|
الطيب صالح فى اخر حوار : لا أغار من مصطفى سعيد لكني أشبه الزين
|
عاد الطيب صالح ليس كما عاد مصطفى سعيد ، على الرغم مما بين العودتين من وشائج قربي ، فالطيب عاد بعد أن قضى آماداً في البلاد التي قال عنها تموت من البرد حيتانها ، وقد سبقه في العود مصطفى سعيد من ذات البلاد لكنها عودة بلا خروج، ومع أن الطيب صالح من لحم ودم ، ومصطفى سعيد محض خيال ، إلاّ أن من يجلس إلى صالح يلمس ذات الخيال ، ويلمس أن الحديث إليه رواية حية ، وسماعه يعيد إلى ذاكرة مستمعه ذات الأجواء الأسطورية التي صنعها خياله المحض ، كدت أتوه بين الراوي والرواية. قال إن مشروع سد مروي أعظم مشروع سوداني ، وأن مضيفيه كانوا خيرين ، وأنه مسافر بين حالين ، وأن ضو البيت ومريود أفضل في نظره من موسم الهجرة إلى الشمال ، وأنه يستغرب لماذا لم يفطن أحد للشبه بينه وبطله « الزين « في عرس الزين ، كان حوار (الرأي العام) إليه في غرفته بفندق القصر محطة وسطي بين الواقع والخيال ، وبين البطل والمؤلف ، لقد غاب الطيب صالح طويلاً لكنه عاد ليشرب مجدداً من ماء النيل ، وليسير في ذات الدروب الغبراء ذات الحر اللافح ، ولأنه ابن بار فقد غفر له التراب الغياب الطويل . ........................................................................................................................................................................ * كيف تسير الأشياء ، أو كيف تراها بين بلد ( تموت من البرد حيتانها) وأخرى تعيش في الصيف القائظ ، والغبار الكثيف عصافيرها ؟ ـ أنا مسافر بين الحالتين ، وأسمي حالتي هذه بالكلمة الإنجليزية « « commuteس ، والكميوت هو من يشتغل في المدينة ويسكن في الضواحي ، ويسافر كل يوم من الضاحية إلى المدينة بالقطارات والسيارات في المدن الأوروبية . كنت طوال الوقت أسافر بين هذه الأحوال ، هي أحوال صعبة ومنهكة نفسياً بالطبع ، لكنها منعشة ، ولها ردود فعلها ، كنت أسعد جداً عندما « أقوم « بالطائرة من لندن إلى الخرطوم ، وخلال أربع وعشرين ساعة أكون قد « تحولت « من لندن إلى « كرمكول «ـ في وقت ما كانت الطائرة منتظمة بين الخرطوم ومنطقتنا في الشمال ـ هذا الانتقال السريع يدخلني في حالة مختلفة تماماً ، أسعد بها أكثر من حياتي في لندن ، مع إنها كانت حياة محتملة! * بعين الروائي كيف تنظر للوطن بعد مرور عشرين عاماً ( تقريباً ) على آخر زياراتك له ، وهل شهدت متغيرات كثيرة توقفت عندها ؟ ـ آخر مرة كنت فيها في الوطن على وجه التحديد كانت في أغسطس 1988م، كنت في تلك الأيام أعمل في مكتب منظمة اليونسكو في الخليج ، كنت أعود للوطن كثيراً ، لأن والدتي رحمها الله كانت « عايشة « ، وكان والدي قد توفي في السبعينات . في تلك السنة جئت مرتين ، في الأخيرة منهما كانت الوالدة قد توفيت إلى رحمة الله ، كان هذا آخر عهدي بهذا الوطن ، في مطار الخرطوم ـ وقفت فيه الساعة ، ولم تتحرك ـ وتوقف الساعة هذا صحيح إلى حد ما ! كتبت ثلاث مقالات ـ لعلك قرأتها ـ وصفت فيها الحالة المتداعية والانهيار « الحاصل « في البلد ، كانت خليط من السخط والحزن والحب . بعدها لم أرجع ، وهذه مشيئة الله . * لكنك لم تصف لي الحال بعد عودتك الحالية ، كيف وجدت البلاد؟ ـ « دي حكاية معقدة « ، ما زلت أحاول معرفة طبيعة إحساسي بالضبط ، انطباعاتي للوهلة الأولى « ما في شيء تغير « ، في الخرطوم مثلاً « هنالك كباري جديدة ، طرق جديدة ، أشياء سيئة ، وأخرى حسنة « ، والناس كما يبدو لي هم كما عرفتهم نفس الوجوه ، نفس الطريقة ، نفس السماحة السودانية ، لكني أعلم بأن وراء هذا « لا بد » هناك أشياء أخرى « حصلت « إلى الآن لم أسبر غورها . * هل استطعت الإفلات من جو الوفد الرسمي لترى الأشياء كما تريد ؟ ـ أولاً هذا ليس وفداً رسمياً بمعني الكلمة ، فنحن مجموعة من الناس جئنا من لندن من أجل « أخونا « الشيخ إبراهيم الطيب ، وهو رجل خير ، أنا أعرفه من أيام « رفاعة « ، لم نأت معه لأنه رجل ثري ، فهو من أهلنا الشايقية الذين نزحوا إلى رفاعة ، وأعرف والده الشيخ الطيب الريح ، أيام عملي في رفاعة كنت قريباُ ولصيقاً جداً بهم ، كما أنهم أصهار صديقي العزيز فتح الرحمن البشير ، لم آت مع إبراهيم الطيب لأنه مليونير فأنا « والله لا أعرف عندو ملايين ولا ما عندو « ، لكنه رجل فاضل ومحب للسودان ، أقام مؤتمرين كبيرين في لندن لجمع ولم شمل الناس هناك . اختار « أخونا » إبراهيم مجموعة فيها الفنان الكبير إبراهيم الصلحي ، والدكتور كمال أبوسن ، وهو من منطقتنا ـ أرقي شرق النيل ـ وهو رجل عظيم ظل طوال فترة وجوده يجري باستمرار عمليات ويعالج المرضي ، واختار الدكتور أحمد الشاهي وهو من أصل عراقي ويعمل أستاذاً في جامعة « أوكسفورد « ، ومتخصص في قبيلة الشايقية . وصديقنا الصحفي الكبير محمد الحسن أحمد ، ومحمد الحسن في نظري من أحسن المحللين في العالم العربي كله ، لو أنه كان مصرياً أو لبنانياً « لطبّل له الناس كثيراً « ، هذا فضلاً عن أنه محب للسودان و « يلم « بيته السودانيين ، ويكون ملتقيً لهم ، هو وصديقنا حسن تاج السر عندما يكون موجوداً هناك . نحن مجموعة من الناس ولسنا وفداً رسمياً . وأقولها بصراحة : « لحسن الحظ أخوانّا هنا ما معاملننا معاملة رسمية ، ما في محاولة للاستقطاب ، و لا كسب التأييد ، ولا أي شيء ، مخلننا على راحتنا » . لقد ظل يرافقنا باستمرار الرجل الفاضل وزير الثقافة الأستاذ عبد الباسط عبد الماجد ، وللحقيقة فهو رجل خيّر وبسيط ومتواضع ، كنت أشفق علىه وأقول له : « أنت راجل عندك أعباء أمشي أهلك ولا تتعب معنا « ، وهنالك خالد فتح الرحمن وهو شاب ممتاز جاء معنا من لندن ، وهو يعمل ملحقاً ثقافياً في السفارة هناك كما أظن . تحركاتنا كانت بسيطة وعادية لم نحس فيها بأننا موجهون أية جهة ، « وبعدين مهما كان فنحن ناس بلغنا من التجارب والسن بقينا مش قابلين للتوجيه إلاّ من تلقاء أنفسنا على أية حال» . * ولو على مستوى ازدحام البرنامج؟.. ـ يعني شنو ؟! * يعني أن يصمم البرنامج لترون ما يراد لكم رؤيته .. ـ حتى الآن لم يأخذونا لأشياء رسمية ليقال لنا : « شوفوا نحن بنعمل ايه « ، لكننا زرنا « سد مروي » ، أنا حمدت الله أنهم «ودونا مروي » لأنها البيئة التي أنتمي إلىها بحق ، صحيح أنا أنتمي لكل السودان ، لكن هذه هي البيئة التي تغلغلت في عظامي وفي أعصابي وفي وجداني ، عندما حلقت الطائرة « فوق مروي وشفت النيل والمزارع والنخيل حدث لي شيء عظيم » . للحقيقة أقول إن السد عمل عظيم بغض النظر عن من أنشأه ، هنالك مشكلة سودانية « الناس إما أن يقبلوا الشيء كله أو يرفضوه كله « ، صحيح هنالك نظم سيئة مرت ، وأنا دائماً ضد الاستبداد ، واعتبر الشمولية والحكومات العسكرية حكومات مستبدة ، لأن الناس لا يشاركون في الحكم حقيقة ، « لكن ربنا سخر لنا هذه النظم السيئة لعمل أشياء حسنة ، نميري كان نظامه سيئاً وعمل « بلاوي « لكنه عمل « شوية حاجات كويسة « نحمد الله علىها ، ولانحمده هو . و» ديل ربنا وجههم أيضاً ـ خصوصاً هذه الأيام ـ لأعمال بناءة». في تقديري المتواضع هذا العمل ـ يقصد السد ـ عندما يكتمل سيكون من أهم ما أنجز في السودان ، ويمكن أن يعادل في أهميته قناة « جونقلي « لو تم إنشاؤها ، وسيغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في منطقة شمال السودان. * بين موسم هجرتك الأولى إلى الشمال ، وموسم عودتك الحالية ) لدومة ود حامد) ، بهذا المعني الرمزي أين الروائي الطيب صالح بين كل هذه المواسم ؟ ـ الروائي إنسان ولا توجد « حاجة متحركة كدة يقال لها دا روائي ، ودا شاعر ، ودا رسام « نحن نحمل في جوفنا أشياء كثيرة ، دائماً أقول حين أسأل إن الرواية نشاط بين عدة نشاطات إنسانية يقدر الإنسان على ممارستها معاً ، أنا لا أكتب الرواية فقط ، أكتب في أشياء كثيرة ، في النقد ، في البحث وغيرها ، ولم أتوقف عن الكتابة . على الرغم من وجود الروائي داخلي لكني في مرات عديدة أنظر للأشياء بعين الإنسان العادي ، وأسعد حين تتعطل عندي الحاسة الناقدة والمتفحصة للأشياء ، فآخذ الأشياء كما أراها أو كما هي . * بعض النقاد يرون أن منحك جائزة الرواية العربية ، لم يكن تكريماً لك ، بل يرون أن الجائزة تكرمت بك ، وأظن أن القول للأستاذ عيسي الحلو .. ـ أنتهز الفرصة لأثني على عيسي الحلو ، الذي أذكر أنه أجرى معي مقابلة قبل عشرين عاماً تقريباً ، لمس فيها أشياءً مهمة ، فقد جعلني أركز في المقابلة على « فكرة التعدد « ، التي منذ أن بدأت الكتابة وأنا أدعو لها ، أدعو لعالم متعدد ، وعلى تعدده واختلاف مناخاته الثقافية والعرقية لكنه عالم متعايش ، عيسي الحلو ركز في مقابلته على « حكاية التعدد» وأظن أن المقابلة كانت للرأي العام ـ أجريت المقابلة لجريدة الأيام السودانية ـ « كتّر خيره أن قال الجائزة تكرمت بي » . بهذه المناسبة أقول أن أول بلد عربي كرمني كان المغرب ، كرمني مرتين في « أصيلة « كرمني كشخص وأقام لي احتفالية ، وكرمني ثانية حين منحوني « جائزة « محمد زفزاف للرواية « ، وكنت أول من يعطي هذه الجائزة ، وأنا متصل بأصيلة في المغرب منذ بداية المهرجان قبل أن تصبح شهيرة ، وأنا من مؤسسيها ، الرجل الذي قاد هذا العمل الجبار وأحدث تغييراً كبيراً هو محمد بن عيسي ، وزير خارجية المغرب الحالي ، هو رجل فاضل وخلاق وتجمعني به صداقة حميمة ، هذا التكريم أسعدني جداً . أما حينما يكرم « الواحد » في مصر ، « ومهما قلنا فيها » : قلب الوطن العربي ، و« سرة » العالمين العربي والإسلامي ، عندما يكرم المرء هناك ، فهو قد كرم على نطاق عربي وإسلامي وربما عالمي . هذا التكريم أسعدني « أخوانا المصريين وجدوا في جهدي المتواضع ما يستحق هذا التكريم » . * أثيرت وجهة نظر نقدية تقول إن كتابك ( موسم الهجرة إلى الشمال ) وضع سقفاً روائياً ، وحاجزاً أنطولوجياً لم تتجاوزه الرواية السودانية بعد ، إذا قرأنا وجهة النظر هذه مع جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي ، والروايات الفائزة وغير الفائزة ، السؤال هل تشير إلى أعمال روائية تجاوزت هذا السقف إن كنت تؤيد الفكرة ؟ ـ لا أفهم مثل هذا القول « حكاية سقف روائي » ، فالكاتب شاعراً أو روائياً يبذل جهده لا ليتجاوز شيئاً ، أو ليضع سقفاً ، فهو يشتغل ليقدم ـ كما يقولون ـ منظوره ورؤيته للأشياء ، يستحسنها الناس أم لا ، يقدرونها أو لا يقدرونها ، يعطوه جائزة أم لا ، هذا شيء ثانوي تماماً ، أنا لا ألقي بالاً لمثل هذا القول ولا أحس بأني « عملت سقف ، ولا أي شيء « . وأري أن أي صاحب موهبة يبذل جهداً لإبراز موهبته سيصل حتماً ، مثل هذا القول خارج مفهوم الأدب والفكر اللذان لا يقومان على سقوف ، الشعراء القدامى لم يكتبوا أشعارهم لتجاوز أبو تمام ، أو المتنبي ، أو البحتري « كل زول بقول كلامو « ، وكما تعلم فهنالك شعراء اكتفوا ببيتين ، وأن بعضهم عرف بقصيدة واحدة ، مثل هذا الفهم « كل زول يقول كلامو « هو الذي يثري الموروث الأدبي . والكاتب يكتب بالإضافة للتعبير عن الحالة التي يراها في الوقت الذي يعيشه ، ليعيش حواراً مع الذين سبقوه وتركوا أثراً في التراث العربي الزاخر ، وربما مع آخرين من التراث الإنساني . أما قضية سقف وحاجز أنطولوجي فهي قضية خارج مفاهيم الفكر والأدب « مجرد أكليشيهات قد يقلدها الناس بدون فائدة » . * هل قرأت روايتي (أحوال المحارب القديم )، و(قبيلة من وراء خط الأفق) الفائزتين بالجائزة التي تحمل اسمك ، وما رأيك فيهما ؟ ـ نعم قرأتهما ، وهي روايات جيدة ، لكن لا يعني هذا أنه لا يوجد كتاب آخرون .. بالمناسبة أتعرف قصة هذه الجائزة ؟ * لا ... !! ـ خطر للدكتور حسن ابشر الطيب أن يجمع مالاً ليبني لي بيتاً في السودان ، فقلت له لا أريد بيتاً ، ولا أملك وقتاً ، لكنه أصر ، « ولما لم قريشات يبدو أنها قلت عن القروش البتعمل البيت » ، فسألني ماذا نفعل ، وخطر لي في الأول إرجاع الفلوس للمتبرعين ، لكنا فكرنا والأخ محمود صالح عثمان صالح ـ وهو رجل عظيم ـ وقلنا : « والله كويس نخصصها لجائزة ، وهم من اقترحوا أن تكون باسمي ، مع إني كنت أفضل لو أنها كانت باسم التجاني يوسف بشير مثلاً ، « وختينا القريشات دي عشان تبقي نواة لهذه الجائزة » . أنا الآن أفكر في جمع المزيد من المال لجعلها جائزة كبيرة ، لا لتكون باسمي المتواضع ، بل باسم أحد عظماء السودانيين ، وأظن أن التجاني يوسف بشير مناسب جداً لتسمية الجائزة باسمه « جائزة التجاني يوسف بشير « . * لكن الجائزة أخذت اسمها واستقرت آليات عملها ! ـ « معلىش » يمكن تغيير الأسماء .. * لديك مقولة نقدية تدعو فيها لما اسميته النقد القائم على المحبة ، أحدثت هذه المقولة إرباكاً للإبداع والنقد ، وعلاقتهما معاً ، لأنها تبدو كدعوة للنقد ليتحول إلى غزل في النص ، وأن يرى الناقد بعين ( المحب التي لا ترى إلا المحاسن ) ، كيف يفض هذا الاشتباك؟ ـ هذا مذهبي ، ومع أني لست بناقد لكني لست بعيداً عنه وعلى بعد البصيرة ، النقد عندنا تحول إلى وسيلة لممارسة السلطة ، وأنا أنفر جداً من المتسلطين في هذه الدنيا عموماً ، حكاماً أو أصحاب نفوذ ، أو نقاد ، الناقد أحياناً يضع نفسه فوق المبدع ، ويتحدث بنبرة متعالية ويقول : « هذا كويس ، وهذا بطال ، وهذا كلام فارغ « . أنا أعد الكتاب الذي كتبه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عن أبي الطيب المتنبي من أسوأ أنواع النقد ، وطه حسين « ما في كلام عالم كبير ، وفلتة من فلتات الزمان ، لكن لكل جواد كبوة « ، هذا كتاب سيء جداً ، أبو الطيب المتنبي من أعظم شعراء الإنسانية ، « قعد يتلكلك علىهو ، وطلعو كلام فارغ ، وشتمو ، وقال إنه لا يستاهل كل هذا الإعجاب لأنه أبغضه ، ودخل على عالمه بكراهية ». « أنت كاره الزول خليهو» ، هذا يشبه مسافر يبحث عن رفيق فيختار من لا يحبه لمرافقته ، سيزعج نفسه ويزعج من يرافقه . المحبة تفتح البصيرة في مذهبي ، وأرى أن أحسن النقد ما كتب عن محبة من قديم الزمان إلى يومنا هذا ، فأبو العلاء المعري تحيز للمتنبي وأحبه ، وأشاد ونوه به ، وفي الأدب العالمي هنالك نقاد كبار ، وأساتذة جامعات ، أحبوا كتاباً مثل « ليفس »، أحد كبار أساتذة جامعة كمبريدج الذي أحب د . هـ . لورنس وكتب عن كتابه « عشيقة ليدي شترلي » ونوه به ، وهكذا يكون النقد المفيد . وحتى الكتاب الذين ليست لديهم قيمة أدبية أمثال « إحسان عبد القدوس « و « يوسف السباعي « عند أخواننا المصريين ، عندما أقرأ كتاباتهم استمتع بها ، « إذا الواحد ما عاجبك خليهو « ، إلاّ إذا نصبوا كاتب « كان واضحاً أنه كاتب تافه ، وعملوه أعظم كتاب زمانه ، فليتصدى لهم الناس ويقولوا : لا يا أخوانا الكاتب دا ما عظيم « .في غير هذا يجب أن تتم عملية التواصل بين المبدع والجمهور بالمحبة وليس بالكراهية . * مصطفى سعيد شخصية من ابتداع خيالك ، لكنها استقلت وأقامت لها وجوداً خاصاً ، ونُسجت حولها كثير من الأحداث ، وصارت ذات لحم وعظم وروح ، ألا تحس بالغيرة منها ، ومن شهرتها إلى حد ما ؟ ـ أبداً لا أحس بالغيرة من مصطفى سعيد مطلقا ، بالمناسبة هناك بعض الناس يقصرون اهتمامهم على أن مصطفى سعيد سوداني ، بينما أنا أقابل أناساً كثراً في هذا العالم يظنون أنهم مصطفى سعيد ، مثلاً قابلت أستاذاً أردنياً درس الاقتصاد في أوكسفورد فقال لي : « في حد حكي لك قصة حياتي ، وقال بالضبط أنه مصطفى سعيد « ، وقابلت شخصاً كندي الجنسية فقال لي شعرت بأن حياة مصطفى سعيد هي حياتي ، هنالك من يتساءلون هل هو أنا ، وفي ندوة قاعة الصداقة « عملت السيدة الفاضلة زوجة أستاذنا الراحل عبد الله الطيب قضية طويلة حول أن مصطفى سعيد واحد في متعدد ، وعددت أسماء سودانيين ذهبوا إلى لندن منهم الدكتور سعد الدين فوزي ، جمال محمد أحمد ، الدكتور أحمد الطيب ، وعبد الله الطيب زوجها ، فقلت لها يا سيدتي والله لم أفكر في هؤلاء الناس ، هذا محض خيال » . لم تصبني الغيرة من مصطفى سعيد لأن بعض الصفات التي أسبغتها علىه ليست هي الصفات التي أعتز بها ، لو جازت مقارنة بيني وبين شخصية من شخصياتي ، فليقارنوني بشخصية « الزين « في رواية عرس الزين ، وأنا أعجب لماذا لم يقل واحد من الناس أن الزين هو الطيب صالح ، لأن في ّ بعض صفات الزين أكثر مما عندي من صفات مصطفى سعيد . * هل لك أن تبوح لنا في الختام بخبر عن عملك الذي تشتغل علىه بعد منسي .. ـ دع الأخبار لحين حدوثها ، لكني أملك مشروعاً روائياً لم يكتمل ، أسأل الله أن يمد لي في الأجل لأفرغ منه ، وهو مشروع « بندر شاه « الذي أعده من أهم ما صنعت على علاته ،» ضو البيت « و « مريود « في تقديري المتواضع أهم من موسم الهجرة إلى الشمال ، هناك جزء ، أو جزءان ، أو ثلاثة ، سأكون سعيداً « لو خلصت منها».
عن الراى العام السودانية
|
|
|
|
|
|
|
|
|