتجريف قدراتها واستعداء عناصرها على بعضهم البعض. وحالة الكاتب البطل في نظري مثال واضح على صدق هذه النظرية، فقد حملت المعارضة الخارجية أصبعها و(طبزت) عينها عندما اجتهدت ونجحت في تحويل كاتب في تميز البطل وقدرته ونفوذه وتأثيره من موقع المعارضة الى منطقة الحياد بين النظام والمعارضة. شاركت مؤخرا في حلقة مصغرة جمعت بعض الاخوة في بريطانيا ناقشت بعض النتائج التي شغلت الساحة بشأن المواقف التي أسفر عنها البطل خلال الفترة الاخيرة تجاه الصراع داخل السودان والبدائل السياسية والعسكرية لحسم النزاع بين الحكومة وجبهات المعارضة المسلحة بالاضافة الى قضايا اخري مثل موقفه من حملة مقاطعة صحيفة الانتباهة. كما تلمست ردود فعل عدد من الاخوة المهتمين داخل السودان إبان وجودي هناك في اجازتي السنوية قبل وقت قصير على بعض هذه القضايا. ومن جملة ما وصل الىّ مما سمعت اعتقد ان محور الجدل تركز في الاونة الاخيرة بالذات حول القذيفة النارية التي اطلقها البطل في تعقيبه علي مقال للدكتور الواثق كمير (الكرة في ملعب الرئيس). حيث تطرق الى التهديدات التي يطلقها بعض انصار المعارضة المسلحة، وقال ان السودان العربي الاسلامي النيلي لن يقبل بفكرة الزحف المسلح من الاطراف تجاه الوسط كما حدث في بعض الدول الافريقية المجاورة. وأن على الذين تراودهم مثل هذه الاحلام ان يعيدوا تقييم مواقفهم. وهو التصريح الذي خلق حساسيات معينة لدي البعض الذين أخذت تراودهم الشكوك في منطلقات ودوافع وطريقة تفكير الكاتب. وقد زاد الأمر التباسا ان البطل أتبع ذلك الموقف بمقالات مشددة وجهها لحملة نظمتها بعض اطراف المعارضة لمقاطعة صحيفة الانتباهة مؤخرا، الامر الذي أثار حفيظة وحنق اطراف كثيرة في المعارضة. خاصة وان الكثيرين قرأوا ما بين السطور في مقالات البطل الاخيرة اكثر مما قرأوا السطور نفسها، وتحديدا حول اسباب نجاح صحيفة الانتباهة التي حام حولها البطل ولكنه لم يلج. انطباعي الاساسي من محاولتي المتابعة ومعرفة اتجاهات الرأى ولو بصورة عشوائية أنه برغم كل ما يطفو من ضيق واحتجاج وتبرم من الافكار التي ينثرها البطل في مقالاته، فإن الحقيقة ربما كانت غير ما نظنه وغير ما يظهر علي السطح. وهنا مكمن الخطر في نظري. الحقيقة ان الذين يخالفون البطل وتزعجهم كتاباته يسرعون دائما الى التعبير عن آرائهم احيانا بهدؤ، واحيانا اخري بصوره عنيفة . ولكن الذين يؤيدونه ويقولون انهم لا يجدون اى صعوبة في تفهم وجهات نظره واميل للاعتقاد انهم يشكلون الاغلبية، لا يحسون ان هناك ما يدعوهم للتعبير عن هذا الموقف. وتلك ظاهرة بقدر ما هي معقدة فانها طبيعية. فالذي يقرأ مادة صحفية مكتوبة ويقرها او يوافقها لا يجد داعياً لأن يخرج من مساره العادي ليعلن انه يؤيدها او انها تتوافق مع قناعاته لان تفهم آراء كاتب معين والاقتناع بطرحه او معالجته لقضية ما قد يكون شيئا طبيعيا في غالب الامر. بينما الذين تصدمهم تلك الآراء والمواقف يجدون في انفسهم حوافز كثيرة للتقدم والتعبير عن مشاعرهم الرافضة. المشكلة الحقيقية التي تحيط بهذه المسألة هي ان الصراع الذي يدب تحت السطح بين اغلبية صامته واقلية نشطه يتخلق ويتزايد حول نقاط غير واضحة تماما. فالكاتب الذي يثير هذه الزوابع نفسه يشكو في كتابات لاحقة من أن الناس ينتزعون كتاباته من سياقاتها، ويختصمون حولها، ويوجهون اليه الاتهامات بشأنها مع انه في الواقع لا يعني ما فهمه البعض او انتزعوه من بين السطور. قد يكون البطل مترددا يقدم رجلا ويؤخر اخري، وقد تكون افكاره غير واضحه بما يكفي. ولكن الجدل الذي يحتدم حول نتف قليلة مما يكتب تدل على شيئين في نظري. اولاً قوة تأثير البطل كقلم صحفي نافذ، وهو ما اكدناه سابقا. ثانيا وهو الاهم ان القضايا المثارة برغم الشح وعدم الوضوح في التعبير عنها قضايا شديدة الحساسية تهم قطاعات واسعة وينفعل بها الناس، والمؤسف ان الغالبية من هؤلاء يفضلون مناقشتها همساً وفي اطر مغلقة، وهذه ظاهرة اقل ما يمكن ان توصف بها انها مقلقة وغير صحية. واذا كان العامل الرئيس وراء كون صحيفة الانتباهة مثلاً هي الاولي في السودان كما يقال هو ان جزءا كبيرا من الشعب تستهويه فعلا الافكار التي تطرحها هذه الصحيفة. واذا كان قطاع كبير من شعبنا تراوده مخاوف من الزحف السلمي والعسكري المسلح من جهات هددت من قبل بالزحف المسلح خاصة وان هناك شواهد في بلاد اخري، وكان هذا يقلق الناس. فالمسئولية على الجميع ان يفتحوا الابواب والنوافذ ويخرجوا من الغرف المغلقة الى الهواء الطلق ويناقشوا هذه الاجندة بشجاعه ومسئولية والتزام ودون خوف.