ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 04:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة احداث امدرمان 10 مايو 2008
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-21-2008, 09:05 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور (Re: الكيك)


    غزوة "أم الصّبيان".. ليست تشاد أيها الحمقى !!

    انقلاب داخلي ديني عرقي عنصري له ضلعان في الخرطوم!!

    تشاد لا تستطيع تمويل جماعات أكبر وأقوى من جيشها..

    ليبيا هي الجهة الأقرب لتمويل وتسليح عملية الغزو

    والمسارات تشي بخروج جزء من الغزاة من الحدود الليبية..

    تصريح الصادق المهدي "إعلان مدفوع الأجر" لتبرئة ليبيا

    فشل أمن الحكومة .. وخافت الحكومة من جيشها فاستبعدته وأهانته

    الحل في الديموقراطية وكونفدرالية إقليمية رباعية تستثني مصر وليبيا



    سالم أحمد سالم/باريس
    [email protected]

    وضعت هذا السياق تحت عنوان (غزوة أم الصّبيان) نسبة للعدد الكبير من الصبية الذين شاركوا في العمليات الحربية. السودانيون يغرفون معنى عبارة أم الصبيان.. أسألوهم!. أدخل في الموضوع وأقول لابد أن يشعر المرء بالأسى والإحباط مثلما شعرت وأنا أستمع إلى أركان حكومة الخرطوم وأجهزة إعلامها وهم يرددون على مدار الساعة بلا استحياء أن الجماعات المسلحة التي دخلت الخرطوم يوم السبت العاشر من هذا الشهر مايو هي قوات تشادية أو هم مرتزقة تشاديون، وأن حكومة تشاد هي التي قامت بتقديم الدعم العسكري للغزاة. مصدر الأسى والإحباط هو هذا الانقلاب غير المنطقي في المعايير وكأننا قد دخلنا في أشراط الساعة وآخر الزمان!. انقلاب المعايير أن تشاد أصبحت، بمنطوق حكومة الخرطوم، قادرة على غزو قلب عاصمة السودان غزوا عسكريا.

    لقد أرادت حكومة الخرطوم أن يصدّقها الناس وهي تقول أن تشاد أرسلت الجماعات المسلحة نهارا جهارا، وأن حشود الجماعات التشادية المحمولة على مئات السيارات قد قطعت آلاف الكيلومترات في صحارى مكشوفة دون أن تقع عليها عين الحكومة.. ربما بفضل الأحجبة تشادية الصنع، أو ربما ألبستهم تشاد طاقية الإخفاء!. كل ذلك كذب فطير مضطرب يدحضه الواقع ويكذّبه منطق التاريخ والقرائن التي سوف أوردها في هذا السياق. ولو كنت مكان حكومة الخرطوم وكان لابد لي من الكذب والتلفيق لكذبت كذبا آخر يداري الفضيحة ويستر الحال وأقول كذبا أن أميريكا أو فرنسا أو ألمانيا، أو حتى صربيا هي التي دعمت الجماعات المسلحة التي دخلت الخرطوم. ولو كنت مكان حكومة الخرطوم لزعمت كذبا أن واحدة من هذه الدول الكبرى قد شوّشت على أجهزتنا الأمنية.. الفالحة في التقاط همسات المواطن السوداني في غرفة نومه.. فلم تتمكن أجهزتنا الحكومية وراداراتنا من التقاط حركة الجحافل الغازية.. والتي يمكن تتبع تحركاتها بطائرة شراعية.. أما إذا أعيتني الحيلة وخفت من زعل أميريكا والقوى العظمى كنت سأقول أنهم غزاة جاءوا من كوكب آخر، ثم أقوم بدعوة صنّاع السينما في هوليود لإنتاج أول فيلم واقعي عن غزو الكواكب وحرب النجوم!.. أما أن أقول أنها تشاد فلا وألف لا. فالكذب أخف وطأة من هذه الفضيحة المركّبة التي مازجها كذب فج. والغريب أنها المرة الأولى والوحيدة التي يخرس فيها لسان هذه الحكومة عن الكذب المتقن برغم أن لسانها قد درج عليه وفطم به!.

    الفضيحة هنا ذات شقين. شق يتعلق بفشل الحكومة في التصدي للجماعات المسلحة الغازية قبل دخولها عاصمة البلاد. هذا الشق من الفضيحة لن تغسله التبريرات والفتاوى الحكومية مثل الزعم الساذج أن أمن الحكومة قد "فتح" للجماعات الغازية حتى تتحرك الخلايا النائمة ومن ثم ضرب جميع الخلايا النائمة منها والمستيقظة.. ولو بفعل الحبوب المنشطة!. فعلا أصبح من الثابت أن الحكومة قد "فتحت" للجماعات المسلحة.. لكن فتحت ماذا؟! المهم أن كل هذه الفتاوى مردودة ومردود عليها كما سوف يستتبع في هذا السياق. هذا الشق من الفضيحة، أي الشق المتعلق بتمكن الجماعات المسلحة من قطع الفيافي ودخول عاصمة البلاد نهارا، يكاد تكون عديم الأهمية قياسا للجزء الآخر شديد الأهمية المتعلق بمزاعم غزو تشاد للسودان، بل وقدرة تشاد الوصول إلى قلب العاصمة السودانية. لذلك سوف أبدأ بمعالجة هذا الشق الأهم وفي ظني أن المعالجة قد تفضي بنا إلى ما وراء هذه الأكمة والغبار المذرور.

    تشاد في حد ذاتها السياسية والاقتصادية والسكانية والتاريخية والعسكرية والنفسية غير مؤهلة قطعا لغزو السودان أو حتى غزو مدينة أو قرية حدودية مرمية على تخوم السودان حتى لو جاءت تشاد لنفسها بمثلها مددا. لا أقطع بهذا القول من باب الإقلال من شأن تشاد، بل لوضع الأمور في موازينها التاريخية وظروفها المعاصرة حتى نصل عقلا ومنطقا إلى المخبوء من الحقائق. نعم من حيث "الظاهر" لا شك أن جميع الجماعات الدارفورية المسلحة تجد الملاذ وتتدرب وتتلقى إمدادات الأسلحة والعتاد الحربي من داخل الأراضي التشادية. ففتح الحدود للجماعات المناوئة أصبح سمة وأمرا عاديا في علاقات حكومات المنطقة. والظار الذي نراه بالعين المجردة يمضي بنا للقول أن الحكومة التشادية الراهنة كانت تعلم بتحرك الجماعات المسلحة صوب الخرطوم. لكن هل "العلم" بالشيء يعني دائما "الفعل" بالمشاركة والتدبير؟ وهل يكفي هذا "الظاهر" للتأكيد أن حكومة تشاد الحالية هي فعلا التي قررت ودبّرت وسلّحت ومولت ونفذت من تلقاء نفسها عملية السبت الماضي؟. هذا "الظاهر" هو المفرق الذي نطرح تحت سدرته الأسئلة المهمة، وإليك:

    هل الحكومة التشادية الراهنة تملك كل أمر نفسها؟

    وهل تقوم تشاد بصناعة الأسلحة في نجمينا وتقدمها للجماعات الدارفورية المسلحة؟.

    وإذا كانت تشتريها من سوق السلاح العالمي، هل تمتلك حكومة إدريس ديبي القدرات المالية الفائضة اللازمة لمقابلة تكاليف شراء الأسلحة وآلاف السيارات ذات الدفع الرباعي الغالية ومن ثم تقدمها للجماعات الدارفورية هكذا؟.

    وإذا كان لحكومة ديبي هذه الفيوضات المالية لشراء الأسلحة وغيرها، هل تبيعها للجماعات الدارفورية؟.

    وإذا كنا على يقين أن هذه الجماعات لا تملك مصادر للتمويل الذاتي، هل يقدم لها ديبي هذه الأسلحة هدية؟.

    وإذا كان إدريس ديبي يعلم علم اليقين أن عطاياه المفترضة للجماعات الدارفورية ليست ساعات يد مطهمة بالذهب على طريقة أغنياء العرب، بل أسلحة وعتاد حربي وأنه يعلم يقينا أن الجماعات الدارفورية سوف تستخدم هداياه من الأسلحة في حربها ضد الحكومة السودانية الراهنة، فهو يعلم بالتأكيد أنه أصبح شريكا كامل الشراكة في هذه الحرب. ما هي مصلحة تشاد أو مصلحته الشخصية في هذه الشراكة؟

    هل تقوية الجماعات الدارفورية بالسلاح سوف يدعم حكمه ويكرسه رئيسا؟

    وبما أن الأسلحة تم استخدامها في غزو عاصمة السودان في عملية كاميكاز شبه انتحارية في وضح النهار، ألم يفكر ديبي في انكشاف أمر شراكته في الحرب، ومن ثم تبعات ذلك عليه على المستويين الإقليمي والدولي؟

    وإذا نجحت الجماعات المسلحة في إسقاط حكومة الخرطوم، ما هي الفائدة التي سوف يحصل عليها ديبي من سقوط حكومة الخرطوم الراهنة؟ وهل وفر ديبي لحكومة الجماعات المسلحة الضمانات اللازمة للاستمرار في حكم السودان من نجمينا؟!

    وإذا كان ديبي، على حد زعم حكومة الخرطوم، أراد من عملية الغزو الرد على الغزو الذي تعرضت له نجمينا، ما الذي يمكن أن يجنيه ديبي من مثل هذا الرد لجهة توطيد حاكميته؟ أم هو مجرد انتقام لا أكثر؟

    وإذا تركنا جانبا موضوع السلاح والمال، لابد أن نسأل: هل تمتلك حكومة ديبي فعلا الخبرات العسكرية والمقدرات التكتيكية العسكرية والدعم اللوجستي التقني العسكري من طيران واتصالات أرض فضائية اخترقت بها الدفاعات التقنية الأمنية لحكومة الخرطوم ووفرت بها الغطاء اللوجستي اللازم الذي مكّن الجماعات المسلحة من الوصول إلى قلب العاصمة السودانية وهي محمولة على مئات السيارات؟

    وإذا كان لحكومة ديبي هذه المقدرات العالية المادية والتقنية المتطورة، لماذا لم تستخدمها حكومة ديبي في الدفاع عن نفسها قبل أن تدخل المعارضة المسلحة نجمينا وتحيط بقصر الرئاسة قبل بضعة أشهر؟

    المحاولة الأخيرة لإسقاط حكومة ديبي كشفت بوضوح أن الأسلحة ووسائل النقل العسكري الذي استخدمته الجماعات المسلحة في غزو حكومة الخرطوم يفوق عشرات المرات ما بحوزة الجيش التشادي. فلو كان جيش إدريس ديبي يملك هذه المقدرات لما تمكنت تلك المجموعات الصغيرة شحيحة العتاد فليلة العدد من دخول نجمينا. فهل جهز ديبي جيشا لغزو الخرطوم يفوق في عدده وعديده الجيش التشادي نفسه؟. وهل يا ترى لم يخطر ببال ديبي أن الجماعات التي سلحها وزودها بهذه المقدرات القتالية قد تغيّر رأيها وتتوجه نحو نجمينا بدلا عن الخرطوم فتحتل نجمينا وتطرده أو تقتله وتعلن حكومتها؟!!

    طبعا من السهولة بمكان أن نضع كلمة (لا) أو أي علامة نفي أخرى أمام كل سؤال من الأسئلة السابقة. لن أفعل ذلك، لكني سوف أسوق بعض الجوانب التاريخية المعاصرة والاجتماعية التي قد تشكل مجتمعة إجابة منطقية واحدة على جميع الأسئلة التي طرحتها فوق.

    أولا: علاقة السودان مع تشاد لا تقتصر على التداخل السكاني مع دارفور فحسب، بل إن تشاد في حد ذاتها لا تعدو كونها امتداد طبيعي اجتماعي للمجال الحيوي الذي يشغله ما بعرف اليوم سياسيا بالسودان بدء من حدود السودان السياسية مع تشاد إلى أقصى حدود السودان الشرقية. ثم يتواصل هذا الامتداد الطبيعي الاجتماعي من حدود السودان الشرقية ليشمل كلا من إثيوبيا واريتريا. هذا المجال الحيوي الضخم الذي يحتل فيه السودان موقع القلب والقطب الجاذب قد شكلته جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسكانية الضاربة في القدم. إن التأثيرات السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية التي تنتقل بقوة وسرعة بين مجتمعات هذه الأقطار تؤكد الترابط المحكم بين مجتمعات السودان وإثيوبيا واريتريا وتشاد دون سواها من أقطار المنطقة. فمشكلة جنوب السودان على سبيل المثال ألقت بظلالها القوية على إثيوبيا، واستقلال اريتريا تم عن طريق السودان، ومشكلات السودان السياسية تتمدد إلى جميع هذه الأقطار، وأزمة الحكم في تشاد يتم طبخها في دارفور السودانية وتؤكل في نجمينا، والديانات والأديان الوثنية واليهودية والمسيحية والإسلام تسلقت الهضبة الإثيوبية شرقا وانتشرت في سهول أفريقيا غربا من مجال السودان الحيوي، والجفاف والتصحر يدفع مجتمعات تشاد وغرب وشرق أفريقيا إلى الهجرة التلقائة إلى السودان دون أدنى اعتراف بالحدود السياسية.

    النيل هو الشريان الدائم للحياة الذي يجري في وسط مناطق صحراوية أو شبه صحراوية تعتمد شعوبها في معظمها على الأمطار. وبفضل هذه الديمومة أصبح النيل هو القطب الأعظم الذي يستقطب كل شعوب المجال الحيوي السوداني وامتداداته شرقا وغربا. أصبح النيل وعلى مدار التاريخ هو هذا الأب الذي يهرع إليه الجميع خاصة في أيام الشدة والجفاف. وبفضل النيل وديمومة جريانه اكتسب السودان هذه القطبية التي تنجذب إليها وتتأثر بها شعوب السودان وشعوب غرب وشرق أفريقيا. زد على ذلك أن حوض النيل السوداني يتميز بخصائص المناخ والسهول المنبسطة غنية التربة فكان مهدا للحضارات منذ أزمنة بعيدة.

    هذه الجزئية وإن بدت بعيدة نوعا عن موضوعنا الأساسي، إلا أن لها أهمية لا يمكن تجاوزها. فالاستقطاب الاقتصادي لابد أن يتبعه استقطاب سياسي وفكري وثقافي وفني مؤثر في كل مجتمعات هذا المجال الحيوي شرقا وغربا. ونستطيع أن نستوثق من ذلك في انتشار ما يسمى بالموسيقى السودانية بين المجتمعات في إثيوبيا واريتريا وتشاد وغيرها من أقطار شرق وغرب أفريقيا. سبب هذا الانتشار لأن السودان هو البوتقة التي تدوزنت فيها كل ميلودي وإيقاعات هذه المجتمعات وشكلت مجالا موسيقيا عريضا ينفذ تلقائيا إلى وجدان هذه المجتمعات حتى لو اختلفت اللغات. هذه التأثيرات لم تخلق حالة تنافر، بل وثّقت وأحكمت الترابط العضوي الذي ربط بين مصائر مجتمعات هذه الأقطار إلى درجة الانتماء العلني. لذلك عندما يقول المواطن التشادي أو الاريتري أو الإثيوبي بأنه سوداني، فإنه لا يكذب أو يحتال على قوانين الجوازات والهجرة، بل يعبّر تعبيرا صادقا عن مكنون وجدانه. ذلك أن كل المعطيات التي ذكرنا كونت في نفوسهم مغناطيسية استقطاب يؤشر سهمها دائما في اتجاه السودان حيث القطب الأعظم هذا النيل الأوسط.

    خلافا لهذه الصورة نجد أن شعوب مصر وليبيا وأقطار شمال أفريقيا برغم تماسها مع مجتمعات هذا المجال الحيوي إلا أنها ليست جزء من مغنطته الطبيعية التي تضم حصرا شعوب السودان وإثيوبيا وتشاد واريتريا. ذلك أن سهم الاستقطاب الاجتماعي في مصر وليبيا وأقطار شمال أفريقيا يتجه شمالا إلى البحر الأبيض المتوسط.. إلى شعوب ما وراء المتوسط!. لذلك تأثرت شعوب مصر وليبيا وشمال أفريقيا بالنظرة الاستعمارية الأوروبية فأصبحت تنظر إلى شعوب السودان وتشاد وأفريقيا بصفة عامة نظرة استعلاء عرقي. هذا الاستعلاء العرقي أصبح يلعب دورا مباشرا في تأجيج الأزمات السياسية في السودان وتشاد واريتريا وإثيوبيا وأقطار شرق وغرب أفريقيا لأنه، أي الاستعلاء العرقي قد دخل وتشرعن عبر المؤسسات الإقليمية مثل منظمة الوحدة أو الاتحاد الأفريقي ومنظومة أقطار الساحل والصحراء. هذا جانب يطول شرحه، لذلك أكتفي بنموذج واحد يرتبط ارتباطا محوريا بموضوعنا هذا ألا وهو التعاطي الليبي مع مسألة الحكم في تشاد. فقد ظلت ليبيا تلعب الدور الأساسي في لعبة تغيير الحكم في تشاد لعلها تحصل على حكومة تابعة يتم تحريك خيوطها من طرابلس. فقد قامت ليبيا بتسليح وتأهيل كل الجماعات المسلحة التشادية التي تعاقبت على الحكم في تشاد. أما ما يصيب الشعب التشادي من موت أو دمار أو عدم استقرار فلا أهمية له في الحسابات الليبية. ولا ينسى السودانيون أن ليبيا قد سبق لها أن سلحت ومولت غزوة مماثلة اجتاحت الخرطوم عام 1976 دون أدنى اعتداد ليبي بما يصيب الشعب السوداني وأيضا الغزاة من موت ودمار. فالهدف الليبي يعلو ولا تعلو عليه دماء هؤلاء "السوادنة" أو "الأفارقة السود". لذلك أنتهز السياق لأقترح ضرورة قيام اتحاد كونفدرالي رباعي يضم شعوب السودان وإثيوبيا واريتريا وتشاد ويستثني مصر وليبيا. مثل هذا الاتحاد يتوافق تماما مع الخصائص والمقومات المشتركة والمتداخلة لهذه الشعوب ولن يكون اتحادا اصطناعيا مثل مجموعة دول الساحل والصحراء الذي يهدف أولا وأخيرا إلى فرض نوع من الوصاية على السودان وتشاد وإثيوبيا واريتريا، ويرمي إلى الإلمام بتفاصيل ملفات علاقات هذه الأقطار. ولعلني أعود في سياق خاص لشرح ذلك. زد على ذلك أن ليبيا هي التي يدلق بسخاء أطنان الأسلحة المتطورة في دارفور لأطراف النزاع التشادي والجماعات الدارفورية حتى آخر محاولة جرت قبل بضعة أشهر لإسقاط إدريس ديبي. والخزي حقا أن الحكومة العسكرية السودانية الراهنة بنسختها الأولى (مايو 1) ونسختها الثانية الراهنة (مايو 2) هي التي "فتحت" دارفور أمام تدفق السلاح الليبي.

    نربط ما ذهبنا إليه فوق بموضوعنا الأساسي "غزوة أم الصّبيان" فنجد أن كل المعطيات التاريخية والاجتماعية والروابط القوية تحول بين غزو تشاد للسودان. الشعب التشادي في مجمله شعب شقيق يضع نفسه دوما في موضع الشقيق الأصغر للشعب السوداني بصفة عامة. فقد تلقى آلاف التشاديين تعليمهم في مدارس ومعاهد وجامعات السودان. وبفضل التداخل السكاني فقد حصل مئات الآف التشاديين على الجنسية السودانية بانتماء كامل لحقوق المواطنة. ثم إن حركة فلورينا التي غيرت تاريخ تشاد قد تم تكوينها في السودان ربما في مدينة نيالا. هنا قد يظن البعض أن الخصومة التي سادت بين الحكومتين الشموليتين في الخرطوم ونجمينا قد يشكل دافعا نفسيا عن إدريس ديبي لكي يدعم الجماعات المسلحة التي غزت حكومة الخرطوم. لكن الثابت أن ديبي من نشأته الشخصية وكيفية وصوله للحكم أكثر من يعلم موقع السودان في نفسه وفي نفوس التشاديين عامة. هذا لا يعفي ديبي من الضلوع في عملية الغزو المسلح، وهو ضلوع غير مباشر أملته عليه ظروف بقائه في الحكم كما سوف نرى لاحقا. ربما وجد إدريس ديبي في موقف حكومة الخرطوم ضده المبرر النفسي الشخصي لقبول الضلوع غير المباشر في عملية الغزو بظنه أن الغزو عمل مضاد لحكومة الخرطوم وليس ضد الشعب السوداني. وهنا وقع ديبي في الخطأ الفادح.

    ثانيا: وحتى إذا حاولت الحكومة التشادية الراهنة القفز فوق كل الاعتبارات التي ذكرنا وقررت غزو السودان، فالواقع يقول أن تشاد لا تملك المقومات الاقتصادية أو التقنية أو المالية أو البشرية أو العسكرية (الوطنية) اللازمة لحماية تشاد نفسها ناهيك عن توفير المستلزمات التقنية والأسلحة والنفقات العالية التي تطلبتها عملية غزو الحكومة السودانية. وإذا كان لابد من بعض المقاربة فإن عدد سكان نجمينا لا يربو عن 721 ألف نسمة حسب آخر تعداد جرى عام 2005، أي أنها في حجم مدينة متواضعة من مدن أقاليم السودان، ولا تزيد من حيث السكان والخدمات ومستوى المعيشة عن ضاحية شعبية من ضواحي العاصمة السودانية التي يقارب عدد سكانها كل شعب تشاد!. عدد سكان تشاد يقل عن عشرة مليون نسمة حسب آخر تعداد، مقابل أكثر من ثلاثين مليون نسمة هم تعداد السودان. تبلغ مساحة تشاد مليون و200 ألف كيلومتر معظمها صحارى وتحتل الموقع 21 في ترتيب دول العالم من حيث المساحة. في المقابل يحتل السودان المركز العاشر دوليا بمساحة اثنين مليون ونصف المليون كيلومتر مربع كأكبر قطر أفريقي، أي ضعف مساحة تشاد مع فارق كبير لصالح السودان الذي يتمتع بالتربة الخصيبة ومصادر المياه بالنظر إلى أرض تشاد المتصحرة شحيحة المصادر المائية (عدا المخزون الضخم من المياه الجوفية عند التخوم بين تشاد والسودان وليبيا، والذي يتغذى منه النهر الصناعي العظيم الليبي، وهذا ما يفسر المطامح الليبية في شريط أوزو التشادي الذي حاولت ليبيا احتلاله، مثلما يفسر المحاولات الليبية المستميتة لفرض حكومة تشادية تابعة لها.. كله بسبب الماء!!). تستورد تشاد غالبية المواد الغذائية من الأقطار الأفريقية المجاورة مثل الكاميرون ونيجيريا والسودان. أما الدخل القومي التشادي فيبلغ حوالي عن سبعة مليار و 200 مليون دولار. وبرغم أن تشاد بدأت تصدير البترول عان 2003 إلا أن متوسط دخل الفرد 400 دولار في العام، حيث تستأثر الشركات الأوروبية بمعظم عائدات النفط وتحصل تشاد على "مصروف جيب"!.

    كل هذه المعطيات كافية وبالزيادة للتأكيد أن تشاد ليست الجهة التي قدمت التجهيزات المادية والأسلحة والدعم اللوجستي للجماعات المسلحة التي أغارت على قلب العاصمة السودانية. إذن هنالك "جهة أخرى" ذات مقدرات مالية ضخمة أنفقت بسخاء على عملية غزوة الخرطوم الأخيرة. هذه "الجهة الأخرى" قد تكون أحد الأقطار الغنية في المنطقة وقد تكون أكثر من قطر من أقطار المنطقة، وقد تكون دولة كبرى منفردة، وقد تكون دولة كبرى تضامنت ونسقت مع قطر أو أكثر من أقطار المنطقة. إلى الآن لا نبرئ تشاد من الضلوع في العملية من حيث أنها فتحت أو بالأحرى تم إرغامها على فتح حدودها ومطاراتها لتدفق الأسلحة والمعدات والسيارات، مثلما فتحت أو أرغمت على فتح أراضيها لتجميع وتدريب الجماعات المسلحة.. أو جزء من هذه الجماعات!.

    أيضا، ومن حيث المعطيات المتاحة حتى الآن، نجد حكومة تشاد ضالعة في العملية لجهة أنها مكّنت الجماعات الغازية من عبور حدودها مع السودان. لكن المسارات التي سلكتها الجماعات المسلحة نحو الخرطوم تشي بشك قوي أن الجماعات المسلحة لم تنطلق فقط من داخل الأراضي التشادية. فمن الوجهة العسكرية كان من المفترض أن تأخذ الجماعات المسلحة بمجرد خروجها من الحدود التشادية اتجاه الجنوب الشرقي في ميلان نصف دائرة شمال شرق نحو الخرطوم حتى توفر لنفسها حماية طبيعية. أو تندفع بأقصى سرعة في اتجاه الشرق في عملية مداهمة شبه انتحارية حتى تصل الخرطوم في وقت قياسي وبأقل قدر من الخسائر. لكنني لاحظت أن بعض الجماعات المسلحة دخلت أم درمان من زاوية الشمال الغربي.. فمن أين انطلقت؟.. ومما يقوي هذا الشك أن الفلول المتبقية سلكت اتجاه الشمال والشمال الغربي في طريقها للخروج من الحدود السودانية. هذا الاتجاه يقود إلى الزاوية التي تلتقي عندها تخوم السودان ومصر وليبيا. فإذا كانت الفلول تريد العودة إلى تشاد لكانت اتجهت غربا أو غربا بدرجة ميلان ناحية الجنوب الغربي.. فأي وجهة كانوا يقصدون؟!.

    احتمال خروج الجماعات المسلحة من أكثر من منطقة حدودية، وهو احتمال راجح، يعني أن المجموعات التي عبرت الحدود من تشاد ربما كانت بهدف التمويه لصرف انتباه أجهزة الحكومة السودانية تبعا للتوتر بين حكومتي الخرطوم ونجمينا، بينما تجيء الفيالق الرئيسية التي توجه الضربة القاصمة من اتجاه تطمئن إليه حكومة الخرطوم. وبما أن حركة الفلول العائدة قد اتجهت نحو الشمال الغربي، وبما أن سائقي السيارات غالبا ما تدربوا على عمليات الدخول والخروج، فإن ذلك يرجّح فرضية أن الفيالق الرئيسية التي دخلت الخرطوم قد جاءت فعلا من جهة الشمال الغربي، وفي شيء من التحديد من زاوية التقاء الحدود السودانية الليبية التشادية.

    داخل الدائرة التي رسمناها لتحديد "الجهة الأخرى" ذات القدرات المالية والتقنية التي جهزت الجماعات المسلحة، لابد أن نذكر أن كل دارفور محط أنظار العالم، ليس بالعين المجردة لكن بواسطة الرصد الفضائي سواء بواسطة الأقمار الصناعية أو بطائرات رصد متقدمة ذات مقدرات عالية وسريعة في التقاط ومعالجة الصور. وفي شيء من الحصر نستطيع أن نجزم أن دولا مثل الولايات المتحدة وفرنسا وأقطارا مصر وليبيا تقوم بعمليات مسح ورصد دقيق لكل ما يجري أو يتحرك في دارفور خاصة الحدود السودانية التشادية ومثلث التخوم المصرية الليبية السودانية. فهناك القوات الدولية التي بدأت في أخذ مواقعها داخل تشاد، ثم القواعد الفرنسية في تشاد، ثم طلائع القوات الدولية (الأممية) التي بدأت في التمركز في دارفور. وغني عن الذكر أن مظلة الحماية لهذه القوات والقواعد العسكرية الدولية تتم من الجو والفضاء. فإذا كانت تقنية الرصد الجوي والفضائي تستطيع رصد وتحليل رقم سيارة أو معزة، هل عميت يا ترى أن ترى أرتال مئات السيارات العسكرية المنطلقة في منطقة مكشوفة تقوم برصدها على مدار الدقيقة؟. بالتأكيد رأت وسمعت كمان!. السفارة الأميريكية في الخرطوم حذرت رعاياها من احتمال تعرض الخرطوم لعمليات عسكرية. سوف نفترض أن الولايات المتحدة الأميريكية وفرنسا رأت وسمعت وسكتت، فما بال ليبيا ومصر؟.

    زد على ذلك أن الجماعات المسلحة الغازية كانت تحتاج بالضرورة إلى تغطية جوية لتوجيه مساراتها في طرق ومنعرجات آمنة. بمعنى أن تقوم وسائل التغطية الجوية برصد حركة القوات السودانية، إن وجدت، ونقلها للجماعات المسلحة الغازية المتحركة في اتجاه الخرطوم.. بغير ذلك غطاء وتوجيه جوي يستحيل أن تتمكن تلك الجحافل الكثيفة من بلوغ الخرطوم. هذه الحقيقة التي لا تقبل الجدل تورطنا نحن في فرضية أن الولايات المتحدة أو فرنسا أو ليبيا أو مصر قد وفرت الغطاء أو الارشاد الجوي للجماعات المسلحة الغازية. لا أريد أن ألقي الاتهامات جزافا على طريقة حكومة الخرطوم، لذلك قد نعرف إلى إي من هذه الدول والأقطار سوف ينتهي بنا هذا السياق!.

    تأكدنا إذن أن المسألة أكبر بكثير من الامكانات التشادية المادية والعسكرية شديدة التواضع. وبقيت بالتالي أمامنا ثلاثة مفاصل لنصل إلى نهاية هذا السياق. أولا الدور الذي قام به إدريس ديبي ولماذا، وثالثا محاولة تحديد "الجهة الأخرى" الغنية أو الغنية القوية التي سلحت وجهزت الجماعات المسلحة، وثالثا الأهداف الحقيقية من العملية كلها.

    إدريس ديبي وصل إلى حكم تشاد بأسلحة وأموال وإمكانيات لبيبة وتأييد وتسهيلات قدمتها الحكومة السودانية الراهنة التي "فتحت" دارفور لتدريب وتسليح جماعات إدريس ديبي. في ذلك الوقت كان ديبي تحت رحمة وسيطرة الخرطوم وطرابلس. عقب ذلك دخل ديبي في خلاف مكتوم مع طرابلس. أيضا دخل ديبي في خلاف معلن مع حكومة الخرطوم التي اتهمته بأنه جعل من الأراضي التشادية قاعدة لتسليح وتدريب وانطلاق الجماعات الدارفورية المسلحة. في ذلك الوقت وإلى اليوم تعلم حكومة الخرطوم أن ليبيا هي التي تمد الجماعات الدارفورية بكل الأسلحة والإمدادات الحربية والمال. لكن حكومة الخرطوم تفضل كعادتها إلقاء التبعة والملامة على "الحيطة القصيرة" أي حكومة إدريس ديبي. ويبدو أن الحكومة السودانية تحاشت مثلما تتحاشى اليوم فتح جبهة عداء مع ليبيا بعد أن استنفذت كامل حصتها من العداء مع كل أقطار الجور السوداني ابتداء من مصر إلى السعودية، اريتريا وإثيوبيا، يوغندا حتى أفريقيا الوسطى ثم تشاد مسك الختام!. المهم أن أصدقاء الأمس، طرابلس والخرطوم، تحولا إلى أعداء لديبي. ومن ثم قامت ليبيا بموافقة أميريكية بتسليح الجردة العسكرية التي تمت قبل بضعة أشهر والتي أوشكت على الإطاحة بإدريس ديبي لولا أن تداركته رحمة من القوات الفرنسية دائمة الإقامة في تشاد. طبعا لم تجد ليبيا صعوبة في جرجرة الحكومة السودانية الراهنة نحو عمل عسكري ضد ديبي، أولا لأن الحل بالعنف المسلح أحد السمات الأساسية للحكومة السودانية الراهنة، ثم لأنها تعاملت مع الموضوع على خطورته من رد فعل أحمق.

    المحصلة المهمة من هذه الجزئية أن إدريس ديبي لم يملك في يوم من الأيام أمر نفسه. فقد تقلّب بين النفوذ الليبي السوداني، ثم النفوذ الليبي، ثم النفوذ الفرنسي الليبي، وأخيرا النفوذ الأميريكي الليبي المشترك. إذ لا يفوت على الفطنة أن واشنطن رفعت القيود عن معاصم ليبيا وأعادت العلاقات معها بحميمية ليس لمجرد العلاقات المشتركة بين البلدين أو لأجل استثمارات أميريكية في النفط الليبي، بل لأجل الدور الذي يمكن أن تلعبه ليبيا في أفريقيا لمصلحة واشنطن. ذلك أن ليبيا أصبحت لاعبا أساسيا على الصعيد الأفريقي والممسك الوحيد بالملف التشادي وما يرتبط به مثل العلاقات بين الحكومتين السودانية والتشادية والتأثيرات على أقطار غرب ووسط أفريقيا. والمفارقة أن غزوة ليبيا وحكومة الخرطوم لعرش إدريس ديبي انتهت بخروج حكومة الخرطوم من مسألة السيطرة على ديبي وبقي التوتر بينها وبين ديبي، بينما لعبت ليبيا دور الوسيط بينهما في لقاء طرابلس!. وما يؤكد حرص ليبيا على الانفراد بالملف التشادي لم تتورع طرابلس عن طرد المملكة العربية السعودية من الملف الخرطوم نجمينا. المهم أن ديبي واقع الآن سيطرة مزدوجة هي السيطرة الفرنسية كأمر واقع، ثم السيطرة الليبية، حيث تسعى ليبيا تحقيق مآربها الخاصة وفي نفس الوقت إرضاء الأجندة الأميريكية دون أن تقطع مع باريسّ. وهكذا يبقى الملف التشادي خارج أيدي التشاديين.

    ديبي إذن قانع بهذه السيطرة الثلاثية طالما أنها الوسيلة الوحيدة التي تبقيه في منصب رئيس. وطبيعي أن يكون للبقاء ثمنه. من ذلك قبوله بوضع بصمات تشاد على "غزوة أم الصبيان" الأمر الذي وضع تشاد من حيث الظاهر في موضع المسؤول الوحيد عن عملية الغزو، علاوة على أن التوتر بين حكومتي الخرطوم ونجمينا كان قد شكّل الغطاء المناسب لكل سيناريو الغزوة. ومن حيث أن تشاد كما تأكدنا لا تملك القدرات المالية أو العسكرية أو التقنية اللازمة لتسليح وتمويل وتقديم الغطاء الجوي والدعم اللوجستي لمثل تلك العملية، تصبح تشاد وديبي مجرد طلاء خارجي لعملية الغزو. هنا نصل إلى المفصل الثاني الخاص بمحاولة تحديد "الجهة الأخرى" الغنية أو الغنية القوية التي سلحت وجهزت الجماعات المسلحة. لذلك علينا أن نحك جزء من هذا الطلاء حتى نقترب من معرفة تلك "الجهة الأخرى".

    معرفتنا بالأساليب التي تنتهجها الدول الكبرى تدفعنا أن نستبعد أي تورط مباشر للولايات المتحدة الأميريكية أو فرنسا في عملية الغزو. فالدول الكبرى الديموقراطية تنأى عن التورط المباشر في مثل هذه الأعمال الصبيانية نسبة لردة الفعل العنيفة التي تصدر عن الرأي العام الداخلي في هذه الدول في حال انكشاف تورط حكومتها. أن تغزو أميريكا العراق غزوا مباشرا بجيوشها مسألة قد تكون مقبولة في حينها عند الرأي العام الأميريكي. أما أن تتورط إدارة أميريكية تورطا مباشرا في فضيحة مثل فضيحة الكونترا فذلك ما لا يقبله الرأي العام الأميريكي بصرف النظر عن الدوافع. وحتى إذا رغبت حكومة غربية في مثل هذه العمليات فإن ذلك يتم عبر جهة ثالثة أو رابعة بما يضع الحكومة الغربية خارج دائرة الشبهات.. ويسمح لها بإدانة الموضوع داخل مجلس الأمن!. وبرغم أن أجهزة الرصد الأميريكية والفرنسية قد رصدت حركة الجماعات المسلحة، إلا أن ذلك لا يعتبر بيّنة ضدهما بالتورط المباشر حتى لو كانتا أو كانت إحداهما على علم مسبق أو مشاركة بالتحريض. لم يبق أمامنا إلا ليبيا. وبرغم صعوبة الحصول على اعتراف ليبي رسمي، فإن القرائن المنطقية تحدد بصورة شبه دقيقة أن ليبيا هي تلك "الجهة" التي كانت وراء غزوة أم الصبيان لبلاد السودان!

    فالوقائع تتحدث عن نفسها وتقول أن ليبيا هي البلد الغني الوحيد في المنطقة الذي له سوابق وتاريخ طويل مشهود وخبرة كبيرة في مثل هذه العمليات في المنطقة. فقد سبق أن نفذت ليبيا أربع عمليات مماثلة غيرت فيها أربع حكومات تشادية، وأن العمليات الأربع نسخة طبق الأصل مكررة تبدأ بتجميع وتسليح الجماعات التشادية في دارفور ودفعها نحو العاصمة التشادية. عملية غزو العاصمة السودانية هي أيضا نسخة من تلك العمليات بفارق وحيد هو أن الجماعات المسلحة انطلقت هذه المرة صوب الخرطوم بدلا عن نجمينا. وليبيا تمسك اليوم بكامل الملف التشادي. ثم إن ليبيا هي القطر الغني الوحيد بالمنطقة الذي له قدرة مالية وسوابق مشهودة في توفير السلاح للجماعات الدارفورية والتشادية. وليبيا سبق أن قامت في عام 1976 بتنفيذ عملية طبق الأصل عندما سلحت ومولت معارضي حكومة مايو العسكرية ودفعت بهم نحو الخرطوم. ثم أن حسن العلاقات بين حكومة الخرطوم وبين ليبيا ليست له قيمة ولا يمنع ليبيا عن القيام بمثل هذه العملية، بل قد يكون حسن العلاقة أحد الأغطية لأن حكومة ليبيا غزت حكومة مايو في أوج العلاقات الحسنة بينهما. في ذلك الوقت أدخلت ليبيا الأسلحة والسيارات الناقلة لجماعات المعارضة السودانية المسلحة على أنها معدات زراعية هدية للسودان!. وليبيا باعتراف زعامتها تربطها علاقة "أبوبية" بزعيم الجماعات المسلحة التي غزت حكومة الخرطوم السبت الماضي، وفي ليبيا تنعقد مؤتمرات الجماعات الدارفورية علاوة على ما تقدمه لهذه الجماعات من مال وسلاح. لكن عندما فشلت العملية كان لابد أن يتصدى رمز سياسي سوداني لدفع الشبهة عن ليبيا بأسرع ما يمكن.وعليه نقرأ التصريح المستعجل الذي أدلى به الصادق المهدي بأنه إعلان مدفوع الأجر كمحاولة استباقية لتبرئة ليبيا عن الضلوع في العملية..!.

    أمام كل هذه القرائن والمعطيات، وبرغم معارضتنا الصريحة لحكومة الخرطوم لكونها حكومة غير ديموقراطية ولا تريد أن تقبل التحول الديموقراطي بالتي هي أحسن وتسببت في تفاقم أزمة دارفور وأزمات السودان كافة، فإن العملية الحربية التي جرت في وسط العاصمة السودانية لم تحدث من تلقاء نفسها ولم ينفذها غزاة من كوب آخر ولا أنا!.. فلماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها؟. كل العملية تحمل بصمات ليبية وإن نجحت ليبيا بامتياز في إخفاء دورها خلف إدريس ديبي. فإذا كنا نحن البشر لم نعرف الله لأننا رأيناه، بل عرفناه بالآثار الدالة على وجوده، فمن البديهي أن تصل بنا البصمات والآثار الدالة ومنطق الاستدلال إلى هذه النتيجة.

    هنا نصل إلى المفصل الثالث الخاص بالأهداف والدوافع. ليبيا لم تتخلى مطلقا عن حلمها القديم في شريط أوزو التشادي حيث ترقد واحدة من أكبر البحيرات الجوفية العذبة في القارة الأفريقية والتي يتغذى منها النهر الصناعي الليبي أهم مصدر للماء العذب لكل ليبيا. بدون مياه هذه البحيرة فإن الأنبوب الضخم للنهر الصناعي الليبي سوف يصلح فقط كنفق لقطارات الأنفاق!. كذلك يرقد جزء عظيم من مياه هذه البحيرة تحت أرض دارفور.. التي يقتلها الظمأ والماء تحت نعالها مدفون!.. هذه الحقيقة المائية التي أشرت إليها قبل بضع سنوات (دارفور الماء والنار..بين أطماع القوى الدولية وأطماع الجوار) تفسر أيضا المطامع الليبية في دارفور. زد على ذلك أن ليبيا ظلت تحلم دوما بأن تهبط بحدودها جنوبا إلى الأراضي الأفريقية حيث مناسيب المياه والتربة الصالحة لاستثمار عائدات النفط زراعيا لمصلحة الشعب الليبي.. وغالبا ما تتمدد الطموحات الليبية في المستقبل المنظور إلى مباه نهر النيجر.

    مجمل هذه المعطيات تفسر الانعطاف الليبي القوي تجاه القارة الأفريقية ودفقها لبلايين الدولارات على الزعامات الأفريقية وأيضا النزاعات الأفريقية لخلق كينونة وزعامة ليبية لتحقيق طموحاتها جنوبا. كانت ليبيا تغنّي عربيا وتشرب أفريقيا. لكنها أدركت أن مصالحها الحيوية وأحلامها توجد في أفريقيا. لذلك أدارت ليبيا ظهرها للعرب حتى تغنّي وتأكل وتشرب أفريقيا.. وذلك عين الصواب. فكل ذلك كان في قيد الامكان عبر اتفاقات استثمارات مشتركة داخل إطار معاهدات إقليمية موثقة دوليا. كان في مقدور ليبيا مثلا تنفيذ استثمارات زراعية ضخمة في تشاد وإقليم دارفور السوداني، وتضمن تدفق المياه إلى نهرها الصناعي بموجب الاتفاقات الدولية لتوزيع حصص المياه. لكن البائن أن نزعة الحيازة قد غلبت على ليبيا، فدخلت ليبيا في مهزلة استبدال الحكومات في تشاد ونشر الأسلحة في دارفور، حيث انتشرت جماعات النهب المسلح والانفلات الأمني الذي أزهق أرواح الأبرياء من أهل دارفور. فالفوضى المتعمدة في دارفور لها نتيجة واحدة هي عدم تمكين أهل دارفور من استثمار رصيدهم من الماء. وعندما تبلغ الفوضى منتهاها تتأهل دارفور إلى انفصال غالبا ما يرمي "دولة دارفور" في أحضان كونفدرالية مع ليبيا. في الأثناء قد تعثر ليبيا على حكومة تشادية تدار من طرابلس وتبصم على بيع أجزاء من التراب التشادي مثلما باعت روسيا القيصرية ألاسكا للحكومة الأميريكية. كل ذلك لم يحصل ولن يحصل، لكن الذي حصل هو هذا الخراب الذي أصاب دارفور وشرد أهلها إلى خيام الأمم المتحدة وباع أطفالها في أسواق النخاسة العالمية. والذي حصل هو حالة عدم الاستقرار التي ضربت أطنابها في تشاد. وبرغم كل ما أوصلنا إليه هذا السياق، أقول أن في استطاعة ليبيا إحداث نوع من العقلنة في إقليم دارفور في حال أن جففت منابع السلاح وأرغمت زعامات الجماعات الدارفورية المسلحة نحو حالة من التصالح ليس مع حكومة الخرطوم الراهنة، ولكن مع باقي المجتمعات السودانية التي بدأت تتعامل مع قضية دارفور من منطلق عرقي كرد فعل طبيعي للحالة العنصرية التي بدأت تتنامى في أوساط بعض أبناء دارفور. لقد تحققت الفوضى والدمار في دارفور، فلماذا أرادت ليبيا نقل الفوضى إلى الخرطوم؟. نجيب على السؤال ضمن نهايات هذا السياق.

    الأهداف الليبية لا تقف وحدها. فالفوضى في دارفور والسودان ككل وتشاد مطلوبة أيضا أميريكيا. تلك هي "الفوضى الخلاقة" على حد تعبير الآنسة رايس وزيرة الخارجية الأميريكية. فمن الواضح أن التنافس الدولي حول احتكار مصادر الطاقة والثروات الاستراتيجية دفع أميريكا إلى تطبيق أسلوب "وضع اليد" سواء في العراق أو على كل نفط الشرق الأوسط. ولعلني أشرت في كتابي "الطريق إلى الدولة" الذي صدر عام 1999 أن أميريكا سوف تخرج كقوة غازية عند بداية هذا القرن. وبما أن أمريكا مترعة بالنفط، فهي ليست أمام ضرورة عاجلة للإفادة من نفط العراق أو السودان أو وسط وغرب أفريقيا وإلا لما خرجت شيفرون من السودان. لذلك لا توجد فوضى خلاقة ولا يحزنون، بل توجد "صناعة فوضى" لمنع الدول الأخرى مثل الصين وفرنسا من الوصول إلى مناطق الاحتياطي العالمي من النفط. فالفوضى الأميريكية في أفريقيا هي البديل الأميريكي عن المواجهة العسكرية مع هذه القوى الدولية. إذن لا بأس عند أميريكا من انتشار الفوضى المسلحة في تشاد ودارفور وسائر أقطار غرب أفريقيا حيث ينام أكبر احتياطي نفطي عالمي، والذي تطلق عليه أميريكا "بترولنا" أي بترول أميريكا!. وهنا تتلاقح التصرفات الليبية في المنطقة بالأهداف الأميريكية. هكذا تدار لعبة المصالح، أما ما دون ذلك مثل إدريس ديبي وزعامات الجماعة الدارفورية فإنهم مجرد لعب بلهاء تحرك خيوطها القوى الفعلية الإقليمية والدولية التي تدير اللعبة بدهاء.. والعجيب أن زعامات الجماعات الدارفورية المسلحة على يقين أنهم يتصرفون من عند أنفسهم!.

    إذا كانت حكومة الخرطوم لا تعي شيئا من مجمل هذه الحقائق العارية فهي حكومة جاهلة. وإن كانت تعي وتصرخ تشاد غزتني.. تشاد غزتني.. فهي حكومة كاذبة أيهما اختارت لنفسها بين الجهل والكذب. وبين الجهل والكذب تمارس الحكومة السودانية عادة "الصمت الكاذب" وهي تحجب عن الشعب السوداني تفاصيل ما جرى نهار السبت العاشر من مايو. فما لا يقبله عقل عاقل أن تقدم الجماعات المسلحة على اقتحام الخرطوم دون أن تشتمل خطة الهجوم على سند عسكري سياسي من داخل العاصمة السودانية. بغير ذلك يكون الاقتحام عملية انتحار جماعي. وعليه سوف نعالج المعطيات في النقاط الموجزة التالية لكشف ما حاولت الحكومة إخفاؤه تحت ورق شفّاف.

    * طيلة الأسبوع الذي سبق عملية الغزو النهاري ظل أركان حكومة الخرطوم يرددون أن "حركة العدل والمساواة بصدد القيام بفرقعة إعلامية". لكن من يزمع القيام بفرقعة إعلامية لا يقوم بعملية اقتحام جماعي يوقدها كل زعامات الجماعة المسلحة بأنفسهم، بل يقوم بتفجيرات موقوتة أو انتحارية لمواقع عسكرية وسياسية منتخبة. معنى ذلك أن أجهزة أمن الحكومة على تعددها وضخامتها لم تكن تعلم أي شيء عما كان يجري، أو أن عبارة "حركة العدل والمساواة بصدد القيام بفرقعة إعلامية" كانت الطعم الذي تم تسريبه وابتلعته أجهزة الحكومة وتصرفت بموجبه. أي واحد من الاحتمالين لا يشكل نجاحا تكتيكيا حققته الجماعة الغازية، بل يعكس عجزا وفشلا مريعا لأجهزة أمن الحكومة لأنها لم تتحرى الوصول إلى تفاصيل يسهل الحصول عليها ويمكن أن يتوصل إليها أي جاويش هلفوت في فيلم مصري تافه. وعدم تحري التفاصيل يفضح أسلوب أمن الحكومة وهو أسلوب الأخذ بالوشاية، ذات الأسلوب الذي درجت عليه أجهزة أمن الحكومة مع المواطن السوداني الذي يؤخذ بمجرد الوشاية مهما كان مصدرها. والحكاية برمتها تؤكد أن نشاط أمن الحكومة ينصب فقط على حراسة الحكومة من المواطن وليس تحري المعلومات عن أمور تهدد أمن الوطن والمواطن. ويتجلى الكذب بالصمت أن الحكومة لم تصارح الشعب بحقيقة فشل أجهزتها الأمنية.. طبعا لأنها ترى أن الشعب غير معني بذلك!

    * في تقديرنا الأولي، وغالبا ما يكشف مقبل الأيام عن ذلك، أن الخطة كانت ذات ثلاثة أضلاع. ضلع يتمثل في هجوم الجماعات المسلحة، وضلع ثان عسكري يتحرك من داخل الخرطوم ليشكلا معا كماشة الإطباق العسكري، (أو ربما أن هجوم الجماعات المسلحة كان فقط لمشاغلة جيش الحكومة)، ثم ضلع ثالث سياسي يضع العملية في مدار سوداني شامل يخفي وجهها العنصري الجهوي الحزبي العقائدي.. تماما مثل سيناريو الانقلاب العسكري الذي استولت به هذه الحكومة على حرية ومقدرات السودان.

    * ومع علمنا أن الجماعة الدارفورية المسلحة هي الذراع العسكري لحزب المؤتمر الشعبي، إلا أن هذه الحقيقة لا تلقي كل الشبهة وحصريا في كل زعامات هذا الحزب المنشق عن توأمه السيامي حزب المؤتمر الوطني. الراجح أن بعض زعامات المؤتمر الشعبي ذات الروابط الإثنية بدارفور هي الأقرب للضلوع المباشر في العملية الانقلابية. إذ لا ننسى أن هذا الشق الاثني من المؤتمر الشعبي هو الذي كون من أبناء دارفور الجماعة المسلحة المعروفة باسم حركة العدل والمساواة، وأسند قيادتها لأحد المنشقين، خليل إبراهيم. زد على ذلك أن زعامة حزب المؤتمر الشعبي المقيمة بالخرطوم تعلم أن توأم الأمس المؤتمر الشعبي يتحين الفرص للقضاء عليها قضاء مبرما. لذلك لا يمكن لهذه الزعامات أن تتورط مباشرة في عملية انقلابية غير مضمونة النتائج والعواقب. إلا أن ذلك لا ينفي أن زعامة المؤتمر الشعبي كانت سوف تلقي بثقلها في حال نجاح العملية الانقلابية على أساس أنها حركة تصحيحية.

    * أقصت الحكومة جيشها إقصاء تاما عن مجريات الحدث فلم ترفع درجة الاستعداد إلى الحالة القصوى ولم تدفع بثقل الجيش وآلياته ومدرعاته لحراسة العاصمة، بل إن قيادات المناطق العسكرية قد تم حجب المعلومات عنها. إقصاء الجيش بهذه الصورة المهينة يدل صراحة أن الحكومة كانت خائفة من جيشها وأنها وضعت في حساباتها أن “الفرقعة الإعلامية" ستتم بواسطة فيالق من داخل جيشها. صحيح أن الحكومة الراهنة أقصت جميع الجيش واستبدلته بضباط وجنود تمت عسكرتهم من الموالين لها. لكن يجب ملاحظة أن عمليات تصفية واستبدال الجيش تمت في معظمها قبل المفاصلة، أي قبل انشقاق الشعبي عن الوطني. خلال تلك الحقبة تمكنت زعامات الحكومة ذات الأصول الدارفورية من حشو الجيش بآلاف الجنود من الموالين من أبناء دارفور. أيضا وفي إطار التمكين العسكري تم خلال تلك الحقبة استيعاب آلاف من توابع التيارات السياسية المسماة بالإسلامية في الجيش. وبذلك اختط حابل التيارات السياسية الإسلامية بنابها داخل الجيش وأصبح في حكم المستحيل (فرز) القلوب والنوايا والتبعية.. فالجميع "إسلاميون" حسب التسمية السائدة!!. ذلكم هو سبب خوف الحكومة من جيشها الذي أصبح يستبطن كل التيارات السياسية المسماة بالإسلامية، والتي تصطرع على السلطة بعد أن ظنت أن السلطة قد (بردت) في يد الفصيل الذي تمكن من إقصاء الفصائل الأخرى. عملية السبت كما سوف نرى نقلت الصراع بين هذه التيارات من مرحلة الصراع السياسي على الثروة والسلطة إلى مرحلة المصادمة المسلحة. الحكومة إذن خائفة من جيشها الذي بنته بيديها.. ومعها كل الحق!. (ولعل خوف الحكومة من جيشها يؤكد ما كتبته مرارا وتكرارا أن الذي يركن إلى الجيش غر أحمق حتى لو استبدل الجيش عشرات المرات).

    * خوف الحكومة كان إذن من حدوث انقلاب داخلي يقوم به أحد التيارات الحكومية المصارعة على السلطة. ويبدو أن الحكومة قرأت تسريبات "الفرقعة الإعلامية" كتسريب تكتيكي لخديعتها وجذب انتباهها ودفعها إلى رفع الاستعداد داخل الجيش الأمر الذي يسهل من حركة ومهمة الانقلابيين. ولم تقرأ الحكومة تلك التسريبات أن الجماعات المسلحة هي الفك الآخر للكماشة العسكرية. هذه القراءة الناقصة تؤكد بدورها ما ذهبنا إليه من أن استخبارات الحكومة فشلت في التحري وتوفير معلومات دقيقة ومتكاملة. لذلك تم إهمال الجماعات الغازية وتم التركيز على الاحتراز من الجيش. لذلك لم ترفع الحكومة درجة استعداد الجيش إلى الحالة القصوى ولم تدفع بآليات الجيش ووحداته العسكرية لحراسة العاصمة لكبح أي تحرك داخل الجيش. وعليه نقرأ تسفير رئيس الحكومة إلى العمرة في تلك الظروف كان فقط من أجل "حماية الرئيس" وفي ذلك دليل قاطع على مدى خوف الحكومة من جيشها!. وضمن تلك حسابات الحكومة التي تفتقر إلى المهنية، ظنت الحكومة أن مليشياتها الأمنية قادرة على مواجهة "احتمال" الجماعات المسلحة. ومن ثقوب تدابير الحكومة تمكنت الجماعات الغازية من الوصول إلى قلب العاصمة السودانية. كل هذه الصورة يمكن تركيبها بسهولة من قطع تصريحات أركان حكومة الخرطوم، وهي تصريحات تراوحت بين التناقض والكذب حيث ترقد الحقيقة بينهما.

    * على أن استبعاد الجيش بتلك الصورة المهينة طفح بالعداء القديم بين الجيش وبين الأجهزة الأمنية إلى السطح وبقوة. وللمناسبة فإن الخلاف بين الجيش والأجهزة الأمنية لحكومة الخرطوم يعود إلى تاريخ إقصاء حكومة مايو العسكرية. فقد انحاز الجيش للشارع بينما دافع جهاز الأمن عن مرحلة مايو حتى الرمق الأخير، مما اضطر الجيش لمواجهة أطقم جهاز الأمن عسكريا واعتقالهم وتسريحهم عن الخدمة. وعندما نجح انقلاب مايو 2 في نسخته الحاكمة اليوم أعادت الحكومة الراهنة إلى الخدمة غالبية أطقم أمن مرحلة مايو الذين أحكموا سيطرتهم من جديد على مفاصل الحكومة وتحول الجيش إلى تابع عليه الطاعة. وكما ذكرت في كتابات سابقة، فإن الانتماء العسكري يعلو في بعض المحكات على الانتماء الحزبي وحتى الديني. لذلك شعر الجيش، على تهلهله، بمرارة الإقصاء الأخير وتذمر.. لكنه تذمر من أنفه مثلما تتذمر الزوجة الأولى عند الذين يؤمنون بتعدد الزوجات!. في كل الأحوال انفتحت المعركة بين جيش الحكومة وبين أجهزة أمنها. وعليه نقرأ ظهور نائب رئيس الحكومة مع رئيس جهاز أمن حكومته كمحاولة لتضميد الفشل الذي منيت به أجهزة أمن الحكومة، ثم نقرأ خطاب رئيس الحكومة أمام من تم تجميعهم أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة كمحاولة لترضية جيش الحكومة.. وفالج لا تعالج!.

    * في حال نجاح الانقلاب كان من المفترض أن يتم تشكيل "حكومة سطح" ذات سحنة سودانية عامة تتلو على الناس بيانا تقليديا عن "طغمة الإنقاذ المدحورة" ويمنّي الشعب بأماني التحول الديموقراطي والعدالة والمساواة وإلى غير ذلك مما هو معروف لدى عموم أهل السودان. أما العصب العسكري للحكومة الانقلابية الذي سوف يمسك بكل مقاليد السلطة فقد كان من المفترض أن يكون من أبناء دارفور دون غيرهم من عرقيات السودان الأخرى. وبذلك تحل بالسودان سلطة عسكرية جهوية عرقية عقائدية دكتاتورية عوضا عن هذه الحكومة العسكرية العقائدية الدكتاتورية الراهنة. الدخول الصارخ للعرقية العنصرية الجهوية القبلية كمصارع ينوي الاستفراد بالحكم كان سوف يعني حدوث تحول ديموغرافي خطير في موازين الحكم في السودان.. تحول ليس له ما بعده إلا الحرب الأهلية الضروس. المحاولة الانقلابية في ثوبها العرقي الديني تعني أن زعامات الجماعات الدارفورية وعناصرها المساندة في المؤتمر الشعبي وفي جيش الحكومة وخارج هذه الأطر قد استشعروا في أنفسهم أنهم أحق بحكم السودان دون سائر "الجلابة" على حد تسميتهم لباقي الشعب السوداني. ولربما ظنوا في أنفسهم أيضا أنهم أقرب للجنوبيين من "الجلابة"، لذلك سوف يسهل عليهم تكوين حكم مشترك مع الحركة الشعبية. وبذلك ينحشر من شاء من باقي السودانيين في الشريط الممتد على النيل من حدود الجنوب إلى حدود مصر والبحر الأحمر. هذا الشعور بالحكم العرقي يعيد إلى الذاكرة المحاولة الانقلابية التي تكونت معظم عناصرها من أبناء جبال النوبة في سبعينات القرن الماضي.

    * المعطيات الأخيرة من هذا السياق تحوي الإجابة على السؤال الذي طرحته حول مصلحة ليبيا من نقل المعركة والفوضى إلى الخرطوم. ذلك أن كل الأعمال التي قامت بها ليبيا في دارفور وتشاد تبرهن أن استيلاء أبناء دارفور على الحكم في السودان يعني أن حكم السودان وقع في قبضة الزعامات الدارفورية التي ظلت ليبيا توفر لها وعلى مدى سنوات طويلة المال والسلاح والمأوى. وأنها وفرت لهم بسخاء كل مستلزمات تحقيق حلمهم في الاستيلاء على حكم السودان. لذلك هم الأقرب لها وتستطيع أن تحركهم مثلما تحرك إدريس ديبي وغيره من رؤساء الجماعات التشادية المسلحة الذين أوصلتهم ليبيا إلى كرسي الرئاسة في نجمينا. وإذا لم ينفع هؤلاء تستطيع استبدالهم بسهولة، أي على نفس السيناريوهات الليبية في تشاد. وفق هذا السيناريو المجنون يتم حكم السودان وتشاد حكما مباشرا من طرابلس.. هذا في حال نجاح الانقلاب. أما في حال فشله، فقد توقعت ليبيا أن تعم الفوضى الخرطوم ومعظم أطراف السودان. وعندما تعم الفوضى السودان تصبح دارفور لقمة يسهل ابتلاعها.



    تظن الحكومة السودانية الراهنة أن باستطاعتها استثمار العملية سياسيا وانتخابيا كما نشاهد ذلك ونسمع. لكنه استثمار قصير النظر والعمر سرعان ما ينحسر بينما تبقى السلبيات. فقد برهنت التجربة على أخطاء ومخاطر الحكم الشمولي لأن الشمولية كما ذكرت في سياق سابق هي المناخ الفاسد الذي تتنامى عنده الشموليات الجهوية والعرقية والعقائدية التي تكبر وتتفرعن وتتخذ من العنف أداة وحيدة لفرض كينونتها. وبذلك تهدد الشمولية الوحدة الجغرافية للوطن لأنها تحيل التنوع الاجتماعي إلى بؤر اجتماعية متصارعة وتبادل لقتل على الهوية القبلية واللون. لذلك على الحكومة الشمولية الراهنة أن تعي في هذا المفصل التاريخي أن العطن بدأ يدب في أجزائها. فلو أن جهة أخرى قامت بالمحاولة الانقلابية الأخيرة لسيق الناس إلى دروات الإعدام زمرا كما تساق الأبقار إلى المذابح. لكنها محاولة قام بها تيار من تياراتها. لقد دخلت الحكومة في مرحلة التآكل الداخلي وأضحت تحتاج إلى"إنقاذ" حزبها. كما يستوجب على الحكومة الراهنة أن تعي أنها وصلت بالسودان إلى منطقة العمق من مستنقع آسن، وأن هناك طوق نجاة واحد هو التحول الديموقراطي. فإن شاءت أمسكت به، وإن شاءت غرقت وحدها لأن السودان لن يغرق معها.. مكسب اليوم أفضل من المغامرة بكل شيء.. وما يحدثك مثل خبير!

    سالم أحمد سالم

    باريس

    17 مايو 2008
                  

العنوان الكاتب Date
ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-11-08, 06:29 AM
  Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-11-08, 07:24 AM
    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-11-08, 07:41 AM
      Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-19-08, 05:47 AM
  Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور البحيراوي05-11-08, 08:44 AM
    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-11-08, 09:32 AM
      Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-11-08, 10:51 AM
        Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-12-08, 06:18 AM
          Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-12-08, 07:13 AM
            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-12-08, 10:26 AM
              Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-12-08, 11:03 AM
                Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-13-08, 04:38 AM
                Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-21-08, 10:12 AM
  Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور Bashasha05-13-08, 04:43 AM
    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-13-08, 04:50 AM
  Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور Bashasha05-13-08, 05:13 AM
    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-13-08, 05:20 AM
  Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور Bashasha05-13-08, 05:28 AM
    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-13-08, 05:58 AM
      Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور rani05-13-08, 07:04 AM
        Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-13-08, 10:02 AM
          Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-13-08, 10:08 AM
          Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-13-08, 10:12 AM
          Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-13-08, 10:18 AM
            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-13-08, 11:11 AM
              Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-14-08, 04:26 AM
            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-14-08, 05:44 AM
              Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-14-08, 05:54 AM
                Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-14-08, 06:05 AM
                  Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-14-08, 10:27 AM
                    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-14-08, 11:12 AM
                      Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-15-08, 04:44 AM
                        Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-15-08, 04:55 AM
                          Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-15-08, 06:37 AM
                            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-15-08, 10:11 AM
                              Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-15-08, 10:46 AM
                                Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-18-08, 04:12 AM
                                Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-18-08, 04:31 AM
                                Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-18-08, 04:51 AM
                      Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-19-08, 05:42 AM
  Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور تبارك شيخ الدين جبريل05-18-08, 04:29 AM
    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-19-08, 05:35 AM
      Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-19-08, 11:10 AM
        Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-20-08, 05:10 AM
        Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-20-08, 05:27 AM
          Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-20-08, 07:41 AM
            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-20-08, 08:53 AM
            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-20-08, 08:56 AM
      Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-20-08, 10:08 AM
        Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-21-08, 06:13 AM
          Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-21-08, 06:20 AM
            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-21-08, 09:05 AM
              Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-22-08, 04:30 AM
              Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-22-08, 04:32 AM
          Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-22-08, 11:31 AM
            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-25-08, 04:31 AM
            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-26-08, 04:10 AM
    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-26-08, 04:13 AM
    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-26-08, 04:25 AM
      Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك05-29-08, 07:19 AM
        Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك06-01-08, 05:55 AM
          Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك06-03-08, 04:16 AM
            Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك06-04-08, 09:23 AM
              Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك06-08-08, 04:43 AM
              Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك06-08-08, 04:43 AM
                Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك06-12-08, 05:01 AM
                  Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك06-16-08, 05:08 AM
                    Re: ادريس ديبى يرد الصاع ...الفشل مقابل الفشل الذريع ....صراع الاخوان باسم دارفور الكيك06-18-08, 07:22 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de