|
Re: اوراق الخريف ....الى روح صديقى محى الدين الزين (Re: محمد عبد الرحيم جمعة)
|
عرفته فى أواخر العام 1989, أو أوائل 1990. كان هناك ذلك الشئ البديع الذى إخترعه دكتور زهير حسن بابكر, والذى كان مديراً لدار النشر جامعة الخرطوم, أى معرض المليون كتاب. كان تنادياً جميلاً لا مثيل له فى الخرطوم التى كانت تحبو إلى داخل نفق الإنقاذ المظلم. كانت ذاكرة الخوف هى ما بات يتغلغل فى نفوس الناس, ضاقت حتى البيوت بزفرات الخوف والوجع, فكانت تلك المساحة الواقعة بين داخلية البنات, الدراسات العليا, ومكتب القبول براحاً لبصيص الحرية, والإنعتاق من سلطة الدولة الغاشمة. كان المعرض ذاخراً بشتى أنواع الكتب, وكان ضيق ذات اليد يجعل من المكان مكاناً "للمغصة" و"الكيّة" فقط إذ لا قبل لنا بإسعار الكتب الباهظة. لكن ما جعل من ذلك المكان رئة, ومتنفساً هو أنه كان يستضيف ركناً صغيراً فى الجانب الغربى من كلية الدراسات العليا, والجانب الجنوبى لقاعة الشارقة, وكان هذا المكان صالة دائمة للفنون, (غاليرى) مفتوح تعاقب على العرض به كل التشكيلين وقتها, وكان ايضاً ملاذاً للفنانيين التشكيليين, ولمحبى الفنون, ولطالما أوت (نيماته) الظليلة تلك الأجساد الهزيلة غالباً, والشعور المنكوشة, والحقائب المليئة بالألوان والبوص والقواطع.... كان جسد محى الضئيل يحتل له حيزاً فى ذلك المكان الجميل. هناك يا سلمى, قدمنى عبد الواحد وراق لهذا الشاب النحيل ذو الشعر الغزير, والإبتسامة الجزلة. هناك إلتقيت بجاه الله, صلاح سليمان, سيف الدين اللعوتة, أحمد المرضى, الطاهر بشرى, عبد الغنى, والكثيرين الذين عبأونى بألق اللون, برائحة الحب والإنتماء التى تنثال من الخطوط ومن ألواح (السلك سكرين).
آه يا سلمى, أنا موجوع يا حبيبة, ليس بمحى وحده فقط, بل برتل الراحلين الأحباء, الملوحين بإيديهم وقلوبهم , المحفزين لفيض الذكريات, الذكريات يا سلمى, أنصال الوجع والألم, زعاف الأسى والحزن. آه يا سلمى, أحكى لى عن سنواتكم هناك, عن الطاهر بشرى, عن الباقر موسى, عن عادل عبد الرحمن, عن وليد المنسى, عن وعن وعن يا سلمى, عن قلوبنا المبعثرة فى الهناك, عن وجيبنا الذى حملته رياح المسافات. احكى لى عن تلك السيارة الصغيرة الحمراء, عن الأمكان المنبعجة, والدافئة التى تركها جسد محى الضئيل على الأرائك والمخادع التى كان ينهض عنها خفيفاً, وفى عينيه بقايا الحلم والتوثب. قولى يا سلمى.
(عدل بواسطة عبدالله شمس الدين مصطفى on 10-17-2011, 08:32 PM)
|
|
|
|
|
|