س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من الدخول

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 12:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة سودانيز أون لاين دوت كم
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-04-2006, 00:38 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18728

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ►██ الغلاف (Re: بكرى ابوبكر)

    المَشْهَدُ الرَّابع: الرَقْصُ مع الذِئاب

    بعد نجاح الانقلاب، كان ”سجن كوبر“ الشهير يعجُّ بسياسيين ونقابيين وعسكريين.. بعضهم انتقل بين عشية وضحاها من نعيم السلطة إلى جحيم الاعتقال, وآخرون ليست لهم ناقةٌ ولا جَمَل في أي موقعٍ من مواقع النظام الديمقراطي الموءود.. وكما ذكرنا، فقد وفَّر الترابي لنفسه مكاناً بين المُعتقلين، تنفيذاً لسيناريو الخطة.. كان من ضمن المُعتقلين أيضاً السيد محمد عثمان الميرغني, والذي دخل السجن لأول مرة في حياته.

    ثلاثة فقط من رواد السلطة المُغتصبة لم يكونوا بين المُعتقلين.. أولهم، السيد أحمد الميرغني، رئيس مجلس السيادة ”رأس الدولة“, الذي كان قد طبَّق ميزة العطلة الخاصة لشاغلي المناصب الدستورية, وغادر البلاد قبل الانقلاب للاستجمام من رهق العمل، في إحدى الجزر اليونانية ”رودس“, وبعد أن عَلِم بالحَدَث، عرج على قصره المنيف في الإسكندرية، ولاذ بصمتٍ لم يُلفِت انتباه المُراقبين, لأن ذلك كان دأبه طيلة الثلاث سنواتٍ ونصف السنة، التي صمد فيها النظام الديمقراطي.. وثانيهم، السيد الشريف زين العابدين الهندي، وزير الخارجية ونائب رئيس مجلس الوزراء, الذي كان أيضاً في زيارة خاصة لمصر, وهى عادة ظلَّ يُمارسها كلَّما عَجِزَ عن مُباشرة مسئولياته.. وثالثهم، كان السيد مُبارَك الفاضل وزير الداخلية, الذي اختفى، وهرب لاحقاً، حسب الوقائع التي ذكرناها من قبل.

    كنا قد عمدنا إلى توثيق ما جرى في ليلة ”العشاء الأخير“, إلى جانب وقائع أخرى هامة داخل المُعتقل, استناداً إلى بعض معايشيها، ممن عاشوا تفاصيلها بعمقٍ ودقَّة في الملاحظات.. أولهم، السيد التيجاني الطيِّب, والذي لم تكن تجربة الاعتقال في حدِّ ذاتها بجديدة عليه, فقد نال نصيبه منها من قِبَل الأنظمة الديكتاتورية الثلاثة التي حكمت السودان, وكانت السنوات التي قضاها في المُعتقلات والاختفاء القسري, إلى جانب المنفى الاختياري في القاهرة, قد غطَّت أكثر من نصف عمره السياسي!! والمُفارقة أن القاهرة، التي جاءها لاجئاً في بداية التسعينيات، كانت قد شَهدَت أوَّل اعتقالٍ له في سجن ”الهايكتسيب“ في مايو/أيار من العام 1948، وكان وقتها سكرتير اتحاد الطلبة, ومعه كلٌ من عبده دهب، عبدالرحمن الوسيلة، محمد أحمد الرشيد، تيدي جيمس لاركن، وهو جنوبي كان يعمل موظفاً مع البريطانيين في قنال السويس, وآخرين بدأوا الارتقاء في مدارج الشيوعية, تحت مُسماها المعروف بـ”الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني [حدتو]“.. واعتقالهم، الذي كان بسبب موقفهم من القضية الفلسطينية، وتزامن مع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى, تخلَّله إضرابٌ عن الطعام لأكثر من عشرين يوماً.

    بدأ التيجاني توثيقه لأحداث تلك الفترة، التي تداخل فيها الخاص بالعام، كالتالي:

    «عشية الانقلاب، مساء الخميس 29/6/1989، كنتُ ضمن المدعوِّين لحفل الزفاف الشهير ”آل الكوباني“, والذي تميَّز بمشاركة كل ألوان الطيف السياسي, بما فيهم أقطاب الجبهة الإسلامية. أذكر أن كل شيء كان لطيفاً، بما في ذلك الجو ”الطقس“، على رغم ما كان يعتمل في الصدور, أي الاحتقان السياسي من جهةٍ، وعزم المتآمرين على الانقضاض على النظام الديمقراطي من جهةٍ أخرى.. ولعل المناسبة الاجتماعية تلك قد ساهمت في إخفاء هذه التناقضات.

    غادرتُ مبكراً بعد مراسم ”العقد“, واتجهت إلى مقر صحيفة الحزب ”الميدان“, وذلك للوقوف على ترتيبات العدد الذي سيصدُر صباح اليوم التالي، الجمعة.. ثم اتجهتُ إلى منزلي، وكانت الأسرة خارجه في مناسبة اجتماعية أخرى, وأويتُ إلى سريري في حوالي الساعة العاشرة والنصف تقريباً.. وفى وقتٍ لاحق من الليل, الساعة الثانية والنصف تحديداً, سمعتُ طرقاً شديداً على الباب الخارجي، فنهضتُ منزعجاً، وكل الذي في خاطري أن صهري -الذي كان مريضاً- قد حدث له مكروه, وجاء من يبلغني ذلك الخبر, ولكن عندما فتحتُ الباب، فوجئتُ بضابط من الجيش برتبة نقيب، ومعه اثنان من الجنود, فبادرني بلهجة هادئة لم تتخللها أي حدة محتملة في مثل تلك المواقف، وقال لي : ”إن القيادة العامة للقوات المسلحة استولت على السلطة, وإن هناك قيادات سياسية تقرَّر التحفُّظ عليها لمدة يومين أو ثلاثة, وبعد أن تعود الأوضاع لطبيعتها، سيطلق سراحهم“.. فاستأذنته في تغيير ملابسي، وحملتُ ما أعتبره ضرورياً، مثل فرشاة الأسنان والمعجون وماكينة الحلاقة، وخرجت معهم، فوجدت في الخارج سيارة صغيرة طراز ”تايوتا بيك أب“, وأجلسوني بين جندي وآخر مدني، كانا ينتظران في السيارة، وصعد النقيب إلى جانب السائق.. حينها لاحظت أن العلامة العسكرية تشير إلى أنه ينتمي للسلاح الطبي, وحتى ذلك الوقت لم يدُر بخلدي أن هذا الضابط، أو الانقلاب كله، من تنفيذ الجبهة الإسلامية, بالرغم من أننا كنَّا على مدى أسبوعٍ تقريباً نكتبُ في الميدان مقالات وتحليلات تشير إلى أن الجبهة الإسلامية عمدت إلى تكتيكات انقلابية، وأنها تضمر شيئاً من ذاك القبيل.. وبالطبع كان ذلك صحيحاً، لكننا لم نتخذ أي إجراء كان يفترض عمله.. وصحيح أيضاً أننا أوصلنا الرسالة للسيد رئيس الوزراء, إضافة إلى أننا حاولنا تنبيه الناس وإشعارهم بالخطر القادم, لكننا لم نطرح شعاراً مُحدداً تجاه ما كان متوقعا -أي الانقلاب- وهذا خطأ، أو تقصير من جانبنا، نتحمَّل مسئوليته.

    الجميع صامتون داخل السيارة, وفى الخارج ليس هناك ما يلفت الانتباه، غير حفلات الزواج الكثيرة على امتداد الطريق المؤدي إلى ”وادي سيِّدنا“, وهو منظر تقليدي، فمثل تلك المناسبات الاجتماعية دائماً ما تقام في نهاية الأسبوع, وكنت قد استسلمتُ لمقولة النقيب، في أن الانقلاب من صُنع القيادة العامة, ولم أستغربها، خاصة أن المناخ السياسي كان مضطرباً بعد المذكرة الشهيرة.

    عند وصولنا إلى مدخل مدينة أمدرمان، من جهة الخرطوم العاصمة, حيث يوجد ”قصر الشباب والأطفال“, اتَّجهت السيارة يميناً، فخامرني شكٌ في تلك اللحظة بأن الانقلاب ليس من صُنع القيادة العامة، كما قال النقيب, لأن الطريق الذي سلكناه لا يؤدي إلى مقرها.. فداهمني إحساسُ الخطر، وغلب على تفكيري أن الجبهة الإسلامية تَقفُ من وراء التدبير.. وفى ضوء ما كنتُ أكتبه في افتتاحيات الصحيفة, سَيطرَت علىَّ هواجس تحدِّثني بدنو نهايتي.. وتلقائياً انصرف ذهني في استعراض مسيرة حياتي، بمحطاتها المختلفة, فغمرني شعور بارتياح الضمير.

    كذلك تجاوزت السيارة مباني السلاح الطبي, وواصلت سيرها صوب مقر سلاح المهندسين, حيث أوقفنا الجنود الذين كانوا يقفون أمام البوابة الرئيسية بالطريقة التقليدية, وعند وصول أحدهم إلى مقدمة السيارة، نزل النقيب، فتناهى إلى سمعنا أنهم يتحدثون بجدلٍ حول ”سِرُّ الليل“, حيث تباينت تقديراتهما, وعندما لم تثمر محاولات النقيب, نَزَل السائق من السيارة، فاكتشفت للمرة الأولى أنه برتبة ”رائد“, فخاطبَ الجندي مُحتداً بقوله: ”إنتو ما نَوَّروكم؟“.. فأجابه الأخير بالنفي.. فلم يأبه لذلك، وحاول شقَّ طريقه، في الوقت الذي كان النقيب يحاول الإمساك بالجندي, والذي كان بدوره يحاولُ الحديث مع زملائِه.. وأثناء ذلك المشهد، صدرت عبارة بتوجيه صارم ”أرضاً سلاح يا عسكري“, وفجأة انطلقت ثلاث رصاصات متتالية... تبعها صمتٌ كثيفٌ, قطعه صوتُ أحد الجنود بسؤالٍ استفهامي: ”هل مات؟!“.. فجاءه الرد سريعاً ومقتضباً ومؤكداً في آنٍ واحد: ”نعم، مات“.. كنتُ، والذين معي داخل السيارة، قد خفضنا رؤوسنا عند سماع صوت الرصاص، وعندما رفعناها، كان أن شاهدنا جثة الرائد على الأرض، في وضعٍ يؤكد ما سمعناه، بأنه قتل.. ونظرتُ للخلف، فرأيتُ سيارتين تقفان خلفنا، إحداهما ”نيسان بيك أب“ بيضاء, والأخرى مثلها زرقاء اللون، تتبع لجهاز الشرطة.. وفى لمحِ البصر، تحركوا جميعاً واختفى النقيب عن الأنظار.. ومع ذلك، رفض الجنود مُغادرتنا السيارة, وبدأتُ أسأل الرجل الذي يجلس بجانبي - بلباسه المدني- عن موضوعه, فتلجلج في الإجابة، وظَهرت عليه علامات الاضطراب، فخامرني شكٌ في أنه من المشاركين, إذ إن تبرير وجوده معنا لم يكن مقنعاً.

    ظلَّت جثة الرائد مُسجَّاة على الأرض, وعرفتُ فيما بعد أنه ”أحمد قاسم“، وهو طبيبٌ أيضاً، ويُعَدُّ من العناصر الشرسة في تنظيم الجبهة الإسلامية العسكري.. بعد عدة أيام، سمعتُ الفريق عمر البشير يتحدثُ بتفاصيل الحدث الذي جرى أمام أعيني، بطريقة مُختلفة تماما, فأيقنتُ بأن تلك علامة في كذب رئيس الانقلاب.. خرج ضابط من سلاح المهندسين واصطحبونا جميعا إلى داخل المبنى, واعتقدتُ في دخيلة نفسي بأن الانقلاب فشل، وأنني سوف أذهبُ إلى منزلي، وربما كتبتُ تلك الوقائع كشاهد عيان, وسألتُ الضابط عن سبب احتجازي، فقال لي: ”سنرى“!! وكانت الساعة قد تجاوزت الثالثة صباحاً.. تمَّ التحقيق مع الجنود، والمدني، وأطلقوا سراحهم، في حين أبقوني محتجزاً معهم.. وفي حوالي الساعة التاسعة، نقلوني إلى سلاح الموسيقى، وكان مشاركا في الانقلاب!! وجدت هناك الفريق عبدالرحمن سعيد، وابن السيد الصادق، ”عبدالرحمن“, وعبر مذياعٍ صغيرٍ أحضره لنا أحد الضباط، استمعنا إلى ”البيان الأول“, فاستنتجنا - رغم عدم وضوح الرؤية- بأنه من صنع الجبهة الإسلامية.. وفى المساء حولوني إلى سجن كوبر، وأدركتُ ربَّما تكون المسألة طويلة, فطلبتُ أن يُحضِروا لي ملابس من منزلي، وتهيأتُ نفسياً لاعتقالٍ طويل.

    في سجن كوبر، وجدتُ محمد إبراهيم نُقد, عمر نورالدائم، عثمان عمر الشريف، التوم محمد التوم، خالد فرح ونصرالدين الهادي. ومن الجبهة الإسلامية، كان هناك حسن الترابي، أحمد عبدالرحمن، إبراهيم السنوسي، الفاتح عبدون وآخرون، بعددٍ إجماليٍ بلغ [11] شخصاً, إلى جانب معتقلين مدنيين وعسكريين، فيما سُمِّي بمحاولة انقلاب ”جماعة مايو“، وعلى رأسهم الزبير محمد صالح، وكامل محجوب، وغيرهم.. وُضِعنا في غرفتين من غرف المعاملة الخاصة, حيث ضمَّتني الغرفة مع الترابي ونقد وعثمان الشريف واحمد عبدالرحمن ونصرالدين وفرح.. كان الحديث عاماً في اليومين الأولين.. كل واحد روى طريقة اعتقاله, ونُقد قال لي إنه عرف بالانقلاب في وقت متأخر من الليل, ولم يحاول الاختفاء، وفَضَّل انتظارهم حتى يصلوا ويعتقلوه.

    كان عددٌ من العسكريين الموالين للجبهة الإسلامية يُحيطون بالسجن, وجَّهوا لنا رسالة واضحة، فحواها أنهم سيقومون بتصفيتنا في حال حُدوث مقاومة في الخارج.. وأخرى من خلال إدريس البنَّا، عضو مجلس رأس الدولة, وأكَّدها له أحد أعضاء الانقلاب، الذي تجمعه به صلة قربى أسرية, إذ بعد أن زاره قال له: ”أبلِغ نُقد أن أي رصاصة لو أطلقت في الكلاكلة، ضواحي الخرطوم، ستكون التالية في رأسه“.. لكن لم يكترث أحدٌ لذلك, لا سيَّما أن هناك إحساساً طاغياً بأن الانقلاب لن يستمر لأكثر من أسبوعين أو ثلاثة, وذلك بمُعطيات الوضع الداخلي، علاوة على أن المناخ العالمي لم يعد يسمح بالانقلابات العسكرية, مثلما أن الأوضاع في المنطقة لا تسمح باستمرار ظاهرة ”الإخوان المسلمين“ في السُلطة.. وقد انعكس الإحساس المؤقت على طبيعة المناقشات, والتي لم تكن في البداية منتظمة أو جادة.. ومن المُفارقات أن كوادر الجبهة الإسلامية كانوا يردِّدون بأنهم أكثر عدداً في السجن من الشيوعيين.

    أصبح معروفاً لكثير من المعتقلين بأن وجود الترابي معنا كان ذراً للرماد في العيون, ومع ذلك فقد ظلَّ عثمان عمر الشريف يردِّد باستمرار، وعلى مسمع من الجميع: ”هذه أول مرة في التاريخ قيادة انقلاب تكون موجودة داخل السجن“ وكان الترابي يبتسم كلَّما سمع ذلك.

    كان اعتقال الصادق المهدي صدمة لنا جميعاً, وكنا نعتقد بأن شخصاً مثله يستطيع الاختفاء لمدة طويلة.. عندما انضم لنا بعد أسبوع، كانوا قد أحضروه مساءً، وكنتُ قد فتحتُ له الباب، الكرنتينة [ج], فوجدته في ذات الهيئة التنكرية التي كان عليها حين اعتقاله.. غيَّر فيها من وضع عمامته، لأن الأنصار يضعونها بطريقة تختلف عمَّا هو شائع في وسط السودان, وكان حليق الشارب والذقن, ومع ذلك لم تكن بالنسبة لي طريقة تنكرية مائة في المائة.. ربما لأنني أعرفه.. وأذكر حينما خرجت من السجن، أنه زارني للتهنئة جارٌ لي، بيننا علاقة جيدة, وبعد أن خلا المكان من الزوَّار، استأذنني في الانصراف, لكنه قال لي: ”أريد أن أسألك سؤالاً، وأرجو أن تَصدُقني القول.. هل وَد الإمام كان حالقاً ذِقنه وشَنَبه عندما جاءكم في السجن؟“.. ولم أكن في حالٍ أن أقول له غير الحقيقة, لكنني فوجئتُ به يضع كلتا يديه على رأسه، وجلس على الأرض، وظلَّ يردِّد المقولة بصورة أقرب إلى الهستيريا، حتى أشفقتُ عليه, ولم أعتقد بأن هذا الموضوع يمكن أن يُزَلزِل كيانه بالصورة التي مثلت أمام عيني, فحاولت تخفيف الأمر عليه بقولي، إن ذلك شيء عادي، وساعدته على النهوض, فنظر إلىَّ ملياً، وقال: ”لو جانا في ود نوباوي وطلب الاختفاء، فهل يستطيع مائة نظام أن يعرفه؟!“.. فقلتُ له: ”على كلٍّ، هذا اجتهاده“.. فغادرني وهو لا يلوي على شيء.

    كذلك تمَّ اعتقال الميرغني بعد الصادق, وبالطبع كان معنا أشخاصٌ عاديون من طائفتي الأنصار والختمية.. الجميع كانوا في مكان واحد، يأكلون ويشربون، ويطلقون ”النكات“ أحيانا.. وفى التقدير كسر ذلك شيئاً من القداسة التي يُحيط بها بعض أولئك السيِّدين المذكورين, وأعتقد مع الصادق بَدَت المسألة عادية نسبياً.. أما مع الميرغني، فقد حدث تقارب مع أناسٍ لم تتواصل العلاقة معهم بذلك الشكل من قبل.. وطبعاً البعض كان قد تهكَّم على اعتقاله، إلا أنني سمعتُ مَن نقل عنه عبارة طريفة، قال فيها: ”مش الشهادة بتاعتكم دي، أهو جبناها“.. ويقصدنا بذلك نحن الشيوعيين.. عموماً، كانت الحياة على الطريقة السودانية المألوفة, لا تحكمها ضوابط معينة، حتى في النوم والاستيقاظ, وكان الراغبون في أداء الصلاة يؤدونها بصورة جماعية بإمامة الترابي, وعندما اعتقلوا نقدالله لاحقاً، أصرَّ أن لا يؤم الترابي المُصلِّين.. وحسبما علمتُ، لم يكن ذلك لأسباب سياسية، وإنما لملاحظات على شخصه وسلوكه, فقدَّم ميرغني النصري عضو مجلس السيادة، فبدأ يؤم المُصلين حتى لحظة خروجه من المُعتقل.. تولى نقدالله نفسه الإمامة بعده، في حضور الصادق والميرغني والترابي، رغم صِغَر سِنِّه.. كان الترابي قد فصِل مِنا لفترة قضاها في الحبس الانفرادي, وبعد عودته لنا ثانية، واصَلَ الصلاة تحت إمامة نقدالله، الذي لم يفعل مثله كما ذكرت.. أما علاقة الترابي بالآخرين، فقد كانت عادية، يتخلَّلها نقاش وتبادل في وجهات النظر، رغم شعور الجميع بأنه القائد الفعلي للانقلاب.

    أذكر أنه في إحدى الليالي -3/10/1989- في الساعة الحادية عشرة تقريباً, حضرت مجموعة من الأمن واصطحبت الصادق المهدي، ولم يعُد في تلك الليلة، فأصابنا قلقٌ، ازداد حينما علمنا في الصباح أنه وُضِعَ في الحراسات المُخصصة لمنتظري تنفيذ حكم الإعدام, فتحرَّكنا جميعاً في حملةٍ مكثفة، خاصة محمد إبراهيم نُقد, ونجحنا في إعادته إلى مقره السابق.. وقد حكى لي ما حدث، وقال إنهم أصعدوه في سيارة مُسدَلة بالستائر, تحرَّكت في اتجاهاتٍ كثيرة للتمويه، لكنها لم تُبارِح مبنى السجن, ثم أدخلوه في غرفةٍ مُضاءة بالأحمر، وأجلسوه على كرسيٍ من ثلاثة أرجل، وعليه أن يحافظ على توازنه طيلة جلوسه, وأعقب ذلك تحقيق عنيف، وهدَّدوه بالقتل، وبإفشاء أسرارٍ عن حياته الخاصة، وزعموا أن لديهم صوراً فوتوغرافية في لندن والخرطوم, مما أثار استياء الكثيرين، واحتجوا بطرُقٍ مُتعدِّدة.

    أعتقد أن الترابي يتعامل دائماً مع الناس بشيء من التعالي، وأسباب وضعه في الحبس الانفرادي تعودُ إلى موقفٍ له مع الضابط المسؤول من السجن، العقيد موسى الماحي, والذي كان في جولة مروريَّة لتفقد الأوضاع, فتوقف أمام الترابي، وبدأ الحديث معه في موضوعٍ عاديٍ, لكنه انفعل واحتدَّ معه, وكان جالساً, فقال له الضابط بشيء من الأدب: ”عندما أتحدث معك، فعلى الأقل المُفترض أن تقف مثلي وتتحدث معي“, فاحتدَّ الترابي أكثر، ورفض، فما كان من الضابط إلاَّ أن طلب من أحد عساكره وضعه في الحبس الانفرادي, وظلَّ فيه لمدة أسبوع، وهو منطقة معزولة ومليئة بالفئران.. {ربما كان ذلك للإيحاء بعدم صلَته بالانقلاب، تدعيماً لسيناريو التخفِّي – [المؤلف]}.

    في حدثٍ آخر، كان إبراهيم شمس الدين، أصغر الضباط المشاركين في الانقلاب سناً, وكان برتبة رائد, قضى نحبه في تحطم طائرة عسكرية بمنطقة ”عدارييل“ في جنوب السودان العام1998، كان يأتي في بعض الأيام، ويجمع الصحف والمعتقلين -وبينهم رئيس الوزراء- ويبدأ في إلقاء محاضراتٍ مستفزة، مردِّداً عباراتٍ مثل: ”إن شاء الله إتعلمتوا الدرس“، فكانت مسألة مهينة حقاً.. أيضاً بعد وصول الصادق، كان هناك في السجن ما يسمى بـ”فرش متاع“, أي أن يُحضر السجين لوازم فرشه, وحدث أن جاء مدير السجن في دورة تفتيشية، فوقفنا وصافحناه, ثم انتحى جانباً مع شخصين، وتواصل حديثه معهما، فاعتبرنا الأمر منتهياً، وجلسنا.. وعندما رآنا، أشار لي بإصبعه -على نحوٍ مُهين- بأن أقف, فتملَّكني غضبٌ شديد, وبذات الطريقة أشار نحو الصادق المهدي، الذي سأله بدوره عن السبب, فقال له: ”أرجو أن تحترمونا مثل ما نحترمكم.. حين يدخل ضابط السجن، يُفترَض أن تبقوا واقفين“, فقال له الصادق: ”حينما دخلت، وقفنا، وصافحناك.. وعندما انشغلت مع آخرين، انتهى الأمر“.. فحدثت ضجة كبيرة في السجن، خاصة أن مثل هذا الضابط، كان قبل أيامٍ يؤدي التحية للصادق، باعتباره رئيس الوزراء.. الغريب في الأمر، عندما عاد الضابط إلى مكتبه، وجد أمراً بإحالته للتقاعد, وبالطبع كثرَ الشامتون عليه.

    بتزايد أعداد المُعتقلين،أخذت المناقشات طوراً جدِّياً.. بعضها كان ناقداً للتجربة الديمقراطية المجهضة, وبعضها الآخر انطلق من زاوية ضرورة تصويبها مستقبلاً, وحتى تلك اللحظة لم يكن الصادق المهدي يعتقد بأن الانقلاب من تدبير الجبهة الإسلامية!! أما الترابي نفسه، فقد صاغ موقفه آنذاك على الحاضرين بالنحو التالي: ”إذا كان الانقلاب الجديد سيفتح الطريق أمام الإسلام، فنحن معه، بغضِّ النظر عن موقفه من الديمقراطية, وإذا كان يهدِفُ إلى سَدِّ الطريق أمام الإسلام، فنحن ضده، بغضِّ النظر عن موقفه من قضايا الديمقراطية أيضاً“.. بهذا الموقف الواضح، الذي أغلق به الترابي باب الحوار، وانتفت فيه أي قواسم مشتركة.

    عَزَلنا ممثلي الجبهة الإسلامية، وبدأنا نتحاور كأحزاب ونقابات في كيفية التخلُّص من النظام، وإقامة بديلٍ يعالج جذور المشكلة، ويكسر الحلقة الشريرة, وذلك بعد الاتفاق على طبيعته، وكونه امتداداً للأزمة الوطنية المزمنة.. كما اتفقوا على أهداف وبرامج عمل، وصياغة ميثاقٍ يُنشَر على الجماهير، يكون بمثابة دعوة لها للالتفاف حوله، والنضال من أجل ما ورد فيه.. كذلك اتفقوا على إنشاء هيئة تضمُّ القوى الموافقة عليه، والتشاور مع الآخرين، الذين لم يشملهم الاعتقال، من الأحزاب والنقابات والعسكريين.. وقد تكوَّنت لجنة لمناقشة الميثاق المقترح، مثَّلها من حزب الأمة الصادق المهدي وعمر نورالدائم, ومن الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني وفاروق أحمد آدم, ومن الأحزاب الجنوبية باسفيكو لادو لوليك وإليابا سرور, إلى جانب نُقد وشخصي.. وبعد المناقشات الأولية، كلِّفتُ بالصياغة، فأفسحتُ موقعاً لنَقدِ التجربة الماضية، بما فيها موقف الأحزاب التقليدية، والذين لم يبدوا أي اعتراض على ذلك, وسرَّبناهُ للخارج، ليتواءم مع نقاشات الآخرين, وتوليتُ شخصياً إرساله لقياداتنا في الحزب، لإطلاع قوى المعارضة عليه..

    في إطار التشاور نفسه، تَسَلمنا عن ذات الطريق، مشروعاً مختلفاً، وأبدينا فيه ملاحظاتنا، التي انصبت جُلها على اقتراحٍ ورد فيه، يتعلق بقسمة السلطة بعد إسقاط النظام، بحيث تمنَحُ النقابات 70% من الوزارات والبرلمان، و30% للأحزاب وأي قوى أخرى.. والحقيقة لم نأخذ المقترح بجدِّية، لأنه يُعيقُ الفكرة وهي في طورها الأولي.. وأخيراً تمَّ الاتفاق على الصورة المعروفة التي استقر عليها العمل, بتعديلات مهمة، وإن كانت محدودة..

    قبل كل ذلك، وخلال النقاشات، كان الميرغني قد اقترح تسمية الكيان المعارض بـ”التجمع الوطني الديمقراطي“, في حين أن نُقد كان يردِّد - من قبل- على الحاضرين ضرورة البحث عن صيغة أخرى غير تلك.. وحاولنا إِثناء الميرغني باعتبار أن التسمية المذكورة تعدُّ من لوازمنا السياسية, وتعني مدلولاً معيناً ظللنا نردِّده منذ العام 1956, عِلاوَة على أننا لم نرتح أصلاً للتسمية، لأنها في ذاك الوقت لا تنطبق على التجربة الجديدة التي كنا بصددها.. وأمام محاولاتنا تلك، ازداد إصرار الميرغني، فوافقنا.

    كان التوقيع على الميثاق قد تمَّ في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1989, وبمجرَّد نشره، بدأ النظام في تشديد القبضة على المعارضين, فظَهَر ما سُمِّي بظاهرة ”بيوت الأشباح“.. وعلى مستوى السجن، تمَّ نقلي ونُقد إلى ”الكرنتينة [أ] “، حيث وضعونا مع أشخاص متَّهمين بالاتجار في العملات الصعبة, وفى ذلك الوقت حُكم على الشابين مجدي محجوب محمد أحمد وجرجس القس يُسْطس، ثم أعدموهما فيما بعد.. أعقب ذلك إضراب الأطباء في 26/11/1989، والذي شكَّل نقطة تحوُّل في علاقة نظام الجبهة الإسلامية بقوى اليسار, فحكموا بالإعدام على نقيب الأطباء د. مأمون محمد حسين في 10/12/1989، ويوافق ذلك ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان, ثم جاءت مذبحة الضباط في أبريل/نيسان 1990.

    في الشهور الأولى للعام 1990، بدأوا في إطلاق سراح البعض, وقد أفرج عني في 9/8/1990، وكنتُ قد عَزَمتُ على الاختفاء، إلا أن الحزب وجَّه بضرورة خروجي من السُودان, وحاولتُ المُغادرة بدعوى الراحة والعلاج, لكنَّهم مارسوا تسويفاً متعمداً، وعندما تأكدتُ من مماطلاتهم في هذا الخصوص، عزمتُ على المخاطرة بالهروب شمالاً, وكان ذلك طريقاً سبقني إليه المرحوم عزالدين علي عامر, فخرجتُ سراً في نوفمبر/تشرين الثاني 1990 بترتيبات معينة, أذكر أن ”الرحلة“ كانت عادية, لربما الجديد فيها أنها أتاحت لي التعرُّف على جغرافيا ذلك الجزء من السودان.. كنَّا قد قطعنا الصحراء على ظهور الجمال, والصمت المثير هو السمة المميزة للصحراء, ليس هناك أي نوع من أنواع الحياة.. فلا وجود لكائناتٍ حيَّة.. لا بشر ولا شجر ولا حيوانات.. الصورة عموماً تحرِّضك على التأمل.. تبدو النجوم وكأنها تطالعك، وتشعر بأن الظلام له لونٌ آخر, والأصوات مختلفة تماماً عما ألِفنَاه, وعندما ترى جبلاً أمامك، تعتقد أنه قريب منك, لكن الوصول إليه يستغرق عدة ساعات.. قال لي الدليل إننا نَحسِبُ الزمن بسرعة بالسيارة, بينما هم يحسبونه بمسير الجمل.. بمعنى أن المسافة التي تقطعها السيارة في ساعة, يقطعها الجمل في يوم, وقد تجد آثار قدم إنسان أو سيارة، وتعتقد بأنها حديثة، لكن الدليل يحدِّدها بالشهور، وبدقة شديدة!!

    في هذه الرحلة، التي تواصل ليلها بنهارها، مع بعض ساعات الراحة, لم يكن ثمة أي موضوع يسيطر على ذهني، سوى الرغبة في الوصول إلى النقطة النهائية, وعندما دخلنا الأراضي المصرية، استبقيتُ نفسي لعدة أيام, ثم وصلتُ القاهرة يوم 12/11/1990، كمنفى اختياري, وفيه بدأنا مسيرة أخرى كما هو معلوم».

    التوثيقُ الثاني، كان مع شخصية عاشت التجربة بخلفيتها العسكرية, وقد وجد نفسه، للمرة الأولى في حياته، مُعتقلاً مع سياسيِّين ونقابيِّين داخل سجن كوبر.. لم يكن يعرف الكثيرين منهم معرفة شخصية, مثلما أن الكثيرين كانوا لا يعرفونه أيضاً, ذلك لأنه كان يتعاطى السياسة من وراء الكواليس، شأنه في ذلك شأن معظم منسوبي المؤسَّسة العسكريَّة في السُودان.. وحينما مارسها في الهواء الطلق، أصبح أكثر المُعارضين إثارة للجدل, برواياتٍ تعدَّدت أمكنتها، وتباينت أزمِنتها، وجرَّت غموضاً يثير غرائز حب الاستطلاع, ووضوحاً يطفئ ظمأها.

    بعد إطلاق سراحه من سجن كوبر, غادر ”العميد عبدالعزيز خالد“ السُودان، هروباً بذات الطريق المُؤدي للشمال, وبنفس الكيفية التي سبقه إليها آخرون.. وفي القاهرة، مارس نشاطاً مُعارضاً في إطار تجربة ”القيادة الشرعية“، أثبتت الوقائع أنها وُلِدَت كسيحة.. ثمَّ ما لبثَ أن تَركها خلف ظهره، واتَّجه إلى بقعة جُغرافيَّة اتخذها مُرتكزاً لتحريك الساكن في الصراع السُوداني, بمشروعٍ هَوَت إليه أفئدة الطامحين لرؤية ”دولة مدنية ديمقراطية موحدة“، تولدُ من ركام المعارك.. لكنَّ رياح السياسة السُودانية تجري دوماً على غير ما تشتهي السُفن.. فقبل عبور الجسر، تغيَّرت المُعادلات بصورة دراماتيكية.. فالأصدقاء الذين لاذ بهم، قلبوا له ظهرُ المِجَن.. والحلفاء الذين عوَّل على نصرَتِهِم، أداروا له ظهورهم.. ومن بين رفاق الأمس، تسابق أكثر من ”بروتس“، لينال شرف الطعنة النجلاء في مقتلٍ.. وعندما تكرَّرت تجربة السجن مرة أخرى، في قطرٍ لم يخطُر ببال أحد أن الأقدار وضعت فيه سر اعتقاله, سَعِدَ الأعداء الذين تَربَّصوا به، وتربَّص بهم، أن جَاءَهم مخفوراً, كأول سياسي سُوداني تطبَّق فيه تلك التجربة الغريبة.. وبين المحبسين، تدفقت الأحداث أحباراً ودماء.. ذلك ما سيردُ في فصولٍ أخرى.. لكنه قال حول بداياتها:

    «أولاً، كخلفية ضرورية، لابد من الإشارة إلى أن الضباط الذين شاركوا في الانقلاب أُلحِقوا بالفكرة، ليكونوا حطباً لتلك النار.. مما يعني افتقارهم لفكرٍ سياسيٍ راشد, عدا الإسلاميين منهم.. وبغضِّ النظر عن أوجُه الخلاف معهم، فقد كانوا من مؤيِّدي نظام مايو في فترة الثمانينيات.. باعتبار الشراكة الخفية ابتداءً، والظاهرة انتهاءً، بين النظام آنذاك وتنظيم الجبهة الإسلامية.. وبعد نجاح انتفاضة أبريل، ظلَّ أولئك الضباط، ولفترة طويلة، مراهنين على عودة نميري.. وعندما يَئِسوا، عملوا على التأثير على ضباط المجلس العسكري الانتقالي, بهدف ضرب تيَّار الضباط الوطنيين الأحرار.. وفى هذا الإطار، كانوا من وراء ثلاثة كشوفات قدِّمت للمجلس العسكري لتنفيذها: الكشف (أ)، فصل من الخدمة.. الكشف (ب)، نقل ومتابعة.. ثم الكشف (ج)، رصدٌ مِن على البُعد.

    كنتُ آنذاك ضابطاً في العمليات الحربية، كرئيسٍ لشعبة العمليات التي يديرها اللواء عثمان عبدالله، وزير الدفاع في الفترة الانتقالية.. احتوت القائمة (أ) على بعض قيادات حركة أبريل، الذين أُعدِمُوا في العام 1990, ومنهم اللواء محمد عثمان كرار، وكنتُ أيضاً ضمنها، وأذكر أن اللواء عثمان عبدالله قال لي إنه اعترض على فصلي واللواء كرار، باعتبار أننا ضباط مميزون -على حد تعبيره- وقال إن الآخرين لم يبدوا اعتراضاً على وجهة نظره تلك.. فقلتُ له: ”واقع الأمر أن الضباط الذين فُصِلوا أيضاً مُميَّزون“، وكان عليه الوقوف ضد الفصل من حيث المبدأ.. لهذا، لم أستغرب استهدافي في زمنٍ مُبَكر بعد انقلاب الإنقاذ, وكنا قد أطلقنا على ذلك الإجراء التعسُّفي تعبير ”مذبحة القوَّات المُسلحة“.. ولم نكن نعلم بأن المذبحة الحقيقية، ستكتمل في ظل نظام الجبهة الإسلامية.

    برغم أن الجبهة الإسلامية مدَّت جسورها منذ فترة طويلة مع القوات المسلحة، باستقطاب ضباط، وتجنيدهم في صفوفها, إلا أنها عملَت على تمرير سياساتها في الفترة الانتقالية، تحديداً من خلال رئيس المجلس العسكري، الفريق أول عبدالرحمن سوار الدهب, ونائبه اللواء تاج الدين عبدالله فضل.. وبعد نجاح الانقلاب، كوفئ الثاني بإدارة ”منظمة شباب البناء“، وهى إحدى الأذرع التنظيمية للجبهة الإسلامية, والأول برئاسة ”منظمة الدعوة الإسلامية“, علماً بأن العمل في القوات المُسلحة يمنعُ على القائد العام تولي مثل ذلك المنصب، بسبب امتلاكه معلومات كثيرة في جهاز الدولة!!

    الذي حدث في صبيحة الانقلاب، إنني ذهبتُ إلى المكتب بغرض جمع معلوماتٍ عنه, وفي حوالي الساعة الحادية عشرة تقريباً جاءني اتصال من القيادة العامة يطلب حضوري فوراً لمقابلة المجلس العسكري الجديد.. والمُفارقة، أنني عَلِمتُ قبل تحرُّكي أنهم اتصلوا بمن أرأسهم في اللواء [62]، وقالوا لهم بأنني موجود معهم, في إيحاء بأنني مُشاركٌ في الانقلاب!! عندما ذهبت للقيادة العامة، قابلني ضابط قال إنه سكرتير المجلس الجديد.. تركني في مكتبه لبضع دقائق، وعاد مرة أخرى، وقال لي إن الموضوع الذي طلبني من أجله المجلس انتهى!! فقلتُ له: ”من الذي طلبني تحديدا“, فقال لي: ”اللواء عثمان أحمد حسن“, فطلبت منه أن يُبلغهم بأن الموضوع بالنسبة لي لم ينته.. وفي المرة الثانية، اصطحبني للداخل، ووجدتُ -بالإضافة للمذكور، وهو أحد ضباط دفعتي- كلاً من الزبير محمد صالح، بكري حسن صالح، سليمان محمد سليمان، إبراهيم نايل إيدام ومحمد عثمان سعيد.. بادرني عثمان بقوله إن لديهم معلومات تشيرُ إلى أنني ”ضد الثورة الجديدة“, وعندما سألته عن مصدر معلوماته، قال إنه لا يستطيع كشفه.. كان الجميع في حالة صمتٍ غريب, فقلتُ له إن هذا الانقلاب لم يُكمِل 24 ساعة بعد، مِمَّا ينفى مسألة المصدر, ويؤكد -في نفس الوقت- معطياتٍ أخرى, وطلبتُ منه أن يكون أكثر وضوحاً، وليكن كلنا كتاباً مفتوحاً.. فاتسمت لهجته بشيء من الهدوء، وبدأ يحدثني عن الانقلاب، باعتباره عملاً وطنياً لخدمة الشعب السُوداني، وأن من قاموا به ”قوى وطنية مستقلة“, فقاطعته، وقلتُ له: ”هؤلاء ليسوا بقوى مستقلة.. هذا انقلاب لصالح الجبهة الإسلامية, وأنا شخصياً ضد الانقلابات بشكل عام، بغض النظر عن الجهة التي وراءها, وبدلاً من خداع الناس، يجب أن توضحوا لهم الحقيقة بشجاعة, وإلا ستدخِلون البلاد في ورطة لا يعلم مداها إلاَّ الله“.. بدا أن محمد عثمان سعيد ضاق صدره جرَّاء حديثي, فقال لي بحدةٍ: ”أنت لا تعلِّمنا بما نفعله, لأننا سنعمل ما نقوله“.. فتضايقتُ أنا أيضاً، ودخلتُ معه في مشادة، قصدتُ فيها استفزازه بأشياء مهنية وأخلاقية، ثمَّ خرجت.. وعلمتُ فيما بعد بأنهم أحالوني للمعاش، ورغم أن قانون القوَّات المسلحة يسمح للفرد بأن يظلَّ في الخدمة لمدة ثلاثة أشهر, إلا أنني لزمتُ داري.

    بعد مُضي نحو شهر ونصف، حضر أحد الضباط بطلب استدعاء، من اللواء محمد أحمد الدابي، رئيس الاستخبارات العسكرية.. وعندما التقيته، اصطحبني إلى مكتب الفريق إسحق إبراهيم، رئيس هيئة الأركان.. فتح الأخير ملفاً كان أمامه، وقال لي إن المعلومات تؤكد بأنني مُعادٍ للثورة, وأنني على اتصال بسياسيين كثيرين، وسَمَّى لي أسماء بعضهم.. ولأنني أدركتُ بأن المقابلة تشي باحتمالات شيء قادم, اكتفيتُ بالقول بأنني أُحِلتُ للمعاش، وبعيدٌ عن القوَّات المُسلحة.. وبالفعل، لم يمضِ وقتٌ طويل على ذلك، فوجدتُ نفسي مُعتقلاً -ضمن آخرين- في سجن كوبر.. كانت التجربة جديدة بالنسبة لي، لأنها المرة الأولى لي في حياتي التي أُعتقلُ فيها, وأستطيعُ أن أقولُ بأنني قضيتها متأملاً في واقع الحال.. ومن جهة أخرى، قرَّبت المسافات بيني وبين آخرين، من سياسيين ونقابيين، لم تكن حبال الوصل ممدودة معهم من قبل.. وفي نفس الوقت، تمتنت مع آخرين، كنتُ أعرفهم ويعرفونني.. ولا أجدُ حرجاً في القول -بصورة أكثر وضوحاً- إنني تعرَّفتُ على شخصيات مُميَّزة، واحترمتها, في حين فوجئتُ بخواء وسطحِية آخرين، تولوا مناصب، سواءٌ وزارية، أو مسؤوليات حزبية.

    من القيادات التي التقيتها للمرة الأولى عن قرب، كان السيد الصادق المهدي, وهو في الحقيقة رجلٌ مُنفتح, مُمكن تتحدَّث معه، أو في حضوره، عن أي شيء.. مع ملاحظتي بأن بعض كوادر حزبه تخشاه لدرجة الرهبة, وهو شُعورٌ -في تقديري- أدنى درجة من الاحترام.. ويختلفُ الأمر مع السيد محمد عثمان الميرغني، الذي يُعبِّر له بعض أتباع الطائفة الختمية -مِمَّن كانوا معنا في السجن- عن احترامهم بشيء من التجلَّة.. ذلك هو واقعنا في السُودان، لكن أعتقد بأن معيشتُنا المشتركة جميعاً، وضعت أولئك في وضعٍ مُحرج، حتى وإن لم يُفصِحُوا عنه, وذلك نتيجة رؤية المذكورين في حالاتٍ على غير ما اعتادوهم!! وبالطبعِ في علاقة الشيوعيين بالسيد محمد إبراهيم نُقد، لا يوجد شيء من ذاك القبيل.. ومن الشخصيات التي زاد احترامي لها، مصطفى عبدالقادر المحامي, فقد أثبتت المواقف أنه وطنيٌ غيور، ظلَّ يتصدَّى لأي انتهاكات لحقوق الإنسان, ويُدافع عن الناس، وتملكته هذه المبادئ حتى وهو مُعتقل.. وأذكر أنني تعرفتُ أيضاً على أخوة مُميَّزين، منهم المهندس عبدالعزيز عثمان، الذي شغل منصب وزير الصناعة في الفترة الانتقالية, ود. عبدالقادر الرفاعي، والصادق الشامي، والتيجاني الطيب.. ولم أحتكَّ بالترابي كثيراً، وفي الواقع فعل ذلك الكثير من المُعتقلين، لقناعتهم بأن وجوده معنا كان تمثيلية.. ومن المُفارقات، حينما وُضِعَ في الحبس الانفرادي, قام نُقد بحملة توقيعات للمطالبة برفع الحجز عنه, ومن المؤكد أنه انطلق في ذلك من موقف مبدئي وأخلاقي.. ومع ذلك، تجاوب البعض مع الحملة، وامتنع آخرون للسبب الذي ذكرته.

    من المواقف التي لا أنساها، رحيل الأستاذ عبدالمنعم سليمان داخل السجن, فقد أشاع موته موجة من الحُزن والإحباط, فقمت بمساعدة آخرين في تجهيز الجنازة، وبعد الانتهاء من تلك الطقوس، فكرتُ في تحويل تلك المشاعر إلى شيء إيجابي، فبدأتُ أهتف، فردَّد الآخرون الهُتافات، وكنا جميعاً في حاجة لذلك.

    أما المواقف الطريفة، فأذكر أنه تمَّ تحويل نُقد والتيجاني الطيب إلى موقع آخر، كان يَضُم تجَّار العملة, الذين احتجُّوا، وطالبوا بِنقلهم، باعتبار أن ”جريمتهم بسيطة“، وهي الاتجار في العملة, في حين رأوا أن المذكورين يمكن أن يُعدموا.

    في وجودنا، ألحقوا بنا ”مجدي محجوب“ وهو شاب هادئ ورزين، كان يستشير مصطفى عبدالقادر باستمرار, ونتيجة إحساس باطني، قلتُ لمصطفى إن هذا الشاب سوف يُعدم.. لقد تألمنا جداً لموته، وكذلك جرجس.. وقد ذكرتُ لمصطفى نفس المشاعر.. وجيء أيضا بأركنجلو أقاداو، ووالده من المُوسرين في مدينة جوبا، وأُعْدِم.. وكان هناك شخصٌ رابع، وُجِّهت له نفس التهم، لكنه لم يُعدم، وعلمنا أن أهله من ضواحي شندي، وضغطوا على عمر البشير من الناحية الأسرية!!

    هنالك ظاهرتان سيئتان، لفتتا نظري داخل السجن، لأنهما تحِطَّان من قدر البشر.. الأولى، وَضعُ المراحيض العامة، بصورتها التقليدية المعروفة, علاوة على أن وجود حرَّاس السجن -على مرأى من مُستخدميها- ضاعف من ذلك الوضع المُزري والمُهين, ولا أدري ما هو شعور الآخرين، بالذات الزَّعامات السياسية التي انتظمت حياتها على نمط مُعيَّن؟! أما الظاهرة الثانية، فقد تَمثلَت في وجود كمية مهولة من الفِئران، يكاد حجمُها يُماثل حجم القِطط.. رُبَّما يستهين البعض بهذه الظواهر، باعتبار أن الحياة في السُجون ليست ترفاً, وأن الأنظمة الاستبداديَّة تتعمَّد ذلك، كإحدى آليات التعذيب المعنوي, لكنني مع ذلك اعتبرتُ أن تلك قضية، لأنني مهجوسٌ دوماً بإنسانية البني آدم، أينما كان.. في السُجون، أو خارجها.. لاسيَّما وقد كرَّمه المولى عزَّ وجلَّ.. المُهم، طالبنا بإبادة تلك الفئران، فأحضروا ”شراك“ تقليدية، لم تجدِ معها.. وعندما ازدادت المُطالبة، أحضروا دواءً معيَّناً، نجح في تقليص عددها، لأنه يُؤثر في العصب البصري، فتخرج من جحورها التماساً للضوء, فيَسهُل اصطيادها.

    نقلتُ بعد فترة إلى سجن كسلا، برفقة آخرين، أذكر منهم: يوسف حسين، محمد محجوب عثمان، عبدالقادر الرفاعي وبشير عمر, ولم يطل بقائي، فقد تمَّت إعادتي مرة أخرى إلى كوبر، وكان ذلك في الأول من أغسطس/آب 1990, وقد أسرَّ لي مدير السجن، واسمه ”عوض“، بأن حاكم الإقليم، اللواء عوض محمد الحسن، زعم بأنني سوف أهرُب، وطالبَ بتشديد الرقابة علىَّ.. وأذكر أنه -قبل مغادرتي سجن كسلا- زارني ”الفاتح عروة“، وهو ابن أختي، وكان وقتها مستشاراً أمنياً لرئيس الانقلاب، عمر البشير, ومن باب المُجاملة المعروفة، أعطاني مبلغاً من المال, وتعمَّدتُ أن أحصيه أمامه, فاستغرب تصرُّفي، وسألني السبب, فقلتُ له: ”ربما يأتي يوم تكون فيه بمثل وضعي، وسوف أزورُك لأُعطِيك نفس المبلغ“!! أسوقُ هذه القصَّة للتدليل على ظواهر مُميِّزة للمُجتمع السُوداني, فاختلافُ المشارب السياسية أمرٌ طبيعي، حتى داخل الأسرة الواحدة.. لكن في تقديري، أن أسوأ ما فعلته الإنقاذ في هذا الصدد، ادعاؤهم بـ”إعادة صياغة الإنسان السُوداني“, وفي ذلك انتهجُوا ما من شأنه أن يُفرِّق بين الابن وأبيه, والأخ وشقيقه, والبنت وأختها، ولاشكَّ أن تلك المُمارسات الأمنية قد جزَّأت المُجتمع، وخلقت جيلاً مُشوَّهاً.

    واقع الأمر، لم أكن فكرت في الهروب من السجن, لكن بعد الإفراج عني، وتَضايقي بعدئذٍ من المُراقبة المُستمرَّة, فكرتُ جدياً في الهروب باتجاه الشمال.. شجَّعني على ذلك نجاح البعض في التجربة, فرتَّبنا أمورنا، وكنا ثلاثة, العميد عبدالرحمن خوجلي، والمقدم عبدالعظيم عوض سرور, إضافة إلى شخصي، فسلكنا نفس الطريق الذي سلكه الآخرون, وبنفس الوقائع والمشاهد، إلى أن وصلنا القاهرة في أواخر مايو/أيار 1991, لتبدأ مرحلة أخرى في مسيرة النشاط المُعارض».

    الهوامش:
                  

العنوان الكاتب Date
س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من الدخول بكرى ابوبكر08-04-06, 00:09 AM
  ►██ الغلاف بكرى ابوبكر08-04-06, 00:17 AM
    Re: ►██ الغلاف بكرى ابوبكر08-04-06, 00:25 AM
      Re: ►██ الغلاف بكرى ابوبكر08-04-06, 00:27 AM
        Re: ►██ الغلاف بكرى ابوبكر08-04-06, 00:29 AM
          Re: ►██ الغلاف بكرى ابوبكر08-04-06, 00:31 AM
            Re: ►██ الغلاف بكرى ابوبكر08-04-06, 00:34 AM
              Re: ►██ الغلاف بكرى ابوبكر08-04-06, 00:36 AM
                Re: ►██ الغلاف بكرى ابوبكر08-04-06, 00:37 AM
                  Re: ►██ الغلاف بكرى ابوبكر08-04-06, 00:38 AM
                    المَشْهَدُ الخَامِس: سُوَّاسُ الأحْصِنَة بكرى ابوبكر08-04-06, 00:40 AM
                      المَشْهَدُ السَادِس: الضَحِيَّة والجَلاَّد بكرى ابوبكر08-04-06, 00:41 AM
                      المَشْهَدُ السَادِس: الضَحِيَّة والجَلاَّد بكرى ابوبكر08-04-06, 00:41 AM
                        Re: المَشْهَدُ السَادِس: الضَحِيَّة والجَلاَّد عاصم الطيب قرشى08-04-06, 01:33 AM
                      Re: المَشْهَدُ الخَامِس: سُوَّاسُ الأحْصِنَة adil amin08-10-06, 02:22 AM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmuez08-04-06, 02:34 AM
    Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال عصام أحمد08-04-06, 03:32 AM
      Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال تولوس08-04-06, 06:16 AM
        Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال القلب النابض08-04-06, 06:51 AM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmosley08-04-06, 08:45 AM
    Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال خالد عويس08-04-06, 09:27 AM
      Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Kostawi08-04-06, 01:28 PM
        Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال خالد عمار08-04-06, 02:02 PM
      Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال خالد عمار08-04-06, 01:46 PM
        Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال خالد عبد الله محمود08-04-06, 02:54 PM
          Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Kostawi08-04-06, 03:07 PM
          Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Abureesh08-04-06, 03:09 PM
            Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال نادية عثمان08-04-06, 03:26 PM
              Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Kostawi08-04-06, 04:25 PM
        Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-05-06, 12:04 PM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال خالد عمار08-04-06, 07:21 PM
    Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال غادة عبدالعزيز خالد08-05-06, 01:04 AM
      Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال على محمد على بشير08-05-06, 10:38 AM
        Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال عبد اللطيف عبد الحفيظ حمد08-05-06, 10:58 AM
          Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال نادية عثمان08-05-06, 11:38 AM
        Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-05-06, 12:17 PM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-05-06, 12:43 PM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Abomihyar08-05-06, 01:33 PM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Abomihyar08-05-06, 01:38 PM
  مذبحة الديموقراطية hassan bashir08-06-06, 04:08 AM
    Re: مذبحة الديموقراطية عبدالرحمن عثمان08-06-06, 06:15 AM
      Re: مذبحة الديموقراطية hassan bashir08-06-06, 06:45 AM
        Re: مذبحة الديموقراطية Adil Isaac08-06-06, 10:34 AM
          Re: مذبحة الديموقراطية رأفت ميلاد 08-06-06, 02:38 PM
            Re: مذبحة الديموقراطية سعدية عبد الرحيم الخليفة08-07-06, 01:28 AM
              Re: مذبحة الديموقراطية Elmontasir Abasalih08-07-06, 04:13 AM
                Re: مذبحة الديموقراطية hassan bashir08-07-06, 04:38 AM
                  Re: مذبحة الديموقراطية Elmontasir Abasalih08-07-06, 10:13 AM
                    Re: مذبحة الديموقراطية saif khalil08-08-06, 06:28 AM
                      Re: مذبحة الديموقراطية Elmontasir Abasalih08-09-06, 11:55 AM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال saadeldin abdelrahman08-08-06, 10:10 AM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال عزالدين محمد عثمان08-08-06, 07:28 PM
    Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال خالد عمار08-09-06, 08:38 PM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال اندرو كوات08-09-06, 12:54 PM
    Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Muna Khugali08-09-06, 10:57 PM
      Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال خالد عمار08-10-06, 00:22 AM
      Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-10-06, 08:34 PM
      Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-14-06, 10:56 PM
  Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Kabar08-10-06, 01:21 PM
    Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-13-06, 11:28 PM
      Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-14-06, 01:20 PM
        Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال عبد الخالق عابد08-14-06, 02:54 PM
          Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Bakry Eljack08-15-06, 03:37 AM
            Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-15-06, 07:06 AM
              Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-15-06, 09:20 PM
                Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-16-06, 12:24 PM
              Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال خالد عمار08-16-06, 12:59 PM
                Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-17-06, 09:14 AM
                Re: س.اونلاين.كم تنشر الفصل الأول من سقوط الأقنعة بعدما ظلّ محتجزا بمطار الخرطوم وممنوعاً من ال Elmontasir Abasalih08-17-06, 09:14 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de