|
أزمة مواصلات العاصمة قد بلغت حداَ من السوء، ينذر بأن تكون شرارة لانفج
|
أحمد علي بقادي
أهلاً وسهلاً مواصلات الوادي الأخضر .. حضارة وتهذيب وسلامة الذين لا يعرفونني جيداَ يظنون أنني مفتون بالكلام الخشن، ومغرم بالتعبيرات المريرة، الجارحة. وهم يستدلون على ذلك بما كتبت، وأكتب في الشأن العام، على مدى سنوات طويلة. ولهؤلاء حق فيما يظنون. وليس الذنب ذنبي، ولا أنا سعيد، على الدوام، بالنقد القاسي، والتعبيرات اللاذعة. ولكن الظروف التي نعيشها، والنشأة التي جبلنا عليها، والمسئولية التي نتصدى لتحملها، تفرض علينا عدم التراخي، أو التساهل أو التغاضي عن قولة الحق عندما يتطلب الموقف ذلك. وكم تكون سعادتي بلا حدود، حين تحين فرصة أتوجه فيها بكلمة طيبة، ولو كان ذلك نادراَ ما يحدث، حين أجد ما يستدعي ذلك. وها أنا مفعم بالسعادة والحبور، وشاكر لله الذي مكنني من أن أتوجه بكلمة طيبة إلى شركة المواصلات العامة في الخرطوم، وفي زحمة المرور التي تخنق الشوارع والناس على حد سواء، وتكاد تقضي عليهم. لقد ساقني القدر لأسكن في واحد من البيوت المخصصة للصحافيين في الوادي الأخضر. ويقع هذا الوادي، لمن لم يسمعوا به، ولا بمنازله، في الضاحية الشمالية الشرقية من حي الحاج يوسف, ويبعد عن الخرطوم بنحو 34 كيلومتراَ بالتمام والكمال. وتحتاج الحافلة إلى ساعة ونصف الساعة، في الظروف العادية، لتقطع هذه المسافة لتي تفصل بين النقطتين في موقف الحافلات بالخرطوم، ومحطة الحافلات في الوادي الأخضر. وقد تكرمت شركة المواصلات العامة في العاصمة بتسيير حافلات بين المحطتين. ولحسن الحظ، فإن هذه الحافلات هي ضمن أسطول الحافلات السياحية الجديدة التي خصصتها شركة مواصلات العاصمة لنقل الركاب بين مختلف أحياء حاضرة السودان المثلثة الأركان، والتي تشمل الآن مدن العاصمة المثلثة القديمة الثلاث، الخرطوم والخرطوم بحري، وأم درمان، وامتداداتها الجديدة مترامية الأطراف. ويطلق على هذه الحافلات (حافلات الوالي- والي الخرطوم طبعاَ، أو الحافلات السياحية)، وهي حافلات كبيرة، وسريعة، وسياحية حقاَ، ويتولى أمر قيادتها نفر من كرام المواطنين، المهذبين، المتحضرين، الذين يعاملون جمهور الركاب بما يستحقون جميعهم، النساء، والأطفال والرجال، شيوخهم وشبابهم، بأكبر قدر من اللطف والأدب. ويلتزم المسئولون عن هذه الحافلات بكل قوانين وآداب المرور، ومن ثم لا يعرضون سلامة مستخدميها أو من يعبرون السبيل، راجلين أو على متون سياراتهم، للخطر. وركاب هذه الحافلات يوقر صغيرهم كبيرهم، ويتخلى له عن مقعده إذا رآه واقفاَ، كما يوقر الرجال النساء والأطفال. وباختصار، فإن الرحلة بواسطة هذه الحافلات ترف، وسلامة، ومتعة. الحافلات المنافسة: خطر على الركاب، وسوء في المعاملة وأقول بمنتهى الصدق، والأمانة، أنه لولا توافر خدمات هذه الحافلات، لما استطعت الاستمرار في الإقامة في منزلي الجديد بالوادي في الأخضر، لأنه كان علي، في تلك الحال، استخدام الحافلات الأهلية في تنقلي، وتستخدم هذه الحافلات حتى الآن، لنقل الركاب في الرحلات الممتدة بين الوادي الأخضر، وحلة كوكو، والخرطوم. وبكل أسف، فإنه لا يتوافر سبب واحد يسمح لهذه الحافلات للاستمرار في عملها سوى حاجة الناس الماسة للتوصل، من منازلهم وإلى أماكن عملهم وبالعكس، وعدم قدرة مواصلات العاصمة على تلبية احتياجاتهم، بتسيير عدد كاف من الحافلات تتوافر فيها متطلبات العصر، والسرعة والحضارة. وتعتبر هذه الحافلات الأهلية، نفسها منافسة لحافلات الوالي. وهي مجموعة من الحافلات صغيرة الحجم، من طراز( هايس)، بالية، ومقاعدها مهترئة ومتسخة. وتحمل الواحدة منها أكثر من طاقة حمولتها من الركاب. ويتولى قيادة هذه الحافلات، والإشراف عليها نفر من الناس لا يبذلون كبير جهد لاحترام الكبير، أو مراعاة حرمة النساء، ولا حاجة الأطفال للرعاية، ويخرقون كل قواعد سلامة المرور بالتسابق في الشوارع الضيقة الآهلة بالمارة، للفوز بأكبر عدد من الركاب لترحيلهم. ومن ثم فإنها تهدد حياة الناس بخطر وقوع حوادث الطرق، للركاب والمشاة، والسيارات الأخرى على حد سواء. وإذا كان هناك من يتشكك فيما نقول، فإننا نطلب من سلطات المرور في العاصمة التأكد من هذه المعلومات التي نوردها حتى لا يظلم أحد بدون وجه حق. ما زال الخطر ماثلاَ، وما تزال الأزمة محتدمة، وما تزال عواقبها وخيمة هذه الكلمة الطيبة التي أوردناها هنا، عن مواصلات الوادي الأخضر، لا يجب أن تنسينا، ولو للحظة، أوتنسي الحكومة، والمسئولين عن أزمة المواصلات، وبصورة خاصة أزمة المواصلات في العاصمة السودانية المثلثة، التي ترامت أطرافها وامتدت. ولا أظننا نبالغ كثيراَ، أو نجافي الحقيقة، إذا قلنا أن أزمة مواصلات العاصمة قد بلغت حداَ من السوء، ينذر بأن تكون شرارة لانفجار جماهيري قادم لا محالة. وفي اعتقادنا أن المسئولين عن المواصلات في العاصمة، ولا ندري من هم، بالتحديد، يتجاهلون، أو لا يدركون حتى الآن، مدى التدهور الذي حدث في هذه المواصلات ، ولا يعلمون مقدار المعاناة التي لحقت بالناس، وتلحق بهم كل يوم، في ساعات غدوهم ورواحهم. فهل يرى المسئولون أعداد الناس المكدسة على طول طرق العاصمة، في الصباح وعند المساء، وهم ينتظرون الفرج في المواصلات، أو يعدون خلف الحافلات للفوز بمقعد فيها؟ وهل شاهدوا النساء وهن يحملن أطفالهن في انتظار الحافلات، أو يجرين خلفها، أو يتدافعن مع بقية الركاب للفوز بمقاعد للانتقال إلى المنزل أو مكان العمل؟ في الصباح أو في المساء؟ إنني لا أبالغ في القول، ولا أجافي الحقيقة، إذا ذكرت هنا، وبهذه المناسبة التي أوردنا فيها كلمة طيبة عن مواصلات الوادي الأخضر، أنني لو كنت المسئول عن المواصلات في العاصمة، أو لي أية علاقة بهذه الحكومة، لما غمض لي جفن قبل المحاولة الجادة لوضع حد لأزمة المواصلات في العاصمة لأنها قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت. http://www.rayaam.info/Raay_view.aspx?pid=1174&id=96775
|
|
|
|
|
|
|
|
|