التعازي للحنين والزين وجين مورس وشلة محمود....!!!

Quote: أيام مهرجان الجنادرية .. بالرياض وجدته قابعا في ركن مطعم بشارع غبيرة بجلابية بيضاء بلا طاقية نبهني صديقي .. بدهشة .. معقولة ده الطيب صالح ولا واحد بيشبهو ؟؟ وحين نظرت إلي مقصد الرجل .. تأكدت بمالايدع مجال الشك أن هذا هو طيبنا الصالح لم أشأ أن أعكر صفوه . حيث بدا عليه انه لاذ بهذا الركن القصي يتأمل .. ففي وجوه السودانيين الغرباء ما يلهم الأدباء . لم يتأثر من تصرف النادل السوداني وهو يضع له الأطباق باهمال دون ان ينتبه الي ان هذا الرجل شرف كبير للامة السودانية . تركت المطعم وانا وصديقي في غلاط المحبين المترددين من هيبة الرجل ان نسلم ولا نسلم . وحين حسمنا أمرنا وجدنا المائدة خاوية . كان قد دفع حسابه ورحل في زحمة الشارع السوداني الغريب شارع سوداني مزروع بالكامل في وطن غير وطنه ومدن غير مدنه . كانت تلك أول مرة رايته فيها وآخر مرة .. لم تقع عيني عليه في الواقع قط سوي في تلك اللحظات .. حتى يخيل إلي أنني كنت أتوهم من كثرة حبي له . لكنني وقعت في كتاباته كمن يقع من هاوية لا قرر لها . أو كمن يسبح في فضاء بعيدة لا نهاية لها اعتراني حزن مهيب هذا الصباح بخبر موته الفاجعه .. انتشر في كياني كانتشار الدمع الساقط علي منديل ورق ابيض . هذا الرجل الطيب كان موجودا في داخلي برغم أنني لم التقية قط يستقبل معي بدايات الدهشة الأولي والرشفة الأولي والكلمة الأولي والنظرة الأولي يصد معي فشلي وضياعي وجنوني ومجوني وينزل معي مستنقع الأسرار في عشقي وغضبي ومنفاي حتي صار عطر اول حب غامض لي مثل عطر حسنة بنت محمود . هذا الرجل كان معي في صباحات العمر الصبية وفي متاهات الاغتراب .. كان في نادي الفلاسفة وفي بينشات آداب وفي ضحكاتنا البريئة وقفشاتنا البذيئة في جلابيب دراويش الخرطوم وفي وجهي المنسي وفي اعراس القري التي حضرتها كلها في ظل شجرة بعيد في صحراء السلوم تهتز من الرهاب .. في عيون جدي وهمهمة ابي المتصوف ودعوات امي المستجابة . في جسد غنج إشتهيته مرارا وتكرارا واستعصي علي مراهقتي قرب لحاء الشجر الأخضر وصباح خريف ممطر مع فتاة الصبا والغلط الغبي . كان سفيرا فوق العادة لتأملاتي العجيبة ولشرودي المهيب أحفظ له عن ظهر قلب مفردات صارت جزء من قيمي وكرامتي وإنسانيتي . الطيب صالح هو الحنين .. الذي يلازم المثقف السوداني في ابتلاءاته وتنقلاته وانكساراته وانتصاراته وهو الأنين من الشموس المحرقة الذي يسأل الإله تأدبا عن الظل في أرض لا تلد إلا الأنبياء المعدمين والمجرمين المترفين . حزني يشبه صفصاف البلاد الباردة .. ونخلة لا تلد