ظاهرة تحول كوادر الجبهة الاسلامية للمعارضة .. ( خالد ابو أحمد مثالاً ) ..

Quote: نِساء التنظيم..!! خالد ابواحمد كتب الشعراء الغزل في حب المرأة وتغنوا بها، وبكى أكثرهم شوقاً لها وولعاً وهياماً، والأدباء سطروا لها جميل الكلام وهندسوا العبارات التي تؤكد على مكانتها الراسخة في حياتنا جميعاً، فمن منا يمكنه العيش في صحراء قاحلة وأرض جرباء لا هواء فيها ولا ماء، فمن الذي يستغنى عن الأكسجين في حياته، فالمرأة والسودانية على الخصوص هي بمثابة الروح للجسد فإذا غابت أصبح الجسد جثة هامدة بلا حراك. ونحن في السودان دون شعوب الأرض نكُن للمرأة الاحترام والتقدير الشديدين، ذلك لأن المرأة السودانية هي من تحملت مسؤولية الحياة بقدر أكبر من الرجل، وفي حياة كل منا نموذج لإمرأة عاملة مناضلة، وشخصياً أعتز بأمي التي خرجت من رحمها الطاهر وهي إمراة عاملة، وقد جاهدت فينا كثيراً بالعمل والمثابرة، وعندما كنت صغيراً في سنيني الخمسة الأولى كانت تواصل دراستها، والآن أتذكر هذه المشاهد وأتخيلها باعتزاز شديد، وفي مجتمعي الصغير ليّ العديد من النماذج الجميلة لنساء سودانيات أثرين حياتنا وطاب لنا العيش. لكن في الحركة الإسلامية كان هناك نسوة لهن قصة جميلة و مؤلمة معاً، وتجعل في الحلق غصة، إلا أنها يجب أن تروى للناس، ولو إن البعض لا يرضى ذلك، لكن أمانة المهنة ومسؤولية التاريخ تحتم أن نفعل فليغضب علينا من يغضب. جميع السودانيين يعرفون أن للمرأة المنضوية تحت لواء الحركة (الإسلامية) في السودان الدور الكبير فيما وصلت إليه، وقد كانت المرأة السودانية في مجتمع (الإسلاميين) عنصراً للتماسك والاستمرار في تحقيق الأهداف الكبيرة التي رسمناها لأنفسنا ولبلادنا بل للعالم أجمع، ولا أخفي عن القراء بأن الحركة (الإسلامية) كانت تمثل لنا جميعاً الأم الرءوم والحضن الدافئ، وكنا نغيب عن أُسرنا لكننا كنا نشعر بأننا في أُسرتنا الكبيرة حيث الوالد والعم والعمة والخالة والأخت الكبرى والأخ الأكبر، والأخت الصغرى والأخ الصغير، وكان يمثل لنا العنصر النسوي داخل هذا المجتمع الكبير الامتداد الأسري الطبيعي، سيما وأن العلاقات قد امتدت ما بين أسرنا والحركة (الإسلامية) الأمر الذي كان يشعرنا بالأمان الاجتماعي والنفسي. و في يقيني التام الذي لا يتزحزح أن المرأة مثلت بالنسبة للحركة (الإسلامية) القاطرة الحقيقية للإسلاميين فأوصلتهم لدنيا الحُكم من بعد نيف وخمسون عاماً، وتشهد صحف الديمقراطية الثالثة (1985-1989م) أن مسيرتي أمان السودان التي أخرجتها الحركة (الإسلامية) وشّكلت فيما بعد الصورة الحقيقية لحجم وقوة (الإسلاميين) في الساحة وعلى ما يتمتعون به من رصيد، فقد كان ثلاثة أرباع المتظاهرين في هذه المسيرة التاريخية من العنصر النسوي، في مسيرة كان عنوانها دعم (القوات المسلحة)، إذ أرسلت رسالة واضحة المعالم للجيش تفيد بأن (الإسلاميين) هم الناصر الوحيد للقوات المسلحة ومستعدين للوقوف بقوة معها. وأتذكر كان بعض الزملاء الصحافيين في صحيفة حزبية ذكر ليّ أنهم قدّروا نسبة النساء في هذه المسيرة بـ 75% من المتظاهرين، بما يعني أن الحركة (لإسلامية)تعتمد على العنصر النسائي بشكل كبير، وبالفعل كانت مشاركة النساء في ذلك اليوم كبيرة بكل المقاييس وقد ضمت طالبات الجامعات والمدارس الثانوية والعاملات في الوزارات، وكان هذا هو ديدن المرأة في الحركة (الإسلامية) السودانية. أدواراً بطولية لعبت المرأة في الحركة (الإسلامية) أدواراً بطولية على كل المستويات التنظيمية والأسرية والسياسية التي تتعلق بشكل أو آخر بمستقبل الحركة وما تحمله من أفكار، والذين عايشوا العمل السياسي بالجامعات يدركون جيداً صورة وشكل الصراع بين الكيانات السياسية وخاصة بين (الإسلاميين) وقبائل (اليسار) والتي كانت دوماً تصل إلى حد العنف، وبين المتضررين في أحيان كثيرة العنصر النسوي، فكانت أخواتنا يخلصن في العمل التنظيمي والدعوي والسياسي، وقدمن نماذج جميلة للغاية، ولا أنسى أبداً أنه في قمة الصراع السياسي بالجامعات كانت أخواتنا يحملن في حقائبهن زجاجات الملتوف الحارقة، ويعرضن أنفسهن للمخاطر المحدقة بهن بكل شجاعة ونكران ذات. ولا شك أن اخلاق السوداني كانت تمنع الفتاة التأخير خارج البيت لأوقات طويلة، وكانت العضو بالحركة (الإسلامية) تقاسي الصعاب في التوفيق ما بين الموجهات الأسرية وتقاليد المجتمع والالتزامات التنظيمية، وفي هذا الصدد حدثت الكثير من الإشكالات داخل الأُسر لكن قوة الترابط الأسري والاجتماعي بين الأعضاء تجاوز بالأخوات كل المشاكل الأسرية، وعلى ذات الصعيد كانت الأخت في هذا المجتمع أكثر إلتزاماً ومسؤولية تجاه الفكرة التي من أجلها انضمت للحركة، ومن أجل ذلك كان حُلم كل أخت الزواج بأخ من الحركة، وكنا نرى هذه الأحلام في وجوههن، والمحظوظات اللائي تزوجن من أخوان كانن يخطط للزواج من أجل خلق أسرة نموذجية، تظللها الشريعة الإسلامية، الصلاة في المسجد، وتلاوة القرآن الكريم بعد صلاة الصبح بمشاركة الزوج والزوجة والأبناء، واللائي وفقهن الله سبحانه وتعالى بالزواج في ظل الحركة الإسلامية وهن قلة قليلة، قد سرن في خط الالتزام. كارثة التمكين.. وبعد الانقلاب المشئوم في يونيو 1989م واستلام السلطة فيما عرف بـ(التمكين) كان ضربة شديدة للعنصر النسوي الملتزم بخط الحركة فقد كان الجميع يتوقع أن يتزوج أعضاء الحركة من الأخوات وقد دخل غالبيتهم الأجهزة الأمنية، ثم المؤسسات الاقتصادية والدبلوماسية وغيرها، لكن كانت الطامة كبرى بكل ما تحمل الكلمة من معنى..!!!. بعد فترة من جلوس الحركة (الإسلامية ) على كرسي الحكم انتشرت بيوت (الأفراح) زيجة هنا وزيجات هناك، لكن كانت الحسرة كبيرة في صفوف الأخوات اللائي وضعن الحركة في كرسي حُكم السودان، فذهب (الأخوان) يتزوجون لكن ليس من نساء الحركة اللائي كن يحملن زجاجات الملتوف الحارقة في حقائبهن، تزوجوا لكن ليس من اللائي رفضن أبناء العم وأبناء الخالات بغرض الظفر بأخ من (التنظيم)، هذا عقد قرآنه على بت عمه، وهذا من بنت خالته، وهذا من سكرتيرته الحسناء، وهذا من موظفة غير محجبة،وهكذا دواليك، وبدأت تنتشر بين الناس قصص وروايات كلها تشير بوضوح إلى كارثة إنسانية حدثت وكانت تحدث يومياً، في غياب تام لأي ضمير، ولم تكن للحركة (الإسلامية) أي رؤية اجتماعية داخلية، كان الهم الكبير كله يتمثل في تأمين مفاصل الحُكم، وضرب الأعداء المُحتملين. خلف الأبواب المغلقة المتزوجين من داخل الحركة (الإسلامية) يعيشون عظم المأساة والفجيعة بكل قساوتها لارتباطهم بالعلاقات الاجتماعية والأسرية للكثير من (الضحايا)، قبل خروجي من الوطن كنت قد قابلت واحدة منهن، وعندما سألتها عن أخبارها وأحوالها والجديد في حياتها قالت ليّ بنبرة حزينة " طبعا نحن نسوان للعمل التنظيمي فقط وللجري والتعب، غيرنا للزواج والحياة الأسرية "، وكأنها تريد أن تذكر المثل السوداني المعروف "الخيل تجلب والشكر لحماد"، وعندما أنظر إلى وزيرة التنمية الاجتماعية سامية أحمد محمد أحد النماذج المشرقة للحركة الإسلامية في السودان، أكثر من ثلاثين عاماً من العمل الإسلامي الحقيقي مع نظافة القلب واليد واللسان، لم يفكر أحد من قادة النظام في الزواج منها بينما تهافتوا على زوجات (الشهداء) صغيرات السن، للأسف كانت هذه هي الصورة البليغة لتردي (الإسلاميين) الأخلاقي الذين يدعون الآن إسلامية دولتهم وبرنامجهم، وسائر معاملاتهم، وقد اكتظت حساباتهم بالعملات الحرة ليس في بنوك السودان فحسب بل في دبي وسويسرا وتركيا وغيرها. وإذا جاء الحديث عن الاتحاد العام للمرأة الواجهة النسوية للمؤتمر الوطني الحاكم فنجد أنه جسم غريب على المجتمع السوداني، بعيداً عن عالم أُسرنا ومُجتمعات أُمهاتنا وعماتنا وخالاتنا، يفلح في إعداد الحفلات والبوفيهات المفتوحة،، وأتذكر عندما كنا نعمل مساءً في مبنى مجلة (سوداناو) الملاصق للاتحاد العام للمرأة السودانية بالخرطوم كانت تأتينا رائحة الشواء قريبة جداً، وما لذ وطاب من الأكل المُعد في أرقى فنادق العاصمة الخرطوم لتكريم أو استقبال أو وداع وكانت هذه الحفلات تقام بشكل دائم تقريباً، وكأن هم المرأة السودانية المنتشرة في ربوع البلاد لا يهم هؤلاء في شيء. والمتابع يجد أن الاتحاد العام للمرأة السودانية يضم في قيادته العنصر النسوي الغالب عليه الذاتية والعمل بقوة على تحقيق مصالحه الشخصية، وتقوده شخصية لا تعرف غير تنظيم حفلات الأكل، وحفلات مدح أولياء نعمتها، وفي آخر فعالية كبيرة للاتحاد بثها تلفزيون السودان على الهواء قبل أكثر من شهر مدحت فيه هذه الرئيسة رئيس المؤتمر الوطني رئيس الجمهورية، ونائبه، وكانت فضيحة التلفزيون (القومي) كبيرة وبجلاجل عندما قدمت هذا الحفل (الفضائي) تلك المذيعة الاستثنانية (الفضيحة) التي استمرت في العمل أكثر من 13 عاماً ولا تزال مبتدئة خاوية الفكر والمعرفة إلا من ملابسها الجميلة، حيث (كالت) المدح بشكل مقزز لكل من رئيسة الاتحاد العام للمرأة السودانية وللرئيس ولنائبه، هذا في الوقت الذي ينفي فيه بشدة رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون محمد حاتم سليمان أن يكون جهاز التلفزيون القومي يتبع للمؤتمر الوطني، وكأن على رؤوسنا الطير..!. أين ذهبن أخوات التنظيم..؟ في هذا الحفل دققتُ في الحضور النسائي فلم أجد أبداً (أخوات التنظيم) اللائي أعرف سيماهن وملامحهن التي نال منها الاجتهاد الكثير والكثير، فالغالبية من الحضور تم حشدهن بشكل غريب، وليس لهن ناقة ولا جمل في موضوع الحفل، والأمر الذي يؤكد أن (عقلية) الحشد لا زالت سبباً في ثراء غالبية مؤيدي النظام ومُنظريه، إذ أصبحت المؤتمرات الكبيرة ومظاهرات التأييد والاستنكار من أهم الثغرات التي ينفذ منها المفسدون، حيث لا مناقصات ولا حساب ولا يحزنون.. ولكن أين ذهبن (أخوات التنظيم)، واختفين من الساحة، وفي أي عالم يعشن، ومن يتحمل مسؤوليتهن يا تُرى..؟..أسئلة بطعم الحنظل ترن في دواخلي كلما جاءت سيرتهن العطرة، لا زالت تتردد في خاطري هتافاتهن القوية وانفعالاتهن الصادقة، ووجوههن الطاهرة، إذن (رجالات) الحركة (الإسلامية) سرقوا جهود آلاف النساء من الطالبات والموظفات وربات البيوت، وأسسوا دولة الخوف والكذب. تباً لها من دولة قبل أن ترمي بنساء دارفور في جحيم الحرب، رمت بنسائها في بحر الأحزان والموت قهراً.