|
Re: الراحل المقيم (Re: منى على الحسن)
|
الخليج الثقافي ----------------------- وداعاً أيها “الزول” الطيب آخر تحديث:السبت ,28/02/2009 د. عبدالقادر حسين ياسين *
قبل أكثر من 30 عاماً وقعت يدي بالصدفة على رواية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”. في ذلك الوقت كنت
قد تعرفت إلى أغلب الكتاب العرب، واكتشفت سحر الأدب الفرنسي متمثلاً في فلوبير وستاندال وبودلير ورامبو
وسارتر واندريه جيد، وعظمة الأدب الروسي مجسّدا في قصص أنطوان تشيكوف ونيكولاي غوغول، وفي روايات ليو تولسوي
وفيدور دستويفسكي. وكنت قد قرأت روائع من الأدب الأمريكي مثل “الصخب والعنف” لويليام فوكنر، و”رجال وفئران”
لجون شتانيبيك و”طريق التبغ” لأرسكين كالدويل، و”وداعاً للسلاح” لارنست همنغواي.. غير أنني لم أكن أعرف أن في
السودان (الغامض بالنسبة لي) كاتباً عملاقاً مثل الطيب صالح، وما أتذكره هو أن الكتاب شدّني منذ الجملة الأولى
فإذا بي أنسى نفسي، وأرحل إلى عوالم مذهلة لم أعرف إلا القليل منها في الأدب العربي الحديث.
وها أنا أعيش مغامرات “مصطفى سعيد” وهو يطارد نساء لندن، ماضياً في عربداته ومغامراته الجنونية دون أن يخشى
العقاب. ثم ها أنا أعود معه إلى تلك القرية السودانية الهادئة على ضفة النيل لأقاسمه حياته الرتيبة مع
المزارعين البسطاء والأميين محاولاً دفن ماضيه.
وعندما غرق في النيل انتابتني رجفة هزّت كامل جسدي، فكما لو أني فقدت فجأة رفيق رحلة محفوفة بالمخاطر. بعد
أن انتهيت من قراءة الكتاب وجدتني بعيداً جداً عن نفسي وعن وجودي. ومنذ ذلك الحين أصبح الطيب صالح من كتابي
المفضلين.
وكانت سعادتي شديدة بلقاء الطيب صالح خلال فعاليات مؤتمر الكتاب العرب في تونس. وكان صالح رجلاً وسيماً وأنيقاً
للغاية. يلازم الصمت غالب الوقت ولا يتكلم إلا في ما ندر.
وعلى مدى ثلاثة أيام لم أجد الشجاعة الكافية للاقتراب منه والتحدث إليه. لكن بعد انتهاء المؤتمر وجدتني صدفة
أمامه وجهاً لوجه، فشددت على يده بحبّ واحترام كبيرين، وحدثته عن اعجابي الشديد ب”موسم الهجرة إلى الشمال”
وب”دومة ولد حامد”.
ولأنني وجدت الرجل ودوداً ومتواضعاً إلى حدّ بعيد، فإن اعجابي به تضاعف، إذ نادراً ما نجد المبدع متوافقاً في
سلوكه مع ما يكتب. والشيء الذى تأكد لي في ما بعد أن الطيب صالح لم ينس ذلك اللقاء، إذ إنه ظل يذكرني به
دائماً كلما التقيت به في هذا المكان أو ذاك.
وعند قراءتي لبقية أعماله، تبيّن لي أن ذلك السوداني كاتب عملاق بالفعل، لذا لم أعد أمل من إعادة قراءة
مختلف أعماله، كلما احتجت إلى “إعادة الروح” إلى لغتي، وتغذية خيالي في أوقات الجفاف والعقم.
ومرة كنت في لندن فهتفت له لأحييه، وأسأل عن أحواله، غير أنه أصرّ على تناول طعام الغداء معي في وسط لندن،
حيث عاش بطله “مصطفى سعيد” مغامراته الجنونيّة. وفي المطعم الايطالي الرفيع راح الطيب صالح يتحدث بلباقته
المعهودة عن الأدب وعن الحياة. بعدها طاف بي في بعض الشوارع التى يحب، وفي بعض المكتبات القديمة.
وفي عام ،2000 جاء إلى معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، عقب صدور الترجمة الألمانية لرائعته “موسم الهجرة إلى
الشمال”، وكانت سهرة ممتعة للغاية تلك التى أمضيتها معه في مطعم هنغاري إذ خلالها أمتعني صالح بقراءة
القصائد التى يحبها في الشعر العربي والشعر الإنجليزي، مقارناً البعض منها بين وقت وآخر مع قصائد لشعراء
شعبيين سودانيين، وقد فعل ذلك بشكل ساحر حتى أنني نسيت نفسي تماما، مثلما حدث لي وأنا أقرأ للمرة
الأولى “موسم الهجرة إلى الشمال”.
لقد أحدث الطيب صالح رغم قلة إنتاجه ثورة فعليّة في الرواية العربية شكلاً ومضموناً، ولغة وأسلوباً، وقدّم
لنا، في صورة شاعرية عالية، ذلك السودان البسيط، الساذج، الضاحك، الزاهد، الصبور، الشبق، اللاهي على شاطئ
النيل، كما لو أنه طفل غير عابئ بما تفرضه عليه الحياة من شقاء ومحن.
وبرغم إسهامه الكبير هذا فإن الطيب صالح ظلّ متواضعاً تواضع القديسين، مبتعداً عن كل ما يمكن أن يدنس حياته
البسيطة الهادئة أو يلوثها. إنه كاتب عملاق بالفعل، وصاحب رؤية فلسفية وفكرية عميقة تعكس الواقع العربي
برمّته.
غفا “الزّول” الطيب، في نومه الأخير.
أدرك بالطبع أن إغفاءته، هي نهاية بالجملة، لآلام تسللت الى جسده، على مراحل، وتمكنت منه، كأنها جمرة،
نثرتها النارُ، رماداً بعد أثر.
انتهت رحلة عُمرٍ خصب، تركت لنا صفحات ثمينة من الرأي الحصيف، ومن الرؤية الثاقبة. مات “الزّول الطيب” في
منفاه الاختياري، قبل أن ينطق بالجملة الأخيرة، بالعربية الفُصحى، التي لم يتخل عنها، فباتت جزءاً من شخصيته.
ذلك السوداني الهائل، بانتمائه وبطموحه وبأطروحاته في الثقافة الوطنية والعالمية، تَوَحد مع اللغة العربية
الفصحى، فما كان يتحدث الا بها، بقواعدها، بنحوها، بصرفها، وبمصطلحاتها.
في عواصم عربية وعالمية، اجتذب المثقفين والكتاب والمفكرين، كان مؤمناً بتفاعل الفكر الإنساني، لصالح الانسان
في مواجهة العنصرية والاحتلال، وسيطرة القوى الكبرى الغاشمة على مقدرات الشعوب المناضلة من اجل الحرية
والاستقلال.
لقد فقدت الثقافة العربية برحيله علماً فكرياً وثقافياً. ذهب الرجل على إيقاع الأيام المطفأة، عبر أنفاق
السبات والذكرى. ستظل آثاره سراجاً يُشعل ضوءاً أبدياً، بينه وبين وطنه، لا تُطفئه دموع الغيم، ولا أنواء البحر.
أيها “الزّول” الطيب، سلاماً وتحية، ففي التحية الحياة.. التحية هي المحافظة على وديعتك التي أودعتها لدى كل
من لا يزال مؤمناً بأن الوعي النقدي هو الطريق.
الطيب صالح، أيها السوداني الكبير، سلاماً.
* كاتب وأكاديمي فلسطيني يقيم في السويد
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
عـنـدمـا بـكـت السمـاء لـوداعـك .. وزغــرد الثـرى لحضـورك .... | منى على الحسن | 02-19-09, 04:31 PM |
عندما بكت السماء لوداعك ... وزغرد الثرى لحضورك .... | منى على الحسن | 02-19-09, 06:36 PM |
Re: عندما بكت السماء لوداعك ... وزغرد الثرى لحضورك .... | منى على الحسن | 02-19-09, 06:39 PM |
عندما بـكـت السمـاء لـوداعـك ... وزغـرد الثرى لـحضورك | منى على الحسن | 02-19-09, 07:47 PM |
Re: عندما بـكـت السمـاء لـوداعـك ... وزغـرد الثرى لـحضورك | saif massad ali | 02-19-09, 07:49 PM |
في هيبة الصالح تتهذب الروح | منى على الحسن | 02-19-09, 08:12 PM |
Re: في هيبة الصالح تتهذب الروح | فاروق أبوحوه | 02-19-09, 08:53 PM |
Re: في هيبة الصالح تتهذب الروح | Abdlaziz Eisa | 02-20-09, 03:45 AM |
0000000 | منى على الحسن | 02-20-09, 03:45 AM |
Re: 0000000 | Abdlaziz Eisa | 02-20-09, 03:51 AM |
Re: 0000000 | خالد العبيد | 02-20-09, 03:54 AM |
000000 | منى على الحسن | 02-20-09, 03:52 AM |
0000 | منى على الحسن | 02-20-09, 04:04 AM |
Re: 0000 | khaleel | 02-20-09, 04:30 AM |
يا طيب يا صالح | منى على الحسن | 02-21-09, 11:22 AM |
يا طيب يا صالح | منى على الحسن | 02-21-09, 11:24 AM |
من يأتي كل هذا الحزن .... | منى على الحسن | 02-21-09, 11:33 AM |
حروف الدكتور حسن مدن في رحيل الصالح | منى على الحسن | 02-21-09, 11:49 AM |
القلب مفطور لرحيلك ايها الطيب ... | sanaa gaffer | 02-21-09, 05:09 PM |
حزنك يا الصالح ادمى الدواخل | منى على الحسن | 02-21-09, 05:51 PM |
ماذا قالوا عن الراحل المقيم الطيب صالح ...طيب الله ثراه | منى على الحسن | 02-21-09, 07:12 PM |
Re: من أقوال الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-22-09, 07:59 AM |
Re: قالوا فيه ...جريدة الخليج | منى على الحسن | 02-22-09, 08:43 AM |
Re: قالوا فيه ...جريدة الخليج | كمال علي الزين | 02-22-09, 08:48 AM |
Re: موريتانيا تنعى الراحل الكبير ... جريدة الخليج | منى على الحسن | 02-22-09, 11:30 AM |
Re: موريتانيا تنعى الراحل الكبير ... جريدة الخليج | خالد ماسا | 02-22-09, 11:40 AM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-22-09, 11:43 AM |
Re: الراحل المقيم | أحمد الشايقي | 02-22-09, 11:48 AM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-22-09, 11:53 AM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-22-09, 12:03 PM |
Re: الراحل المقيم | أحمد الشايقي | 02-22-09, 12:14 PM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-22-09, 01:13 PM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-22-09, 01:43 PM |
Re: الراحل المقيم | محمَّد زين الشفيع أحمد | 02-24-09, 07:00 AM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-28-09, 07:59 AM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-28-09, 08:50 AM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-28-09, 09:21 AM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-28-09, 09:29 AM |
Re: الراحل المقيم | محمد فضل الله المكى | 02-28-09, 04:04 PM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-28-09, 06:10 PM |
Re: الراحل المقيم | Muna Khugali | 02-28-09, 06:22 PM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-28-09, 06:25 PM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-28-09, 06:41 PM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 02-28-09, 07:04 PM |
Re: الراحل المقيم | منى على الحسن | 03-01-09, 10:06 AM |
|
|
|