|
|
 Re: جنوب كردفان : المجموعات الاثنية والقبلية والتعايش السلمى (ملخص + ص (Re: مركز الخاتم عدلان)
|
يواصل أ/ بلايل :-
بعد اكتوبر , قامت الحركات السياسية ذات الطابع الاقليمى , تأسس اتحاد عام جبال النوبة , وهى فترة اظهرت وعى لاهل المنطقة بان مصالحهم السياسية متقاربة , لذلك نجد فى كادوقلى كلها ان سكرتير عام اتحاد جبال النوبة كان الناظر بلال حامد اللكة وهو زعيم قبيلة الحوازمة الرواوقة , لقد تشاركوا حتى عندما قاموا بتأسيس الاتحادات ذات الطابع الاقليمى , كان هناك وعى المصالح المشتركة رغم التناقضات الموجودة فى سبل كسب العيش , فى الحراك السياسى سوف نشاهد ان السياسة المركزية رويداً رويداً تقوم بالدخول فى التباعد التدريجى بين هذه المجموعات , حيث بدا الحديث حول التهميش فى المركز وانه ليس تهميشاً اقتصادياً فقط وانما فيه طابع الهوية وطابع ثقافى , والمجموعات المسيطرة فى المركز مجموعات دعنا نقول انها عربية اسلامية , الحراك الذى بدأ هو حراك سياسى يرفض هذا التهميش ويتحدث عن نوع من الهيمنة .. عندما يتم نشر مثل هذا الخطاب فى الواقع فانه لا يقتصر بالضرورة على المركز فقط بل يقوم بالقاء ظلاله فى المنطقة ومن الممكن استغلال هذا الكلام بان هناك استهداف للثقافة العربية وللعروبة , وهو امر قام بالتدريج ويتطور شيئاً فشيئاً .
عندما جاءت الحرب الاهلية , او الحركة المسلحة فى جبال النوبة , كانت هى نقطة التحول الرئيسية ليس فقط بالخطاب وانما بالحراك العملى , بالقتال والهجمات , ونحن نعرف ان اول هجوم للحركة الشعبية فى ولاية جنوب كردفان كان فى بداية خريف 1985 فى منطقة (قدود ام ردمى) , وخطاب الحركة نفسه كان عن التهميش وعن البعد الثقافى وعن العروبة والمجموعات الافريقيانية , والمجموعات المحلية من الطبيعى ان تتوجس من ان هناك خطاب جديد ومشروع جديد من الممكن ان يشكل خطر عليها , ثم بعد ذلك اصبح هناك كلام عن الدفاع الشعبى والدفاع عن الذات فى سبيل الاستقواء بهذه المجموعات , وفى واقع به الكثير من الامية والجهل دخل السلاح ولا اريد التطرق هنا لمن هو الذى قام بادخال السلاح , واخذ الصراع يأخذ البعد القبلى تدريجياً على مستوى العمل العسكرى والحراك السياسى والخطاب .
أنتخابات 1986 كان الخطاب السياسى الحزبى فيها وطريقة الاصطفاف واضحة جداً , المجموعات النوبية كانت مع الحزب القومى السودانى , والمجموعات العربية بقدر كبير مع حزب الامة , هنا دخل الحراك السياسى كعامل تبعاد بين هذه المجموعات وحدث شرخ للنسيج الاجتماعى رويداً رويداً , استمرار القتال فى الحرب الاهلية والتمرد نفسه اعتمد استراتيجية كانت واضحة وهى تعميق التناقض الاثنى حيث كان يعتقد ان هذا يصب فى مصلحته , وفعلاً فان التجاوزات التى تتم من المراحيل او الدفاع الشعبى يدفع الضحية للبحث عن سند , واعتقد ان الكثير جداً من العمليات التى قامت بها الحركة الشعبية فى المنطقة كان المقصود منها ان تقوم بتعميق الخلاف , وعلى مدى 20 عام تم شرخ النسيج الاجتماعى وتم نزوح مجموعات للمدن الرئيسية وأخرين اصبحوا فى مناطق تسيطر عليها الحركة الشعبية بالكامل وأخرين فى مناطق الحكومة .
فى السنوات الاخيرة للحرب الاهلية حدث هدواء فى القتال , وحدث استراخ فى هذا الجانب جانب الصراع والتناقض على الاساس القبلى , ثم عاد النشاط فى هذا الجانب للمفارقة بعد اتفاقية 2005 نتيجة انه قد اصبح هناك خطاب سياسى قوى جداً من الحزبين الشريكين وهو خطاب اعتمد لحد كبير على الجانب الاثنى وبالذات من جانب الحركة الشعبية لنتحدث بوضوح , وهو امر لا يُغالط فيه الا من يُكابر , واصبح هناك فهم فى الولاية لا اعرف من اين جاء ؟ ان المؤتمر الوطنى يمثل مصالح العرب والحركة الشعبية تمثل موضوعياً مصالح النوبة , واى خلاف او مشاكسة بين الحزبين يترجم على ارض الواقع .
هناك عوامل أخرى ساهمات فى هذه التناقضات , ومنها التزاحم على الموارد وانا قلت ان سبل كسب العيش بها خلاف نسبى , العرب مجموعات رعوية فى اغلبها والنوبة فى اغلبهم مجموعات مستقرة .. منذ ايام الانجليز وحتى منتصف عقد السبعينات لحد كبير كانت السلطات الادارية حازمة جداً فى الفصل بين الزراعة والرعى حتى لا يحدث احتكاك , لكن جاء بعد ذلك التراخى فى العقود التالية , تراخى قانونى وتم افتقاد الحزم فى دخول المراحيل لمناطق الزراعة الا فى اوقات معينة , وساعد هذا التراخى التغيرات المناخية وحدث الجفاف , وكذلك دخلت الزراعة الالية بطريقة فيها حد كبير من عدم العدالة , فالزراعة الالية التى دخلت لم تراعى مصالح المجموعات المحلية فى الزراعة والرعى وتم افقار التربة التى قل عطائها , كل هذا قاد الى تزاحم حول الموارد والمراعى , هذا التزاحم فى ظل عدم الحسم والتراخى الادارى والجهل الموجود , واصبح هناك احتكاك , فهناك ثقافة ان الابقار لو اكلت (العيش) فانها سوف تقوم بالتكاثر بشكل جيد فى الخريف وهناك من يحمل السلاح ومن الممكن ان يستبيح المزرعة , وهذا اصبح جزءً من تعميق التناقضات , ووجدنا مسائل سياسية فى قمة الهرم ومسائل محلية فى القاعدة .
واصبح هناك انتشار للسلاح , كان هذا سلاح الدفاع الشعبى او من قاموا بشرائه لان المنطقة اصبحت غير امنة او كان سلاح الحركة الشعبية مؤخراً , سلاح زائد ثقافة حرب زائد تناقض فى سبل كسب العيش زائد توترات سياسية بسبب خلافات محلية او مركزية , كلها اصبحت أشكال للتعايش السلمى .
الاسباب الحادثة الان هى فى تقديرى اسباب سياسية قومية ومحلية , والتزاحم على الموارد , وانتشار السلاح وثقافة الحرب , هذه هى مُنغصات التعايش السلمى فى المنطقة بالرغم من وجود ارث تاريخى باعراف واحلاف باشياء كثيرة حتى من بينها توافق سياسى .
المدخل الاهم للتعايش السلمى هو تسوية الخلافات السياسية القائمة الان وتسوية النزاعات , وعندما اقول تسوية النزاعات ان لا اقصد النزاعات المحلية فقط بل حتى على المستوى القومى , حيث اننا لو لم نقوم بحل الاشكالية على المستوى القومى فاننا لن نتقدم خطوة نحو الامام , اذا لم يحدث الاستقرار فان الاستقطاب يظل موجوداً , الخطوة الثانية للتعايش هى تنمية الموارد والتنظيم السليم لاستغلال هذه الموارد حيث ان البيئة قد تعرضت للتدهور بعد ان رفعت الحكومة الاتحادية يدها عنها واصبحت هناك عشوائية فى الزراعة ورعى جائر وقطع جائر للاشجار بالاضافة للجفاف , فى تلك المنطقة نجد اقتصاد الريف القائم اساساً على البيئة الطبيعية , وفى الـ 10 سنوات الماضية نجد ان نصيب القطاع التقليدى المطرى فى السودان كله والذى يُشكل 80% من الناتج القومى الزراعى , لا ينال من اعتماد الزراعة والرعى على اكثر من 5% , والـ 95% تذهب للقطاع المروى والذى يساهم ب 20% من حصة الزراعة فى الناتج الاجمالى .
وهناك تناقضات الارض , فنجد فى اتفاق نيفاشا وفى بروتوكول جبال النوبة والنيل الازرق كان يفترض ان تكون هناك مفوضية الاراضى حيث ان اهميتها تاتى من تنظيم الاراضى بالملكية العرفية وكيفية استغلالها بواسطة هذه الملكية العرفية , ولم يهتم اى احد بهذا الجانب وهى قضية عالقة ولابد من تنظيمها والاهتمام بها وفتح المسارات بطريقة عادلة وسن قوانين صارمة لفك الارتباط والاشتباك بين سبل كسب العيش المتناقضة
ومن الضرورى ايضاً بسط الوعى ونشر ثقافة السلام بدلاً عن ثقافة الحرب , فلو كان هناك وعى حقيقى فان مصالح هذه المجموعات مكملة لبعضها البعض وليست متناقضة .
وكذلك فرض هيبة الدولة وحكم القانون والسيطرة على السلاح , فواحدة من المشاكل ان الدولة عندما لا ترغب او لا تستطيع حمايتك فان الشيء الطبيعى ان اى انسان يحاول ان يدافع عن نفسه وعن مصالحه , ومن المهم ان تعمل الاجهزة الحكومية فى شفافية وان تنال ثقة الناس , والسيطرة على السلاح تتم بواسطة ضبطه فى البداية ثم جمعه بعد ذلك , فانت لا تستطيع ان تجمع سلاح دون تسويات سياسية شاملة .
فى الختام اقول ان هذه المجموعات التاريخية وعندها اعراف راسخة وتقاليد فى الاحلاف والدروب , هذه المجموعات فى مراحل تاريخية معينة شعرت ان مصالحها متكاملة وعلينا ان نعمل لعودة هذا الشعور وهذا الوعى .
|
|
 
|
|
|
|
مركز الخاتم عدلان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست