(*)
كان كعادته يتأهب للذهاب إلى صلاة الفجر ,
كان فجراً ماطراً ,
أزقة (أمدرمان) كانت تحتمل المطر ,
لكنه كان يمشي حذراً , فالأرض مبتلة زلقة ,
كان الجو أيضاً , يميل إلى البرودة ,
هنالك قرب دكان (المكوجي) ,
سمع صراخاً ,
صراخ طفل رضيع ..!!!
(*)
كان لون بشرتي فاتحاً ,
كنت أحسب أن (اللقطاء) في السودان ,
وأطفال الشوارع , يجب أن يكونوا (سوداً) ,
لم أكن أعرف شيئاً عن عوالم (اللقطاء) و(أطفال الشوارع) ,
لم أكن آبه لهم ,
كنت أمر بهم , وكأنهم ليسوا بشر مثلنا,
لا أذكر أنني تعاطفت معهم يوماً ,
لا أذكر أنني توقفت عند هذه الكلمة ,
(لقيط) ..!!
(*)
فجأة ,
وجدت نفسي جزءاً من هذا العالم ,
عالم اللقطاء , لكنني أفضل حالاً وأكثر حظاً ,
من بقية أقراني ,
الآن فقط ,
أحببت أن أعرف كل شئ عنهم ,
عن حياتهم ,
كنت أحسب أن من الطبيعي أن يكون بعض الأطفال ,
مشردون , يقضون بعض حوائج الناس ,
يغسلون سياراتهم , يلمعون أحزيتهم ,
لم أكن أعرف أنني ,
وبالصدفة فقط ,
صار لي بيت وأهل ..!!
(*)
تلك الليلة , ليلة (البرد والمطر) ,
و(الرضيع) في لفافة بيضاء ,
لم ينسى من وضعه داخلها أن يضع معه بعض إحتياجاته ,
حمله ومضى عائداً إلى المنزل ,
وضعه بين يدي أخته , قائلاً :
إنتي ربنا ما أداك جنى , ده هديتو ليك , حافظي عليها ..!
حملته بين يديها فرحة, جزعة, وقالت :
لكن (الحاج) بوافق ..؟؟
(*)
ووافق (الحاج) , وكان أبي ,
حملت إسمه لثلاثين عاماً,
رغم أنه لم يعش لي سوى (عامين) بعد أن جاء بي (صهره) ,
إلا أنه كان أبي ,
يوم أن تلقف تلك (القفة) بين يديه ,
كان ميلادي الحقيقي ,
أعطوني (إسما) وصرت (طفلهم) , ووحيدهم ,
غيروا حياتي ,
وبدلت حياتهم,
لم أكن أعلم أن حياتي ستتبدل مرة أخرى ,
حين أعلم أنني لم أكن سوى (طفل) في (قفة)
ألقت به إحداهن
على قارعة الطريق ..!!
|
|